أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"العهدة الخامسة":

هل يتدخل الجيش بعد أزمة الاحتجاجات في الجزائر؟

26 فبراير، 2019


كشف تفجر الاحتجاجات الشعبية في الجزائر عقب الإعلان عن ترشح الرئيس الجزائري "عبدالعزيز بوتفليقة" لفترة رئاسية جديدة، عن حالة الاضطراب التي تهيمن على المشهد السياسي الجزائري، إذ ترفض التيارات المعارضة ترشح "بوتفليقة" بسبب تردي حالته الصحية التي لن تُمكِّنه من أداء مهام المنصب الرئاسي وفقًا لرؤيتهم، في مقابل استمرار دعم النخب السياسية ضمن الموالاة لبقائه في السلطة لعدم وجود بدائل سياسية تحظى بالتأييد الشعبي. وقد يؤدي استمرار الاحتجاجات وتصاعد وتيرتها إلى تدخل المؤسسة العسكرية لاحتواء تهديدات الأمن والاستقرار، وهو ما قد ينطوي على مسارات بديلة لخفض حدة الاحتقان والاستقطاب الراهن، مثل تفعيل المادة 102 من الدستور حول ترتيبات السلطة في حال وجود ما يمنع الرئيس صحيًّا من ممارسة صلاحيات منصبه.

احتجاجات "العهدة الخامسة":

تصاعدت الاحتجاجات في الجزائر، في 22 فبراير 2019، تلبية لدعوات مجهولة انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، تدعو للخروج في مسيرات سلمية عقب صلاة الجمعة، للتعبير عن رفض ترشح الرئيس "بوتفليقة" في الانتخابات لتولي عهدة رئاسية خامسة، وخلافًا لكل التوقعات المتشائمة التي كانت تُرجِّح اتجاه التظاهرات إلى العنف والفوضى فقد اتسمت هذه الاحتجاجات بالطابع السلمي.

وغابت الشعارات الحزبية عن هذه الاحتجاجات في ظل انشغال الأحزاب بمشاكلها الداخلية، إذ تركزت الشعارات في التنديد بالعهدة الخامسة، ومنظومة الحكم الحالية خاصةً رئيس الجمهورية "عبدالعزيز بوتفليقة"، وشقيق الرئيس ومستشاره الخاص "سعيد بوتفليقة".

وفي هذا الإطار، تعاملت أجهزة الأمن مع الاحتجاجات باحترافية، وامتنعت عن استخدام القوة، وهو ما قد يرجع إلى الرغبة في تفادي الفوضى العارمة التي قد تنجم عن القمع، أو ربما للرغبة في التخلص من بعض مراكز القوى التي باتت تُشكِّل عبئًا ثقيلًا على النظام.

من يخلف الرئيس؟

لم يكن قرار الرئيس "بوتفليقة" بالترشح لعهدة رئاسية خامسة مفاجئًا، فالساحة السياسية الجزائرية منذ عام 4201 لم يطرأ عليها أي تغيير يُتيح إيجاد بديل لـ"بوتفليقة"، كما قامت النخبة المحيطة بالرئيس بالتمهيد لهذه الولاية الجديدة، بدءًا من إحالة مدير المخابرات الفريق "محمد مدين" للتقاعد عام 2015، والتواصل مع الدول الغربية للحصول على دعمها. 

ولم تتمكّن النخبة الحاكمة من الوصول إلى توافق بشأن البديل الملائم للرئيس "بوتفليقة"، حيث إن البدائل المطروحة لم تحظَ بإجماع "أهل الحل والعقد". بالإضافة إلى افتقاد الجيل الجديد من السياسيين من النخبة المحيطة بالرئيس للشعبية، فعادةً ما يستمدّ مرشحو النظام شرعيتهم من مشاركتهم في "حرب التحرير"، ومن ثمّ يحتاج مرشحو الجيل الجديد إلى "شرعية بديلة".

ويواجه سيناريو "العهدة الخامسة" عدة تحديات، لعل من أبرزها: الوضع الصحي للرئيس "بوتفليقة"، حيث ينص الدستور على ضرورة تقديم شهادة صحية بوضع المرشح، بيد أن هذا العائق يمكن تجاوزه بسهولة في ظل تغاضي أجهزة الدولة عنه، وقوة النخبة المحيطة بالرئيس مقارنة بباقي النخب المدنية والعسكرية، وهو ما اتضح في "قضية الكوكايين" التي تفجرت في ربيع 2018، وترتب عليها تطهير واسع في صفوف النخب المدنية والعسكرية. 

ويتخوف البعض من أن إعادة الرئيس "بوتفليقة" لعهدة خامسة في ظل ظروفه الصحية الحالية سيؤدي إلى تمكن القوى غير الدستورية من السيطرة على الحكم، فبعد مرض الرئيس "بوتفليقة" في عام 2013 شهدت الساحة الجزائرية صعودًا سريعًا لبعض السياسيين المحيطين بالرئيس والذين أصبح لهم دور في النظام السياسي الجزائري، ومنهم شقيق الرئيس الأصغر ومستشاره الخاص "سعيد بوتفليقة"، الذي تحول إلى فاعل رئيسي في المشهد السياسي الجزائري.

ويبدو أن الإصرار على تمرير مشروع "العهدة الخامسة" رغم وجود بعض المعارضة في الشارع الجزائري، يرجع إلى عدم وجود ترتيبات كافية لمرحلة ما "بعد بوتفليقة"، وتخوف مراكز القوى الحالية من تغير التوازنات داخل النظام السياسي دون وجود استعداد كافٍ من قبلهم.

موقف النخبة العسكرية:

على الرغم من تأييد رئيس أركان الجيش لسيناريو العهدة الخامسة للرئيس "بوتفليقة"؛ إلا أن خروج الآلاف من الجزائريين في مسيرات حاشدة، في 22 فبراير 2019، معبرين عن رفضهم لترشح "بوتفليقة"؛ ربما يؤدي إلى قيام المؤسسة العسكرية بإعادة النظر في خياراتها حفاظًا على الاستقرار، فقد أربكت هذه التظاهرات النخبة الحاكمة، حيث قام بعضهم بعقد اجتماعات مغلقة لإيجاد مخرج لهذا الوضع المتوتر.

وتتجه الأنظار حاليًّا إلى قيادة الجيش، إذ تصاعدت التساؤلات حول موقف النخبة العسكرية من "العهدة الخامسة"، وإمكانية وجود خطة بديلة لدى المؤسسة العسكرية لترتيبات خلافة الرئيس، ومدى القبول الذي قد تحظى به مثل هذه الخطة من قبل النخبة المحيطة بالرئيس "بوتفليقة". 

وتشير بعض التحليلات إلى أنه في ضوء الانقسام المجتمعي الحالي حول الانتخابات الرئاسية القادمة ربما تقوم قيادة الجيش باللجوء إلى الدستور لتفعيل المادة 102 التي تنص على أن منصب رئيس الجمهورية يُعتبر شاغرًا في حالة وجود مانع صحي يحول دون أدائه مهامه الدستورية، وبعد أن يتم التأكد من حقيقة هذا المانع بكافة الوسائل المتاحة، يجتمع المجلس الدستوري ليبلغ البرلمان بثبوت المانع، وتشير المادة في باقي فقراتها إلى أن رئيس مجلس الأمة يتولى رئاسة الدولة بالنيابة لمدة لا تزيد عن 45 يومًا بعد إعلان البرلمان ثبوت المانع، وفي حالة استمرار مرض الرئيس يتم تنظيم انتخابات رئاسية جديدة بعد 90 يومًا.

الدعم الفرنسي لبوتفليقة:

تصاعد اهتمام بعض الدول الغربية، وعلى رأسها فرنسا، بما يجري في الجزائر، ولا سيما بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية المنددة بترشح الرئيس "بوتفليقة" لعهدة رئاسية خامسة، حيث تتخوف هذه الدول من وجود انقسامات داخلية حول هذا الأمر، وهو ما يهدد الاستقرار الجزائري وبالتبعية مصالح فرنسا داخلها، ولا شك أن باريس تدرس حاليًّا الخيارات والسيناريوهات المختلفة للاستعداد لكافة الاحتمالات. 

وفي هذا الإطار، يمكن الإشارة إلى أن غالبية الدول الأوروبية لم تعترض على العهدة الخامسة للرئيس المنتهية ولايته، وهو ما أكده مدير حملة الرئيس بوتفليقة "عبدالملك سلال" في تجمع شعبي بتاريخ 14 فبراير 2019، كما أفادت بعض التقارير الصحفية بأن باريس لا تعارض العهدة الخامسة للرئيس "بوتفليقة"، ولكنها تتمسك بمطلب تعديل الدستور واستحداث منصب لنائب رئيس الجمهورية. 

وتؤكد هذه التقارير أن القبول الفرنسي لسيناريو العهدة الخامسة جاء بعد مباحثات بين النخبة المحيطة بالرئيس ومسئولين في الإليزيه، بالتوازي مع المفاوضات التي أجراها السفير الفرنسي في الجزائر "كزافييه دريانكورت" مع بعض المسئولين الجزائريين منذ يناير 2019 بغية الوصول إلى اتفاق يدعم مصالح فرنسا في الجزائر، ويتيح -في الوقت نفسه- للنخبة الحاكمة التأكد من دعم باريس للعهدة الرئاسية الخامسة، ومشاركتها في حل أزمة خلافة "بوتفليقة" عبر تعديل دستوري يتم من خلاله استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية، وهو ما تضمنه خطاب الرئيس للجزائريين في إطار إعلان ترشحه لفترة جديدة، حيث أعلن عن وجود إصلاحات دستورية مرتقبة.