أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استنساخ الفوضى:

لماذا تتعثر حكومات "الإنقاذ الوطني" في المنطقة العربية؟

26 فبراير، 2018


يتصاعد الحديث في المنطقة العربية، بين الحين والآخر، حول دعوة أفراد أو حركات سياسية أو جماعات مسلحة أو حتى تنظيمات متطرفة لتشكيل ما يطلق عليه حكومة إنقاذ وطني، للتعامل مع أزمات سياسية قائمة أو تحديات اقتصادية ملحة أو تهديدات أمنية حادة أو أوضاع إقليمية ضاغطة، وخاصة في مرحلة ما بعد الثورات الشعبية أو الصراعات الداخلية، التي شهدت فوضى ممتدة أو استقرارًا هشًا لدرجة تعبر عن انفصال أجزاء من هذه الدولة أو تلك من جانب واحد.

غير أن هذه الحكومات في المنطقة لم تنجح في التعامل مع التحديات التي واجهتها، لعدد من الأسباب تتمثل في تعزيز الانقسام الداخلي، وانتشار نمط السلطة ذات الرؤوس المتصارعة، ومحاولة تغيير الصورة الذهنية عن التنظيمات المتطرفة، وعدم الانسجام بين الجماعات السياسية والتيارات الفكرية المختلفة، والاقتصار على إدارة أقاليم جغرافية محددة، وإحكام السيطرة على إدارة الخدمات في المناطق المحررة، وترسيخ بقاء الميلشيات المسلحة في السلطة. 

أنماط مختلفة:

لا يوجد توافق مستقر في الأدبيات السياسية حول ماهية حكومة الإنقاذ الوطني، بل تتباين وفقًا لكل حالة على حدة. فهناك اتجاه يرى أنها نتاج ائتلاف حكومي بين أحزاب سياسية نتيجة فشل حزب ما في الحصول على الأغلبية في الانتخابات البرلمانية بحيث تمثل الحكومة توافقًا بين مكونات سياسية متنوعة وتيارات فكرية مختلفة. في حين أن هناك اتجاهًا آخر يرى أن حكومة الإنقاذ الوطني تتألف من شخصيات عامة وطنية مستقلة، يتم التوافق عليها من القوى السياسية والتكوينات الاجتماعية، ولا تخضع لاشتراطات المحاصصة الطائفية.

غير أن الخبرة العملية تشير إلى أن هذا النمط من حكومات الإنقاذ الوطني قاد إلى التأزم أكثر مما وفر من إنقاذ، سواء في الأراضي الفلسطينية أو سوريا أو ليبيا أو اليمن، طبقًا لاختلاف السياق الحاكم لكل حالة على حدة. ويمكن القول إن هناك مجموعة من العوامل التي تفسر فشل تكوين أو تعثر أداء حكومات الإنقاذ الوطني في المنطقة العربية، هى:

أجنحة التشدد:

1- تعزيز الانقسام الداخلي: وهو ما يعبر عنه توجه سائد لدى جناح داخل حركة "حماس" في الأراضي الفلسطينية بدعوته لتكوين حكومة إنقاذ وطني، في حين يقابله رأى آخر يطالب بعدم عودة الحركة إلى إدارة قطاع غزة نظرًا لرفض بعض الفصائل الفلسطينية لها. ولعل الخبرة الحمساوية الماضية في تشكيل هذا النمط من الحكومات تعكس ذلك، وهو ما يحاول البعض إعادة إحيائه من جديد، لا سيما أن ثمة نقاشًا واسعًا حول مستقبل قطاع غزة، في ظل تفاقم الأزمات وانسداد أفق المصالحة، وتراجع الدعم المالي لها.

فقد دعا رئيس كتلة "حماس" البرلمانية محمود الزهار، خلال جلسة لكتلة الحركة في غزة في 21 فبراير 2018، إلى تشكيل حكومة إنقاذ وطني في قطاع غزة، على نحو ينفي صفة الشرعية عن حكومة التوافق الفلسطينية التي يقودها رامي الحمد الله. وقد اقترح الزهار على كافة أعضاء المجلس التشريعي من الكتل والقوائم عقد جلسة لمناقشة تشكيل الحكومة الجديدة وآلية عملها. كما طالب الزهار النائب العام الفلسطيني بفتح تحقيق رسمي بشأن اتهامات بالفساد لأعضاء حكومة الحمد الله لأنها "لم تمنح الثقة من المجلس التشريعي وفقًا للقانون الأساسي الفلسطيني وبنود اتفاق الفصائل الفلسطينية".

على الجانب الآخر، قال المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية يوسف المحمود أن "الحكومة تعتبر الأقوال الأخيرة التي أدلى بها الزهار فجورًا وطنيًا، وهى غير مسئولة وتثبت روح العداء المتأصلة ضد شعبنا وقيادته لدى بعض الأفراد الذين ينتمون إلى حماس"، وأضاف المحمود أن "الذي يجب أن يحاسب ويخضع للمحاكمة والتحقيق هو من يدمر ويخرب المصالحة الوطنية، ومن يخطف مستقبل أبناء شعبه، ومن يثير مثل تلك النعرات ويهدد نسيج أبناء شعبنا عبر أقواله اللامسئولة". ويعكس التلاسن بين "حماس" والحكومة الفلسطينية المدى الذي وصل إليه تدهور العلاقات بين الجانبين، وصعوبة تحقيق التوافق في غزة.

السيادة المتعددة:

2- انتشار نمط السلطة ذات الرؤوس المتصارعة: على غرار ما يحدث في ليبيا وسوريا. فهناك ثلاث حكومات تتصارع على حكم ليبيا بعد انهيار نظام القذافي، وتسعى لنيل الشرعية المحلية والدولية. الحكومة الأولى، هى حكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في 23 فبراير 2016 وتحظى بدعم الأمم المتحدة، ويترأسها فائز السراج، ويقع مقرها في طرابلس، ويراهن عليها المجتمع الدولي في مواجهة الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة، لا سيما الإتجار بالبشر. والحكومة الثانية، هى حكومة الإنقاذ التي شكلها المؤتمر الوطني العام في أغسطس 2014، ومقرها في طرابلس أيضًا، ويترأسها خليفة الغويل، ولم تنل الاعتراف الدولي.

وقد نجحت هذه الحكومة في السيطرة الميدانية على مناطق من غرب وجنوب ليبيا خلال عام 2015، وتحظى بدعم "مجلس شورى ثوار بنغازي" وتتصارع مع قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. ورغم إعلان حكومة الإنقاذ الليبية، في 5 إبريل 2016، تخليها عن السلطة وافساح المجال لحكومة الوفاق لتسلم الحكم، إلا أن عددًا من أعضاء المؤتمر الوطني والحكومة سيطروا على بعض مقرات المجلس الأعلى للدولة في العاصمة، في 14 أكتوبر 2016، وعادت حكومة الإنقاذ لواجهة التفاعلات الليبية.

وفي مرحلة لاحقة، دعا الغويل في بيان إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية مع الحكومة المؤقتة "الثالثة" التي يترأسها عبدالله الثني (وتتخذ من مدينة البيضاء شرق ليبيا مقرًا لها) في إطار حوار ليبي ودون وساطة خارجية. وتحظى الحكومة المؤقتة (التي يطلق عليها حكومة طبرق) بدعم الجيش الوطني الليبي.

وفيما يخص الحالة السورية، بات لقوى المعارضة المسلحة الثورية حكومتان تعملان معًا، وهما حكومة الإنقاذ التي يترأسها محمد الشيخ، والحكومة المؤقتة التي يترأسها جواد أبوحطب المدعومة من "الائتلاف السوري لقوى الثورة والمعارضة"، وتتخذان من ريف حلب الشمالي مقرًا لهما. وبرز بينهما صراع نفوذ خلال الأشهر الثلاثة الماضية، كما وجهت انتقادات لحكومة الإنقاذ بأنها تهدف إلى تقسيم سوريا إلى حكومات محلية.

تلميع "النصرة":

3- محاولة تغيير الصورة الذهنية عن التنظيمات الإرهابية: إذ أن الهدف من تشكيل ما أطلق عليه "حكومة الإنقاذ" في شمال سوريا، في أول نوفمبر 2017، هو تحسين صورة "هيئة تحرير الشام" أو إظهار "جبهة النصرة" في إطار معتدل حتى لا توصف بأنها جماعة إرهابية. وفي هذا السياق، تزايدت التصريحات الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة التي تعكس رفضها "التعاون أو التعامل مع أى حكومة لها علاقة بالإرهاب من قريب أو بعيد وسواء كانوا أشخاص أو جماعات".

كتل هجينة:

4- عدم الانسجام بين الجماعات السياسية والتيارات الفكرية المختلفة: وهو ما تعكسه الانقسامات الداخلية في صفوف الفصائل المسلحة السورية والتناقضات الواضحة في التوجهات الحاكمة والسياسات العامة، على نحو يعيق التعاون والتنسيق بين أعضاء هذا النمط من الحكومات، على الرغم من أن أحد أهداف بعض تلك الحكومات هو تقليص الفجوات بين الفصائل والحركات المسيطرة على الأرض وتوحيد القرار في المناطق المحررة مثلاً.

وهنا، قال العقيد رياض الأسعد نائب رئيس حكومة الإنقاذ لشئون الدفاع في الشمال السوري، في 3 نوفمبر 2017، أنه "سيعمل على جمع كل الفصائل لتكون تحت راية واحدة بعد حل نفسها"، وأضاف: "آلاف المقاتلين في تحرير الشام هم أولادنا ولابد من التواصل معهم كما مع جميع الفصائل". ورغم ذلك، لم تنجح حكومة الإنقاذ في ترسيخ فكرة الدولة في الشمال السوري، إذ لم تتشكل بإرادة شعبية بل تحظى بقبول تركي. وقد أثيرت تساؤلات بشأن قدرة حكومة الإنقاذ على تمرير قراراتها على فصائل درع الفرات المشكلة من جماعات معادية لـ"هيئة تحرير الشام"، وعلى مناطق ريف حلب الشمالي الخاضع بشكل أو بآخر للقرارات التركية.

مناطقية الحكم:

5- الاقتصار على إدارة أقاليم جغرافية محددة: الأمر الذي ينطبق على حكومة الإنقاذ في أحد المناطق داخل طرابلس، وحكومة الإنقاذ في شمال سوريا، بحيث تدير هذه الحكومة أو تلك منطقة معينة دون غيرها من المناطق، على الرغم من تصريحات محمد الشيخ رئيس حكومة الإنقاذ بشمال سوريا التي أشار فيها إلى أن "حكومة الإنقاذ تمثل الشعب السوري والداخل السوري والقرار السوري"، وهو ما يتناقض مع التفاعلات الجارية على الأرض.

الاحتكار الخدمي:

6- إحكام السيطرة على إدارة الخدمات في المناطق المحررة: حاول أعضاء "هيئة تحرير الشام" داخل حكومة الإنقاذ السيطرة على الهيئات المدنية المنتخبة في محافظة إدلب بشمال سوريا، والحد من صلاحيات المجالس المحلية، بعدما أعلنت تشكيل الإدارة المدنية للخدمات، واستولت على إدارة مجلس مدينة إدلب. ويأتي ذلك في ظل تواجد حكومة جواد أبوحطب في معظم مناطق الشمال السوري من درعا وصولاً إلى ريف حلب الشرقي، حيث تشرف على وزارات خدمية.

وقد أدى تشكيل حكومة الإنقاذ في شمال سوريا إلى تشتيت العمل الخدمي والمؤسساتي والسياسي، باعتبار أن معظم الدول لا تعترف إلا بحكومة واحدة، وهو ما يضعف من أسهمها ويزيد من شرعية حكومة الأسد، طبقًا لاتجاهات عديدة، لا سيما بعد فشل دمج الحكومتين (أى حكومة الإنقاذ والحكومة السورية المؤقتة في جسم واحد) عبر "مبادرة أبناء سوريا" التي طرحتها عدة شخصيات في الشمال السوري.

ففي 8 ديسمبر 2017، أصدرت وزارة الإدارة المحلية والخدمات في حكومة الإنقاذ، قرارًا بحل المجلس المحلي لمدينة أريحا، والإعلان عن تشكيل مجلس جديد باعتباره الجهة الوحيدة الممثلة للمدينة، وهو ما رفضه المجلس المنحل، باعتبار أن شرعيته مستمدة من أهالي المدينة، على نحو أثار مخاوف لدى بقية المجالس المحلية في المحافظة من المصير نفسه. كما أصدرت الوزارات الخدمية التابعة لحكومة الإنقاذ قرارات تتعلق بإلزام الصيدليات وأصحاب المستودعات الطبية بالحصول على ترخيص من مديريات الصحة التابعة للإنقاذ تحت طائلة فرض عقوبات بحق المخالفين كإغلاق محلاتهم ومصادرة محتوياتها.

كذلك أصدرت حكومة الإنقاذ قرارًا بضم جامعة حلب الحرة إلى مجلس التعليم العالي التابع لها، بما أثار موجة احتجاجات من قبل طلبة الجامعة. فضلاً عن ذلك، وزعت حكومة الإنقاذ تعميمًا على المجالس المحلية بأنها الجهة الوحيدة المسئولة عن الممتلكات والمنشآت العامة، وطالبت بإزالة التعديات تحت طائلة المساءلة القانونية. كما وجهت حكومة الإنقاذ بيانًا، في 12 ديسمبر 2017، تنذر فيه الحكومة السورية المؤقتة بإغلاق كافة المكاتب التابعة لها في المناطق المحررة وإخلاء جميع المقتنيات الشخصية خلال مدة 72 ساعة من تاريخ التبليغ.

ولم يكن ذلك محض صدفة، حيث قال العقيد رياض الأسعد، في 3 نوفمبر الماضي: "وظيفة حكومة الإنقاذ حاليًا هى إدارة المناطق الشمالية، ونسعى لإدارة كل المناطق المحررة في سوريا، ونعمل كى تكون ملبية لكل إرادات الشعب". غير أن الحكومة تعثرت في إدارة الملفات الخدمية بتلك المناطق، وقاد ذلك إلى عدم تعاون المنظمات الخيرية مع حكومة الإنقاذ، بما أدى إلى تقلص المساعدات للشعب السوري في تلك المنطقة، إذ تركز نشاط حكومة الإنقاذ على الفعاليات التي تحدث في مناطق سيطرة "هيئة تحرير الشام"، واقتصر التعامل مع الحكومة السورية المؤقتة رغم تقلص نفوذها النسبي.

مأسسة الميلشيا:

7- ترسيخ بقاء الميلشيات المسلحة في السلطة: وهو ما يعبر عنه تشكيل الحوثيين وحزب المؤتمر، في 28 نوفمبر 2016، "حكومة إنقاذ وطني" برئاسة محافظ عدن السابق عبدالعزيز بن حبتور لتدير تلك الحكومة المحافظات الخاضعة لسيطرتهم وعلى رأسها العاصمة صنعاء.

وقد جاء هذا التصور لدى الحوثيين بعد تعثر اللجان الثورية التابعة لهم في القيام بمهام إدارة البلاد، ورغبتهم في فرض حكومة الأمر الواقع في صنعاء، عبر تقاسم الحقائب الوزارية بالتساوي بواقع 14 حقيبة لكل طرف. غير أن حكومة الإنقاذ لم تتمكن من الوفاء بالتزاماتها ووعودها بتوفير الرواتب لموظفي الدولة وإيجاد منافذ أخرى للإيرادات، على نحو ساهم في ازدياد معاناة المواطن وعدم التغلب على أزمة السيولة النقدية.

خلاصة القول، إن حكومات الإنقاذ في المنطقة تعكس استنساخًا للفوضى أكثر مما ترمي إلى تحقيق الاستقرار، بل تساهم في نسف عملية السلام المتعثرة وتنذر بصراع طويل الأمد بعد تعدد السيطرة على مقرات الحكم، والتسلح بقدرات أشباه الجيوش النظامية، والاستحواذ على موارد اقتصادية، وامتلاك أذرع إعلامية، بما رسخ لنمط أقرب إلى "الحكومات المحلية" الصغيرة في المنطقة العربية، ولكنها غير قادرة على تلبية الاحتياجات المجتمعية أو الحصول على الشرعية السياسية لفترات طويلة.