أكد وزير الدفاع الإيراني، محمد آشتياني، في 21 يوليو 2023، عدم تنفيذ عقد شراء مقاتلات "سوخوي – 35" من روسيا، وهو ما يتناقض مع التصريحات المتواترة الصادرة عن المسؤولين الإيرانيين، منذ نهاية العام الماضي، وحتى النصف الأول من العام الجاري، والتي أكدت جميعها أن إيران أتمت شراء المقاتلة، وأنها على وشك تسلمها.
الجدل حول المقاتلة الروسية:
يلاحظ أن الأخبار التي تحدثت حول إقدام إيران على شراء المقاتلة الروسية "سو – 35" بدأت منذ العام 2021، ويمكن تفصيل ذلك على النحو التالي:
1- إبرام صفقة مع موسكو: أعلنت إيران، في مارس 2023، عن إبرامها عقداً مع روسيا لشراء مقاتلات من طراز "سو – 35"، وأشارت وكالة "إرنا" إلى أنه تم إبرام العقد بعد رفع الحظر الذي فرضته الأمم المتحدة على شراء الأسلحة التقليدية في أكتوبر 2020، وذلك دون تحديد موعده بدقة. وزعمت وكالة مهر الإيرانية للأنباء، في منتصف مايو 2023، أنه من المتوقع أن تتسلم طهران الدفعة الأولى من المقاتلة الروسية في الأسبوع المقبل، غير أن الشهر انقضى دون أن تعلن طهران عن تسلمها لأي مقاتلات.
2- ترجيحات غربية قديمة: يلاحظ أن الحديث عن حصول طهران على صفقة مقاتلات "سو – 35" تصاعد بعد الحديث عن تعثر تنفيذ الاتفاق بين روسيا ومصر حول نفس المقاتلة، إذ زعمت مصادر إخبارية مختلفة أن مصر تسلمت 5 مقاتلات من هذا الطراز، ورفضت تسلم الباقي لمشكلات فنية، بينما أشار معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام "سيبري"، في 2022، إلى أن مصر لم تتسلم أي مقاتلة من هذا الطراز، وهو ما يرجع إلى وجود ضغوط أمريكية قوية على القاهرة، خاصة وأن ذلك تزامن مع عرض واشنطن على مصر شراء المقاتلة الأمريكية "أف – 15"، غير أن مصر لم تتعاقد على شراء المقاتلة الأمريكية كذلك.
3- مجسم إيراني للمقاتلة الروسية: رصدت الأقمار الاصطناعية الأمريكية، في 7 فبراير 2023، مجسماً يشبه مقاتلات "سو – 35" الروسية بالقرب من قاعدة "عقاب 44"، وهي القاعدة العسكرية التي شيدتها إيران تحت الأرض. ويلاحظ أن إيران سعت من ذلك إلى إرسال رسالة بأن قاعدتها الجديدة سوف تستضيف المقاتلة الروسية. ورأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن إيران تحاول استخدام مجسم بأبعاد المقاتلة الروسية للتأكد من إمكانية مرورها داخل الأنفاق الموجودة تحت الأرض، وذلك لضمان تمركزها في القاعدة الجديدة.
4- مقاتلة تتمتع بمواصفات قوية: يعتقد أن المقاتلة الروسية من طراز "سو – 35" قادرة على رصد مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية من طراز "أف – 35"، بل إنه في واقعة حدثت في إبريل 2022، اعترضت مقاتلة روسية من طراز "سو – 30 أس أم" مقاتلة "أف – 35"، كان يقودها طيار إيطالي فوق بحر البلطيق، وكان من الغريب ليس اقتراب المقاتلة الروسية من نظيرتها الأمريكية بمسافة غير آمنة، وهي ممارسة يعتادها الطيارون الروس، ولكن أن رادارات المقاتلة الأمريكية لم تستطع رصد المقاتلة الروسية، حتى فوجئ بها الطيار، وهي قريبة منه، وهو ما يرجع إلى توظيف روسيا للحرب الإلكترونية ضد المقاتلة الأمريكية. ونظراً لأن المقاتلة الروسية من طراز "سو – 35" هي طراز أحدث من "سو – 30 أس أم"، فإن المقاتلة قد تفرض تهديداً جدياً للمقاتلات الأمريكية من هذا الطراز.
حسابات روسية معقدة:
يمكن التوصل إلى عدد من الاستنتاجات من مراجعة التصريحات الإيرانية، وكذلك الجدل الدائر حول صفقة "سو – 35"، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- تضارب التصريحات الإيرانية: يلاحظ أن الحديث عن اتجاه إيران لشراء المقاتلة "سو – 35" جاء متناقضاً ومتضارباً، فقد صرّح شهريار حيدري، العضو البارز في لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية بالبرلمان، لوكالة تسنيم للأنباء في 15 يناير 2023، بأن طائرات مقاتلة روسية متقدمة ستصل إلى إيران "مطلع العام الإيراني المقبل"، والذي يبدأ، في 21 مارس 2023، وهو ما يؤشر إلى وجود اتفاق سابق بين البلدين لم يعلن عنه، وأن موسكو تتجه إلى تسليم طهران هذه المقاتلات، غير أن إيران أعلنت في مارس 2023، أنها أبرمت اتفاقاً مع روسيا لشراء المقاتلة "سو – 35"، وهو ما يعني أن تصريحات حيدري كانت كاذبة.
2- تأكيد أحادي الجانب: تجدر الإشارة إلى أن كل المعلومات التي تم نشرها حول شراء إيران لمقاتلة "سو – 35" جاءت إما من مصادر إيرانية، أو في صورة تكهنات غربية، في حين أن روسيا لم تعلن بشكل رسمي إبرامها للصفقة مع إيران. أما وسائل الإعلام الروسية الناطقة بالعربية، مثل "روسيا اليوم"، فاكتفت بنقل الأخبار المتداولة عن الموضوع من الصحافة الإيرانية، دون تأكيد أو نفي الخبر.
3- تصريحات مجهلة: تجدر الإشارة إلى أن جانباً كبيراً من الأخبار التي انتشرت حول هذا الموضوع في وسائل الإعلام الإيرانية جاءت مجهلة، أي دون الإشارة إلى أي مصدر، أو أنهاء جاءت من جانب مسؤولين غير عسكريين في أغلبهم، مثل حيدري، وهو أمر مستغرب بالنظر إلى أنه كان من المتصور أن يتم الإعلان عن الصفقة من جانب مسؤولين عسكريين.
أما التصريحات التي صدرت من جانب العسكريين الإيرانيين، مثل تصريح قائد القوة الجوية في الجيش الإيراني العميد حميد واحدي، في سبتمبر 2022، فقد أكدت أن بلاده تعمل على شراء "سو – 35"، وذلك دون تقديم مزيد من التفاصيل، وهو ما يرجح أن أغلب التصريحات الصادرة في هذا الإطار جاءت لأغراض الدعاية، خاصة وأن إيران تعمد، من فترة لأخرى، إلى نشر أخبار غير صحيحة، أو المبالغة في تصوير قدراتها العسكرية.
4- تبرير إيراني قاصر: بررت إيران عدم نجاح صفقة المقاتلة "سو – 35" مع روسيا إلى تمسكها بطلب نقل الجانب الروسي لتكنولوجيا إنتاج أجزاء من تلك المقاتلات لإيران، كي تتمكن الأخيرة من إنتاجها في السنوات المقبلة، وهو ما قوبل بالرفض من الجانب الروسي، بالإضافة إلي إشارة بعض المصادر إلى رفض روسيا توفير أجهزة محاكاة لـ"سو – 35"، وطائرة مقاتلة متعددة المهام من طراز "سو – 30 أس أم إي 2" ذات المقعدين، وفي ظل عدم توصل الجانبين لحل هذه النقاط الخلافية عارضت هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية شراء تلك الطائرات المقاتلة متعددة المهام.
ولا تبدو هذه الحجج مقنعة، نظراً لتهالك سلاح الجو الإيراني، والذي يعتمد على مقاتلات أمريكية الصنع تحتاج إلى الصيانة والإصلاح، وكذلك مقاتلات سوفيتية حصلت عليها إيران في أوائل التسعينيات من القرن العشرين، أي قبل حوالي ثلاثين عاماً، وبالتالي، فإن إيران في حاجة ماسة لاقتناء مقاتلات متقدمة، حتى وإن رفضت موسكو التعاون المشترك في إنتاج بعض مكوناتها، وهو ما أكده قائد القوات الجوية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، حميد واحدي، في يونيو 2023، حيث أشار إلى أن "القوات الجوية تحتاج إلى طائرات نفاثة متقدمة لتجديد أسطولها القديم من الطائرات المقاتلة".
5- استثمار غربي واضح: اتجهت وسائل الإعلام الغربية للتحذير من خطر التعاون العسكري الإيراني الروسي، بعد كشف الولايات المتحدة عن تصدير إيران لطائرات مسيرة من طراز "شاهد 131" و"شاهد 136" و"المهاجر 6" إلى روسيا، وهو ما نفته الأخيرة مؤكدة أن الطائرات المسيرة التي تستخدمها ضد أوكرانيا هي "جيران 1"، وليس "شاهد".
وسعت وسائل الإعلام الغربية لتأكيد أن هناك شراكة استراتيجية قد تنشأ بين روسيا وإيران قد تفضي في النهاية إلى تعزيز التعاون العسكري بين الجانبين، وأن إيران قد تحصل، في المقابل، من روسيا على المقاتلة الروسية "سو – 35"، وهو ما يفرض تهديداً على أمن دول الخليج العربية. وكان لسان حال هذه الوسائل أن الولايات المتحدة ودول الخليج العربية يجب أن يكونا في تحالف مشترك ضد التحالف الروسي الإيراني الناشئ.
6- مراعاة موسكو مصالح الخليج: رفض الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عام 2019، طلب إيران إمدادها بمنظومة الدفاع الجوي الروسية من طراز "أس – 400"، وذلك على الرغم من إقدامها على تصدير المنظومة إلى دول أخرى، على غرار تركيا، وذلك نظراً لأن موسكو تسعى إلى الحفاظ على علاقاتها الجيدة مع دول الخليج العربية، وعدم الإخلال بالتوازن العسكري القائم في المنطقة لصالح إيران، خاصة وأن روسيا ودول الخليج العربية ينسقون معاً لضبط أسعار النفط عالمياً من خلال اتفاق "أوبك بلس".
وتدرك روسيا أهمية دور دول الخليج العربية، فقد صرح وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، في 16 يونيو 2023، بأن الغرب مارس ضغوطاً على دول الخليج كي تنضم إلى العقوبات ضد روسيا، إلا أن هذه الضغوط لم تحقق نتائج، وهو ما يعكس إدراكاً روسياً لأهمية الحفاظ على العلاقات مع دول الخليج العربية.
وتأكد الحرص الروسي على العلاقات مع دول الخليج العربية في البيان الختامي للاجتماع الوزاري المشترك السادس للحوار الاستراتيجي بين مجلس التعاون لدول الخليج العربية وروسيا الاتحادية، الصادر في 10 يوليو 2023، والذي أشار إلى دعم روسيا للجهود السلمية لدولة الإمارات العربية المتحدة ومساعيها للتوصل إلى حل سلمي لقضية الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، وذلك من خلال المفاوضات الثنائية أو محكمة العدل الدولية، لحل هذه القضية وفقاً للشرعية الدولية، وهو ما احتجت عليه إيران في اليوم التالي لصدور البيان دون أن تكترث موسكو لذلك.
7- حفاظ "الكرملين" على التفاهمات مع إسرائيل: لا تزال روسيا تحافظ على علاقات مصلحية مع إسرائيل. ووفقاً لبعض التقديرات العسكرية الغربية، فإن منظومة الدفاع الجوي الروسية "أس – 400"، أو المقاتلة "سو – 35" سوف تتمكن من اعتراض مقاتلات الجيل الخامس الأمريكية من طراز "أف – 22" و"أف – 35"، وهو ما يجعل أي ضربة إسرائيلية أمريكية ضد البرنامج النووي الإيراني أمراً أكثر صعوبة، غير أن هذا الأمر يبقى نظرياً على الورق، ولم يتم تجريبه في الواقع العملي. وأياً ما كان الأمر، فإن موسكو لا تزال توازن بين إيران وإسرائيل، وهو ما يتضح من استمرار تغاضي موسكو عن الضربات الإسرائيلية للمواقع الإيرانية في سوريا.
وتستثمر موسكو ذلك لردع إسرائيل عن التجاوب مع ضغوط واشنطن، والتي تطالبها بمساعدة أوكرانيا عسكرياً، إذ أكدت إسرائيل مراراً أن روسيا جار استراتيجي لها، ملمحة إلى أنها سوف تخسر حريتها في توجيه ضربات ضد التمركزات الإيرانية في سوريا، إذا ما أغضبت موسكو بدعم أوكرانيا.
وفي التقدير، يمكن القول إن رفض موسكو إبرام صفقة "سو – 35" مع إيران يكشف عن طبيعة العلاقات الروسية الإيرانية التي تتسم بطابع براغماتي، إذ إن موسكو ترتاب في نيات طهران، والتي أبدت استعدادها في أكثر من موقف للانفتاح على الغرب، حتى وإن جاء ذلك على حساب علاقاتها بروسيا، كما وضح في الفترة التالية على إبرام الاتفاق النووي الإيراني في 2015، وهوما يعني أن العلاقة بين الجانبين لم ترق إلى مستوى التحالف الاستراتيجي، كما تروج بعض الدوائر الغربية.