إعداد: إسراء أحمد إسماعيل
أصبحت التغيرات المناخية وآثارها المحتملة هي الشغل الشاغل لجميع دول العالم خلال السنوات الأخيرة، خاصةً مع بروز مؤشرات عدة على حدوث هذه التغيرات المناخية، مثل الجفاف الشديد والمجاعة في بعض الدول الأفريقية، والأعاصير، وموجات الحر الشديدة التي عانت منها دول أخرى.
وثمة توقعات أن تؤثر التغيرات المناخية على الإنتاج الزراعي, فالزيادة المتوقعة في درجة الحرارة وتغير نمطها الموسمي سيؤدي إلى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل، والتأثير كذلك على الثروة الحيوانية، ما يهدد الأمن الغذائي لكثير من الدول.
في هذا الإطار، أصدرت مدرسة "راجاراتنام للدراسات الدولية" التابعة لجامعة نانيانج التكنولوجية في سنغافورة، في شهر مايو 2015، موجزاً للسياسات بعنوان: "تأثير التغير المناخي على إنتاج الغذاء: الخيارات المتاحة أمام الدول المستوردة للغذاء"، أعده عدد من الباحثين في مركز الدراسات الأمنية غير التقليدية بجامعة نانيانج التكنولوجية، وهم "بول تنج" Paul P. S. Teng، و"ميلي كاباليرو أنتوني" Mely Caballero-Anthony، و"جوه تيان"Goh Tian ، و"جوناتان لاسا" Jonatan A. Lassa.
وقد تناول موجز السياسات الآثار المحتملة للتغير المناخي على المحاصيل الزراعية والثروة الحيوانية بحلول أعوام: 2030، و2050، و2080، وأبرز التحديات التي تواجه الدول المستوردة للطعام، مع عرض لأهم التوصيات في هذا الصدد.
الآثار المستقبلية للتغيرات المناخية على الأغذية
اعتمد الباحثون على ثلاثة أطر زمنية لتوصيف مستقبل الاتجاهات المناخية في العالم: 2030، 2050 و2080/2100، وهذه الأطر الزمنية تسمح بتقييم آثار التغيرات المناخية مع مرور الوقت على أساس اتجاهات الغازات المسببة للاحتباس الحراري، وحساسية المناخ تجاه تراكم هذه الانبعاثات، حيث تسببت زيادة انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري خلال العقد الماضي في تغير المناخ العالمي. ودون العمل على الحد من انبعاث هذه الغازات، فإنه من المتوقع تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، وحدوث تغيرات في جميع مكونات النظام المناخي. ونتيجة لذلك، فمن المرجح أن تشهد الأرض ميلاً تجاه ارتفاع درجات الحرارة.
وثمة عاملان يحددان مدى تأثُّر نظم إنتاج الغذاء بالتغيرات المناخية في مناطق مختلفة من العالم، وهما: الأول، مستوى التعرض للمخاطر المحتملة ودرجة التكيف ومقدار المرونة التي تتمتع بها أنظمة إنتاج الغذاء، والعامل الثاني هو الموقع الجغرافي.
فالتعرض الشديد للصدمات المناخية غالباً ما يتسبب في حدوث خسائر وأضرار كبيرة، ولذلك أصبح وجود نظم زراعية متطورة ومرنة يُعد عنصراً هاماً لتعويض آثار التغير المناخي. وعلى سبيل المثال، فإن الاعتماد على بذور تتحمل الجفاف والفيضانات، وتحسين إدارة المياه، وتطوير تكنولوجيا ما بعد الحصاد، يمكن أن يقلل كثيراً من خسائر الأرز في جنوب شرق آسيا.
ويؤكد الباحثون أن هذه التغيرات المناخية لها تأثير سلبي على مناطق إنتاج الغذاء في مختلف أنحاء العالم، حيث إن المخاطر الزراعية المستقبلية المنبثقة عن التغير المناخي يمكن أن تؤدي إلى وقوع كوارث، مثل: موجة الجفاف الشديد التي شهدتها مناطق إنتاج الأرز مؤخراً في استراليا، في منطقة "ريفيرينا" في ولاية "نيو ساوث ويلز" جنوب شرق البلاد، ووقوع أعاصير بشكل مفاجئ مثل الأعاصير الاستوائية كما حدث في إعصار "نرجس" في ميانمار 2008 أو إعصار "هايان" في الفلبين 2013. كما أنه في بعض مناطق ومراكز إنتاج الغذاء، ستتسبب موجات الجفاف، وعدم انتظام هطول الأمطار، في تغيير النظام المناخي؛ مما سيجعل من الصعب على المزارعين التنبؤ بحدوث هذه الكوارث قبل وقوعها.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2030
يتوقع "موجز السياسات" الآثار المترتبة على التغيرات المناخية عام 2030، كالتالي:
- الإجهاد الحراري: أي ارتفاع درجات الحرارة، مما قد يتسبب في انخفاض إنتاج الأرز، حيث إن كل زيادة في درجات الحرارة قدرها درجة مئوية واحدة فوق 24 درجة، قد تؤدي إلى انخفاض بنسبة 10% في محاصيل الحبوب.
- الإجهاد المائي: يعني الضرر الذي يصيب النبات نتيجة التعرض إما إلى نقص الماء (جفاف) أو زيادة الماء (غمر) عن الحد الأمثل اللازم لنمو النبات. وينجم "الإجهاد المائي" عن ارتفاع درجات الحرارة، وانخفاض كمية الأمطار، وطول موجات الجفاف المتزايدة. ومن المرجح أن يؤثر على إنتاج الأرز والقمح في آسيا والولايات المتحدة واستراليا.
- يمكن أن يتأثر إنتاج الأرز في دلتا جنوب شرق آسيا من حدوث فيضانات وعواصف ناجمة عن ارتفاع مستويات البحار، وزيادة هطول الأمطار.
- ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف يمكن أن يؤدي إلى زيادة نفوق الحيوانات، خاصةً خلال عملية نقلها من مكان إلى آخر، وبالتالي تراجع عوائد تجارة الماشية.
- ارتفاع معدل هطول الأمطار والفيضانات يمكن أن تتسبب في غرق وتآكل التربة، وبالتالي انخفاض العوائد منها.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2050
يُوجز الباحثون الآثار الناجمة عن التغيرات المناخية عام 2050، فيما يلي:
- من المرجح أن يستمر "الإجهاد المائي والحراري"، وأن يؤثر ذلك على بعض المحاصيل. ودون اتخاذ التدابير اللازمة للتكيف بحلول عام 2050، فإنه من المتوقع أن يشهد إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية انخفاضاً كبيراً؛ فكل ارتفاع مقداره 2 درجة مئوية في درجات الحرارة يمكن أن يتسبب في انخفاض إنتاج الأرز بنحو 0,75 طن للهكتار الواحد في مناطق إنتاجه.
- ارتفاع درجات الحرارة سيؤثر على إنتاج القمح في جميع البلدان المنتجة له. فعلى سبيل المثال، سهول نهر "الجانج" في الهند يمكن أن تتأثر بشكل ملحوظ نتيجة ارتفاع درجات الحرارة بحلول عام 2050، وأن يتسبب ذلك في خسارة نحو 50% من مساحة زراعة القمح.
- زيادة درجات الحرارة في مياه المحيطات، وزيادة حموضة المحيطات (يحدث نتيجة زيادة امتصاص مياه المحيطات لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون الذي تتزايد نسبته من الغلاف الجوي)، والتغيرات في الإشعاع الشمسي في العقود المقبلة، يمكن أن تتسبب في تقلب مستويات إنتاج الأسماك. فبحلول عام 2050، قد تنخفض إمكانية صيد الأسماك في مياه البحار في مناطق جنوب شرق آسيا بنسبة تتراوح من 40% إلى 60% بسبب هجرة الأسماك.
الآثار المترتبة على التغيرات المناخية بحلول عام 2080/2100
تتحدد الآثار المتوقعة خلال هذه الفترة الزمنية، في الآتي:
- من المرجح أن ينخفض إنتاج المحاصيل في المناطق المنتجة الحالية، خصوصاً مع ارتفاع درجات الحرارة بمقدار 4 درجات مئوية فوق المستويات الحالية. وبالنسبة للمناطق ذات المناخ الاستوائي، فإن درجات الحرارة الشديدة سوف تحد من فترة موسم نمو المحاصيل.
- حدوث خسائر في إنتاج محاصيل الأرز بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وارتفاع منسوب مياه البحر وزيادة نسبة الملوحة. وبحلول عام 2080، قد يشهد شمال شرق تايلاند – مثلاً - انخفاضاً في عوائد إنتاج المحاصيل بنسبة تصل من 8,6% إلى - 32,2%.
- وفقاً لأسوأ سيناريو للتغيرات المناخية، فإنه من المرجح أن ينخفض إنتاج القمح بمقدار كبير بين عامي 2050 و2080.
- قد تتسبب الممارسات السلبية للإدارة الساحلية والبحرية، في انقراض العديد من أنواع الأسماك، ويأتي ارتفاع درجات الحرارة ليزيد من التحديات التي تواجهها الدول بحلول عام 2100 خاصةً في المناطق الاستوائية، حيث إنه من المرجح أن تكون مصائد الأسماك الساحلية في البلدان الاستوائية عُرضة للتغيرات المناخية بسبب انخفاض الغطاء الطبيعي من الشعاب المرجانية، مما قد يزيد من مشكلة حدوث انقراض في أنواع الأسماك.
أبرز التحديات التي تواجه الدول المستوردة للغذاء
يرى الباحثون أن ثمة عدداً من التحديات تواجه الدول المستوردة للغذاء، وهي:
انخفاض في إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية وصيد الأسماك: مما يشكل تحدياً إضافياً على الأمن الغذائي العالمي. ومن المرجح أيضاً حدوث المزيد من التقلبات في أسعار الغذاء، وارتفاع المخاطر المرتبطة بالحصول على الطعام في الأسواق العالمية.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية بسبب زيادة تكاليف الإنتاج: حيث إنه من المرجح أن ترتفع تكاليف الإنتاج الغذائي بسبب ارتفاع تكاليف التكيف مع التغيرات المناخية والتدابير اللازمة للتخفيف من آثارها. وفي هذا الإطار، فإن ثمة توقعات أن ترتفع أسعار الأعلاف، بالإضافة إلى مشكلة ندرة المياه، مما يؤدي إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج.
تغير مراكز إنتاج الغذاء في العالم: لتجنب ارتفاع تكاليف التكيف، فإنه من المرجح أن تنتقل مناطق الإنتاج الزراعي والحيواني إلى مناطق ذات ظروف مناخية أكثر ملائمة، وقد يقود ذلك إلى تغيير مناطق التوزيع العالمي لإنتاج وتصدير الغذاء، مع احتمال صعود بلدان جديدة على خريطة الأمن والإنتاج الغذائي في العالم باعتبارها مراكز لتصدير الغذاء، وظهور سلاسل جديدة لإمدادات الطعام، وبالتالي اختلاف ميزان القوى بين الدول المصدرة للغذاء والدول المستوردة له، وهو ما سيُلقي بتبعاته على العلاقات الإقليمية والثنائية بين الدول.
أهم التوصيات
يطرح "موجز السياسات" عدداً من التوصيات لتلافي الآثار المناخية على الغذاء، وتتمثل في الآتي:
- أن تعتمد كل من البلدان المصدرة والمستوردة للغذاء، إجراءات للتكيف في النظم الغذائية، أو ما يمكن أن يُطلق عليه "no-regrets approach" ويعني ذلك اتخاذ تدابير استباقية للتكيف، نظراً لعدم الدقة في التوقعات المناخية في المستقبل.
- تعزيز التعاون الإقليمي والعالمي من خلال تبني نهج التكيف دون النظر إلى حدود الدولة، باعتباره إطار عام لمراقبة الإنتاج والتجارة العالمية والإقليمية للغذاء. فالبلدان المستوردة التي لديها القدرة على الاستثمار في مجال البحث والتنمية ينبغي أن تعمل على دعم البحث العلمي والابتكار التكنولوجي لتحسين إنتاج المحاصيل، سواء في الدول التي لديها إمكانيات للإنتاج والتصدير أو الدول المصدرة الحالية.
- يتعين على البلدان المستوردة أيضاً توفير التكنولوجيا اللازمة لتطوير المعدات والمرافق اللازمة للحد من خسائر التخزين والتي تقدر بنسبة 20% بالنسبة للأرز في جنوب شرق آسيا. كما ينبغي أن تقوم الحكومات بدعم مراكز البحوث الدولية للأغذية.
- تنويع مصادر الغذاء، وتوفير التمويل اللازم لتطبيق تدابير التكيف مع التغيرات المناخية، حيث يمكن أن تلعب البلدان المستوردة للغذاء والمراكز المالية العالمية مثل سنغافورة واليابان وكوريا، دوراً أكبر في تحديد آليات مالية جدية لتوفير التدابير اللازمة للتكيف مع التغيرات المناخية، والتخفيف من حدة آثارها، والتأمين ضد أضرارها. وتشمل هذه المساعي استخدام آليات السوق لتعزيز إدارة المخاطر في قطاعات الإنتاج الغذائي.
- دعم التعاون الإقليمي لتطوير أنظمة الرصد والإنذار المبكر للكوارث المناخية، والمشاركة في التعاون والحوار الإقليمي حول نظم إنتاج الأغذية.
- الشروع في إيجاد نظام متطور لتخزين المواد الغذائية، فكثيراً ما تعتمد السياسة الحالية للتخزين على التوقعات المناخية قصيرة المدى، ومن ثم فإن تطوير نظم لتخزين الغذاء تعتمد على توقعات طويلة المدى للتغيرات المناخية، يمكن أن تساعد في الحد من التقلبات خلال الفترات التي تتسم بضعف إنتاج المحاصيل، فضلاً عن أهمية دعم الاستثمار في مجال الصناعات الغذائية وآليات التخزين.
- بناء القدرات في البلدان المنتجة، فنظراً لوجود برامج تنموية متنافسة، وعدم توفر القدرات المالية في الدول النامية، فإن معظم الحكومات في هذه الدول لا تملك الوسائل اللازمة لتطوير التكيف الاستباقي في القطاعات ذات الصلة بالزراعة. وبالتالي يمكن لحكومات البلدان المستوردة للغذاء توفير المنح الدراسية والمنح البحثية للدكتوراه في هذا المجال.
- فإن ضرورة التكيف مع التغيرات المناخية من أجل تطبيق نظام مرن لإنتاج الغذاء في العالم، يتطلب إجراء تغييرات مؤسسية وتكنولوجية واقتصادية، ليس فقط في الدول المصدرة للغذاء ولكن أيضاً في الدول المستوردة له.
* عرض لموجز سياسات بعنوان: "تأثير التغير المناخي على إنتاج الغذاء: الخيارات المتاحة أمام الدول المستوردة للغذاء"، والصادر في مايو 2015، عن مدرسة "راجاراتنام للدراسات الدولية" التابعة لجامعة نانيانج التكنولوجية بسنغافورة.
المصدر:
Paul P. S. Teng, Mely Caballero-Anthony, Goh Tian and Jonatan A. Lassa, Impact of climate change on food production: Options for importing countries (Singapore, The S. Rajaratnam School of International Studies "RSIS", Nanyang Technological University, May 2015).