أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

رأس الأخطبوط:

مدى فاعلية الاستراتيجية الإسرائيلية لمواجهة التهديدات الإيرانية

15 يونيو، 2022


صرّح رئيس الحكومة الإسرائيلية، نفتالي بينيت، في 7 يونيو 2022، خلال اجتماعه بلجنة الشؤون الخارجية والأمنية التابعة للكنيست بأن النهج الإسرائيلي إزاء إيران قد تغيّر على مدار العام الماضي، حيث لم تعد إسرائيل تعمل على مواجهة أذرع إيران، بل باتت تستهدف رأس الأخطبوط الإيراني ذاته. 

وسبق وأن أطلق بينيت تسمية "رأس الأخطبوط" على إيران مطلع 2022، في حديثه بالفيديو مع المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث وصف إيران بـ "أخطبوط" الإرهاب وعدم الاستقرار، ورأس ذلك الأخطبوط في طهران، بينما تمتد أذرعه عبر الشرق الأوسط.

تحولان رئيسيان موازيان: 

جاء إعلان بينيت عن هذه الاستراتيجية الجديدة في ضوء حدوث تطورين مهمين، وهما: 

1- تعثر الاتفاق النووي: تأتي التصريحات الإسرائيلية بالتزامن مع تنامي الخلافات في المحادثات الدولية بين إيران وأطراف الاتفاق النووي الإيراني، ووصلت تلك الخلافات إلى حد يُخشى معه انهيار المحادثات النووية.

وأكد بينيت أن طهران اجتازت عدة خطوط حمراء ومنها التخصيب لنسبة 60% من دون أي رد دولي، بينما أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، بيني جانتس، إلى أن إيران تسعى لاستكمال إنتاج ألف جهاز طرد مركزي متطور من طراز "آي آر 6" في موقع تحت الأرض. وسبق وأن أكد بينيت أن إسرائيل تتمسك بحقها في التصرف ضد ذلك البرنامج النووي الإيراني إذا لزم الأمر. ويتوقع أن تزداد فرص التحرك الإسرائيلي ضد إيران مع بدء الأخيرة في رفع مستويات تخصيب اليورانيوم عن 60%.

2- ضغط أمريكي موازٍ: سعت الولايات المتحدة لتبني سياسة جديدة، وهي الضغط على إيران عبر استصدار قرار، في 8 يونيو، من مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يدين إيران لعدم تقديمها ما يفسر وجود آثار لليورانيوم في ثلاثة مواقع نووية غير معلن عنها. 

وصعدت إيران مؤخراً ضد قرار الوكالة الدولية، وذلك عبر إغلاق إيران كاميرتي مراقبة تابعتين للوكالة في مواقعها النووية في 8 يونيو، فضلاً عن الإعلان عن غلق 27 كاميرا لمراقبة نشاطاتها النووية في 9 يونيو، أي في اليوم التالي لصدور قرار الوكالة. ويلاحظ أن واشنطن تستطيع تحويل ملف إيران النووي إلى مجلس الأمن وإعادة فرض العقوبات الدولية عليها بصورة آلية، وذلك عبر توظيف "آلية الزناد"، وهو ما لم تقم به واشنطن حتى الآن، وهو ما يعني أن واشنطن لاتزال تعول على إحياء الاتفاق النووي حتى الآن. 

أبعاد السياسة الجديدة: 

تتمثل الخطوط العامة لاستراتيجية الأخطبوط الإسرائيلية في التالي: 

1- التركيز على طهران: أكد بينيت أن الاستراتيجية الجديدة تقوم على تبني إسرائيل معادلة جديدة للتعامل مع إيران قوامها استهداف الداخل الإيراني علناً بدلاً من استهداف الأذرع، أي الوكلاء، في منطقة الشرق الأوسط، مثل حزب الله اللبناني وحماس.

2- الكشف عن العمليات: عملت إسرائيل، على مدار الأعوام الماضية، على استهداف البرنامج النووي الإيراني والعلماء المرتبطين به، فضلاً عن المواقع العسكرية، غير أنه من الملحوظ أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن تلك الهجمات، بل وكانت تنتقد الصحافة الأمريكية التي كانت تنقل تسريبات لمسؤولين أمريكيين حول تورط إسرائيل في تنفيذ عمليات داخل إيران. أما الآن، فإنه وبموجب الاستراتيجية الجديدة، فإن إيران سوف تعلن مسؤوليتها عن هذه العمليات التخريبية ضد إيران. 

3- إضفاء مصداقية للتهديدات الإسرائيلية: كثفت إسرائيل استعداداتها العسكرية لسيناريو اندلاع حرب ضدها من مختلف الجبهات. فقد أنهت إسرائيل، في نهاية مايو الماضي، تدريبات عسكرية تحمل اسم "عربات النار" في قبرص بمشاركة دول عدة من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يحاكي دخول إسرائيل في حرب ضد إيران. واستمرت تلك التدريبات، وهي الأضخم منذ عقود، لمدة شهر كامل.

ويتمثل السيناريو الذي تركز عليه التدريبات في وقوع تصعيد مع إيران، عبر قصف إسرائيلي على مواقع إيرانية في سوريا يترتب عليه مقتل عناصر من حزب الله، فيرد الأخير، مما يجر إسرائيل للقتال ضد لبنان، وتتدهور الأمور إلى حرب أكبر تنضم إليها غزة والضفة الغربية وإيران.

كما تضمنت المناورات التدريبية محاكاة لضرب منشآت نووية بمناطق جبلية، والتغلب على الرادارات، التي تحمي هذه المنشآت، بالإضافة إلى محاكاة الرحلات القتالية بعيدة المدى عبر تنفيذ رحلات مماثلة إلى وجهات في أوروبا. 

وتطرق السيناريو الإسرائيلي للمخاطر التي ستتعرض لها إسرائيل، إذ تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن حزب الله سيستهدف 80 موقعاً إسرائيلياً وستتعرض لدمار كبير، حيث يطلق الحزب يومياً 1500 صاروخ، وسيكون من الصعب على منظومة الدفاع الجوي، التي سيستخدمها الجيش الإسرائيلي اعتراض جميع الصواريخ، ولذلك شملت التدريبات الاستعداد لتنفيذ هجمات بالقوات الخاصة في العمق اللبناني ضد مواقع حزب الله.

4- امتلاك الأسلحة المناسبة: تقوم إسرائيل بتطوير قدراتها العسكرية لضمان قدرتها على استهداف البرنامج النووي الإيراني، ولذلك أبرمت عدة صفقات عسكرية مع الولايات المتحدة، والتي كان أهمها، تطوير قدرات منظومة القبة الحديدية للدفاع الجوي، بالإضافة إلى شراء طائرتي تزود بالوقود من طراز "بوينج كي سي – 46" (Boeing KC-46)، وهي الطائرات التي ستمكن إسرائيل من تزويد مقاتلات "إف – 35" بالوقود حتى تمكنها من الوصول إلى عمق الأراضي الإيرانية والعودة. 

ونظراً لأن إسرائيل لم تستلم الطائرتان بعد، فإنها أعلنت تطوير طائرات "إف – 35"، لتكون قادرة على ضرب أهداف إيرانية من دون الحاجة للتزود بالوقود في الجو، وذلك دون توضيح ماهية هذا التطوير، ولذلك لا يمكن الجزم بما إذا كانت إسرائيل تملك هذه القدرة حالياً، أم لا. وعلى الرغم من ذلك، فإن إسرائيل ترغب في التأكيد لإيران أنها باتت قادرة على توجيه ضربات لها حالياً، ومن ثم إضفاء مصداقية على التهديدات الإسرائيلية. 

تحديات النهج الإسرائيلي: 

يلاحظ أن محاولة واشنطن توظيف إسرائيل ضد التهديدات الإيرانية أمر تواجهه العديد من التحديات، والتي يمكن تفصيلها في التالي: 

1- تباين التقييمات العسكرية الإسرائيلية: يلاحظ أن ذلك النهج الجديد القائم على العداء الصريح لإيران لا يلقى قبولاً داخل الدوائر الأمنية بإسرائيل. وبينما يرى بينيت أن هذا النهج العلني سوف يأتي بنتائج جيدة عبر ضرب إيران مباشرة، فإن بعض رجال الاستخبارات يعارضون ذلك النهج، حيث يرون أن "وخز طهران في عينها" سيتسبب في العديد من الأزمات الأمنية لإسرائيل.

2- مخاوف الجيش الإسرائيلي: أشارت التقديرات العسكرية الإسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى عام كامل، على الأقل، لكي يكون قادراً على شن هجوم ضد إيران. وعلى الرغم من أوجه القصور التي تعانيها القوات الإيرانية، فإن الجيش والحرس الثوري تمكنا من تطوير طائرات مسيرة وصواريخ باليستية، قادرة على تهديد أمن إسرائيل، خاصة إذا ما تم شن هجوم باستخدام عدد كبير من الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية والمجنحة. 

ومن جهة أخرى، فإن حزب الله يمثل تهديداً كبيراً لإسرائيل، فوفقاً لتقديرات الجيش الإسرائيلي، فإن لدى حزب الله أكثر من 100 ألف صاروخ. وعلى الرغم من أن أغلب تلك الصواريخ من طراز "كاتيوشا"، والتي يصل مداها إلى 40 كم، فإن الحزب يمتلك كذلك صاروخي "زلزال – 1" و"2" واللذين يصل مداهما إلى 160 كم و210 كم على التوالي. كما يمتلك حزب الله صاروخ "فتح – 110" وهو صاروخ باليستي إيراني قصير المدى ويتراوح مداه بين 250 و300 كم، وله رأس حربية يصل إلى 500 كجم، ويمكنه استهداف تل أبيب وما بعدها. 

كما أن التقديرات الإسرائيلية تشير إلى أن حزب الله يخطط لحرب قادمة يطلق خلالها نحو 1500 صاروخ يومياً داخل إسرائيل، الأمر الذي قد يهدد بسقوط 300 قتيل يومياً. ومن ثم سيكون من الصعب على منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية اعتراض جميع صواريخ الحزب. وسبق وأطلق الحزب طائرة مسيرة لأغراض الاستطلاع، في فبراير الماضي، ولم تتمكن الدفاعات الإسرائيلية من التصدي لها، وهو ما قد يؤشر على نجاح الحزب في تطوير مسيرات شبحية، وهو ما يعظم من التهديدات النابعة منه تجاه إسرائيل. 

3- الرد الإيراني المحتمل: هدد قائد القوات البرية للجيش الإيراني، كومار حيدري، بأنهم سيقومون بتسوية تل أبيب وحيفا بالأرض إذا ارتكبت إسرائيل أي خطأ، وذلك رداً على تصريحات بينيت بشأن رأس الأخطبوط. كما سبق وأن أكد القيادي السابق في الحرس الثوري ومستشار رئاسة البرلمان الإيراني، منصور حقيقت بور، أن بلاده لديها بنك أهداف من المصالح الأمريكية والإسرائيلية للرد على العمليات الإسرائيلية داخل إيران.

ورصد الشاباك خلال الأشهر الماضية نشاطات للاستخبارات الإيرانية لمحاولة تصفية أو اختطاف أكاديميين إسرائيليين ومسؤولين كبار في الأجهزة الأمنية الإسرائيليين.

وفي الختام، يمكن القول إن الولايات المتحدة لاتزال تعول على تنفيذ عمليات تخريبية متتالية ضد البرنامج النووي الإيراني، وتوظيف ذلك لإحراج الحكومة الإيرانية، وإظهارها بمظهر العاجز عن تبني أي ردود فعل انتقامية، وذلك بالتزامن مع تصاعد الضغوط الاقتصادية عليها، وهو ما يقوض مصداقية النظام، ويفتح الباب أمام انهياره.