أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

لعبة الحرب:

ثلاث دوائر لاستراتيجية "داعش" العالمية

14 ديسمبر، 2015


إعداد: محمد أحمد عبدالنبي


 تخطت تهديدات تنظيم "داعش" الإرهابي حدود دولتي سوريا والعراق، حيث توسع في منطقة الشرق الأوسط، بل ووصلت عمليات التنظيم إلى عمق قارات آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية ذاتها. وفي هذا الإطار، انصب تركيز مراكز الفكر الأمريكية المعنية بالشؤون الأمنية والاستراتيجية على الإجابة على تساؤل رئيسي مفاده: كيف يمكن تبني استراتيجية أمريكية مضادة لاستراتيجية تنظيم "داعش" ومنعه من التوسع الاقليمي والعالمي وإلحاق الهزيمة بهذا التنظيم؟

وفقاً لذلك، أجرى معهد دراسات الحرب الأمريكي "ISW" - المعني بتقديم مقترحات لمواجهة التهديدات المحتملة للأمن القومي الأمريكي، وتحقيق الأهداف الاستراتيجية الأمريكية – "نموذج محاكاة" لعرض الحلول الدبلوماسية والعسكرية للائتلاف الدولي بقيادة الولايات المتحدة ضد "داعش"، وأصدر دراسة تحت عنوان: "الاستراتيجية العالمية لتنظيم داعش.. لعبة الحرب"، أعدتها "هارلين جامبير" Harleen Gambhir الباحثة في معهد دراسات الحرب الأمريكي، والمتخصصة في دراسات الأمن القومي الأمريكي ومكافحة الإرهاب.

دوائر "داعش" التوسعية

أشارت الدراسة إلى أنه على الرغم من النجاح العسكري الأمريكي في جعل تنظيم "داعش" في موقف المدافع داخل سوريا والعراق، بيد أن "داعش" مازال يتوسع، ولم يعد مقيداً بالحدود السورية والعراقية، حيث أعلن منذ أواخر عام 2014 عن تبنيه لعمليات إرهابية في ليبيا وسيناء وغيرها.

وفي هذا الإطار، أوضحت الباحثة أن حدود استراتيجية "داعش" من أجل البقاء وتوسيع ما تسميه "خلافته"، تتكون من ثلاث مناطق، وهي:

1- الحلقة الداخلية The Interior Ring: وهي قلب تنظيم "داعش" ومركز عملياته الرئيسية، وتشمل كل من سوريا والعراق، بالإضافة إلى الأردن ولبنان وإسرائيل وفلسطين. وأكدت الكاتبة أن مهمة "داعش" في هذه المنطقة هي التصدي لأي هجوم محتمل ضده، كما يتمثل الهدف الاستراتيجي له في تدمير القدرات العسكرية وشبه العسكرية للدولتين السورية والعراقية، وكذلك الجماعات الجهادية التي ربما تؤثر على سيطرته هناك، إضافة إلى إشعال التوتر الطائفي وتقسيم السكان في سوريا والعراق، وتحريض الجماعات السنية المهمشة واستفزاز قوات الأمن في الدول المجاورة (الأردن، إسرائيل، فلسطين، تركيا، ولبنان).

وأشارت الدارسة إلى احتمالية استهداف "داعش" لدول الأردن وتركيا ولبنان في المستقبل القريب، وذلك من خلال تصدير خبرته في حروب العصابات التقليدية والإرهاب لجماعات التمرد المقاتلة الموجودة هناك.

2- منطقة الجوار المباشر The Near Abroad Ring: تشمل باقي دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وأفغانستان وباكستان، حيث أوضحت الكاتبة أن مهمة "داعش" فيها هي التوسع من خلال التنظيمات والجماعات التابعة لها، وحث هذه الجماعات على مبايعته وتعيين قائد يستطيع إدارة أنشطته وموارده، وهو ما حدث عندما أعلن "داعش" عن تأسيس ما يسمى بولايات تابعة له في الجزائر وليبيا واليمن وسيناء في نوفمبر 2014، ثم ولاية منطقة باكستان وأفغانستان في يناير 2015، ثم إضافة منطقة القوقاز في يوليو الماضي، وربما يتم إضافة ولاية غرب أفريقيا قريباً.

ورأت الباحثة أن أعداء "داعش" في دول الجوار المباشر هم المنافسون الأيديولوجيون لها (القاعدة وإيران)، بالإضافة إلى الدول ذات السيادة في المنطقة، مؤكدةً على سعي التنظيم إلى إحياء التاريخ الإسلامي من خلال مقارنة سياسته التوسعية بالمعارك التاريخية التي تزعمها القادة الإسلاميون في شبه الجزيرة العربية والأندلس قديماً.

3- الدائرة البعيدة (باقي دول العالم) The Far Abroad Ring: تشمل باقي أجزاء العالم، وتحديداً أوروبا وأمريكا وآسيا، حيث أوضحت الدراسة أن مهمة "داعش" في هذه المناطق هي خلق الفوضى، وذلك من خلال تشجيع وتمويل الهجمات الإرهابية ضد العالم الغربي، وهو ما سيدفع الدول الغربية إلى تبني سياسات تستهدف المجموعات الإسلامية الموجودة لديها نتيجة هذه الهجمات، ويزيد بالتالي من شعور الاغتراب لدى هذه المجموعات وينفرها من هذه الدول، ما قد يدفعها إلى اللجوء إلى دولة "داعش".

وأوضحت الكاتبة أن عمليات "داعش" في الدوائر الثلاث المشار إليها متزامنة ومدعومة من كل دائرة، كما تعطيها صموداً في حال خسارته لأراض في سوريا والعراق، وتسمح له بالضغط بشكل مضاعف على الدول والتحالفات الدولية المناهضة له.

لعبة الحرب

أوضح المعهد أن تنظيمه نموذج محاكاة لعرض الحلول والإمكانات الدبلوماسية والعسكرية المتاحة لمجابهة "داعش"، جاء نتاجاً لعدم الاعتراف الأمريكي بالفشل في تقدير حجم وفاعلية الاستراتيجية العالمية لهذا التنظيم المتطرف.

وصمم المعهد أربع فرق في هذا النموذج هم: الفريق الأمريكي الذي تكون من هيئة الأركان المشتركة (JCS) والقيادة الأمريكية في أفريقيا (أفريكوم) وممثلي وزارة الخارجية،  والفريق الأوروبي الذي تشكل من ممثلي إيطاليا وفرنسا وإسبانيا والمملكة المتحدة وألمانيا، بالإضافة إلى روسيا وتركيا، والفريق الإقليمي، وتكون من ممثلي مصر والسعودية وقطر، فضلاً عن ممثلي تنظيم "القاعدة". وقام خبراء من معهد دراسات الحرب الأمريكي بشغل أدوار دول الشرق الأوسط، و"القاعدة".

وفي هذا الصدد، خلص المعهد إلى النتائج التالية:ـ

1- تُمثل ما يسمى ولايات تنظيم "داعش" في مصر وليبيا أبرز أنماط الولايات العابرة للحدود والهادفة إلى التأثير في شؤون الدول، مع التأكيد على خصوصية مصر بسبب دورها في الصراع الليبي.

2- أظهر الفريق الأمريكي دعمه المالي والعسكري لمصر في مواجهة العمليات الارهابية التي تعرضت لها. فيما أعرب الفريق الأوروبي عن رفضه انتقال اللاجئين إلى دول البحر المتوسط. كما أظهر الفريق المصري اهتماماً بإطلاق عملية عسكرية في ليبيا، وأبدى اهتماماً مُماثلاً بتحقيق الأمن في سيناء في إطار سياسة استهداف التنظيمات المتطرفة.

3- التنبؤ بتوسع تنظيم "داعش" إقليمياً وعالمياً في المدى الزمني المتوسط، حيث أوضح "داعش" استراتيجيته العالمية وأظهر وسائل تطبيقها، لذا فإن تحركاته لن تكون مفاجئة للولايات المتحدة.

4- وجود عدد قليل من الدول الراغبة والقادرة على مجابهة "داعش" كظاهرة عالمية. فلم يتفق الخبراء والمسؤولون المشاركون في نموذج المحاكاة على التصرف ككتلة جماعية للحد من التمدد الإقليمي لتنظيم "داعش" بالرغم من معارضتهم له.

5- تجنب أو التأخير في اتخاذ إجراءات فعَّالة ضد تنظيم "داعش" لن يحافظ بالضرورة على الخيارات الاستراتيجية في المستقبل، بل على العكس قد يقلل من الخيارات الأمريكية المتاحة، وسيزيد حلفاء واشنطن ضعفاً وخصومها قوةً.

6- في ضوء نظرة الخبراء العسكريين إلى غياب القوة العسكرية الأمريكية التي تُمكنها من قيادة حملة عسكرية جماعية من أجل هزيمة تنظيم "داعش"، فإنه يتعين على الولايات المتحدة الاختيار بين زيادة قوتها العسكرية أو تغيير مهمتها تجاه "داعش".

7- يجب على الولايات المتحدة أن تُعّرِف بدقة المهام الأساسية لمجابهة "داعش" عالمياً، ثم تُحدد الأهداف المتداخلة لـداعش وكافة الجماعات والكيانات التابعة لها، وكذلك عناصر قوتها السياسية والاقتصادية والاستراتيجية.

8- في حال غياب استراتيجية صريحة لمجابهة التوسع الإقليمي لتنظيم "داعش"، فإن واشنطن وحلفائها سيعتمدون على دول مستقرة وشبه مستقرة مثل السعودية ومصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب، وذلك لشن عمليات مؤثرة ضد "داعش".

9- يتمتع تنظيم "داعش" بميزة لا مثيل لها، حيث يستطيع أن يظهر قوته من مناطق متعددة، مُستغلاً الخلافات والتصدعات بين المنظمات الدولية والولايات المتحدة.

10- تواجه الاستراتيجية الأمريكية احتمالات الفشل حتى إذا لم تحاول "داعش" التصرف بفاعلية في مختلف الجبهات العالمية. فالعمليات التي تشنها الكيانات والأنصار المؤيدون لتنظيم "داعش" قد تشتت وتقسم حلفاء الولايات المتحدة.

11- لا يمكن للولايات لمتحدة وحلفائها القيام بعمليات عسكرية مناهضة لتنظيم "داعش"، دون الأخذ في الاعتبار حقيقة وجود قوى متطرفة أخرى في المنطقة. وبالتالي، فإن تركيز الاستراتيجية الأمريكية على "داعش" فقط سيتيح الفرصة لنمو وتزايد خطر باقي الفاعلين الذين ينتهجون العنف والتطرف.

في ختام الدراسة، أكدت الكاتبة على قيام "داعش" بتنفيذ استراتيجية عالمية عبر دوائرها الثلاث "المنطقة الداخلية، والجوار القريب، وباقي دول العالم"، وهو ما يعطيه القدرة على الصمود والضغط على الخصوم في اتجاهات متعددة، كما يمنحه أفضلية عن التحالف الدولي بقيادة واشنطن المناهض لها في منطقة الشرق الأوسط.

وبناءً عليه، شددت الدراسة على ضرورة أن تغير الولايات المتحدة من طريقة مجابهتها لتنظيم "داعش"، وأن تتبنى استراتيجية "ذات بعد عالمي" في دوائر التنظيم الثلاثة، وأن تكون على وعي بالتهديدات المحيطة بها، مع تطوير إمكانيات التنبؤ بها والتحرك المبكر إزائها. كما ينبغي أن تستمر واشنطن في دعم شركائها وإيجاد رؤية متكاملة معهم للحد من الفوضى الإقليمية.


* عرض مُوجز لدراسة نشرت تحت عنوان: "الاستراتيجية العالمية لتنظيم داعش.. لعبة الحرب"، والمنشورة في شهر يوليو 2015 عن معهد دراسات الحرب الأمريكي "ISW".

المصدر:

Harleen Gambhir, “ISIS Global Strategy: A wargame (Washington: Institute for the Study of War, July 2015).