تعقد دول التحالف الدولي ضد "داعش" اجتماعاً فى العاصمة الإيطالية روما فى 28 يونيو الجاري، يترأسه وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، وينظر إلى هذا الاجتماع المرتقب فى مجمله على أنه يعبر عن توجه جديد للسياسة الأمريكية تجاه سوريا في عهد الرئيس جو بايدن يؤشر إلى توسيع مستوى الانخراط الأمريكي فى العملية السياسية المتعثرة فى سوريا، بعد سنوات من الارتباك الأمريكي فى هذا الملف، بالإضافة إلى محاولة تغيير خريطة بعض التحالفات التي تكرست خلال سنوات الصراعات أبرزها العمل على استقطاب تركيا التي كانت أحد اللاعبين المحوريين فى مسار "آستانا".
مسار جديد:
على الرغم من أن عنوان المظلة الرئيسية للتحالف الدولي- الذي يجمع 83 عضواً- هو التحالف الدولي للحرب ضد "داعش"، إلا أن محاور اللقاء النوعي للمجموعة لن تنحصر فى استمرار العمل على اجتثاث التنظيم، حيث ستتشكل مجموعة عمل الـ14 (أو 7+7)، ستتعامل مع خمس ملفات أساسية، منها ملف المساعدات الإنسانية الذي تركز عليه واشنطن، وملف مواجهة تنظيم "داعش"، والملف السياسي السورى، بالإضافة إلى ملف الأسلحة الكيماوية، وملف إعادة الإعمار، وإن كانت هناك ملفات ستحظى بأولوية فى المرحلة المقبلة عن ملفات أخرى. لكن تظل هناك بعض المعضلات فى هذا السياق ومنها على سبيل المثال:
1- طبيعة انتشار "داعش": أضعفت الحرب التي شنها التحالف ضد "داعش" هيكل التنظيم، فى سوريا والعراق، لكنها لم تقض عليه تماماً، ولا يزال التنظيم قادراً على شن هجمات محدودة مقارنة بما كان عليه الأمر فى السابق قبل عامين تقريباً، إلا أن الأوضاع السياسية والأمنية الهشة فى كل من سوريا والعراق لا تزال توفر هامشاً لقيام التنظيم بالعديد من العمليات فى المناطق الرخوة، ولكن المخاوف من إعادة ترتيب صفوفه فى المستقبل ربما لا تزال تشكل هاجساً للقوى الإقليمية والدولية، على نحو يتطلب رسم خطط مختلفة للتعامل مع التحولات والمتغيرات الخاصة بالتنظيم فى إطار الخبرات التي تشكلت فى المرحلة السابقة.
2- معضلة الانتشار العسكري: يظل التحالف الدولي- بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية- يمثلان القوة الأقل انتشاراً عسكرياً فى سوريا، من حيث عدد القواعد والتمركزات، بواقع 33 نقطة من إجمالى 477 موقعاً عسكرياً، في حين أن إيران- التي لا يبدو أنها سوف تغير استراتيجيتها خاصة مع انتخاب الرئيس الجديد إبراهيم رئيسي- تشكل مع حزب الله القوة العسكرية الأكثر انتشاراً على الساحة السورية بواقع 131 و116 نقطة على التوالى لكل منهما، تليهما تركيا بواقع 114، ثم روسيا بواقع 83 موقعاً عسكرياً.
3- المعضلة الروسية: كشف الموقف الروسي خلال لقاء الرئيسين الأمريكي جو بايدن والروسي فيلاديمير بوتين، في جنيف في 16 يونيو الجاري، أن الملف السوري لم يحتل أولوية كبيرة على جدول الأعمال، باستثناء التركيز الأمريكي على الملف الإنساني، إلا أن حديث الرئيس الأمريكي حول التنسيق المشترك مع روسيا ربما يكون عنواناً لمراجعة المواقف بين الطرفين، خاصة وأن مستوى الاحتكاك العسكرى بين قواتهما على خطوط التماس فى الشمال الشرقى لسوريا تزايد فى الفترة الأخيرة، لكن اختلاف الأجندات السياسية والأمنية بين الطرفين يصعب معه تجسير المواقف باتجاه نقلة نوعية كبيرة.
4- تشابك الملفات الإقليمية: سيشارك وزير الخارجية الأمريكي فى مؤتمر برلين 2 فى 23 يونيو الجاري، والذي سيبحث ملفات عديدة من بينها الموقف من الوجود الأجنبى فى ليبيا، حيث تعد كل من تركيا وروسيا القاسم المشترك بين الملفين السورى والليبى، وبالتالى فإن مخرجات برلين 2 سيكون لها انعكاساتها على مؤتمر التحالف الدولى الذى سينعقد فى روما، يضاف إلى ذلك الملف العراقي الشائك بطبيعة الحال فى ضوء قرب انتهاء المرحلة الانتقالية، وهو ملف اشتباك أمريكى- إيرانى، سيكون له ظلاله على طاولة مؤتمر روما، وهى ملفات متشابكة بشكل معقد يصعب الفصل بينها أيضاً.
اليوم التالي:
تُعوِّل واشنطن، في الغالب، على وضع مقاربة دولية جديدة تجاه الأوضاع الإقليمية إجمالاً، فى ظل الارتباط الواضح بين سلسلة المؤتمرات الدولية على غرار قمة مجموعة السبع الكبرى التى ستكون مشاركة فى لقاء روما، وقمة مجموعة الناتو التى عقدت فى الأسبوع الماضى وسيكون لها تمثيل واسع أيضاً فى تجمع روما، وبالتالي فالمؤتمر لن يكون خطة عمل طارئة بقدر ما سيكون خطوة على مسار متعدد اللقاءات الدولية لتهيئة مناخ مختلف للتنسيق بين القوى المنخرطة فى الأزمات الإقليمية، وبالتالى لا يعد الملف السورى ملفاً منفصلاً عن باقى الملفات الإقليمية مهما تغيرت العناوين والمخرجات، ففى الأخير، من المتصور أن التراكم فى كافة هذه الملفات هو ما سيرسم خريطة سياسية جديدة فى هذه المنطقة.
لكن اللافت هنا هو أن هناك تباينات قائمة وواضحة بين قوى المجموعة التى ستتشكل فى تجمع روما تجاه كافة الملفات، لاسيما روسيا والولايات المتحدة والصين وتركيا، وباقى قوى الناتو، خاصة إيطاليا التى ستكون صاحبة الوثيقة فى هذا التجمع بالإضافة إلى ألمانيا صاحبة وثيقة برلين2. ورغم أن هناك مؤشرات أولية لاحتواء تلك التباينات باستبدالها بصيغة مبادىء جامعة، إلا أنها تبقى صيغة مؤقتة لن تبدد تلك التباينات على المدى القريب، فى ظل اختلاف موازين القوى وأجندات الأطراف تجاه القضايا الإقليمية المتشابكة.
فى النهاية، يمكن القول إن مؤتمر روما للتحالف الدولى للحرب على الإرهاب ضد "داعش" يمثل خطوة جديدة على طريق رسم سياسات القوى الإقليمية والدولية على رقعة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكن من المؤكد أنها ليست الخطوة الأولى ولن تكون الأخيرة فى هذا المسار.