أعلن المتحدث الرسمي باسم الجيش التشادي الجنرال عزم برماندوا أغونا في 20 أبريل 2021، عن مقتل الرئيس التشادي إدريس ديبي (68 عاماً) متأثراً بجروح أٌصيب بها في معارك ضد المتمردين في شمال البلاد. وعقب إعلان وفاة ديبي تم الإعلان عن حل البرلمان والحكومة واتخاذ إجراءات لتشكيل مجلس عسكري لإدارة شئون البلاد برئاسة الجنرال محمد إدريس ديبي (نجل الرئيس ديبي البالغ من العمر 37 عاماً) وذلك لمدة 18 شهراً، هذا بالإضافة إلى فرض حظر التجول وإغلاق حدود تشاد مع كافة دول الجوار.
دلالات عديدة:
يطرح الإعلان عن مقتل الرئيس إدريس إيبي مجموعة من الدلالات السياسية والأمنية الهامة، من أبرزها ما يلي:
1- الجدل حول الولاية السادسة: جاء الإعلان عن مقتل ديبي بعد يوم واحد فقط من الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات الرئاسية التي أجريت في 11 أبريل الجاري، وفاز فيها الرئيس الراحل بولاية رئاسية سادسة بعد حصوله على نسبة 79.32% من أصوات الناخبين، وبلغت نسبة المشاركة فيها 64.81%، وجاء في المرتبة الثانية رئيس الوزراء السابق البير باهيمي باداكيه بحصوله على نسبة 10,32%، غير أن تلك النتائج رفضتها المعارضة ووصفت الانتخابات بأنها "غير نزيهة وغير حرة"، إلا أن وفاته متأثراً بجروحه في العمليات العسكرية ضد المتمردين لم تمكنه من البقاء في السلطة لفترة رئاسية سادسة، حيث ظل على سدة الحكم لمدة 30 عاماً. وربما تكون مالي مقبلة على استحقاقات سياسية لا تبدو هينة خلال المرحلة القادمة، التي قد تشهد إعادة صياغة للترتيبات السياسية والأمنية بعد مقتل الرئيس.
2- عودة المقاتلين: ارتبط مقتل الرئيس ديبي بعودة بعض المقاتلين الذين كانوا يقاتلون في ليبيا، وانتقال مجموعات مسلحة غير حكومية عبر الحدود الليبية- التشادية تدعى "جبهة التناوب والتوافق في تشاد" إلى داخل البلاد، حيث قامت في 11 أبريل الجاري، بالتزامن مع إجراء الانتخابات الرئاسية في اليوم نفسه، بشن هجوم مسلح من قواعدها الخلفية في ليبيا ضد القوات المسلحة التشادية واستولت على مقاطعتي "تيبستي" و"كانيم" شمال البلاد، قبل أن تنجح القوات التشادية في تحريرهما، حيث أعلن الجيش التشادي في 19 أبريل الجاري نجاحه في التصدي لتلك الميليشيات مما أسفر عن مقتل أكثر من 300 من العناصر المسلحة ومقتل 5 وإصابة 36 آخرين من الجيش التشادي، ويشير ذلك إلى تمكن المرتزقة التشاديين من العودة مرة أخرى إلى تشاد في محاولة منهم لإحداث فوضى أمنية والقيام بانقلاب عسكري ضد السلطة.
3- ارتدادات الأزمة الليبية: كشف تسلل العناصر المسلحة من الداخل الليبي إلى الأراضي التشادية عن تأثير مستجدات الأزمة الليبية على الأمن القومي لدول الجوار، كما ألقى الضوء على إشكالية الفوضى الأمنية داخل ليبيا نتيجة انتشار الميليشيات المسلحة والجماعات الإرهابية والمرتزقة هناك، في ظل حالة السيولة الأمنية التي تعاني منها ليبيا، وهو ما انعكس في التقرير الصادر عن السفارة الأمريكية في طرابلس والذي أشار إلى أن دخول متمردين مسلحين من ليبيا إلى تشاد يؤكد الحاجة الملحة لإنهاء الانقسام الليبي وتوحيدها، كما دفعت تلك المستجدات العسكرية بمجلس النواب الليبي للدعوة إلى تكثيف الوجود الأمني على الحدود الليبية- التشادية لمنع أي خروقات قد تضر باستقرار الدولتين.
4- تراجع تأثير قوة "برخان": لاسيما فيما يتعلق بعدم قدرتها على تحقيق أهدافها المتمثلة في مكافحة الإرهاب بدول منطقة الساحل والصحراء، وخاصة بعد أن قررت فرنسا في شهر يناير الماضي تخفيض عدد قواتها المسلحة المشاركة في قوة "برخان". إذ أن العمليات العسكرية الأخيرة التي قام بها المتمردون التشاديون القادمون من ليبيا أثبتت عدم فاعلية تلك القوات في وقف هجمات المتمردين، الأمر الذي يثير الكثير من التساؤلات حول مدى جدوى استمرارها.
5- عدم فاعلية قوة الساحل المشتركة: أثار الهجوم العسكري الأخير للمتمردين القادمين من ليبيا باتجاه شمال تشاد التساؤلات أيضاً حول مدى فاعلية القوة العسكرية المشتركة لمكافحة الإرهاب والمكونة من 5 دول (مالي – موريتانيا – تشاد – النيجر – بوركينافاسو) التي تم تشكيلها في عام 2015 من خمسة آلاف جندي، خاصة وأن الواقع العملي أثبت عدم فاعليتها بسبب الصعوبات التي تواجهها في حشد قواتها وتمويلها، إذ لم تفي الدول الكبرى بالتزاماتها لتمويل القوة بـ400 مليون يورو، هذا بالإضافة إلى التحديات الخاصة بعدم قدرة الدول الخمس على التنسيق فيما بين قواتها المسلحة، وما صاحب انتشار هذه القوات من اتهامات بانتهاكها لحقوق الإنسان في المناطق التي انتشرت بها، وهو ما دفع مجلس الأمن للبحث في تجاوزات جيوش تلك الدول في حق المدنيين.
6- قوة المتمردين: تشير العمليات العسكرية التي خاضها المتمردون ضد الجيش التشادي إلى نجاحهم في بداية الأمر في احتلال منطقتين بشمال البلاد، وهو ما يلقي الضوء على ما يمتلكه هؤلاء المتمردون من أسلحة ومعدات عسكرية مكنتهم من تحقيق ذلك. وفي المقابل، كشفت تلك العمليات عن ضعف أو عدم جاهزية الجيش التشادي للرد على الهجوم العسكري الذي شنه المتمردون ضده.
في النهاية، ووفقاً للمعطيات الراهنة، فإنه من المرجح أن تتجه فرنسا نحو التراجع عن تخفيض عدد قواتها في منطقة الساحل والصحراء، وربما تشهد الفترة القادمة تصعيداً عسكرياً بقيادتها ضد المتمردين والتنظيمات الإرهابية الأخرى في تشاد وباقي دول الساحل والصحراء. ومن المتوقع أيضاً أن تؤثر مستجدات الأوضاع السياسية والعسكرية داخل تشاد على الأوضاع الأمنية في دول الجوار، التي يعاني بعضها من اضطرابات عرقية وأعمال عنف قبلية. كما قد يؤدي ذلك إلى تسلل مزيد من المتمردين من ليبيا لدعم المجموعات الأولى التي تكبدت خسائر فادحة من مواجهاتها مع الجيش التشادي رغم مقتل ديبي، وبالتالي فإن استمرار وجود المرتزقة الأجانب والإرهابيين داخل ليبيا سيظل عامل تهديد للأمن القومي لدول الجوار بما فيها تشاد.