أخيراً التئم اجتماع دول «أوبك+» بعد أن انهارت أسعار النفط إلى مستويات متدنية لم تشهدها منذ أكثر من عشرين عاماً، مما يعني أن القرارات التي صدرت عن هذا الاجتماع ترمي أساساً إلى وقف نزيف الأسعار عند مستوياتها الحالية، إلا أن التخفيضات التي تقرر إجرائها لن تساهم كثيراً في رفع الأسعار حالياً بسبب استمرار الفجوة الكبيرة بين العرض والطلب في الأسواق الدولية، كما سنوضح لاحقاً.
بشكل عام نجحت دول «أوبك+» في أخذ زمام المبادرة من جديد لقيادة الأسواق، خصوصاً وأنها حققت أحد أهم أهدافها المتمثل في الحد من تصاعد إنتاج النفط الصخري الأميركي ولكن بثمن باهظ، إلا أنه أدى إلى تغيير استراتيجي من خلال انضمام الولايات المتحدة ولأول مرة إلى الجهود الرامية إلى تقييد الإنتاج لرفع الأسعار بعدما تسبب الانهيار في إفلاس العديد من شركات النفط الصخري وانخفاض الإنتاج الأميركي بمقدار 1.2 مليون برميل، مما استدعى تدخل البنوك الأميركية الكبرى المقرضة لتساهم مباشرة في تشغيل حقول النفط والغاز للمرة الأولى منذ جيل لتجنب الخسائر في القروض المقدمة لشركات الطاقة، التي تتعرض للإفلاس.
وساهمت هذه التطورات، وتضرر مصالح الدول الثلاث الكبرى المنتجة للنفط، السعودية وروسيا والولايات المتحدة، في تحقيق التعاون والتنسيق لأول مرة لإعادة التوازن للسوق النفطية، والمحافظة على أسعار معتدلة تتراوح ما بين 50-60 دولاراً للبرميل، وهو مناسب لدول(أوبك+)، وللدول المنتجة الأخرى من جهة، ولاستمرار إنتاج النفط الصخري، الذي أصبح ضرورة للاقتصاد الأميركي من جهة أخرى، مما يعد تحولاً استراتيجياً في صناعة النفط العالمية، ستكون له تداعيات مستقبلية مهمة.
لنعود الآن إلى اتفاق «أوبك+» بتخفيض ألإنتاج بمقدر 9.7 مليون برميل يومياً اعتباراً من شهر مايو القادم لمدة شهرين و8 ملايين حتى ديسمبر 2020 و6 ملايين من يناير حتى أبريل عام 2021 مع إمكانية انضمام دول أخرى مما قد يرفع حجم التخفيضات، إضافة إلى سحب الزيادات الإنتاجية التي أعلنتها العديد من الدول أثناء حرب الأسعار مؤخراً.
رد فعل الأسواق جاء سلبياً إلى حد ما، إذ أن هناك فارقاً مهماً يتمثل في تراجع الطلب العالمي على النفط بمقدار 30 مليون برميل يومياً، وفق «بلومبيرغ»، نتيجة التوقف شبه التام لوسائل المواصلات وبعض المصانع في العالم بسبب جائحة كورونا، مما يعني أنه حتى في حالة تخفيض الإنتاج بمقدار 20 مليون برميل، كما أشار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فإنه سيبقى هناك فائض بمقدار 10 ملايين برميل يومياً، وهو ما لا يساعد على رفع الأسعار إلى المستويات المطلوبة على المدى القصير، إلا أن هذا الخلل بين العرض والطلب سيكون مؤقتاً ويرتبط بإمكانية تراجع انتشار فيروس كورونا، حيث تبدو هناك مؤشرات إيجابية على عودة وسائل المواصلات والمصانع للعمل في الصين، وهي مركز تفشي الوباء، وكذلك في العديد من الدول التي بدأت في تخفيف القيود المفروضة.
ذلك يعني أن الاتفاق على المدى المتوسط والبعيد سيساهم كثيراً في وصول الأسعار إلى المستويات المستهدفة والمريحة للدول المنتجة للنفط، وهو التطور الإيجابي المرتقب حتى في ظل عدم استجابة الأسواق لقرار التخفيض في الوقت الحالي.
بالنتيجة، فقد حلت عقدة عويصة تتعلق بخلافات دول (أوبك+) وهو ما أشرنا إليه مراراً، إذ أنه يشكل الضمانة الأكيدة لبقاء الأسعار مرتفعة نسبياً، إلا أنه يبقى هناك سبب آخر مهم أيضاً يتعلق بوقف انتشار جائحة كورونا، وهو ما سيتم إنجازه في الأشهر القادمة، مما يعني أن أسعار النفط ستتجاوز عقبتين رئيسيتين لتعاود استقرارها عند مستويات ما قبل الأزمتين. وهو مكسب مهم للدول المنتجة للنفط وللاقتصاد الدولي عموماً.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد