لم يُحسم الجدل حول الانتخابات الرئاسية في الجزائر، واحتمالات ترشح الرئيس "عبدالعزيز بوتفليقة" لولاية خامسة. ففي مقابل دعوات المعارضة السياسية لتأجيل الانتخابات، والتوافق على الإصلاحات السياسية؛ فإن المؤسسة العسكرية الجزائرية قد أبدت معارضة واضحة لسيناريو التأجيل، بينما أكد الأمين العام لجبهة التحرير الوطني أن الرئيس "بوتفليقة" هو مرشح الجبهة في انتخابات 2019، وذلك في تصريحات نشرتها وسائل الإعلام الجزائرية في نهاية أكتوبر 2018، وهو ما يزيد من انعدام اليقين حول مصير الاستحقاق الانتخابي الأهم في الجزائر.
مبادرات تأجيل الانتخابات:
يُشير بعض المحللين إلى أنه قد تكون هناك قوة داخل النظام السياسي الجزائري تحاول التأثير على اختيار الرؤساء، وهو الامتياز الذي تعتبره المؤسسة العسكرية حقًّا تاريخيًّا لها، على اعتبار أن الجيش الوطني الشعبي هو من أرسى دعائم الدولة الجزائرية الحديثة بعد الاستقلال. ومنذ تعرض الرئيس "بوتفليقة" لوعكة صحية في 2013، تزايد الصراع بين قيادة الجيش وبعض القوى السياسية حول هذه الصلاحية.
وتصاعد هذا الجدل حول موعد عقد الانتخابات الرئاسية منذ ديسمبر 2018 بعد إعلان حزب "تجمع أمل الجزائر" (الشريك في الائتلاف الرئاسي) في ديسمبر 2018، عقد ندوة سياسية وطنية مفتوحة للشركاء السياسيين، الاجتماعيين والاقتصاديين، أرباب العمل، والمجتمع المدني، تحت إشراف الرئيس "بوتفليقة"، مصرحًا رئيسه: "نحن لا ننطلق من فراغ، وهذه الندوة أكثر أهمية من الرئاسيات المقبلة، لأن الرئاسيات محطة ثانوية مقارنة بالمبادرة، وأفضل أن تكون قبل الرئاسيات، في علاقة بالصعوبات والتطورات الشائكة، سعيًا لطي صفحة العداوات والتراشق، وتحقيقًا للحصانة من التهديدات الداخلية والخارجية.. لا مشكلة في تأجيل الرئاسيات". بيد أن هذه المبادرة لم تَلْقَ أي قبول من المعارضة أو الرأي العام الجزائري.
ويبدو من هذه المبادرة أن بعض القوى السياسية المنخرطة في السلطة ترغب في تأجيل الانتخابات مع تعديل الدستور بعد أن تأكد لهم أن الوضع الصحي للرئيس لا يسمح له بالترشح لولاية خامسة. ومما لا شك فيه أن مثل هذا الخيار من شأنه أن يسمح للفريق الرئاسي بكسب بعض الوقت للاستعداد لمرحلة ما بعد "بوتفليقة"، حيث قد يتضمن تعديل الدستور استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية بصلاحيات موسعة، ويتم منحه لشخصية تحظى بثقة الائتلاف الحاكم، وتوجد عدة عقبات تَحُولُ دون هذا السيناريو، أولها عدم دستوريته، فضلًا عن كونه معقدًا وصعب التنفيذ، كما أنه لا يوجد توافق حوله حتى بين مؤيدي الرئيس، ففي الوقت الذي يُطالب فيه بعض مؤيدي الرئيس بتأجيل الانتخابات الرئاسية وتعديل الدستور، تُنادي أصوات أخرى داخل معسكر الرئيس (منتدى رؤساء الشركات، نقابة العمال) بولاية رئاسية خامسة.
أما المبادرة الثانية فقد صدرت عن حزب "حركة مجتمع السلم"، وتتضمن الدعوة إلى حوار وطني بين "أهل الحل والعقد" والمعارضة يُفضي إلى توافق حول تأجيل الانتخابات الرئاسية 2019، ثم تعديل الدستور، وإجراء إصلاحات سياسية. وبرّر رئيس الحركة "عبدالرزاق مقري" ذلك بالعيوب والاختلالات التي تشوب دستور 2016. فالدستور الحالي يمنح رئيس الجمهورية صلاحيات واسعة، الأمر الذي ترتب عليه الإخلال بالتوازن بين السلطات. ومن ثمّ فإن أي حزب يفوز بالأغلبية البرلمانية لا يمكنه الحكم، لأن رئيس الجمهورية هو من يُعيّن الحكومة. وبالتالي تجب مراجعة الدستور الحالي.
ولا يوجد في الدستور الجزائري ما يُبرّر تأجيل الانتخابات الرئاسية 2019، فالدستور يمنع تأجيل الانتخابات الرئاسية إلا بشروط نصت عليها المادة 110 من القانون الأول في البلاد. كما أن القانون الانتخابي الجزائري رقم 16-10 الصادر في أغسطس 2016، لا ينص صراحة على تأجيل أو إلغاء الانتخابات الرئاسية. لكن الدستور يشير إلى بعض الحالات التي تؤدي إلى تعطيل الحياة السياسية، وهي: حالة الطوارئ، الحرب أو الحالة الاستثنائية، حيث تعتبر هذه الظروف بمثابة تهديد للأمن القومي الوطني. فحين تكون ولاية رئيس الجمهورية في نهايتها، يتم تمديدها بقوة القانون حتى زوال مصادر تهديد الأمن القومي.
معارضة المؤسسة العسكرية:
وصفت الأمين العام لحزب العمال "لويزة حنون" أصحاب المبادرات بأنهم خطر على الأمن الوطني الجزائري، يريدون جرّ البلد نحو الهاوية. كما وصف اللواء المتقاعد "علي غديري" وهو مدير مركزي سابق بوزارة الدفاع الوطني، المطالبين بتأجيل الانتخابات عبر التمديد وتعديل الدستور بـ"المغامرين". ودعا قائد أركان الجيش الوطني الشعبي إلى تحمل مسئولياته التاريخية لإنقاذ الجزائر، ولجم دعاة تأجيل الانتخابات وخرق الدستور. وأكد اللواء المتقاعد المحسوب على مدير المخابرات السابق الفريق "محمد مدين" المعروف باسم الجنرال "توفيق"، في رسالة نشرتها صحيفة "الوطن" الناطقة بالفرنسية في 25 ديسمبر 2018، أن دعاة التمديد لا همّ لهم سوى البقاء في السلطة أطول مدة ممكنة والاستفادة من الريع.
وزعم اللواء المتقاعد "علي غديري" بأنه يعرف قائد أركان الجيش الوطني الشعبي عن قرب خلال مسيرته المهنية الطويلة، ومن ثم فهو لا يمكنه أن يتصور سماح قائد الجيش لـ"المغامرين" بالعبث بالدستور، داعيًا نائب وزير الدفاع الوطني ورئيس أركان الجيش الوطني الشعبي إلى تحمل مسئولياتهما التي تتمثل في تعزيز المكتسبات الديمقراطية.
وقد ردّت قيادة الجيش بخطاب شديد اللهجة على رسالة اللواء المتقاعد "علي غديري"، بعنوان: "فيما يخص مقالات صحفية لعسكريين سابقين"، نشرته على موقعها على الإنترنت في ديسمبر 2018، وتُعد هذه المرة الأولى التي ينشر فيها الجيش بيانًا بهذا الشكل، سواء من حيث الأسلوب أو العبارات. فقد وصف بيانُ قيادة الجيش دعواتِ اللواء المتقاعد "علي غديري" دون أن يذكره بالاسم بـ"المؤامرة"، مؤكدًا وجود دوائر خفية ومستترة تتحكم في أصحاب هذه المقالات وتوجههم. ووصفت هذه الرسائل بأنها ليست من بنات أفكارهم، بل هي "وليدة خطة مبيتة ومؤامرة دبرتها دوائر مستترة".
احتمالات "الولاية الخامسة":
يمكن الخروج بعدة استنتاجات من خلال رسالة المؤسسة العسكرية المنشورة على الإنترنت، يتمثل أولها في أن الانتخابات ستُجرَى في موعدها القانوني، مما يعني عدم تحمس قيادة الجيش لدعوات تأجيل الانتخابات وتعديل الدستور. وبعبارة أخرى، فإن قيادة الجيش لن تنحاز للأطراف التي ترغب في طي صفحة "بوتفليقة"، حيث يعتبر البيان إشارة ضمنية للفريق الرئاسي مفادها أن قيادة الجيش لا تمانع في ترشح الرئيس لولاية رئاسية خامسة، بالرغم من أن المعارضة تؤكد عدم دستورية مثل هذا الخيار بالنظر إلى الوضع الصحي للرئيس، وما يمكن أن يترتب على إعادة انتخابه من تداعيات خطيرة على الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
يُضاف إلى ذلك أن بيان الجيش قد أنهى الجدل الموجود بين المقربين من الرئيس، والذين كانوا يتطلعون إلى عقد ندوة وطنية للوفاق الوطني حول تأجيل الانتخابات وتعديل الدستور بهدف استحداث منصب نائب رئيس الجمهورية. وفي هذا الإطار، تراجع رئيس حزب "تجمع أمل الجزائر" "عمار غول" عن تصريحاته التي أطلقها في ديسمبر 2018، مؤكدًا أن استدعاء الهيئة الناخبة سيكون إما في 11 يناير، أو 18 يناير، أو 25 يناير الجاري.
وهو ما ينطبق على الدكتور "عبدالرزاق مقري" رئيس "حركة مجتمع السلم" الذي أعلن أن خيار تأجيل الانتخابات الرئاسية لم يعد مطروحًا حاليًّا بالنسبة للسلطة. وأكد في حوار مع صحيفة "ليبرتي" الناطقة بالفرنسية، في يناير 2019، أن التخلي عن خيار تأجيل الانتخابات الرئاسية أعاد إلى الواجهة سيناريو ولاية رئاسية خامسة للرئيس "بوتفليقة". مضيفًا أن هذا الخيار بات يحتل الصدارة حاليًّا ضمن قائمة أولويات النظام السياسي، مؤكدًا أن النظام لا يمكنه تبني خيار تأجيل الانتخابات دون موافقة المعارضة. وفي نظر رئيس حركة مجتمع السلم، فإن رد قيادة الجيش على رسالة اللواء "علي الغديري" بمثابة مؤشر قوي على أن المؤسسة العسكرية لن تعترض على ولاية رئاسية خامسة للرئيس.
ختامًا، يمكن القول إن المؤسسة العسكرية قد وضعت حدًّا للجدل الذي شهدته الساحة السياسية في الأشهر الأخيرة من عام 2019، حيث أصبح من المؤكد أن الانتخابات الرئاسية سيتم عقدها في موعدها، وذلك على الرغم من عدم إعلان الرئيس "بوتفليقة" الترشح لولاية خامسة بشكل رسمي، حيث اقتصر الأمر على تأكيدات بعض الشخصيات السياسية المقربة منه.