أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

انتخابات 2015:

تغيرات دراماتيكية تربك حسابات أردوغان

08 يونيو، 2015


أظهرت المؤشرات الأولية للانتخابات البرلمانية التركية التي أُجريت في 7 يونيو الماضي بمشاركة 20 حزباً و165 مرشحاً مستقلاً، وبنسبة مشاركة بلغت حوالي 86.39%، تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الحاكم مع احتفاظه بالصدارة بحصوله على نسبة 40.8% من الأصوات، ما يعني عدم قدرته على تشكيل الحكومة منفرداً؛ وبروز الأكراد كفاعل أساسي ومؤثر في السياسة التركية بعد نجاح حزب الشعب الديمقراطي الكردي في دخول البرلمان بعد تجاوزه نسبة الـ 10%، الأمر الذي ستكون له تداعياته على المشهد السياسي التركي وعلى السياسة الخارجية التركية تجاه عدد من الملفات الأساسية بالمنطقة ذات التماس الجغرافي معها كالأزمة السورية والعراقية.

تراجع العدالة والتنمية وصعود المعارضة

تظهر النتائج الأولية للانتخابات تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية الإسلامي الحاكم بحصوله على نسبة 40.8% من الأصوات (ما يعادل 258 مقعداً في البرلمان)، في حين أن الحزب قد حصل في الانتخابات البرلمانية عام 2011 على نسبة 49.8%، وبذلك يكون حزب العدالة والتنمية قد فشل في الحصول على الأغلبية المطلقة (276 مقعداً) التي تمكنه من الانفراد بتشكيل الحكومة بفارق 18مقعداً.

وتعتبر نتائج الحزب أيضاً هزيمة للرئيس التركي رجب أردوغان الذي كان يطالب ناخبيه بإعطائه 400 مقعد في البرلمان حتى يتمكن من تعديل الدستور وتغيير نظام الحكم في تركيا من نظام برلماني إلى نظام رئاسي يعطيه مزيداً من الصلاحيات.

وقد تراجعت أيضاً شعبية حزب الشعب الجمهوري العلماني المعارض بحصوله على نسبة 24.9% من الأصوات (ما يعادل 132 مقعداً) في البرلمان ليأتي في المرتبة الثانية بعد العدالة والتنمية. وكان الحزب قد حصل على نسبة 26% من الأصوات في انتخابات 2011، ويرجع هذا التراجع إلى اتجاه عدد من العلمانيين والليبراليين لدعم حزب الشعب الديمقراطي الكردي الذي تبنى برنامجاً أكثر ليبرالية ودفع بالعديد من الأقليات على قوائمه الانتخابية.

من جانب آخر تزايدت شعبية حزب الحركة القومية بحصوله على نسبة 16.2% من الأصوات (ما يعادل 80 مقعداً) في البرلمان ليحتل المرتبة الثالثة، فيما حصل في الانتخابات البرلمانية السابقة على نسبة 13%، ويرجح أن زيادة شعبية حزب الحركة القومية ترجع إلى اتجاه عدد من الإسلاميين الأتراك المعترضين على سياسة أردوغان وعملية السلام مع الأكراد - بالإضافة إلى أنصار حركة فتح الله كولن - للتصويت لصالح الحركة القومية صاحب التوجهات المحافظة.

وجاءت نتيجة حزب الشعب الديمقراطي الكردي لتكون مفاجأة الانتخابات وذلك بعد تمكنه من تجاوز العتبة الانتخابية (نسبة الـ 10% اللازمة لدخول البرلمان)، حيث حصل على نسبة 13.1% من الأصوات (ما يعادل 80 مقعداً) ليحتل المرتبة الرابعة بعد حزب الحركة القومية، علماً بأن حزب الشعب الديمقراطي يشارك في الانتخابات كحزب موحد للمرة الأولى حيث كان يدفع بمرشحيه كمستقلين لعدم تمكنه من تجاوز العتبة الانتخابية.

أسباب تراجع "العدالة والتنمية"

أدت مجموعة من العوامل التي ترجع بالأساس إلى سياسات أردوغان وحزب العدالة والتنمية في الفترة الأخيرة إلى تراجع شعبية الحزب، فضلاً عن العامل الكردي الذي كان السبب الرئيسي في حرمان حزب العدالة والتنمية من الحصول على الأغلبية بتلك الانتخابات، ويمكن إجمال أبرز تلك العوامل فيما يلي:

1 ـ التصويت العقابي لعدد من مؤيدي حزب العدالة والتنمية، والذين يقدرون بحوالي مليون ناخب (نسبة 8%)، كاعتراض على سياسات أردوغان وحكومة داوود أوغلو، حيث فقد كل من أردوغان ورئيس الوزراء أوغلو مصداقيتهم لدى قطاعات من مؤيديهم بعد أن أظهر الفيديو الذي نشرته صحيفة "جمهوريت" التركية قيام شاحنات تركية بنقل الأسلحة إلى سوريا، في حين أن أردوغان وأغلو كانا يدعيان بأنها تنقل مساعدات إنسانية، فضلاً عن فضيحة الفساد في أواخر عام 2013 وتعامل قيادات الحزب معها والتغطية عليها وتصويرها على أنها مؤامرة ضد الحكومة والحزب.

2 ـ اتجاه عدد من الطرق الدينية والصوفية لعدم التصويت لصالح حزب العدالة والتنمية بعكس السنوات السابقة التي قدمت فيها تلك الحركات الدعم للحزب، مثل طريقة "إسماعيل آغا" التي قررت عدم التصويت لصالح الحزب بسبب منع أردوغان كتب سعيدي نورسي من الطبع والتوزيع نكاية في حركة فتح الله غولين التي تعتبر امتداداً لتعاليم سعيد النورسي.

3 ـ تبني أردوغان سياسات صدامية مع حلفائه السابقين وسعيه للهيمنة على الحزب والحكومة على الرغم من تركه لرئاستهما، فعلى سبيل المثال أطاح أردوغان بأحد حلفائه السابقين الذين أسسوا معه الحزب وهو رئيس الجمهورية السابق "عبد الله غول"، حيث رفض عودته لقيادة حزب العدالة والتنمية وفضل أوغلو عليه، كما دخل أردوغان في صدام مع داعميه من خارج الحزب، خاصة حركة "فتح الله غولين" وسعيه لتصفية نفوذها بالدولة والمجتمع التركي بل وإصدار مذكرة اعتقال بحق زعيمها.

4 ـ نجاح حزب الشعب الديمقراطي الكردي في تجاوز العتبة الانتخابية ودخول البرلمان، مما أفقد حزب العدالة والتنمية حوالي 80 مقعداً كان يمكن الحصول عليها حال فشل الحزب الكردي في دخول الانتخابات.

عوامل نجاح حزب الشعب الديمقراطي الكردي

ساهمت عدة عوامل مختلفة في تجاوز حزب الشعب الديمقراطي العتبة الانتخابية بحصوله على نسبة 3% إضافية مقارنة بانتخابات عام 2011، ومكنته من دخول البرلمان التركي ليصبح أحد الفاعلين الأساسيين والمؤثرين في السياسة التركية، وتتمثل تلك العوامل فيما يلي:

1 ـ الشعبية والكاريزما التي يتمتع بها زعيم حزب الشعوب الديمقراطية الكردي "صلاح الدين ديميرطاش"، والتي مكنته من الحصول في الانتخابات الرئاسية الأخيرة على نسبة 9.73% في مواجهة الرئيس التركي الحالي أردوغان، وهو ما أعطاه دفعة للدخول بحزبه في الانتخابات البرلمانية التركية.

2 ـ تبني الحزب برنامجاً ليبرالياً منفتحاً، وترشيحه لبعض القيادات العلوية والأقليات التركية من أرمن وزيديين وآشوريين وشركس، بالإضافة إلى نساء محجبات، لجذب أصوات الأكراد المحافظين الذين يصوتون لحزب العدالة والتنمية وأصوات الناخبين الاشتراكيين والليبراليين الذين يصوتون للأحزاب الصغيرة.

3 ـ تصويت عدد من الناخبين الأكراد المتدينين الذين كانوا يصوتون لحزب العدالة والتنمية لصالح الحزب الكردي، وذلك بعد المواقف التي تبناها أردوغان مؤخراً تجاه الأكراد، مثل موقفه من هجوم تنظيم "داعش" على مدينة عين العرب "كوباني" بشمال سوريا ورفضه تقديم الدعم لأكراد المدينة، بالإضافة إلى تصعيد أردوغان من حدة خطابه تجاه الأكراد بإنكاره وجود قضية كردية وانتقاده لمفاوضات السلام مع الأكراد ومطالبته للحكومة بتجميدها، الأمر الذي دفع الناخب الكردي المسلم إلى تقديم الهوية الكردية على الإسلامية.

4 ـ تصويت نسبة من الناخبين الأتراك خاصة الأقليات وعدد من الليبراليين واليساريين القلقين من تزايد النزعة الاستبدادية لأردوغان حال نجاحه في تحويل نظام الحكم في تركيا لنظام رئاسي لصالح حزب الشعب الديمقراطي حتى يتمكن من تجاوز نسبة 10%، وبالتالي منع حصول حزب العدالة والتنمية على الأكثرية التي تمكنه من تعديل الدستور من خلال البرلمان أو من خلال تحويل اقتراح التعديل الدستوري لاستفتاء شعبي.

توقعات التشكيل الحكومي

تشير النتائج الأولية لهذه الانتخابات إلى أن أياً من الأحزاب التركية،  بما فيها حزب العدالة والتنمية، يمكنه تشكيل الحكومة منفرداً، نظراً لعدم حصول أي منهم على الأغلبية المطلقة (276 مقعداً)، ومن ثم فسوف تكون الحكومة القادمة في تركيا حكومة ائتلافية، وقد يأخذ التشكيل الحكومي أحد السيناريوهات التالية:

السيناريو الأول: انفراد حزب العدالة والتنمية بتشكيل الحكومة باعتباره حزب الأكثرية، إلا أن قدرة تكتل أحزاب المعارضة (الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعب الديمقراطي الكردي) على عدم منح الثقة للحكومة في البرلمان، فضلاً عن الصعوبات المتوقع أن تواجهها حكومة العدالة والتنمية حال موافقة أحزاب المعارضة على منح الثقة لها نظراً لافتقادها لظهير برلماني داعم لسياساتها وتعرضها لطلبات حجب الثقة المتكررة من قبل المعارضة، كلها عوامل تعيق تحقق هذا السيناريو وعدم تفكير حزب العدالة والتنمية في تبنيه.

السيناريو الثاني: دخول حزب العدالة والتنمية في تحالف مع أحد الأحزاب الفائزة في الانتخابات، خاصة حزب الحركة القومية أو حزب الشعوب الديمقراطية أو حزب الشعب الجمهوري لتشكيل حكومة ائتلافية، وقد يأخذ هذا السيناريو أحد الأشكال التالية، وفقاً للحزب الذي سيشكل الحكومة بجانب العدالة والتنمية:

1 ـ تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي العدالة والتنمية (258 مقعداً) والشعب الجمهوري (132 مقعداً)، إلا أن هذا الأمر مستبعد نظراً للخلافات الجوهرية الأيديولوجية والسياسية بين حزب العدالة والتنمية الإسلامي وحزب الشعب الجمهوري العلماني.

2 ـ تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية (81 مقعداً)، وهو سيناريو ممكن من الناحية الواقعية نظراً لبعض النقاط المشتركة بين الحزبين، لكن تلك الحكومة حال تشكيلها ستؤدي لتزايد النزعة القومية في تركيا ودخول تركيا في حالة صراع بين القومية التركية والأقليات الأخرى خاصة الأكراد، فضلاً عن تجميد عملية السلام مع الأكراد، حيث إن حزب الحركة القومية يرفض منح أي حقوق للأقلية الكردية، الأمر الذي ستكون له تداعيات سلبية على الداخل التركي، خاصة أن الأكراد أصبحوا تكتلاً سياسياً داخل البرلمان لا يمكن تجاهله.

3 ـ تشكيل حكومة ائتلافية بين حزبي العدالة والتنمية والشعب الديمقراطي الكردي (80 مقعداً)، وهذا يتطلب قيام حزب العدالة والتنمية بتقديم مزيد من التنازلات للأكراد والمضي قدماً في محادثات السلام، وسيؤدي تشكيل تلك الحكومة لفتح الباب على مصراعيه لمنح مزيد من الحقوق للأقليات الأخرى كالأقلية العلوية؛ الأمر الذي سيؤدي لاعتراض القوميين الأتراك ودخول تركيا في صراع قوميات. لكن النتائج السلبية لمثل هذا التحالف على ناخبي حزب الشعب الديمقراطي الذين صوتوا له للتصدي للنزعة الاستبدادية لأردوغان قد تعيق تحقق هذا السيناريو الذي سيكون بمنزلة  خيانة لناخبيه.

السيناريو الثالث: تحالف أحزاب المعارضة (الشعب الجمهوري والحركة القومية والشعب الديمقراطي) لتشكيل حكومة ائتلافية، إلا أن هذا السيناريو صعب التحقيق من الناحية العملية بسبب التناقضات والصراعات بين أحزاب المعارضة، فحزب الحركة القومية يتبنى سياسات متشددة تجاه الأكراد ويرفض محادثات السلام التي تجريها الحكومة التركية مع حزب العمال الكردستاني بزعامة أوجلان، وبالتالي ليس من المتوقع تحالفه مع حزب الشعب الديمقراطي الكردي المعبر عن القضية الكردية.

وعلى الرغم من إعلان كل من "حزب الشعب الديمقراطي الكردي" و"حزب الحركة القومية" رفضهما المشاركة في حكومات ائتلافية خاصة مع حزب العدالة والتنمية، فإن السيناريوهات السابقة لاتزال قائمة، حيث إنها تعتبر مواقف أولية يمكن تغيرها بناء على معطيات المشهد السياسي التركي والتنازلات التي يمكن لحزب العدالة والتنمية تقديمها.

السيناريو الرابع: قيام الرئيس التركي أردوغان بالدعوة إلى انتخابات برلمانية جديدة بعد فشل تشكيل الحكومة بعد 45 يوماً من إعلان النتائج مع تشكيل حكومة تصريف أعمال تتولى الإعداد للانتخابات البرلمانية وتنتهي مهامها بانتخاب البرلمان الجديد وتشكيل الحكومة، ويراهن حزب العدالة والتنمية على هذا السيناريو، حيث سيسعى لعرقلة أي تشكيل حكومي للذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة على أمل أن يحقق الأغلبية المطلقة التي تمكنه من تشكيل الحكومة منفرداً.

وسوف تنعكس نتائج تلك الانتخابات على السياسة الخارجية التركية حال تشكيل حكومة ائتلافية بين العدالة والتنمية وأي من أحزاب المعارضة الأخرى خاصة تجاه عدد من الملفات الرئيسية بالمنطقة مثل سوريا والعراق والموقف من النظام الحالي في مصر، نظراً لتباين وجهات النظر بين العدالة والتنمية وأحزاب المعارضة الأخرى تجاه تلك الملفات.