أفادت وسائل إعلام إسرائيلية، السبت الماضي، بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي قرر وقف هدم قرية الخان الأحمر في قضاء القدس حتى إشعار آخر. ورغم صغر هذه القرية التي يعيش فيها نحو مائتي بدوي فلسطيني فحسب على رعي الأغنام، فإنها نافذة بالغة الدلالة على المشروع الصهيوني في فلسطين برمته. فقد طرد الجيش الإسرائيلي سكانها من قبيلة «الجهالين» البدوية الذين كانوا يقيمون في الجنوب، خمسينيات القرن الماضي، فاستوطنوا «الخان الأحمر» وأقاموا فيه مساكن لهم «من دون تراخيص»، وهذه حجة إسرائيل، علماً بأن الحصول على هذه التراخيص مستحيل أصلاً. ويعود الإصرار الإسرائيلي على هدم القرية إلى وقوعها في قلب مخطط استيطاني استراتيجي (مشروع E1) يعده كثير من المحللين أخطر مشروع استيطاني منذ الاحتلال الإسرائيلي للقدس عام 1967 لأنه يمتد على أرض تزيد مساحتها عن اثني عشر ألف دونم ويهدف إلى إقامة أربعة آلاف وحدة استيطانية وعشرة فنادق، ومنطقة صناعية، ويربط الكتلة الاستيطانية «معاليه أدوميم» شرقي القدس بالقدس الغربية، وهو يفضي إلى إغلاق المنطقة الشرقية من القدس كلياً بحيث تُحرم من أي إمكانية توسع مستقبلي باتجاه الشرق ويحول القرى العربية إلى معازل محاطة بالمستوطنات ويساعد في إقامة «القدس الكبرى» بالمفهوم الإسرائيلي ويقوض التواصل الجغرافي المطلوب بين الأراضي التي يُفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية.
وتعود جذور هذا المشروع إلى رئيس الوزراء إسحاق رابين الذي طالب في 1994 بإعداد هذا المخطط وصودق عليه للمرة الأولى في 1997 من قِبَل وزير الدفاع، لكنه قوبل برفض فلسطيني ودولي واسع أدى لتجميده في 1999 لكن وزارة الدفاع صادقت في 2002 على الخطة العامة لتنفيذ المشروع وإن اضطُرت غير مرة لتقديم تعهدات للإدارة الأميركية بعدم تنفيذ الخطة بينما كانت السياسة الأميركية مازالت تستحي من تأييد الاستيطان علناً، ومع ذلك فقد باشرت وزارة البناء والإسكان الإسرائيلية عمليات البناء التمهيدية في المنطقة، وفي 2007 أصدر الجيش أمراً بمصادرة أكثر من ألف دونم من الأراضي الفلسطينية ضمنها «الخان الأحمر». وفي 2013 أعلنت الحكومة الإسرائيلية عن مناقصات لبناء عشرات آلاف الوحدات الاستيطانية بينها آلاف في منطقة المشروع E1. وإزاء الانتقادات الغربية الحادة لهذا المشروع أعلن نتنياهو إلغاء المناقصات، غير أن وزارة البناء والإسكان عينت في العام التالي مهندسين للعمل على تنفيذ الخطط السابقة، وأخذ المشروع يتقدم ببطء إلى أن بات الخطر وشيكاً في العام الحالي بصفة خاصة، فتصاعد النضال المدني الفلسطيني ضد مخطط الإخلاء والهدم، سواء بالتظاهر والاعتصام أو باللجوء للآليات القانونية عبر تقديم التماسات للمحكمة الإسرائيلية العليا التي أصدرت في مايو الماضي قراراً يقضي بهدم القرية وتهجير سكانها، وإن تم تأجيل التنفيذ للنظر في التماس مقدم من الأهالي. وانتهي الأمر في سبتمبر الماضي بقرار نهائي من المحكمة بهدم القرية، وحينها صرح رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان بأن الآليات القانونية قد سُدت منافذها ولم يبق إلا العمل الجماهيري، وأصبحت «الخان الأحمر» مركزاً لتجمع كل الفلسطينيين المتمسكين بحقوقهم وكل مناصريهم من غير الفلسطينيين. وفي هذا السياق مارس الجيش الإسرائيلي أقصى درجات القوة المفرطة وأظهر الفلسطينيون شجاعة فائقة في مواجهة القمع الإسرائيلي وصمدوا حتى صدر القرار الأخير بوقف الهدم.
وليس من شك في أن اتخاذ هذا القرار الإسرائيلي يُعَد أمراً بالغ الدلالة، فهو يعني أن النضال المدني يمكن أن يكون مجدياً في تحقيق انتصارات حتى ولو كانت جزئية. وليست هذه هي المرة الأولى، ففي يوليو 2017 انتصر الفلسطينيون في معركة بوابات المسجد الأقصى وفي فبراير ومارس من هذا العام انتصروا في معركة كنيسة القيامة. كما يعني أنه يمكن التعويل على المساندة الدولية في وجه الفجاجة الإسرائيلية، فقد كانت المواقف الأوروبية حاسمة ضد مخطط الهدم. كذلك من الأهمية بمكان أن معسكر السلام الإسرائيلي لعب دوراً في كسب هذه المعركة، ولهذا دلالاته المهمة في مواصلة النضال الذي يجب أن يستمر حتى لا يتم إجهاض الانتصار الأخير.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد