أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

فجر البصرة... مجرد بداية لتغيير إنقاذي

10 سبتمبر، 2018


لبضعة أشهر خلت، ما كنت متفائلاً بأي انتفاضة شعبية في العراق، وتحديداً، في جنوبه. وعلى العكس تماماً، كان أحد أعز أصدقائي العراقيين يحاول جهده أن يقرأ من كتاب التفاؤل.

تفاءل كثيراً بالأداء الجيد لمرشح مستقل في كربلاء قبل بضع سنوات، ورأى في أدائه مؤشراً طيباً لحراك ما في معقل له إرثه الديني مثل مدينة كربلاء. بينما من جانبي، كان تشاؤمي مبنياً على التجربة مع نموذج حزب الله في لبنان، وعلى فهم عادتَي العمل الصامت الدؤوب والاستثمار الطويل الأجل... المتأصلتين في الشخصية الإيرانية.

كانت معركة إيران لإسقاط صدام حسين أمثولة تستحق الدراسة والإعجاب. وقبلها كان الملالي قد تقبلوا «نكسة» الحرب العراقية - الإيرانية وتعلموا منها أن «الاستثمار بالفتنة المذهبية» سلاحاً لتحقيق الهيمنة الإقليمية باسم الدين... أضمن وأفضل وأقل استعداء للآخرين من شن حروب مباشرة تجمع كل هؤلاء الآخرين ضد إيران!

وعلى هذا الصعيد، كان تأسيس حزب الله، أداة ومثالاً، في بلد تعدّدي مثل لبنان، متاخم لإسرائيل، وخارج للتوّ من حرب أهلية - طائفية، نموذجاً يحتذى. كان نموذجاً يستحق الاستثمار فيه على امتداد المناطق المستهدفة بمشروع إيران الكولونيالي - الثأري الجديد القديم. وكان، وما زال، الوسيلة المثلى لإزالة الثقافة السياسية المستقلة ونزع الهوية القومية عن الشيعة العرب، وتحويلهم إلى أتباع يؤمرون بتدمير مجتمعاتهم وقتل أهلهم وإسقاط أوطانهم عبر «التكليف الشرعي».

العمل على طمس الهوية وتشويه الفكر، ومصادرة القرار، وزرع الشقاق، واستنهاض أحقاد وثارات مزعومة عمرها 1338 سنة، بتكلفة مليارات الدولارات وأنهار من الدماء ليس مسألة اعتباطية. وسيكون من السذاجة التوهم بأن مَن سار في هذا الطريق، وجنى حتى الآن ثلاثة أرباع الثمار المرجوة، يمكن أن يتراجع بسهولة.

ثم إن القوى التي لا يجوز اعتبارها «حليفة» أو «صديقة» لنظام طهران، وجدت عبر العقود، ومن واقع التجارب على الأرض، مصلحة كبرى لها في بقاء هذا النظام. ولعل نظام طهران يدرك هذا الواقع جيداً، منذ صفقة «إيران – كونترا» إلى الاتفاق النووي الأخير، ولذا يمارس لعبة الرقص على الحبال ببراعة. وإذا كان لنا سرد ما يسوّغ هذه الاعتبارات، فهنا بعض النقاط:

أولاً، نظام الملالي نظام مذهبي - قومي، معادٍ بطبيعته إما قومياً أو مذهبياً، لجيرانه الترك والكرد والعرب. وهذا عامل مهم لمن يريد أن تكون منطقة الشرق الأوسط منطقة تشتت وتقسيم ونزاعات وعداوات إلى ما شاء الله.

ثانياً، أن النظام يعمل على ترويج مذهب إسلامي بعينه، في دول هي إما تعدّدية المذاهب وإما يشكل أهل السنة والجماعة الغالبية العظمى من السكان فيها، وهو ما يعني أن مآل جهوده إما تفجير الحروب الأهلية داخل هذه الدول، أو استفزاز فئات سُنّية وإثارتها لتواجه التطرف بالتطرف، والإلغاء بالإلغاء. وهذا بالضبط ما يحصل في المنطقة التي يزعم الحرس الثوري أنه بات يسيطر على عواصم 4 من دولها.

ثالثاً، أن النظام بعيد جغرافياً عن حدود إسرائيل والدول الأوروبية إلا... أي عبر أتباعه من العرب. ومن ثم، فإنه في موضوع أمن إسرائيل وهجرات النازحين غير المرغوب فيهم بأوروبا، ناهيك من زُمَر الإرهاب والتطرف، يمسك بيده مفتاح المساومات والابتزاز، فيكسب من دون تبعات على أمنه الداخلي.

رابعاً، إيران شريك عالمي في الثروة النفطية، إنتاجاً واحتياطاً، فضلاً عن أن سوقها (البشرية) سوق استهلاكية ضخمة وسريعة النمو تقارب الـ90 مليون مستهلك. ومن هنا يمكن فهم المواقف الأوروبية المتخاذلة في الموضوع النووي، على الرغم من أن القوى الأوروبية تتابع عن كثب ما تفعله طهران في العراق وسوريا ولبنان وغزة واليمن.

خامساً، في الجانب الإسرائيلي، لم تخدم أي دولة في العالم مشاريع الليكود المتطرفة الهادفة إلى إسقاط أي تسوية سلمية، بما فيها «حل الدولتين»، بجانب الولايات المتحدة... مثل إيران؛ ذلك أنها تولّت مباشرةً، وبالتعاون مع نظام دمشق، شقّ الوحدة الفلسطينية، ثم رعت عملياً على الأرض شق قطاع غزة عن الضفة الغربية، ووفّرت للتطرف الإسرائيلي - عبر الجماعات المرتبطة بها - الذرائع للتبرير والتصعيد في كل مرة وجد نفسه فيها مهدداً بالعزلة. وخارج الأراضي الفلسطينية يكفي النظر إلى اتفاق «أمن جنوب الليطاني» مع حزب الله، مقابل إطلاق يده في تدمير حمص وحلب وغوطة دمشق ودرعا.

عودة إلى العراق وانتفاضة البصرة، تلقيت قبل أيام شريطاً، لا أدري مدى صحته وموثوقيته، وإن كان في مضمونه لا يختلف إطلاقاً عن اتهام نوري المالكي «الدواعش» الذين غزوا مدينة الموصل بأنهم «أحفاد يزيد بن معاوية» (!).

في هذا الشريط يردّ أحد معمَّمي «الولي الفقيه» على أسئلة المشاهدين، ومنهم مشاهد انهال عليه الشيخ المعمَّم باللوم على «التظاهر من أجل الماء والكهرباء بينما لم يتظاهر تضامناً مع فاطمة (ر) في وجه أبي بكر الصديق (ر) وعمر بن الخطاب (ر)». وهاجمه على قبوله بمواصلة اعتماد اسم الزبير بن العوام (ر) على المدينة المجاورة للبصرة.

أمثال هذا، و«حوثيي» مرّان، وأولئك الذين دمّروا مدن سوريا تحت الرايات الطائفية... استثمرت إيران في «تفخيخهم» داخل أوساط أهلنا وإخوتنا الشيعة العرب لسنين. وسيكون من العبث توقع تخليها عنهم بسهولة. فهؤلاء معاول هدم داخل مجتمعاتنا العربية.

مع هذا، اعتراض ابن كربلاء بالأمس، وانتفاض ابن البصرة اليوم، مؤشرات قد تبدو بسيطة... لكنها كسر لـ«حالة استسلام» أخذت تفتك بالبيئة الحاضنة التي كانت إيران تزعم الدفاع عنها وحمايتها.

وليس في العراق وحده أخذت الحالة المطلبية تفرض نفسها ببطء على جو الاستقطاب الطائفي في ظل تيار طهران، الذي كان قد وظّف «داعش» لابتزاز الشارع الشيعي وتهديده وإخضاعه... فالحجة نفسها استخدمها، وما زال يستخدمها، حزب الله الذي «يمنّن» اللبنانيين بحمايتهم من «داعش»، مع أنه هو الذي تفاوض معه على الإفراج عن مسلحيه ونقلهم بالحافلات المكيّفة.

صحيح نحن أمام مجرد بداية، ولكنها بداية لا بد منها...

*نقلا عن صحيفة الشرق الأوسط