تحرص إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، قبل انتهاء فترته الرئاسية الثانية، على توجيه رسائل طمأنة لإيران، من أجل إقناعها بعدم اتخاذ خطوات تصعيدية ردًا على قرار الكونجرس الأمريكي بتمديد العقوبات الأمريكية المفروضة عليها لمدة عشرة أعوام أخرى. إذ فضل الرئيس أوباما عدم التوقيع على قانون تمديد العقوبات الذي أرسله له الكونجرس، لكنه لم يمنع صدوره في الوقت ذاته من خلال استخدام الفيتو.
هذه الخطوة الرمزية التي اتخذها أوباما مؤخرًا تطرح دلالتين رئيسيتين: الأولى، أن أوباما سعى إلى تأكيد رفضه لإقرار القانون من البداية، حيث بذلت إدارته جهودًا من أجل إقناع بعض أعضاء الكونجرس، لا سيما من الحزب الديمقراطي بعدم تأييده، باعتبار أن ذلك يضع مزيدًا من العقبات أمام استمرار العمل بالاتفاق النووي.
والثانية، أن الرئيس الأمريكي لم يغامر باستخدام الفيتو للاعتراض على القانون، في ظل تزايد احتمالات إبطاله من جانب الكونجرس، الذي أيد القانون بأغلبية كبيرة، ومن هنا اتجه إلى عدم استخدام الفيتو وعدم التوقيع على القانون في الوقت ذاته.
صفقات جديدة:
واللافت في هذا السياق، هو أن هذه الخطوة الأخيرة توازت مع تأكيد إدارة أوباما على أن العقوبات الجديدة لن تؤثر كثيرًا على الاتفاق حتى مع إقرارها، باعتبار أنه سوف يتم تعليق العقوبات غير المرتبطة بالبرنامج النووي الإيراني.
كما أنها تزامنت مع توقيع شركة "بوينج" الأمريكية على صفقة مع شركة "طيران إيران"، في 11 ديسمبر 2016، لشراء نحو 80 طائرة مدنية على مدى عشرة أعوام بقيمة 16.6 مليار دولار، ومع إعلان فرهاد برورش رئيس الشركة الإيرانية، في 18 من الشهر نفسه، عن أن العقد النهائي لشراء 100 طائرة مدنية من شركة "إيرباص" بات جاهزًا للتوقيع.
وهنا، يمكن القول إن هذه الصفقات، التي حصلت شركتا "بوينج" و"إيرباص" على ضوء أخضر من الإدارة الأمريكية قبل إتمامها، تشير إلى أن أوباما ما زال مصرًا على دعم فرص الاستمرار في تنفيذ الاتفاق النووي، خاصة بعد تهديده باستخدام الفيتو لعرقلة مشروع قانون سعى الكونجرس إلى إصداره، في يوليو 2016، من أجل عرقلة تلك الصفقات، في ظل الاتهامات التي يوجهها بعض النواب الأمريكيين لإيران باستخدام الطائرات المدنية لأغراض إرهابية من خلال نقل أسلحة ومقاتلين على متنها لقتال القوات الأمريكية أو قوات الحلفاء في سوريا.
ضغوط متصاعدة:
لكن هذه المحاولات لن تنجح، على الأرجح، في توجيه رسائل تهدئة إلى إيران، لاعتبارات عديدة، يتمثل أهمها في تحفز المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي وتيار المحافظين المتشددين لاستغلال تمديد العقوبات من أجل رفع مستوى الضغوط التي يمارسونها على الرئيس حسن روحاني.
فقد حرص خامنئي خلال الأيام الماضية على إلقاء المسئولية عن ما آلى إليه الاتفاق النووي على عاتق الرئيس حسن روحاني، حيث وجه إليه انتقادات ضمنية بإبداء ثقة في التزام الولايات المتحدة الأمريكية بتعهداتها رغم أن خبرات إيران في التعامل معها لا ترجح ذلك، فيما سُمح لوسائل الإعلام المقربة من المرشد، على غرار صحيفة "كيهان" (الدنيا) بشن حملة قوية ضد الرئيس معتبرة أن النتيجة الإيجابية الوحيدة التي تحققت من الاتفاق النووي تمثلت في ثبوت عدم إمكانية الوصول إلى تفاهمات أو إبرام صفقات مع الأمريكيين، وأن الاتفاق النووي فرض تداعيات سلبية عديدة على إيران، يتمثل أهمها في وقف التقدم الذي تحقق في البرنامج النووي خلال الأعوام العشر الأخيرة، خاصة فيما يتعلق بتخفيض عمليات تخصيب اليورانيوم من 20% إلى 3.5%، والتخلص من معظم كمية اليورانيوم المخصب والمياه الثقيلة التي كانت تمتلكها ولا تحتاجها من خلال نقلها إلى الخارج.
تهديدات ضمنية:
وهنا، فإن فريق التفاوض النووي لن يستطيع الاستناد إلى تلك الخطوات الرمزية التي اتخذتها إدارة أوباما في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها من قبل المرشد والمحافظين الأصوليين. بل إنه سعى إلى تبني خيارات أخرى للتعامل مع تمديد العقوبات الأمريكية، وتتمثل في:
1- مطالبة منسقة الشئون الخارجية بالاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني بعقد اجتماع لجنة مراقبة الاتفاق النووي، التي تتكون من الدول التي تفاوضت عليه وهى إيران ومجموعة "5+1"، من أجل إضفاء شرعية دولية على رفض إيران لتمديد العقوبات وتأكيد مسئولية الولايات المتحدة الأمريكية عن أى إخفاق محتمل للاتفاق النووي، في حالة ما إذا اتجهت إلى تفعيل تلك العقوبات خلال المرحلة المقبلة.
وبعبارة أخرى، فإن حكومة الرئيس روحاني تسعى في الفترة الحالية إلى إقناع حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، الذين ساهموا معها في الوصول إلى الاتفاق النووي، بضرورة ممارسة ضغوط على واشنطن، خاصة خلال مرحلة ما بعد تولى إدارة دونالد ترامب مهامها في 20 يناير 2017، من أجل دفعها، على الأقل، إلى عدم استخدام قرار التمديد الأخير الذي أصدره الكونجرس وتحول إلى قانون رغم عدم إقراره من جانب أوباما، من أجل فرض عقوبات جديدة على إيران قد تعرقل مواصلة العمل بالاتفاق النووي.
2- تأكيد التزام إيران بتعهداتها في الاتفاق النووي، وذلك خلال زيارة المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية يوكيا أمانو إلى طهران في 18 ديسمبر 2016. إذ كان لافتًا أن أمانو أبدى "رضاه حيال تنفيذ الاتفاق النووي". ورغم أن الهدف المعلن لزيارة أمانو إلى طهران تمثل في إجراء مباحثات مع إيران حول بعض الإجراءات الخاصة بتنفيذ الاتفاق النووي، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة أهدافًا أخرى سعى المدير العام للوكالة الدولية إلى تحقيقها من خلال تلك الزيارة، ويتعلق أهمها بتقليص حدة التوتر التي تصاعدت بين إيران والوكالة خلال الفترة الأخيرة، بسبب الانتقادات التي وجهتها الأولى إلى الأخيرة، بـ"خضوعها لضغوط سياسية"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية تحديدًا، خاصة بعد إشارة الوكالة، في تقرير لها صدر في نوفمبر 2016، إلى أن إيران تجاوزت الكمية المسموح لها بالاحتفاظ بها من المياه الثقيلة والتي تقدر بـ130 طنًا بنحو 100 كيلو، بشكل دفع اتجاهات عديدة إلى توجيه اتهامات لإيران بانتهاك تعهداتها في الاتفاق، على غرار ما حدث قبل ذلك عندما أجرت تجارب لإطلاق صواريخ باليستية.
وبعبارة أخرى، فإن إيران اعتبرت أن مبالغة الوكالة في تقدير هذا التجاوز هدفت إلى منح فرصة للاتجاهات التي تبدي شكوكًا واضحة في نوايا إيران، من أجل التأكيد على عدم إمكانية التعويل على انخراطها في التزامات دولية.
3- التهديد من جديد بالعودة إلى تطوير البرنامج النووي، وهو ما يبدو جليًا في تأكيد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية على أكبر صالحي، في 17 ديسمبر 2016، على أن "إيران لم تقم بهدم الجسور خلفها"، في إشارة لها مغزاها ومفادها أن إيران يمكن أن تعود من جديد إلى مستويات ما قبل الوصول للاتفاق النووي، سواء على مستوى رفع نسبة التخصيب، أو على مستوى زيادة عدد أجهزة الطرد المركزي، أو غيرها.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن حدود التصعيد المحتمل بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة، بعد إقرار قانون تمديد العقوبات، سوف تعتمد في المقام الأول على الإجراءات التي سوف تتخذها إدارة دونالد ترامب تجاه إيران، ومدى إمكانية اتجاهها إلى استخدام هذه العقوبات في ممارسة ضغوط جديدة على إيران.