كثر الجدل في الآونة الأخيرة حول مدى إمكانية تصدع تحالف الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وجماعة الحوثي الشيعية، كون الأول خاض ستة حروب ضد الثانية خلال سبع سنوات، راح ضحيتها الكثير من القتلى والجرحى في صفوف الجيش اليمني وأنصار الجماعة ذاتها، إضافةً إلى تدمير الممتلكات الخاصة والعامة. وقد خلفت تلك الحروب الكثير من المآسي، وهو ما جعل البعض يرى أن هذا التحالف تحفه الريبة والشكوك من كل الجوانب.
وتجدر الإشارة في هذا السياق، إلى أن شخصية الرئيس اليمني السابق صالح مارست – ولا تزال - البراجماتية دون قيود، إذ أنه يُعد رجل التكتيكات بصرف النظر عن مدى صوابها من عدمه، كما يُقيم تحالفات سرية مع كل المتناقضات، لذا شبه البعض اتفاق صالح مع زعيم الحوثيين ( عبد الملك الحوثي) باتفاق أدولف هتلر مع جوزيف ستالين اللذين أبرماه عام 1939، بمعنى أنه تحالف غير محسوبة نهاياته.
بذور التحالف:
سعى الرئيس السابق صالح إلى التحالف مع جماعة الحوثي، فقدم لها السلاح قربانًا لها لما بدر منه في حربه معها. وقد بدأت بوادر هذا التحالف في شهر أكتوبر 2012 – بحسب تأكيد بعض المشايخ المقربين من الطرفين لكاتب هذا المقال- عندما أرسل صالح خاله الشيخ علي مقصع مع عدد من مشايخ سنحان في زيارة سرية لجماعة الحوثي، ولكنها سرعان ما ظهرت للعلن. فخلال هذه الزيارة نقل مقصع لزعيم الجماعة اعتذار صالح عن الحروب الستة، واستعداده للاعتذار شخصيًّا لعبدالملك الحوثي، وقبوله بأي حكم يُصدره ضده، وحاول أن يُحمِّل مسئولية الحروب الستة لجماعة اللواء علي محسن وأبناء الشيخ عبدالله الأحمر وقيادات في حزب الإصلاح، ونقل مقصع عرض صالح لزعيم الجماعة عن استعداده لتسليم عدد من شحنات الأسلحة والذخائر من معسكرات الجيش كتأكيد لمصداقية صالح في قبوله عقد الصلح مع الجماعة، وإقامة تحالف جديد بين الطرفين.
سرعان ما رد الحوثيون على هذا العرض المغري بعد ثلاثة أسابيع، ودخل على الخط مهندس الصفقة الوزير أحمد الكحلاني صهر الرئيس السابق صالح، حيث نجح في تقريب وجهات النظر. وأبرز ما تم الاتفاق عليه، تأجيل التحكيم القبلي الذي عرضه صالح للجماعة حتى الوقت المناسب، فقبل به الحوثيون مقابل تمويل صالح للمجهود الحربي الذي تقوم به الجماعة، وتسهيل سيطرتها على معقل آل الأحمر ومناطق نفوذ قبيلة حاشد في محافظة عمران.
أسس التحالف:
ساهمت الظروف الداخلية والإقليمية والدولية في تأسيس هذا التحالف، فقد جاء نتيجة مجموعة عوامل وأسباب هيأت لهذا التحالف التماسك والاستمرار، منها على سبيل المثال:
1- فرصة للسيطرة: رأت جماعة الحوثي في التحالف مع صالح فرصةً حقيقية للسيطرة على السلطة عندما مكنهم من سلاح الجيش، وإيعازه لقوات الحرس الجمهوري بعدم المواجهة تحت مبرر أن المواجهة بين الحوثيين وجماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حزب الإصلاح.
2- السيطرة على معاقل قبيلة حاشد: رأى الحوثيون أن تحالفهم مع صالح سيساهم في تحييد كثير من مشايخ قبيلة حاشد، وبالتالي إمكانية السيطرة على معقل القبيلة. وهو بالفعل ما ساعد في سقوط محافظة عمران في يد الجماعة، بل قد ساهم الكثير من قيادات وقواعد حزب المؤتمر الشعبي، الذي يرأسه الرئيس اليمني الأسبق علي عبدالله صالح، في القتال إلى جانب الجماعة.
3- اقناع الحوثيين بأن اللواء علي محسن وحزب الإصلاح كانا وراء الحروب ضد الجماعة: تمكن صالح من إقناع جماعة الحوثي بأن اللواء علي محسن، وبحكم قربه من حزب الإصلاح الإخواني، هو من تسبب في كل الحروب التي خاضتها الدولة ضد الجماعة ومن ورائه حزب الإصلاح، لذا كانت معسكرات الجيش التابعة للفرقة الأولى مدرع وقيادات حزب الإصلاح هي الهدف الرئيسي للهجمات التي شنتها جماعة الحوثي منذ بداية زحفها من صعدة حتى استيلائها على السلطة.
4- توحُّد الأهداف بين صالح وجماعة الحوثي، فقد كان الهدف الرئيسي للأول من التحالف مع الثانية هو الانتقام من جماعة الإخوان المسلمين ومن اللواء علي محسن بسبب دعمهم لثورة الشباب التي أطاحت به من الحكم، وقد التقى هذا الهدف مع الهدف الحوثي الذي يرى في حزب الإصلاح الإخواني الأقدر على مواجهة مشروعهم السياسي والفكري بمشروعه الإسلامي السني المنتشر في اليمن.
5- السيطرة على الحكم: شكل هدفا أساسيا من أسس التحالف التي سعى إليها الطرفان كلٌّ من جهته، فصالح رأى في دعمه للجماعة تقويضًا لسلطة الرئيس الشرعي عبدربه منصور هادي. فقد رأي صالح أن الإجراءات التي يتخذها هادي تُقلص من فرص عودته للحكم كما كان يخطط. أما جماعة الحوثي فقد رأت في دعم صالح تمكينًا لها في السيطرة والوصول إلى الحكم، وهو ما نجح فيه الطرفان بالفعل حتى الآن على الأقل، وإن كانت الجماعة هي المسيطرة فعليًّا على السلطة.
6- جماعة الحوثي الأقدر على مواجهة السلطة الشرعية: بحكم خبرة صالح الطويلة، فقد رأى أن جماعة الحوثي مهيأةً لصراع طويل الأمد مع هادي وحكومته باعتبار قادتها وقواعدها من الشباب غير الناضج يرون في العنف سبيلا للتحكم والسيطرة، وبالتالي فقد وجد ضالته في الظهور من جديد على ظهر هذه الجماعة العنيفة التي يُعيد من خلالها كرامته التي أُهدرت بخلعه من السلطة بالإكراه.
عوامل تعزز التحالف:
بالإضافة إلى الأسس السابق الإشارة إليها للتحالف، توجد عوامل وأسباب أُخرى عززت من هذا التحالف وتتمثل في:
1- شعور صالح وجماعة الحوثي بأن مآلهم واحد: فإن سقط أحدهما دون تسوية سياسية تُخرج البلد مما وصلت إليه فهو يعني سقوط الآخر، وبالتالي خسارتهما معًا، لذا نجد كل طرف يسعى بين حين وآخر إلى مغازلة الحكومة الشرعية أو المملكة العربية السعودية ودول التحالف العربي بأهمية الحوار والخروج بتسوية، وهناك شك لدى الطرفين في غدر الطرف الآخر.
2- خضوعها لعقوبات مجلس الأمن: ساهم خضوع كل من صالح والحوثيين لذات العقوبات الدولية التي أقرها مجلس الأمن في توطيد تحالف صالح والحوثيين. ولذا، ساعد هدف السعي معًا للانفكاك والخروج من هذا المأزق في بقاء هذا التحالف.
3- الدعم المالي والعسكري لجماعة الحوثي: ساهم الدعم الإيراني للجماعة ماديًّا من قبل الحوزات الشيعية في إيران والعراق، وعسكريًّا من خلال تزويدهم بالخبراء والسلاح، في استمرار وديمومة تحالف صالح والحوثيين.
4- التقارب الأمريكي - الحوثي، حيث ترى الولايات المتحدة في جماعة الحوثي شريكًا مستقبليًّا محتملًا لمواجهة الإسلام السني المتمثل في تنظيمي القاعدة وداعش من جهة، وإضعاف المكون السني بشكل عام من جهة ثانية، خاصة وأن واشنطن تنظر لتنظيمي القاعدة وداعش على أنهما خُلقا من رحم هذا المكون. ويظهر جليًّا الهدف الأمريكي للخروج بتسوية تحفظ لجماعة الحوثي البقاء والاستمرار كشريك مؤثر وفاعل في الحكم في مبادرة وزير الخارجية الأمريكي "جون كيري" لإنهاء الأزمة اليمنية. أضف لذلك أن الولايات المتحدة لا ترى في تصرفات هذه الجماعة إرهابا، ولذا فهي على تواصل معها.
تحالف تكتيكي:
من خلال الأسس والأهداف التي قام عليها تحالف الحوثي وصالح يتضح أنها أُسس آنية مرحلية، أملتها ظروف داخلية وخارجية. فهذا التحالف تكتيكي فرضته شروط المرحلة، التقت فيه مصالح مؤقتة. ولذا فإنه تحالف يشوبه الكثير من التناقضات والتوجهات المتصارعة والمتضاربة، واحتمالات التصدع والانهيار قائمة، بل وحتمية نتيجة الاختلافات في التوجهات الفكرية والأيديولوجية والعقائدية، ويمكن إيجازها فيما يلي:
1- تحالف أعداء: يهدف تحالف صالح-الحوثي النكاية بالخصوم والانتقام، ويشوبه الشك بين الطرفين، وعدم الشعور بالأمان، فكل طرف يتخوف من الآخر ويتربص به، وكثيرًا ما تطفو الخلافات العميقة على السطح، فهو تحالف أزمة، وليس تحالفًا استراتيجيًّا مبنيًّا على قواعد ثابتة.
2- التنصل من الاتفاقيات: عقب سيطرة جماعة الحوثي على السلطة في عدد من المدن اليمنية فإنها تنصلت من الاتفاقيات التي أبرمتها مع حليفها صالح في تشكيل المجلس السياسي بديلا عن اللجان الثورية التابعة للجماعة، وقد ظهر ذلك جليًّا في بقاء رئيس اللجنة الثورية محمد الحوثي يعمل بكل سلطاته وصلاحياته، وعدم خروج هذه اللجان من مؤسسات الدولة الخاضعة لها ماليًّا وإداريًّا، كما أن المجلس السياسي مجلس صوري لا يتمتع بأي صلاحيات نافذة.
3- عدم قدرة الحليفين على تشكيل حكومة إنقاذ وطني: اتفق الحليفان على تشكيل حكومة انقاذ وطني، ولكنهما أخفقا في تأسيسها نتيجة عدم ثقة كل طرف في الآخر؛ حيث تم تكليف بن حبتور لتشكيل حكومة في 1 أكتوبر، ولم يتم التشكيل حتى تاريخه، بل لم يتم بحث هذا التشكيل بجدية في أي لقاء بين الطرفين.
4- حالة التذمر بين أوساط أتباع صالح، بسبب إملاءات مليشيا الحوثي التي تُسيطر على مفاصل السلطة، بل وإنشائها مؤسسات موازية لمؤسسات الدولة على كل المستويات وفي كل القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية، وأصبحت هذه المؤسسات المليشياوية فوق مؤسسات الدولة.
5- سعي جماعة الحوثي للسيطرة على قوات الحرس الجمهوري: ساهمت محاولة إخضاع ما تبقى من قوات الحرس الجمهورية بالعاصمة صنعاء لسيطرة الجماعة بتعيين عبدالخالق الحوثي -شقيق زعيم الجماعة- كقائد لهذه القوات، في ظهور الخلافات بين الحليفين (صالح وجماعة الحوثي). وما أكد عمق هذه الخلافات هو سعي الجماعة إلى السيطرة على كل مفاصل السلطة، وإخضاع ما تبقى من المؤسستين العسكرية والأمنية لسيطرتها بدون مهنية أو تراتبية في استحقاق المناصب بإيلاء هذه المناصب لقيادات من الجماعة ليست من الوسط العسكري أو الأمني، وبالتالي تتحلل وتضمحل قوات صالح في حين تتقوى وتزدهر وتتجذر التشكيلات القتالية للحوثيين.
6- تآكل التحالفات القبلية لصالح والحوثي معًا، فهناك حالة من الانكفاء من شيوخ القبائل اليمنية بسبب ما استنزفته الحرب من دماء أبنائها، وغالبًا ما يدعو صالح والجماعة مناصريهم إلى رفد الجبهات بالمقاتلين الذين عادةً ما يفتقرون إلى التدريب العسكري والقتالي، أو يكونون من صغار السن.
7- عدم القدرة على الوفاء بالمستحقات المالية: أدى نقل البنك المركزي لعدن إلى انكشاف تحالف الحوثي وصالح، فقد عجزوا عن دفع مرتبات موظفي الدولة مدنيين وعسكريين، فقد كانت موارد الدولة مُسخَّرة للمجهود الحربي، خاصةً ميزانية وزارة الدفاع التي استولت عليها المليشيا الحوثية، وعدم وفاء هذا التحالف بصرف المرتبات خلق تذمرًا شعبيًّا واسعًا قد يكون سببًا في انفراط هذا التحالف، خاصةً وأن معظم موظفي الدولة هم من قيادات وقواعد حزب صالح الذين يرون أن الدعم المقدم للجان الشعبية الحوثية مستمر دون تأثير.
8- الثراء الفاحش للقيادات الحوثية: ظهر في الآونة الأخيرة الثراء الفاحش على قيادات جماعة الحوثي؛ نتيجة الفساد الذي استشرى بين هذه القيادات دون رقيب أو حسيب، ويظهر بين حين وآخر إقبال هذه القيادات على شراء العقارات والأرضي والسيارات الفارهة، وبناء الفلل الضخمة غالية الثمن لقيادات بالجماعة في حين أنهم لم يكونوا يملكون شيئًا، مما خلق جوًّا مشحونًا في أوساط المواطنين، يصير تذمرًا أحيانًا وتندرًا أحيانًا أُخرى، ولا في شك أن ذلك سيساهم في زيادة المعارضين لهذه السلطة التي طرفاها الحوثي وصالح.
9- المفاوضات المنفردة: تقبل جماعة الحوثي بين حين وآخر إجراء مباحثات مع المملكة العربية السعودية منفردًا، كما رأينا في اتفاقية ظهران الجنوب، والمباحثات التي تتم في مسقط تساهم في سرعة انفراط تحالفهم مع صالح، فالمملكة ترى إمكانية التعايش مع جماعة الحوثي إذا تخلت الجماعة عن السلاح الثقيل، وتسليمه للحكومة، لكن المملكة لن تقبل إجراء مباحثات مع صالح لأسباب عدة منها نكرانه لجميل المملكة لما قدمته له من خدمات علاجية للحفاظ على حياته بعد تعرضه لحادث جامع النهدين، وكذا تحالفه مع جماعة الحوثي التي ترتبط بإيران العدو الرئيسي لدول الخليج.
10- الاختلاف الأيديولوجي والعقائدي: يجمع تحالف صالح والحوثيين بين متناقضين، أيديولوجيًّا وعقائديًّا، فصالح ذو توجه علماني منفتح، وتاريخه حافل بتحالفاته الإقليمية ومنها مع صدام نموذجًا، بينما الحوثي ذو توجهات دينية شيعية، وعلاقته بإيران واضحة المعالم في خطواته وتصرفاته وتوجهاته الدينية والإعلامية، ويعتبر نفسه جزءًا من مشروع الثورة الإيرانية على طريقة حزب الله، ومرتبط بها أدبيًّا وفكريًّا وعقائديًّا، وهذا سبب آخر من الأسباب التي ستساهم في انفراط التحالف.
الخلاصة.. إن الأسباب الداخلية هي الأكثر احتمالية لتصدع تحالف صالح والحوثي. فالفساد المستشري بين أفراد الجماعة، والعنف المفرط تجاه مناوئيها، ومحاولتها السيطرة منفردةً بالسلطة، وعملية الإقصاء التي تمارسها في الوظائف العامة والمناصب العليا، والحالة المزرية التي وصلت إليها حالة المواطنين المعيشية بسبب انقطاع المرتبات، وكذا التمييز الذي يتنافى مع العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص - كل ذلك كفيل بانفراط تحالف صالح والحوثي، كون التحالف جاء على أساس مصالح مراكز قوى ونفوذ مناطقي وأيديولوجي، وليس على أساس وطني واسع وجامع لكل الفئات والمناطق.