أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

قراءة مضادة:

كيف تعاملت إيران مع العقوبات الأمريكية الأخيرة؟

18 يناير، 2018


سارعت إيران إلى الرد على إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 12 يناير الجاري، عن تمديد العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران في مجال الطاقة لمدة 120 يومًا، بالتوازي مع فرض عقوبات أمريكية جديدة على 14 شخصًا وجهة بتهمة دعم انتهاكات إيران لحقوق الإنسان وقمع المتظاهرين وتعزيز الفوضى في الشرق الأوسط، حيث جددت رفضها إجراء تعديلات على الاتفاق النووي، الذي دخل رفع العقوبات الدولية المفروضة عليها بمقتضاه عامه الثاني، في 16 من الشهر ذاته.

 كما أدانت وضع رئيس السلطة القضائية صادق لاريجاني على قائمة العقوبات، معتبرة أن ذلك يمثل "تجاوزًا للخطوط الحمراء". ويبدو أنها ستتجه خلال المرحلة القادمة إلى تبني خطوات جديدة للتعامل مع تهديدات الإدارة الأمريكية بالانسحاب من الاتفاق في حالة عدم الاستجابة لمطالبها في غضون الفترة الجديدة للتمديد، خاصة تجاه القوى الأخرى المعنية بالاتفاق النووي، وخاصة الدول الأوروبية، إلى جانب روسيا والصين.

دلالات عديدة:

يطرح الموقف الإيراني من العقوبات الأمريكية التي فرضت مؤخرًا دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- "مناعة" الاتفاق النووي: رغم أن مؤسسات عديدة داخل النظام الإيراني ما زالت تتبنى رؤية سلبية تجاه الاتفاق النووي، وترى أنه لم يضمن لإيران عوائد اقتصادية وتكنولوجية واستراتيجية يعتد بها مقابل التنازلات الكبيرة التي قدمتها، إلا أن ذلك لا ينفي أن معظمها إن لم يكن مجملها باتت تعتبر أن الاتفاق النووي ما زال محصنًا ضد الإجراءات الأمريكية المتتالية التي تستهدف، وفقًا للرؤية الإيرانية، تقويض استمرار العمل به أو دفع إيران للانسحاب منه.

وطبقًا لذلك، فإن الرئيس ترامب لم ينجح حتى الآن، رغم مرور عام على تولي إدارته مهامها، في تنفيذ وعوده بالانسحاب من الاتفاق، حيث اكتفى بفرض عقوبات جديدة لم تصل إلى مستوى العقوبات التي رفعت على إيران بمقتضى الاتفاق في 16 يناير 2016. 

ومن هنا، حرصت حكومة الرئيس روحاني على المسارعة بتأكيد قوة موقف إيران في مواجهة العقوبات الأمريكية، في محاولة غير مباشرة من جانبها لإضفاء زخم خاص على دورها في الوصول إلى اتفاق يتضمن مكاسب عديدة على عكس التحفظات التي تبديها مؤسسات عديدة داخل النظام

هذه الرؤية انعكست في تأكيد الرئيس روحاني في كلمته التي بثها التليفزيون الإيراني الرسمي، على أن "الولايات المتحدة لم تفلح في تقويض الاتفاق"، معتبرًا أن الاتفاق "انتصار طويل الأمد لإيران".

2- عواقب وخيمة للانسحاب: لم تبد إيران مرونة ملحوظة في التعامل مع التهديدات التي وجهها الرئيس ترامب عقب توقيعه على قرار تمديد تعليق العقوبات، لا سيما فيما يتعلق بتلميحه إلى أن هذا التمديد ربما يكون الأخير، في إشارة إلى احتمال انسحاب واشنطن من الاتفاق بعد انقضاء مهلته الحالية في مايو القادم. إذ اعتبرت اتجاهات عديدة في طهران أن الإدارة الأمريكية قد تكون جادة في تهديداتها، لكن العواقب الوخيمة التي يمكن أن يفرضها الانسحاب قد تدفعها في النهاية إلى الاستمرار في الاتفاق، باعتبار أن البدائل المحتملة في هذا الإطار قد لا تتوافق مع المصالح الأمريكية.

ومن هنا، حرصت إيران على تأكيد رفضها إجراء أية تعديلات في الاتفاق، معتبرة أن ذلك سوف يؤدي إلى إضعاف مناعة الاتفاق وربما ينهار في النهاية في حالة ما إذا توافقت الأطراف المعنية به على هذه التعديلات. فضلاً عن أنها تعتبر أن الاستجابة لتلك التهديدات سوف توجه رسائل خاطئة للقوى الدولية، ولا سيما الولايات المتحدة، بأن التهديدات تنجح في ممارسة ضغوط على إيران تضطرها إلى تغيير سياستها، بشكل يمكن أن يدفعها إلى محاولة تبني الآلية نفسها في الملفات الخلافية الأخرى، وفي مقدمتها برنامج الصواريخ الباليستية، والدعم الإيراني المستمر للميليشيات الإرهابية والمسلحة في المنطقة.

ومن هنا، سعى النظام الإيراني إلى دعم الرفض الذي أبدته الحكومة لإجراء تعديلات في الاتفاق، حيث قال رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني، في 14 يناير، أن "مجلس الشورى يرفض أى تعديل في هيكلية الاتفاق النووي"، معتبرًا أن "التغييرات التي تحدث عنها ترامب تعني تدميره بشكل كامل".

3- صراع على أوروبا: ترى إيران أن الطرف المعني بالتهديدات الأمريكية الجديدة بشكل مباشر هو الدول الأوروبية، ولا سيما الدول التي تتبنى مقاربات عديدة تجاه إيران، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، حيث أن الإدارة الأمريكية سعت من خلال تلك التهديدات، في رؤية طهران، إلى ممارسة ضغوط قوية على الدول الأوروبية من أجل محاولة الانخراط في تفاهمات سياسية وأمنية جديدة مع طهران لدفعها إلى الاستجابة للمطالب الأمريكية، مستغلة في هذا السياق الاستثمارات الأوروبية في إيران كآلية للضغط عليها.

ولذا كان لافتًا أن إيران حاولت التقليل من أهمية تأثير الاستثمارات الأوروبية على موقفها من الاتفاق النووي أو حتى من العلاقات مع الدول الأوروبية.

ففي هذا السياق، قال عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية للشئون القانونية والدولية، الذي يتولى مهمة التواصل مع مسئولي الدول الأوروبية واستقطاب تأييدهم للسياسة الإيرانية في مواجهة ضغوط واشنطن، أنه "من الخطأ تصور أن دفاع الاتحاد الأوروبي عن الاتفاق نابع من المصالح الاقتصادية"، مشيرًا إلى أن "حجم التجارة الأوروبية مع إيران، والذي ارتفع بعد الوصول للاتفاق النووي، يصل إلى 20 مليار دولار، في حين أن إجمالي التجارة الأوروبية مع الولايات المتحدة يبلغ 600 مليار دولار". 

هذه التصريحات تكشف أن إيران ما زالت تعتبر أن استمرار العمل بالاتفاق النووي يمثل أولوية خاصة للدول الأوروبية، التي تبدو معنية بذلك، وفقًا لرؤيتها، أكثر من الولايات المتحدة، باعتبار أنها الأقرب إلى منطقة الشرق الأوسط وأنها ستكون أولى الأطراف التي يمكن أن تواجه تداعيات سلبية في حالة انهيار هذا الاتفاق والعودة إلى المربع الأول للأزمة النووية من جديد، أى إلى مرحلة ما قبل الوصول للاتفاق ورفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران.

4- تصعيد غير مسبوق: مع أن إيران ما زالت ترى أن العقوبات الأمريكية المفروضة عليها لم تصل إلى المستوى الذي يمكن أن ينتج تأثيرات سلبية، إلا أن حرص واشنطن، هذه المرة، على ضم شخصيات رئيسية نافذة لقائمة العقوبات، على غرار رئيس السلطة القضائية، قوبل بردود فعل متشددة من جانب طهران.

إذ أن هذا الاتجاه الجديد معناه أن واشنطن قد تقدم على خطوة أكثر تصعيدًا في مرحلة لاحقة بضم قيادات أخرى بارزة في النظام لقائمة العقوبات، فضلاً عن أن هذه الخطوة ألقت بمزيد من الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان، وهو الملف الذي تتعامل إيران معه بحذر شديد في الفترة الحالية، في ظل خشيتها من أن يتحول إلى نقطة انطلاق لتكوين حشد دولي مناهض لتلك الانتهاكات، وخاصة التي نتجت عن السياسة القمعية التي اتبعتها السلطات في التعامل مع الاحتجاجات التي بدأت في 28 ديسمبر 2017 ولم تنته بعد، وعن الدعم الإيراني المستمر للتنظيمات الإرهابية والمتشددة الموجودة في دول الأزمات، بشكل يمكن أن يعرقل جهود إيران لتحسين علاقاتها مع القوى الدولية، في مرحلة ما بعد الوصول للصفقة النووي. 

وفي النهاية، يمكن القول إن إيران سوف تتجه خلال المرحلة القادمة إلى تدشين مرحلة جديدة من جهودها الدبلوماسية التي تسعى من خلالها إلى دفع القوى الدولية نحو معارضة التهديدات الأمريكية وتعزيز موقف إيران في مواجهتها، باعتبار أنها ما زالت تعول على الاتفاق النووي، الذي ترى أن استمراره في المرحلة الحالية يكتسب أهمية وزخمًا خاصًا في ظل الضغوط القوية التي فرضتها الاحتجاجات الداخلية على النظام خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة.