أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أَلْسِنَة مذهبية:

التوظيفات السياسية لوكالات الأنباء الإيرانية الناطقة بالعربية

09 فبراير، 2017


تزامن مع انخراط إيران غير المسبوق في شئون المنطقة العربية، لا سيما بعد الغزو الأمريكي للعراق في 2003، تطويرها استراتيجية إعلامية هجومية في تغطيتها للصراعات الإقليمية. وقد شملت هذه الاستراتيجية، إطلاق إيران منصات إعلامية ضخمة، كثير منها يقدم رسالته الإعلامية بنصف دستة من اللغات الأجنبية، بهدف خلق رأي عام مؤيد لها في مناطق نفوذها الجديدة.

ومن هذه المنصات التي دشنتها طهران بلغات مختلفة، في القلب منها اللغة العربية، ما تسميه بـ«وكالات أنباء»، وهي مواقع إلكترونية إخبارية، لها سمة تعبوية، لا تخطئها عين، في صياغة الأخبار التي تنشرها، أو التحليلات التي تصوغها. ويتراوح عدد هذه الوكالات ما بين 15 إلى 20 وكالة، من أشهرها أربع وكالات جديدة: «وكالة أنباء فارس»، و«وكالة مهر للأنباء»، و«وكالة أنباء الطلبة الإيرانية» المعروفة اختصارًا باسم «وكالة إسنا للأنباء»، و«وكالة العمال الإيرانية للأنباء» المعروفة اختصارًا باسم «وكالة إيلنا للأنباء».

وتؤدي «وكالات الأنباء» هذه وظيفتين أساسيتين؛ أولاهما تقديم خطاب إعلامي داعم للثورة الإيرانية، بما يعنيه هذا من تجميل صورة طهران، والترويج للنموذج الذي تعتمده والقضايا التي تتبناها. وتشمل هذه المهمة الإيحاء بوجود تناغم مجتمعي وتوافق سياسي بين جميع الفرقاء في الداخل، ومن ثم فمن غير المتوقع أن تعكس النشرات الإخبارية العربية لهذه «الوكالات» الخلافات السياسية، والصراع داخل أجنحة النظام الإيراني، ناهيك عن إبراز وجهات نظر ربما تناوئ خطاب النظام الحاكم في البلاد. 

أما ثاني هذه المهام، فهو توظيف لغة الأخبار لدعم حلفاء إيران في المنطقة، وفي الوقت ذاته شن هجوم شامل على خصومها. وتتضمن استراتيجية «الدفاع عن الحلفاء والهجوم على الخصوم» تبني مفردات لغة غير حيادية، تصبح مرجعًا في الصراع السياسي. فاستخدام لفظة «الإرهاب» محصور في توصيف أعمال العنف التي يتضرر منها حلفاء طهران (حتى لو كان استخدام العنف متبادلًا بين طرفين مسلحين). فيما يحتكر حلفاء طهران لفظة «المقاومة» لوصف أي أعمال عسكرية يشنونها. ويتسع القاموس الخبري لهذه الوكالات ليشمل مفردات منفرة لوصف الخصوم، فيما يظهر سخاء هذه الوكالات في إسباغ الخصال الحميدة على قادة طهران وحلفائها في لبنان وسوريا واليمن.

صناعة أخبار النظام:

سريعًا وبعد اندلاع الثورة الإيرانية في عام 1979، دشن نظام الحكم الجديد عملية تغيير شامل للمشهد الإعلامي الثري في البلاد (الثراء هنا يعني وفرة الإنتاج والاستهلاك وليس ديمقراطية المحتوى). فاتخذ النظام عدة خطوات لإحكام القبضة على حركة المعلومات في المجتمع، منها إعادة هيكلة «وكالة فارس» (Pars Agency) وتحويلها إلى منصة خبرية مهمتها الحصرية هي الدفاع عن «الثورة الإسلامية» الوليدة. فبدّل النظام اسمها إلى «وكالة أنباء إرنا» (IRNA) (http://www.irna.ir/ar)، وهي الحروف الأولى من الترجمة الإنجليزية لـ«وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية» (Islamic Republic News Agency)، كما طُرد معظم صحفييها، وعُينت الأصوات الموالية له في المناصب القيادية بالوكالة. وقد أفقدت هذه التغييرات «وكالة فارس»، التي كانت تعتبر واحدة من أقدم وكالات الأنباء في منطقة الشرق الأوسط، حيويتها، وأصبحت ذراعًا من أذرع الإعلام الموجه توجيهًا صارمًا في إيران الثورة. 

ولسنوات طويلة، شكلت «وكالة أنباء إرنا»، مصدرًا مركزيًّا للأخبار على الساحة الإيرانية، مستفيدة من قربها من دوائر الحكم، وكذلك بسبب التمويل السخي الذي تتلقاه من موازنة الدولة، ما مكنها من فتح 60 مكتبًا داخل البلاد، و30 مكتبًا في خارجها، والإنفاق على إصدار نشرات إخبارية بسبع لغات إضافة إلى الفارسية. 

ومع تبوُّؤ الرئيس السابق محمد خاتمي مقعد الرئاسة في البلاد في عام 1997، انفتح المجال الإعلامي في البلاد انفتاحًا واضحًا. كان خاتمي شخصية إصلاحية، بشرت بإحداث نقلة في السياسة الإيرانية، داخليًّا بتخفيف القيود على المواطنين وتوسيع نطاق الحريات، وخارجيًّا بمد جسور التواصل مع مختلف دول العالم. وقد التقط الإعلام سريعًا هذه التحولات، فشهدت وكالة الأنباء الرسمية «إرنا»، تحولًا ملحوظًا في مضمون محتواها الخبري، أبعدها قليلًا عن خطاب التعبئة والتحريض، إذ تبنت خطابًا إصلاحيًّا حاول أن يعكس تنوع الرؤى السياسية والاجتماعية.

كما عبَّد الطريق لتأسيس منصات إعلامية جديدة، منها «وكالات أنباء» جديدة تعبر عن القوى المختلفة في البلاد. فتأسست في عام 1999 «وكالة أنباء الطلبة الإيرانية: إسنا» (http://ar.isna.ir/)، لتحقن المشهد الإيراني بأخبار عن طلبة الجامعات وواقع التعليم العالي في البلاد. وسرعان ما اتسع نطاق تغطية «وكالة أنباء الطلبة»، لترصد أخبار السياسة والاجتماع والاقتصاد، كما تجاوزت البعد المحلي، فغطت أخبارًا لها علاقة بما يحدث في الشرق الأوسط ككل. 

وعلى المنوال نفسه، تأسست «وكالة العمال الإيرانية للأنباء: إيلنا» (http://www.ilna.ir/ar)، في عام 2003، بهدف تغطية أحوال عمال البلاد وقضاياهم. واتسع نطاق تغطية هذه الوكالة، ليشمل قائمة متكاملة من التغطيات الخبرية. 

وقد انتمت هاتان الوكالتان فكريًّا إلى التيار الإصلاحي الذي بشر به خاتمي. لكن في المقابل، أنفقت القوى المحافظة بسخاء لتأسيس وكالات أنباء تعبر عنها كـ«وكالة مهر للأنباء» (ar.mehrnews.com)، و«وكالة أنباء فارس» (http://ar.farsnews.com/).

وساهمت جملة من العوامل والمتغيرات في رفع الطلب على تصفح هذه الوكالات، ما حولها إلى المصدر الرئيسي للأخبار عن البلاد.

فقد أصبح العالم شديد الاهتمام بإيران بفعل ما شهده إقليم الشرق الأوسط من تبدل أحوال، خاصة بعد غزو العراق، واندفاع طهران غير المسبوق إلى احتلال مواقع في المنطقة العربية مستغلة الاضطراب السياسي العنيف الناجم عن إسقاط نظام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين. كما جذبت إيران أنظار العالم بفعل الهيمنة المتسارعة لتيار المتشددين، خاصة في السنوات الأخيرة لحكم خاتمي، قبل أن يُحكم هذا التيار قبضته على مؤسسات البلاد كلية في السنوات التالية لصعود الرئيس المتشدد محمود أحمد نجادي. لهذا كانت هذه المنصات الخبرية مصدرًا حيويًّا للحصول على الأخبار من الداخل الإيراني، أخذًا في الاعتبار محدودية حركة مراسلي وكالات الأنباء الأجنبية، والعقبات التي تعترضهم في رحلة الحصول على الأخبار.


سمات عامة:

«وكالات الأنباء» هذه أقرب إلى مواقع إلكترونية خبرية، فهي تعتمد التبويب الشائع في مواقع الأخبار التقليدية. فالتبويب في «وكالة مهر للأنباء» مثلا يشمل أقسام: «الرئيسية، الأخبار، إيران، العربية، الدولية، السياسة، الاقتصاد، الثقافة، العلوم، الاجتماعي، الرياضة، الصور، الكاريكاتير، الفيديو، الرأي». وهو ما لا يختلف جوهريًّا عن التبويب في «وكالة أنباء الطلبة»، وإن كانت الأخيرة أكثر اقتصادًا في أبوابها: «الرئيسية، الاجتماع، العلوم، الاقتصاد، السیاسة، الثقافة والفن، الریاضة، التقاریر المصورة».

وتراعي جميع هذه الوكالات القواعد العامة للصياغة الخبرية باللغة العربية، فتتجنب عادة الأخطاء اللغوية والنحوية والصرفية في كتابة الأخبار. لكن اللغة العربية التي تستخدمها ليست بأرقى مستويات الصياغة الخبرية بالعربية، مقارنة بالصياغة الخبرية المحكمة للخدمة العربية في وكالات الأنباء الكبرى: رويترز، ووكالة الأنباء الفرنسية، ووكالة أسوشيتد برس. 

وخلافًا للسواد الأعظم من وكالات الأنباء المعروفة، تقدم وكالات الأنباء الإيرانية محتوى مجانيًّا لا يتطلب اشتراكًا ماليًّا نظير الحصول على الأخبار. فجميع الأخبار والتحليلات متاحة للجمهور العام، حتى دون تسجيل في موقع الوكالة. ويُستثنى من ذلك أرشيف الصور الضخم الذي تمتلكه وكالة «إرنا»، وهو ما يتطلب مقابلًا ماليًّا للحصول عليه.

تسييس الخبر:

لعبت ظروف النشأة دورًا ملموسًا في تسييس رسالة هذه الوكالات. فهي في النهاية ليست منصات إعلامية مهنية، تقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف، مهمتها تغطية الأحداث وتقديم خدمة خبرية نزيهة وحيادية؛ وإنما هي -منذ نشأتها- لسان حال الاتجاهات الفكرية والسياسية، وتعبيرًا عن علاقات القوى داخل النظام السياسي الإيراني. هي في النهاية، حيز لإنتاج أخبار تخدم الأجهزة المتصارعة في النظام السياسي الإيراني. ومدى استقلالية كل وكالة من عدمه مرتبط بتحولات المجال السياسي في الداخل الإيراني. 

فعندما حكم البلاد رئيس إصلاحي مثل محمد خاتمي، انعكس حكمه، خاصة في ولايته الأولى، على تنوع القيمة الخبرية التي تقدمها وكالة إرنا مثلا، فتمتعت بحرية أكبر في نقل طائفة أوسع من الآراء والتغطيات. كما تمتعت وكالة أنباء الطلبة الوليدة بحرية أكبر في تناول القضايا السياسية، وكذلك في نقد أداء بعض مؤسسات النظام. 

إلا أن مشهد الاستقلالية انقلب كليةً مع مجيء الرئيس المتشدد أحمدي نجاد إلى سدة الحكم في عام 2005، وتزايد هيمنة تيار المتشددين في البلاد على مقاليد السلطة. وبحلول عام 2008، تحولت جميع هذه الوكالات إلى تبني الخط المحافظ، فعادت «إرنا» لتتبنى مواقف أكثر تشددًا، ظهرت بجلاء في تغطيتها الناقدة والمنددة بالحراك السياسي الداخلي الذي ضرب البلاد في 2009.

وارتدّت وكالة الطلبة، بعد سنوات من التضييق الحكومي، إلى اعتناق رؤى محافظة. وقد سهل من عملية التحول نحو التشدد هذه، قدرة النظام الفائقة على التلاعب في القيادات التحريرية لهذه الوكالات. فمديرو الوكالات خليط من صحفيين رسميين، وموظفين نافذين في دوائر الدولة، أو محاربين قدماء من ذوي النزعات العسكرية التوسعية، وجميعهم يُعيّن من قبل النظام أو من الأجهزة القريبة منه. وحتى لو أبدت بعض الوكالات بعض المقاومة، فالأمر يسير على النظام بأن يوقف الوكالة عامًا أو عامين، وأن يفصل صحفييها، ويُغيّر قياداتها.

ولهذا الطابع المسيس لوكالات الأنباء آثاره الواضحة على صناعة المحتوى الخبري. فمن ناحية أولى، فالأخبار لا تتاح على قدر المساواة لجميع الوكالات؛ إذ إن قدرة الوكالة في الحصول على الأخبار تعتمد على الفصيل/ الجناح/ التيار الذي تعبر عنه. لذا فوكالة إرنا أكثر حظًّا في الحصول على الأخبار الرسمية، نظرًا لأنها الوكالة المملوكة للدولة. ولكنّ هذا لا يعني أن لوكالة إرنا قصب السبق في جميع الأخبار، إذ إنها تواجه بمنافسة حادة من وكالة أنباء فارس مثلا التي يعتبرها البعض مصدرًا مركزيًّا للأخبار عن الداخل الإيراني.

ومن ناحية ثانية، ونظرًا لطبيعة هذه الوكالات المعقدة، يبدو من العسير على محرر الشئون الإيرانية في خارج البلاد صياغة خبر كامل بناء على ما تقدمه وكالة واحدة. فأحيانًا يعتمد المحرر على وكالتين أو أكثر ليس لتجويد الخبر، ولكن لصياغة العناصر الأساسية في الحدث. والأمثلة على هذا متنوعة، ومنها -على سبيل المثال لا الحصر- الخبر الذي أوردته وكالة رويترز للأنباء عن زيارة يوكيا أمانو، مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إلى طهران في ديسمبر الماضي. إذ احتاجت رويترز إلى نقل تغطية وكالتين، هما وكالة إرنا ووكالة أنباء فارس حتى تتعرف على مضمون تصريحات أمانو وتصريحات الرئيس الإيراني حسن روحاني خلال لقائهما معًا .

القائد محورًا للخبر:

تعتمد التغطية الخبرية في هذه الوكالات على تصور سائد، وانطباع مهيمن، مفاده امتلاك المرشد الإيراني الأعلى الصوابية الدينية والسياسية المطلقة. فهو الأعلم بشئون الإسلام، وهو الأقدر على حسم الخلافات في أمور الدنيا والدين. لهذا تتصدر صورة المرشد علي خامنئي (يُكتب اسمه في هذه الوكالات: الخامنئي) بعض مواقع هذه الوكالات (كوكالة الطلبة مثلا). وتمثل تغطية الفاعليات التي يكون طرفها أولوية خبرية. ولتصريحات المرشد الصدارة، حتى على حساب أخبار أكثر أهمية محليًّا وإقليميًّا وعالميًّا. وهذه الوكالات تتفق على توصيفات مفخمة للمرشد. فهو «قائد الثورة الإسلامية سماحة آية الله العظمى السيد علي الخامنئي» (وكالة إرنا). وهو «قائد الثورة الإسلامیة آیة الله العظمى السید علي الخامنئي» (وكالة أهل البيت (ع) للأنباء – ابنا). وهو «قائد الثورة الإسلامية آية الله السيد علي الخامنئي» (وكالة فارس).

وجرت العادة بأن تنسخ هذه الوكالات الأخبار الصادرة عن موقع المرشد (http://www.leader.ir/ar) بالعناوين والصياغة ذاتها، دون أن تضع عليها أي جهد تحريري ذي قيمة. ما يؤدي إلى تكرار الخبر في منابر مختلفة. وهي مرحلة تتعدى "تكرار الأخبار" (News Repetition) إلى مرحلة "قص ولصق الأخبار" (Copy & Paste news items). وهي آفات صحفية، تصيب العمل الصحفي في مقتل. فمثلا في معرض بيانه لتأبين الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني، قال بيان صادر عن المرشد «فقدان رفيق الدرب القديم ورفيق السلاح والزميل المقرّب، أمرٌ صعبٌ ومؤلم»، وقد نسخت معظم الوكالات هذه الجملة كما هي، أما تلك التي حاولت تغيير الصياغة، فقد استخدمت عبارة «رفيق الدرب القديم ورفيق السلاح». وتغطيات الوكالات جميعها، ذكرت مناقب الرمز السياسي الراحل، دون أي دلالات لما يعنيه غيابه عن المشهد الإيراني، خاصة وأن رفسنجاني كان الاسم الأبرز لخلافة خامنئي.(1)

لغة الأبوية السياسية:

تطغى في صياغة الأخبار في هذه الوكالات لغة «الأبوية السياسية»، وإضفاء مسحة مثالية على كل ما تقدم عليه إيران من أفعال. فعند قراءة الأخبار المنقولة عن تصريحات يطلقها رموز النظام، لا نقرأ خبرًا، وإنما شعورًا متضخمًا بالذات السياسية. خذ مثلا، احتفاء هذه الوكالات الدائم بأي تعليقات طرفها اللواء قاسم سليماني، القائد البارز بالحرس الثوري الإيراني. فالأخبار تُصاغ للتأكيد على مكانة إيران ودورها القيادي، ورؤيتها الصائبة إقليميًّا وعالميًّا. هذه أمثلة من عناوين لأخبار نشرتها «وكالة أنباء فارس»:

«اللواء سليماني: سر انتصارات إيران يتمثل بالاعتماد على القيادة والشعب» (وكالة فارس: 8 ديسمبر 2016). 

«اللواء سليماني: ندافع عن الإسلام وإيران في سوريا.. تم تشكيل داعش من أجل مواجهة إيران» (وكالة تسنيم: 5 أكتوبر 2016).

«اللواء سليماني: لولا مساعدة إيران لسيطر داعش على كل سوريا» (وكالة فارس: 23 مايو 2016).

«اللواء سليماني: الدفاع عن الجمهورية الإسلامية دفاع عن الإسلام» (وكالة أنباء التقريب: 3 مايو 2016) .(2)

واللغة التي تستخدمها هذه الوكالات في صياغة الأخبار تعبر عن توحد مزعوم بين نخبة الحكم والشعب، وأن السياسة الخارجية الإيرانية قائمة على أساس من التوحد الداخلي بين مختلف الفرقاء. لذا فهذه الوكالات إجمالًا لا تغطي حدثًا سياسيًّا، وإنما توظف الحدث خبريًّا لخدمة الصورة الأعم، وهي أن إيران نموذج الحكم والسياسة الذي يجب أن يُحتذى.

تصدير صورة التوافق:

لا يخلو المشهد السياسي الداخلي في إيران، وصراعات القوى فيه، من التعقيد. لكن النشرات العربية لوكالات الأنباء الإيرانية لا تبرز هذا التعقيد والصراع. فهي لا تغطي أخبار الاختلافات، ولا تلتفت للصراعات الاجتماعية، ولا الإخفاقات السياسية أو الأزمات الاقتصادية. هي منصات تتحدث دومًا عن الإنجازات التي تحققها إيران داخليًّا وخارجيًّا، وكذلك عن حالة التوافق العام المزعوم حيال القضايا الكبرى.

والمثال الأبرز على ذلك ما صدرته هذه الوكالات من وجود حالة توافق داخلي وإجماع حول الاتفاق الذي وقّعته إيران في عام 2015 مع القوى الغربية أو «مجموعة خمسة + واحد» (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن وألمانيا). وغرض الاتفاق ببساطة هو الحد من أنشطة إيران النووية، مقابل تخفيف العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها. وهذه الصيغة ستُغضب القوى المتشددة في الداخل التي طالما وضعت من البرنامج النووي الإيراني خطًّا أحمر لا يجوز المساس به، لذا بذل المرشد الإيراني مجهودًا مضاعفًا لتسويق الاتفاق داخليًّا، وإقناع القوى المتشددة بإيجابيات هذا الاتفاق مع الولايات المتحدة التي طالما أُشير إليها بوصفها «الشيطان الأعظم».

وعبّر المرشد عن الموقف النهائي من الاتفاق عند استقباله كل رموز النظام في يونيو 2015. ففي هذا اللقاء (اقتباس بالنص من موقع المرشد): «أشار إلى نقاط حاسمة وبالغة الأهمية في خصوص المفاوضات النوویة، وأعلن عن الخطوط الحمراء لإیران في الملف النووي وشرحها مؤکدًا: الأمريكان يسعون لتدمير الصناعة النوویة الإیرانیة، وفي المقابل فإن کافة المسئولین الإیرانیین یشددون علی الخطوط الحمراء ویسعون في الوقت نفسه لإبرام اتفاق جید، أي اتفاق منصف وعادل یحفظ العزة ویتطابق مع المصالح الإیرانیة» .(3)

لذا جاء تناول وكالات الأنباء (وغيرها من منصات إعلامية) للاتفاق النووي مرددًا للخطوط الأساسية التي عبر عنها خامنئي: تفوق المفاوض الإيراني في المفاوضات الماراثونية، ومع ذلك فإن أجهزة الدولة ستفحص الاتفاق وتقيمه تقييمًا شاملًا قبل التوقيع. ومع أن الاتفاق يعني أن إيران لن تقف في مواجهة الولايات المتحدة، إلا أن هذا لا يعني أنها ستتخلى عن حلفائها الإقليميين. ومع أن الاتفاق معقد ومهم، لكن لا ينبغي لأي طرف أن ينتقد الاتفاق.

لغة دعم الحلفاء:

توجه هذه الوكالات جزءًا معتبرًا من التغطية الصحفية إلى متابعة الأزمات السياسية الداخلية لدول المنطقة العربية. وترتفع جرعة التغطية عندما يكون أحد حلفاء إيران طرفًا في الأزمة السياسية. هنا تبدأ لعبة المفاهيم المراوغة في الظهور، فيُصور الحليف على أنه جزء من مشروع «المقاومة» و«الممانعة» الذي تقوده طهران. وتتماهى هذه الوكالات مع خطاب نظام الحكم الإيراني في إسباغ توصيفات فيها قدر كبير من المبالغة للأزمات السياسية في دول مثل لبنان والعراق وأخيرًا اليمن. في هذا البلد الأخير مثلا، تتجاهل هذه الوكالات سياق الأزمة اليمنية ككل: استيلاء جماعة أنصار الله الحوثية على مقاليد الحكم في اليمن بقوة السلاح، والسيطرة الدامية على العاصمة صنعاء، والإطاحة بالرئيس المعترف به دوليًّا عبدربه منصور هادي.

وفي المقابل، تعمد إلى تصوير النزاع بين الأطراف المتناحرة هناك على أنه انتصار للثورة الإيرانية، وأن جماعة أنصار الله الحوثية تمثل نموذجًا للصحوة الإسلامية .(4) وهي لا تذكر اسم عبدالملك الحوثي زعيم الحوثيين إلا مسبوقًا بوصف «قائد الثورة اليمنية» .(5)

علاوةً على ذلك، تذهب لغة الأخبار في هذه الوكالات بعيدًا في إلصاق كل نقيصة لخصومها. فالخراب الحادث في اليمن، وفقًا لخطاب هذه الوكالات، هو مسئولية الطرف المناوئ لطهران. وهذا الطرف المناوئ لا يتمتع بأي فضيلة. فالرئيس منصور هادي مثلا هو «الرئيس الهارب للسعودية» (وكالة فارس)، وهو «الرئيس المستقيل» (إرنا وإسنا)، وهو «رئيس الشرعية المزعومة» (وكالة فارس). أما باقي أعضاء الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًّا فهم: «جماعة هادي» (إرنا)، «الميلشيات المدعومة سعوديًّا» (وكالة مهر)، «الرئيس اليمني الفار» (وكالة فارس)، «قتلى لميليشيات هادي» (إرنا). 

وتشمل لغة دعم الحلفاء الانتقائية في التغطية الخبرية، حيث تُعنَى هذه الوكالات عناية فائقة بتقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية، حكومية أو غير حكومية، حول الانتهاكات التي يُتهم بارتكابها خصوم طهران. لذا تنقل هذه الوكالات تقارير المنظمات وبياناتها حول أوضاع حقوق الإنسان في دول الخليج، خاصة البحرين. ولكن لا توجد أي إشارة لأية انتهاكات تتعلق بالداخل الإيراني، أو تلك التي يرتكبها حلفاء طهران (سوريا، حزب الله، الحوثي).

المصادر:

1- انظر الخبر: أمانو: إيران ملتزمة بتنفيذ الاتفاق النووي، وكالة رويترز، 18 ديسمبر 2016، الرابط: 

http://ara.reuters.com/article/worldNews/idARAKBN14709D?sp=true

2 - روابط هذه التصريحات الأربعة بالترتيب: 

http://ar.farsnews.com/iran/news/13950918000124

https://goo.gl/UIbskX

http://ar.farsnews.com/iran/news/13950303001287

http://taghribnews.com/vdcb0gb59rhbf5p.kuur.html

 3- قائد الثورة الإسلامية المعظم خلال استقباله رؤساء السلطات الثلاث وكبار مسئولي البلاد، الموقع الإلكتروني للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، الرابط: http://bit.ly/2kevJfo

 4- محلل ايراني: الثورة اليمنية نموذج للصحوة الإسلامية، وكالة إرنا، 1 يناير 2017، 

http://www.irna.ir/ar/News/82370128/

5 - دبلوماسي يمني: منصور هادي يُصر على تنفيذ مطالب سعودية أمريكية، وكالة أنباء فارس: 15 ديسمبر 2016، http://ar.farsnews.com/allstories/news/13950924001588