أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تحديات القيادة:

اتجاهات التنافس الجيواقتصادي الأمريكي الصيني

18 مايو، 2024

تحديات القيادة:

في إطار متابعة تحولات النظام الدولي ومواقع القوى الكبرى فيه، عقد مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" حلقة نقاشية تحت عنوان: "التنافس الجيواقتصادي بين الولايات المتحدة والصين: وجهة نظر أوروبية"، حاضر فيها هاميش ماكري، الكاتب الصحافي البريطاني المتخصص في الشؤون المالية والاقتصادية، والمحرر الاقتصادي السابق في صحيفتي الإندبندنت والغارديان البريطانيتين، ومؤلف كتاب "العالم في 2050: كيف نفكر في المستقبل؟" والذي صدرت ترجمته مؤخراً عن مركز "المستقبل". وقد أشار ماكري في حلقة النقاش إلى النقاط الرئيسية التالية:

1- وضعية الاقتصاد الدولي المعولمة: على الرغم من وجود إشارات متزايدة حول تزايد انقسام النظام الدولي واتجاهه نحو تآكل العولمة، فإنه من المؤكد أن العولمة تعمل بآليات أقرب إلى قوى الطبيعة وقوانين الجاذبية. واستند ماكري في هذا التقدير إلى مقولات الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، كوفي عنان، ورجل الأعمال الصيني الشهير، جاك ما، الذي تحدث عن ضرورة استمرار قوى العولمة في النمو؛ إذ إن توقف التجارة والمعاملات الاقتصادية بين الدول، يعني بالضرورة اندلاع الحرب. ووفقاً لبيان منظمة التجارة العالمية، ومنظمة "الأونكتاد"، فإن حجم التجارة العالمية آخذ في التصاعد منذ عام 1870، ولم يتراجع سوى في فترات الحروب العالمية. وقد بلغت التجارة العالمية ذروتها في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ثم أخذت في التراجع، إلا أنه تراجع لا يُقارن بذلك الذي شهده العالم في فترة الحرب العالمية الثانية، ومن غير المتوقع أن يصل إلى هذا الحد. 

2- التنافس الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين: من الضروري فهم هذا التنافس في إطار اختلاف توزيع نصيب القوى الدولية من الاقتصاد العالمي عبر القرون الماضية. ووفقاً لهذا المنظور، كانت الهند القوة الاقتصادية الأكبر عالمياً في مطلع الألفية الثانية، وتساوى حجم الاقتصادين الهندي والصينـي في مطلع القرن السادس عشر. ولم تبدأ هيمنة الولايات المتحدة على المشهد الاقتصادي العالمي سوى بعد الحرب العالمية الثانية. ووفقاً لتقديرات حجم الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050، سيبلغ نصيب الصين من الاقتصاد العالمي نحو 23%، متجاوزة الولايات المتحدة بـ1% فقط. أما الهند، فلن يتجاوز حينها حجم نصيبها من الاقتصاد العالمي 10%. وبالنسبة للصين، فإن صعودها الاقتصادي ليس إلا عودة لوضعها السابق. لكن بالنسبة للولايات المتحدة، فإن هذا الصعود يمثل خصماً من هيمنتها الاقتصادية على العالم. 

3- تراجع أوروبي: في مقابل استمرار تأثير الولايات المتحدة في الاقتصاد العالمي مدفوعة بقوة الابتكار وحيوية السكان، ومع عودة الصين والهند لأداء دور أكبر في الاقتصاد العالمي؛ سيستمر تدهور أوروبا لأسباب عديدة. وعلى رأس هذه الأسباب، شيخوخة ونقص عدد السكان، وعدم وجود موقف أوروبي تجاري موحد؛ إذ تختل أولويات كل القوى الأوروبية وفقاً لاحتياجاتها. ومن المُلاحظ أن بكين تحاول استغلال هذا الانقسام في المواقف الأوروبية لصالحها؛ لتعزيز وجودها الاقتصادي في تلك القارة، وإثناء دول أوروبا عن التحالف الاقتصادي والجيوسياسي مع واشنطن. أما المملكة المتحدة ذات العلاقات الأقرب مع الولايات المتحدة، والتي غادرت الاتحاد الأوروبي وفقاً لاتفاق "بريكست"، فإنها لم تحدد بعد الفرص والتحديات التي يفرضها التنافس الصينـي الأمريكي. 

وفي حالة تحول التنافس الصينـي الأمريكي الحالي إلى حرب تجارية أو صراع جيواقتصادي واضح، ستتجه أوروبا حتماً للتحالف مع الولايات المتحدة. ولكن بشكل عام، ستكون هناك خلافات دقيقة بين الموقفين الأوروبي والأمريكي؛ إذ ستكون أوروبا حريصة على إيجاد أي صيغة للتعاون الدولي. لذا، فما تقوم به القوى الأوروبية حالياً هو الاستمرار في التعاون بين الجانبين، مع إعادة تقييم نيات الصين، وما إذا كانت تنوي التركيز على أهداف التجارة والتعاون المشترك، أم الاتجاه نحو شن حروب تجارية. 

4- تقييم قوة الصين الاقتصادية: إلى جانب إعادة تقييم نيات بكين، ينبغي أيضاً تحديد مدى جدية التهديد الصينـي. وبالنسبة لماكري، قد تبدو الصين حالياً في صعود بحساب الأرقام، وربما تزيح الولايات المتحدة عن مركز الاقتصاد الأكبر في العالم، إلا أنها تواجه مشكلة خطرة تتمثل في وجود تشوهات ديمغرافية؛ فالمجتمع الصينـي شائخ، وستواجه مخططات النمو الصينـي تحديات من قِبل توفير العمالة اللازمة للنمو والتشغيل، فضلاً عن التركيز على اقتصاد دعم الفئات الأكبر عمراً، وضرورة إعادة هيكلة الاقتصاد كي يركز على خدمات الطبقة الوسطى، وبالتالي التحول إلى الخدمات بدلاً من نموذج الإنتاج الكبير الموجه للنمو. أما الولايات المتحدة، فإنها تتمتع بحيوية سكانية بسبب استمرار جاذبيتها كوجهة للهجرة العالمية، على عكس الصين. لذا، فالسيناريو الأقرب أن الولايات المتحدة ستعود في العقود المقبلة، بعد تراجع قصير، لتتصدر الاقتصاد العالمي مرة أخرى.

ويُقيم ماكري وضع الاقتصاد الصيني، بأنه مهم جداً وضروري للاقتصاد العالمي؛ من حيث امتلاك الصين للعديد من الموارد الطبيعية ومصادر الطاقة المتجددة. كما أن بكين تقدمت بشكل كبير في بعض أوجه التكنولوجيا الرقمية والحيوية المتقدمة، إلا أنها حتى الآن ليست دولة رائدة في اقتصاد الخدمات، وهو الاقتصاد الضروري في ظل تحول الديمغرافيا نحو الطبقة الوسطى. وتتنافس الصين حالياً مع الولايات المتحدة على اقتصاد الذكاء الاصطناعي، وتمكنت من تطوير بعض التقنيات الماهرة، بيد أنها لم تصل إلى مرحلة الابتكار بعد. والعقبة الرئيسة الآن للصين، هي صعوبة تحولها إلى بلد جاذب لهجرات العمالة والخبرات التقنية المتقدمة. 

لذا، يمكن القول، وفقاً لماكري، إن نمو الصين غير مستدام، ومن الصعب أن يحقق الانتقال على عدة مستويات أو أن يحشد الموارد الضرورية لبناء اقتصاد الرعاية الاجتماعية. وفي الوقت نفسه، سيكون من الصعب على القيادة الحالية أو حتى المقبلة في الحزب الشيوعي الصيني أن تتراجع عن طموحات النمو والتوسع؛ لذا قد تواجه هذه القيادة صعوبات كبيرة وربما تحولات غير متوقعة خلال العقد المقبل، وعليها الآن أن تصل إلى نهاية هذا العقد دون الدخول في صراع داخلي أو خارجي يحول دون الاستمرار في النمو.  

وفي ختام حلقة النقاش، أكد ماكري أن ما سبق لا يعني أن الطريق سيكون ممهداً أمام الولايات المتحدة لترسيخ هيمنتها؛ إذ تعاني واشنطن من أزمات حقيقية وعميقة تهدد تماسكها الداخلي. وتحولت السياسة الداخلية الأمريكية إلى حالة الاستقطاب الكامل والحاد بين اليسار واليمين؛ إذ أصبح من الصعب الآن الوصول إلى حالة إجماع على المستقبل. وتزيد هذه الحالة من احتمالات صعود الشعوبيين مثل دونالد ترامب، الذي قد يعود مرة أخرى إلى البيت الأبيض في انتخابات نوفمبر 2024. وبالتالي، كي تحافظ الولايات المتحدة على وضعها الاقتصادي في مقدمة العالم، سيكون عليها أن تبذل المزيد من الجهد للحفاظ على تماسكها الداخلي، وتجاوز الاستقطاب والحفاظ على حيوية المجتمع.