أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تعدد المنافسين:

تحديات النفوذ التركي المتصاعد في دول القرن الإفريقي

09 سبتمبر، 2024


مع اقتراب انعقاد الجولة الثالثة من محادثات الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبياً والمُقررة يوم 17 سبتمبر 2024 في العاصمة أنقرة، وتزامناً مع تزايد حضور العديد من القوى الإقليمية والدولية المتنافسة في منطقة القرن الإفريقي؛ تُثار تساؤلات حول التحديات التي تواجه النفوذ التركي في هذه المنطقة الاستراتيجية؛ ولاسيما في ظل وجود العديد من المؤشرات على تصاعد هذا النفوذ خلال الأشهر الماضية.

وفي هذا الإطار، يمكن القول إن السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة القرن الإفريقي، التي تضم كلاً من الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، لم تكن بمعزل عن التوترات الجيوسياسية والانقسامات التي شهدتها دول هذه المنطقة من جهة، والتطورات على الصعيد الإفريقي ككل من تزايد المنافسة بين القوى الدولية والإقليمية لتعزيز حضورها على البحر الأحمر في ظل ما يواجهه من جملة من المتغيرات من جهة أخرى.

ومن جانبها، تسعى تركيا إلى تعزيز نفوذها وتقديم نفسها كأحد الفاعلين في القرن الإفريقي، سواء فيما يتعلق بتوقيع اتفاقيات التعاون الدفاعي، أم قيامها بدور الوساطة، أم الاستثمار في مجال الطاقة والنفط. بيد أن هذا يطرح تساؤلات حول حدود هذا الدور ودوافعه ومدى قدرة أنقرة على الوفاء بهذه الالتزامات في ظل الكثير من التحديات الإقليمية والدولية.

مؤشرات النفوذ:

ثمة عدد من المؤشرات الدالة على تصاعد النفوذ التركي في منطقة القرن الإفريقي خلال الفترة الأخيرة، من أبرزها ما يلي:

1- اتفاقية تعاون دفاعي مع الصومال: وقّعت تركيا والصومال، في العاصمة أنقرة، في فبراير 2024، اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي بين البلدين. وحسب الرئيس الصومالي، حسن شيخ محمود، فإن هذه الاتفاقية تهدف إلى بناء البحرية الصومالية واستغلال الموارد الطبيعية في المياه الصومالية وحمايتها من النشاطات غير القانونية من القراصنة وتهريب المخدرات والأسلحة والإرهاب. وهي اتفاقية تمتد لعشر سنوات، وبعد ذلك من المفترض أن يكون لدى الصومال قواته البحرية الخاصة التي ستتولى هذه المهمة.

2- التعاون العسكري مع جيبوتي: وقّعت تركيا، في فبراير الماضي، ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، اشتملت على التعاون في مجال التدريب العسكري، والتعاون المالي العسكري، وبروتوكول تنفيذ المساعدات النقدية.

3- تصدير الطائرات من دون طيار للصومال وإثيوبيا: سعت تركيا لتصدير أسلحتها إلى دول القرن الإفريقي، ومنها الطائرات من دون طيار؛ إذ زودت شركة "بايكار" التركية للطائرات من دون طيار الصومال بعدد من طائراتها من طراز (TB2)؛ مما أدى إلى توسيع هجوم الصومال ضد حركة الشباب الإرهابية. وأفاد عدد من التقارير الدولية بأن القوات الفدرالية الإثيوبية استخدمت طائرات مّسيَّرة تركية في الحرب مع التيجراي. وفي ديسمبر 2023، ظهر رئيس شركة "بايكار" وهو يسلم رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، مجسماً للطائرة، كما ظهرت خلفه طائرة تتطابق شفرات مروحة محركها مع شفرات الطائرة من دون طيار "أكينجي"؛ أحدث الطائرات التركية.

4- اتفاقيات للاستثمار في مجال الطاقة: وقّعت تركيا والصومال اتفاقية تعاون في مجال النفط والغاز في مارس 2024، وتشمل استكشاف وتقييم وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية. وفي يوليو الماضي، وقّعت أنقرة ومقديشيو اتفاقية لاستكشاف وإنتاج الهيدروكربون، كما تم الاتفاق على إرسال تركيا سفينتها البحثية "أوروتش رئيس" لإجراء دراسات زلزالية في منطقة قبالة الساحل الصومالي. وأعلنت تركيا أنها سترسل سفينة التنقيب "عروج ريس" البالغ طولها 86 متراً لاستكشاف مكامن نفط بحرية تابعة للصومال في شهر سبتمبر الجاري. 

5- الوساطة بين الصومال وإثيوبيا: اضطلعت تركيا بالوساطة بين الصومال وإثيوبيا في ظل الخلافات بينهما، على إثر توقيع الأخيرة اتفاقية مع أرض الصومال تتيح لها إيجاد موطئ قدم على البحر الأحمر. وانتهت الجولة الأولى والثانية من المحادثات الخاصة بهذه الوساطة دون اتفاق، وتتطلع أنقرة لأن تنجح هذه الوساطة خلال الجولة الثالثة من المحادثات المقرر أن تبدأ في أنقرة يوم 17 سبتمبر الجاري.

دوافع أنقرة: 

يعزز أهمية منطقة القرن الإفريقي في الصراع الدولي والإقليمي، تمتعها بموقع استراتيجي مهم؛ إذ تعتبر نقطة ربط بين القارات الثلاث؛ إفريقيا وآسيا وأوروبا، من خلال وصولها الأوسع إلى البحر، وهي محاطة بالبحر الأحمر والمحيط الهندي وخليج عدن، بالإضافة إلى مواردها الطبيعية والمعدنية والنفط. وفي هذا الإطار، تتمثل أبرز دوافع تركيا لزيادة نفوذها في منطقة القرن الإفريقي فيما يلي:

1- تعزيز الوجود على البحر الأحمر: يعزز الأهمية الاستراتيجية لدول القرن الإفريقي وقوع معظمها على البحر الأحمر؛ ولاسيما بعد بروز أهميته كورقة ضغط يمكن استخدامها تزامناً مع الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والهجمات الحوثية التي شكلت تهديداً عسكرياً مباشراً للملاحة الدولية في البحر الأحمر، الذي تمر عبره 12% من حجم التجارة العالمية المحمولة، ونحو 30% من حركة الحاويات العالمية؛ لذا فإن تعزيز الوجود التركي في الدول الإفريقية المُطلة على البحر الأحمر يعزز حضورها الإقليمي، ويأتي استكمالاً لخطواتها السابقة بافتتاح أنقرة أكبر قاعدة عسكرية لها في الخارج في الصومال عام 2017، والتوقيع مع جيبوتي في 2016 على اتفاقية لبناء منطقة اقتصادية حرة على البحر الأحمر بمساحة خمسة ملايين متر مربع.

2- تفعيل استراتيجية الانتشار العسكري خارج تركيا: على الرغم من حقيقة أن الشركات الدفاعية التركية تُعد صغيرة مقارنةً بنظيرتها الغربية والروسية الكبرى؛ تسعى أنقرة لأن تصبح تدريجياً مورداً لسوق الأسلحة في القرن الإفريقي؛ لتأمين مصالحها، وتعزيز نفوذها في المنطقة. وأصبحت الطائرات من دون طيار التركية سلاحاً شائعاً بشكل متزايد في الصراعات الإفريقية، وهو ما أكده تحقيق تركيا نمواً بنسبة 27% في صادرات الدفاع والفضاء الدولية عام 2023؛ لتصل إلى مستوى قياسي بلغ 5.5 مليار دولار.

وبالنسبة للدول الإفريقية، تتمتع المنتجات الدفاعية التركية بالعديد من المزايا، فهي ميسورة التكلفة وموثوقة من الناحية الفنية؛ إذ تم اختبارها في ليبيا وسوريا، ومؤخراً في أوكرانيا. وبالنسبة للدول التي تواجه حركات التمرد ولديها جيوش ذات موارد ضعيفة وحدود مسامية، مثل: توغو والنيجر ونيجيريا والصومال؛ فإن طائرات تركيا المُسيَّرة وخبرتها في مكافحة الإرهاب ذات قيمة خاصة. وعلى عكس الغرب، لا تجعل أنقرة إعطاء هذه الطائرات مشروطاً بالحوكمة أو الالتزامات المتعلقة بحقوق الإنسان.

وتسعى تركيا من خلال زيادة مبيعات الأسلحة لإفريقيا، إلى إعادة تموضعها كقوة متوسطة الحجم مؤثرة في عالم متعدد الأقطاب. فبمجرد أن تشتري دولة إفريقية طائرات من دون طيار أو غيرها من المعدات العسكرية؛ فإنها تعتمد على المُورد للحصول على الذخيرة وقطع الغيار والصيانة؛ مما يخلق تبعيات دائمة قد تصبح ورقة مساومة قيّمة للمُصدر.

3- تنويع إمدادات النفط الخام: تسعى أنقرة، من خلال تفاهماتها مع الصومال، إلى أن تؤدي دوراً أكثر هيمنة في استخراج الطاقة؛ وهي الصناعة التي كانت تأمل في دخولها لسنوات لتحقيق الاستقلال في مجال الطاقة، وتنويع إمدادات النفط الخام. ولم يكن هذا التوجه التركي جديداً، فقد أبدى الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، اهتمامه بإمكانية استيراد النفط من الصومال عام 2020؛ وذلك في ظل سعي أنقرة لتقليل اعتمادها على واردات الطاقة من روسيا وإيران.

مُجمل القول هنا إن أنقرة هي المستفيد الأكبر من التعاون مع دول القرن الإفريقي؛ وذلك بسبب التحديات التي تواجه هذه الدول؛ نتيجة انتشار الصراعات الإثنية والقبلية، وتفاقم حجم النزاعات المسلحة والصراعات الحدودية، التي أثرت في الأنظمة السياسية الحاكمة لهذه الدول، وترتب عليها عدم الاستقرار بالشكل الذي يجعل عدداً من هذه الاتفاقات ومواردها قد لا تصب في صالح تنمية دول القرن الإفريقي، ويصرف بعضها كأسلحة لدعم أطراف النزاع.

كما تتعزز استفادة أنقرة من التعاون مع دول هذه المنطقة التي تحظى بموقع جيوستراتيجي حيوي؛ خاصةً الصومال وجيبوتي اللتان تقعان على مضيق باب المندب وخليج عدن، بالإضافة إلى الهيمنة التركية على الصومال؛ ولاسيما بعد اتفاقية التعاون الدفاعي في فبراير الماضي.

تحديات المنافسة: 

على الرغم من أن تغير النظام العالمي في اتجاه انتهاء عصر القطبية الأحادية، ووجود عالم متعدد الأقطاب، قد يصب في صالح تعزيز الوجود التركي في إفريقيا؛ لأنه مثلاً قد يجعل من الصعب على الاتحاد الأوروبي أن يصمم سياسة إفريقية متماسكة، كما فشلت معظم المبادرات التي أطلقتها الولايات المتحدة في القارة السمراء؛ يظل التحدي الأبرز الذي يواجه الدور التركي في القرن الإفريقي يتعلق بسعي القوى الدولية، وعلى رأسها روسيا والصين، التي تعتبر هذه المنطقة بمثابة نفوذ استراتيجي لها؛ لتعزيز نفوذها داخل إفريقيا، وخلق حالة من التنافس العسكري والاقتصادي والجيوسياسي. 

كما أن المنافسة بين العديد من القوى الدولية والإقليمية على النفوذ في الصومال، والمشكلات الأمنية والسياسية والاقتصادية التي تواجه هذا البلد؛ كل ذلك من شأنه أن يشكل تحديات لتنفيذ اتفاقية التعاون الدفاعي لتركيا مع الصومال، ومساعي أنقرة للحصول على دور أكبر في القرن الإفريقي.

فعلى سبيل المثال، في ضوء التحركات العسكرية المصرية في الصومال مؤخراً، سيتعين على أنقرة التنسيق مع القاهرة هناك؛ منعاً لتضارب المصالح بينهما، وخاصةً أن ذلك يأتي بالتزامن مع وجود قفزة نوعية في علاقات البلدين وتطورها بصورة ملحوظة خلال الفترة الأخيرة، والتي توجت بالزيارة التاريخية للرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، لأنقرة يوم 4 سبتمبر الجاري، للمرة الأولى منذ توليه الرئاسة، والتي جاءت بعد زيارة أردوغان إلى القاهرة في فبراير الماضي، وكانت أيضاً الأولى له منذ 12 عاماً. وشهدت زيارة السيسي لأنقرة ترؤسه هو وأردوغان لأول اجتماعات مجلس التعاون الاستراتيجي رفيع المستوى، وتوقيع عدد من مذكرات التفاهم بين البلدين في عدة مجالات؛ بما يعكس الإرادة المشتركة لتعزيز العلاقات الثنائية، والتنسيق في عدد من القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك، وعلى رأسها الصومال وإثيوبيا والسودان، ناهيك عن ملفي حرب غزة وليبيا.

ختاماً، على الرغم من التحديات التي قد تواجه الحضور التركي في القرن الإفريقي، من المتوقع أن تظل هذه المنطقة متصدرة لأولويات السياسة الخارجية التركية، مع تزايد التعاون في المجال الأمني والعسكري ولجوء المزيد من الدول الإفريقية إلى المعدات والخبرات الدفاعية التركية. ومن المتوقع أن تمهد هذه الاتفاقات لسعي أنقرة لنفوذ أكبر في دول أخرى بالقرن الإفريقي، ومنها جيبوتي من خلال قيام الجيش التركي بتدريب وتأهيل قوات هذا البلد.