تجدد الجدل مؤخرًا في الولايات المتحدة حول صفقات الأسلحة التي يتم إبرامها مع العراق، وذلك عقب إعلان وزارة الدفاع الأمريكية، في 9 فبراير 2018، عن استخدام ميليشيا "الحشد الشعبي" لبعض الدبابات الأمريكية من طراز "إبرامز" في المواجهات المسلحة مع تنظيم "داعش"، وما تلاه من تصريحات أدلى بها بعض المسئولين في حكومة إقليم كردستان وأشاروا فيها إلى استخدام الميليشيا نفسها للدبابة في المواجهات التي اندلعت بعد إجراء الاستفتاء على الانفصال عن العراق في سبتمبر 2017، بين القوات التابعة للحكومة المركزية وميليشيا "البشمركة" الكردية.
ويثير ملف التسليح في هذا الإطار إشكاليات عديدة يتمثل أبرزها في الموقف الأمريكي من وصول الأسلحة الأمريكية إلى أطراف غير حليفة، خاصة "الحشد الشعبي" التي تعتبرها الولايات المتحدة "قوة خارج المنظومة العسكرية"، تؤسس علاقات مع إيران بشكل يجعل الأخيرة، بطريقة غير مباشرة، طرفًا مستفيدًا أيضًا من استخدام تلك الأسلحة.
وتشير تقديرات أمريكية إلى أن استجابة الحكومة العراقية للضغوط التي تمارسها واشنطن في هذا السياق ما زالت محدودة، على نحو يفرض بدوره إشكالية أخرى تتعلق بانعكاسات هذه التطورات على موازين القوى والنفوذ داخل العراق خلال المرحلة الحالية، والتي تميل، وفقًا لاتجاهات عديدة، لصالح قوى محلية وإقليمية تتباين سياساتها مع المصالح والحسابات الأمريكية في العراق.
أزمة متجددة:
مثلت الدبابة "إبرامز" MIA1، باعتبارها إحدى أبرز آليات التسليح الأمريكي الثقيل للقوات البرية العراقية، محورًا رئيسيًا لأزمات عديدة واجهت العلاقات العسكرية بين الولايات المتحدة والعراق، حيث سبق الكشف عن استخدام "الحشد الشعبي" للدبابة الأمريكية في المواجهات مع الميليشيا الكردية وتنظيم "داعش"، ظهور ما يسمى بقضية "تهجين الأسلحة"، في أكتوبر 2015، عندما كشف موقع "ديفينس نيوز" الأمريكي أن الميليشيا نفسها عمدت إلى إجراء تحوير على الدبابة، وذلك عبر إزالة المدفع الرشاش المثبت عليها واستبداله بآخر روسي مع استخدام ذخيرة إيرانية، على نحو أثار استياءً بالغًا من جانب الولايات المتحدة التي اعتبرت أن ذلك يمثل خرقًا للشروط المتفق عليها مع الحكومة العراقية عند إبرام صفقات الأسلحة بين الطرفين.
مواقف متباينة:
وعلى ضوء ذلك، طالبت الولايات المتحدة الحكومة العراقية باستعادة الدبابات التي تستخدمها ميليشيا "الحشد الشعبي" والتي يصل عددها، حسب تقارير مختلفة، إلى 9 دبابات، إلا أن الموقف الأمريكي تجاه هذا الملف الخلافي يكشف عن إشكاليتين رئيسيتين: الأولى، تتعلق بغياب الضمانات، حيث تستبعد اتجاهات عديدة أن تتمكن واشنطن من تحقيق هذا الهدف أو منع بعض الأطراف من تبني الآلية نفسها في المستقبل. وقد انعكس ذلك بشكل واضح في تصريحات المتحدث باسم التحالف الذي تقوده واشنطن في العراق وسوريا وقال فيها: "ندرك أن جميع الأسلحة التي تقدمها الولايات المتحدة لا تصل في بعض الأحيان إلى الطرف المقصود".
فيما تنصرف الثانية، إلى استمرار إشكالية الاعتراف، إذ لم تلق المساعي التي بذلتها الحكومة العراقية لتقنين وضع "الحشد الشعبي" داخل القوات الأمنية وتكريس تبعيتها لرئيس الوزراء القائد الأعلى للقوات المسلحة، تجاوبًا من جانب واشنطن، لا سيما بعد أن رفضت الأولى مطالب الثانية بإبعاد تلك الميليشيا عن العمليات العسكرية في مواجهة تنظيم "داعش".
وقد أدت الضغوط التي مارستها الولايات المتحدة في هذا الصدد إلى انقسام المواقف داخل العراق إلى اتجاهين: الأول، رسمي، حاول تبرير الأزمة الأخيرة بالتأكيد على أن القوات والمجموعات المختلفة التي شاركت في العمليات المسلحة ضد "داعش" كانت تحت قيادة وسيطرة الحكومة العراقية، وأن حرص بعض الميليشيات، مثل "كتائب حزب الله"، على رفع علمها لم يكن إلا محاولة من جانبها للإشارة لدورها في تلك العمليات.
والثاني، غير رسمي، عبّر عنه قادة وكوادر ميليشيا "الحشد"، حيث ردوا على المطالب الأمريكية بتجديد إعلان رفض الوجود الأمريكي في العراق، لدرجة وصلت إلى التهديد باستهداف القوات الأمريكية، على نحو ما أشار إليه قيس الخزعلي الأمين لعام لميليشيا "عصائب أهل الحق"، في فبراير 2018.
ورغم أن تلك الدعوة لم تكن جديدة، حيث سبق أن تبنتها قوى عراقية مختلفة، إلا أن إعادة تجديدها في هذا التوقيت تحديدًا لا ينفصل بالطبع سواء عن الجدل الذي أثاره استخدام ميليشيا "الحشد" للدبابة الأمريكية، أو اتساع نطاق التوتر بين الولايات المتحدة وإيران حول الاتفاق النووي والتدخلات الإيرانية في المنطقة.
آليات محتملة:
ربما يدفع تصاعد حدة القلق من احتمال وصول أسلحة أمريكية إلى أطراف غير مرغوب فيها أو استخدامها مجددًا ضد قوى حليفة، الولايات المتحدة إلى تبني أحد الخيارات التالية:
1- استهداف الأسلحة: وهو الخيار نفسه الذي سبق أن استخدمته واشنطن في العمليات العسكرية التي شنتها ضد تنظيم "داعش"، حيث أشارت تقارير أمريكية إلى أن الجيش الأمريكي اضطر إلى توجيه ضربات ضد نحو 10 دبابات أمريكية حصل عليها التنظيم لدى اقتحامه مناطق عديدة في شمال العراق.
2- التشدد في عقود التصدير: لا سيما أن الولايات المتحدة تتجه نحو إعادة تقييم العقود القانونية المبرمة مع الحكومة العراقية، بشكل قد يؤدي إلى فرض مزيد من القيود الفنية التي تهدف إلى تلافي الأزمات السابقة.
3- فرض عقوبات: وذلك من خلال الحد من صفقات التسليح ذاتها، لكن ليس من المتصور أن يتوازى ذلك مع تراجع عمليات صيانة الأسلحة الموجودة بالفعل، وهو ما حرص أكثر من مسئول عسكري أمريكي على تأكيد أهمية استمراره.
4- سحب الأسلحة: على نحو انعكس في مطالبة وزارة الدفاع الأمريكية بسحب 9 دبابات من بين 146 قامت الولايات المتحدة بتصديرها إلى العراق منذ عام 2015، حيث تم تحديد هذا العدد بناءً على تقارير أفادت بأنه موجود في مخازن تابعة لميليشيا "الحشد".
وفي النهاية، يمكن القول إن العلاقات بين الولايات المتحدة والعراق دخلت مرحلة جديدة سوف تتشابك فيها الالتزامات الأمنية مع التباينات العالقة بين الطرفين حول العديد من الملفات الخلافية، وفي مقدمتها الوضع القانوني والسياسي لميليشيا "الحشد الشعبي"، في ظل رؤية تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتقوم على عدم الفصل بين هذه الملفات وبين تصاعد حدة التوتر مع إيران بسبب دعمها للميليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات.