أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

آليات المواجهة:

استراتيجية "داعش" في البقاء والتمدد

23 أغسطس، 2015


إعداد: د. إسراء أحمد إسماعيل


كان صعود تنظيم "داعش" في سوريا والعراق بمثابة مؤشر على بدء حقبة جهادية جديدة، فهذا التنظيم عبارة عن مجموعة مختلطة من "الجهاديين"، يتمثل هدفه المُعلن في تأسيس دولة "الخلافة الإسلامية"، مستنداً إلى اجتهادات متطرفة للغاية في الشريعة، مما جعله أكثر من مجرد تنظيم "إرهابي"، كما يعتمد "داعش" في مساعيه من أجل الاستمرارية والتوسع على عدد من العناصر التي تشكل استراتيجيته.

وقد أصدر "مركز كارنيجي للشرق الأوسط" دراسة في يونيو 2015، بعنوان: "استراتيجية الدولة الإسلامية.. البقاء والتمدد"، أعدتها "لينا الخطيب" Lina Khatib مديرة المركز، حيث تتناول أهم العناصر التي يعتمد عليها تنظيم "داعش" في استراتيجيته، وأبرز التحديات التي تواجهه، وسبل مكافحته.

مكونات استراتيجية تنظيم "داعش"

تشير الدراسة إلى اعتماد تنظيم "داعش" على استراتيجية متنوعة، تتميز بالبرجماتية، وتقوم على مزج الأدوات والعمليات العسكرية والإعلامية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما ميّزه على غيره من الجماعات الإسلامية في سوريا والعراق، كما يتضح في التالي:ـ

1 ـ علاقة براجماتية مع النظام السوري:

يستفيد تنظيم "داعش" والنظام السوري من بعضهما البعض بشكل متبادل، حيث دعّم نظام الرئيس السوري "بشار الأسد" الأنشطة العسكرية للتنظيم بشكل غير مباشر، إذ يساهم وجود واستمرار "داعش" في تأكيد ادعاءات النظام السوري بأنه يُقاتل الإسلاميين المتطرفين منذ بداية الانتفاضة السورية عام 2011، وذلك لتشويه سمعة المعارضة السورية.

وحتى الآن لم يقم النظام السوري بخوض معركة حقيقة ضد "داعش"، لأن قيام الأخير بتصفية الفصائل الإسلامية الأخرى والتخلص منها يصب في مصلحة النظام السوري، إذ لن يتبقى في النهاية غيره، وفي هذه الحالة سيتمكن النظام السوري من مناشدة المجتمع الدولي الحصول على الدعم لمواجهة "داعش". ومن ناحيته، يبني تنظيم "داعش" حساباته على إمكانية التغلب على النظام السوري في نهاية المطاف.

2 ـ إحكام السيطرة والتنمية:

على عكس تنظيم "القاعدة" الذي يهدف إلى إقامة إمارة إسلامية بمنطقة الشرق الأوسط في وقت غير محدد، يقدم تنظيم "داعش" مشروعاً واضحاً، وهو التأسيس الفوري لدولة الخلافة الإسلامية، ويقدم رؤية لنظام دولة يحل محل الوضع القائم. وفي سبيل تحقيق ذلك يعتمد على الآتي:ـ

أ- القبول المحلي:

يحتاج تنظيم "داعش" إلى قبوله محلياً حتى يتمكن من فرض حكمه، وبالتالي فإنه يتبع أسلوب "السيطرة، و"التطهير"، والبناء"، حيث يعتمد على "الاستيلاء والسيطرة" على الأرض، لاسيما المناطق الغنية بالموارد مثل النفط والمياه، فضلاً عن فرض الضرائب، ويعمل على "تطهير" تلك المناطق من الجماعات الإسلامية الأخرى، وبعد ذلك يبدأ في "بناء" وممارسة أسس حكمه. ويعتبر توفير الخدمات أداة رئيسية يحاول من خلالها التنظيم التقرب إلى الناس في المناطق التي استولى عليها.

ب- الترغيب ثم الترهيب:

انضم العديد من المقاتلين إلى تنظيم "داعش" من منطلق المصلحة الاقتصادية؛ ففي سوريا على سبيل المثال، ترك بعض المقاتلين "الجيش السوري الحر"، والذي كانوا يتقاضون منه 60 دولاراً شهرياً، وانضموا إلى "جبهة النصرة" التي عرضت عليهم 300 دولار في الشهر، ثم انضموا في وقت لاحق إلى تنظيم "داعش" الذي يقدم لهم رواتب أعلى من ذلك.

وبالإضافة إلى العامل المادي، ينضم البعض إلى "داعش" سعياً لاكتساب القوة والشعور بالهوية. ولكن الترغيب ليس سوى المرحلة الأولى للتنظيم، فبمجرد تمكنه من السيطرة على الوضع، يبدأ في ممارسة الترهيب المنهجي للسكان وإبقائهم تحت المراقبة.

3- اجتذاب القبائل:

استفاد تنظيم "داعش" من ضعف الروابط بين القبائل في سوريا والعراق، وأخذ في اجتذاب القبائل في المناطق المهملة، والتفاوض معها مقابل المال من أجل تدعيم سيطرته على أراضيهم. وفي العراق أيَّدت العديد من القبائل السنية تنظيم "داعش" كإجراء انتقامي ضد الحكومة، وقبلته بعض القبائل باعتباره حائط ضد زحف الميليشيات الشيعية التي حلت محل الجيش.

وثمة آخرون في المناطق المتنازع عليها بالقرب من كردستان، أيّدوا التنظيم كوسيلة لمواجهة الطموحات الكردية على أراضيهم. ومع ذلك، فإن هناك عدداً من القبائل- بما في ذلك قبيلة "بو نمر" في محافظة الأنبار العراقية، وقبيلة "الشيتات" التي تعد أكبر قبيلة في "دير الزور" - تمردت على تنظيم "داعش" عام 2014، وكانت النتيجة إعدام التنظيم لـ700 من أعضاء قبيلة "الشيتات"، وطرد باقي أفراد القبيلة من أراضيهم.

4- الدعاية كتكتيك عسكري:

تشير الدراسة إلى عدد من الآليات في هذا الصدد، كالتالي:

أ- وسائل التواصل الاجتماعي:

يستخدم تنظيم "داعش" وسائل الإعلام الدولية كأدوات غير مباشرة للترويج له، ولكن خلافاً لـ"القاعدة"، فإن "داعش" يتبع صيغة صارمة في التعامل مع وسائل الإعلام، حيث يحدد هذا التنظيم أين وكيف يروِّج لنفسه. وعلى سبيل المثال، عندما تم إغلاق حساباته على موقع "تويتر" حتى شهر أغسطس 2014، دشن التنظيم حسابات فردية لكل ولاية يسيطر عليها، وذلك للترويج لما يعتبره إنجازاته، مثل افتتاح المدارس والانتهاء من مشاريع الطرق، في محاولة لاكتساب الشرعية. ويتميز التنظيم بالقدرة على استخدام وسائل الدعاية بكفاءة، بسبب مركزية إدارة العمليات الإعلامية.

ب- الحرب النفسية:

ينشر تنظيم "داعش" بشكل منتظم صوراً تُظهر مدى عنفه، كشكل من أشكال الحرب النفسية، التي تهدف إلى غرس الخوف في صفوف أعدائه، وكذلك في جمهوره وتابعيه على حدِ سواء. ويختار التنظيم الوقت المناسب لنشر المعلومات والصور وفقاً لمصلحته، وتجاوباً مع التغيرات التي تقع في السياق المحلي.

5- الأيديولوجية كأداة لكسب السلطة والمال:

تشير الباحثة إلى أن تنظيم "داعش" استولى على فكر "القاعدة"، ولكن الأيديولوجية ليست الغرض الرئيسي للتنظيم، وإنما هي أداة لاكتساب السلطة والمال، حيث إن "داعش" لا يتبع مرجعية إسلامية معينة، ويرفض المذاهب الإسلامية الأربعة، وبدلاً من ذلك يقوم بتفسير الشريعة بطرق تبرر أفعاله، وبالتالي فإن أيديولوجيته لاتزال قيد التطوير. كما يقدم نفسه على أنه استمرار لمسيرة مؤسس تنظيم "القاعدة" "أسامة بن لادن"، مُستغلاً ذلك في تبرير رفضه لزعيم "القاعدة" الحالي "أيمن الظواهري"، ولإعلان تفوقه عليه.

6- الأيديولوجية العسكرية:

تعتمد الأيديولوجية العسكرية لتنظيم "داعش" على عدد من العناصر، توضحها الباحثة كالتالي:

أ- بنية عسكرية مركزية ومغلقة: يقوم تنظيم "داعش" بدمج العمليات والتكتيكات التي تستخدمها الجماعات المسلحة من غير الدول، مع تلك التي تستخدمها الجيوش التقليدية.

ب- القيام بهجمات شاملة: لا يتورع تنظيم "داعش" عن التضحية بمئات من المقاتلين في الهجمات العسكرية. ففي معركة مطار "الطبقة" العسكري، خسر التنظيم بين 300 و400 مقاتل، ما يساعد على تفسير سبب قيامه بتجنيد أعداد كبيرة من الأطفال. وهذا النوع من الهجمات يعمل على تخويف الأعداء، وجذب أعضاء جدد من خلال إظهار أن التنظيم يعد أقوى جماعة جهادية على الأرض في سوريا والعراق.

ج- الحرب الدفاعية: تطور النهج العسكري لتنظيم "داعش" من التركيز على الحرب الهجومية إلى التركيز على العمليات الدفاعية. وقد استغل الضربات الجوية الغربية لتأكيد ادعاءاته بأنه يحارب ما أسماهم "الكفار والصليبيين" ويدافع عن أراضيه.

ويأتي هذا التحول العملياتي، في ظل اقتباس "داعش" ودمجه لعدد من التكتيكات التي تعتمدها جماعات أخرى، مثل "حركة طالبان" و"حزب الله". وفي هذا الإطار، ووفقاً لأحد المقاتلين، فإن قيام "داعش" بقتل اثنين من الرهائن الأمريكيين كان بمثابة استفزاز متعمد للغرب لإشعال حرب دفاعية تبرر وجوده وتجذب المزيد للانضمام إليه، وقد استعد "داعش" لهذا السيناريو عن طريق إخفاء الأسلحة تحت الأرض، وتفريغ قواعده العسكرية، وتوزيع أفراده بين السكان المحليين في العراق وسوريا.

د- المكاسب الانتهازية: دفعت التغييرات في ميدان المعركة في النصف الأول من عام 2015 تنظيم "داعش" مرة أخرى لتعديل عملياته وتكتيكاته، حيث تراجع عن بعض المناطق العراقية، لكن استمرار الصراع في سوريا من شأنه أن يسمح له بتثبيت وضعه هناك، ما لم يتم مواجهته على الأرض.

التحديات التي تواجه "داعش"

ثمة تحديات عديدة يواجهها تنظيم "داعش"، وتحددها الدراسة فيما يلي:

1- استياء شعبي: على الرغم من أن تنظيم "داعش" يسعى لتطبيق الشريعة الإسلامية كأساس للحكم، إلا أن الآليات التي يستخدمها للقيام بذلك لاتزال في مرحلة الإعداد، وبالتالي فهي غير متسقة مع بعضها البعض، كما أنه لا يمكن التنبؤ بها، وقد أدى ذلك إلى ظهور استياء شعبي تجاه نظام إدارته.

2- تصاعد الخلافات بين مقاتلي "داعش" من السوريين والأجانب: وذلك بسبب اختلاف الدوافع، والإحساس بالتمييز ضد المقاتلين السوريين، حيث يرون أن الامتيازات المقدمة لهم أقل مقارنةً بتلك المقدمة للأجانب، كما يعتقدون أنه يتم إرسالهم إلى الخطوط الأمامية أكثر من المقاتلين الأجانب.

3- تحديات الحكم والأمن: يواجه تنظيم "داعش" تحدياً يتمثل في ضعف قدرته على  إنشاء دولة فعلية، خاصةً مع توسع التنظيم على الأرض، فأصبح يفتقر إلى الخبرة والموارد اللازمة لإدارة دولة متكاملة، كما أن قدراته الإدارية لازالت في مرحلة أولية.

4- التمدد الجغرافي: على الرغم من أن تنظيم "داعش" استطاع أن يتوسع جغرافياً في سوريا والعراق، بيد أنه غير قادر على الاستمرار، حيث يجد صعوبة للتوسع والاستيلاء على المناطق التي يوجد بها مقاومة محلية كبيرة، مثل المناطق الشيعية في العراق أو المناطق الكردية في سوريا.

5- التوسع الدولي: فقد تزايد اشتراك تنظيم "داعش" في هجمات أخرى في بلدان مثل اليمن وليبيا ومصر، وهذا التوسع يمثل أيضاً تحدياً له؛ ففي ظله يزداد عدد الجماعات والأفراد الذين يبايعونه. ونظراً لرغبته في احتضان المزيد من هذه الكيانات لتأكيد نفوذه العالمي، فإنه سيجد نفسه مُضطراً إلى تغيير هيكله من تنظيم مركزي إلى إيجاد تنظيمات فرعية تابعة له بشكل مماثل لتنظيم "القاعدة"، ما سيضعف من قدرته على السيطرة.

استراتيجية مواجهة تنظيم "داعش"

ختاماً، تؤكد الدراسة على أن مواجهة تنظيم "داعش" تتطلب اتخاذ الخطوات الآتية:

1- استغلال نقاط الضعف في التنظيم: يتعين على الغرب وحلفائه الاستفادة من التحديات الداخلية التي تواجه تنظيم "داعش" من أجل إضعافه من الداخل.

2- تجاوز الضربات الجوية: يجب ألا تقتصر العمليات العسكرية ضد "داعش" على الضربات الجوية، حيث ينبغي أن تشمل أيضاً العمليات البرية من قِبل الجماعات العسكرية السورية والعراقية التي تقوم بالتنسيق مع التحالف الدولي.

3- دعم المعارضة المعتدلة في سوريا: ينبغي على الغرب وحلفائه تعزيز القدرات العملياتية والإدارية للجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر، باعتباره الائتلاف المعارض المعتدل الوحيد الذي يقاتل تنظيم "داعش" والنظام السوري على حدِ سواء.

4- إنشاء حرس وطني عراقي: لأن تأسيس قوة متعددة الأعراق والمذاهب، من شأنه أن يساهم في استعادة ثقة المجتمع السني في مؤسسات الدولة، وتوسيع المشاركة المحلية في الحرب ضد تنظيم "داعش".

5- دفع تركيا للعب دور أكبر: يتعين على تركيا أن تسمح لطائرات التحالف الدولي باستخدام القواعد التركية، والتي من شأنها أن تمكنهم من الوصول إلى أهداف داخل سوريا بشكل أفضل.

6- إيجاد حل للنزاع السوري: من الضروري أن يبدأ الغرب في إجراء مفاوضات للوصول إلى تسوية سياسية للصراع في سوريا، لأنه لا يمكن القضاء على تنظيم "داعش" بدون حل الصراع السوري.

 

* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "استراتيجية الدولة الإسلامية .. البقاء والتمدد"، والصادرة عن مركز كارنيجي للشرق الأوسط في يونيو 2015.

 المصدر:

Lina Khatib, The Islamic State’s Strategy: Lasting and Expanding (Carnegie Middle East Center, June 2015).