أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الاقتصاد الإيراني.. يتهاوى

30 أغسطس، 2018


إيران تتهاوى اقتصادياً بصورة سريعة وغير متوقعة، ومثلما ذكرنا في مقالات سابقة، فإن الاقتصاد الإيراني يفقد قوة دفعه الأساسية لينعكس ذلك على المستويات المعيشية للمواطنين لتتدهور بسرعة فائقة، علماً بأنها متدهورة في الأساس بسبب التضخم والبطالة وانهيار العملة. ومنذ أن دخلت العقوبات الاقتصادية الأميركية التي أعلن الرئيس ترامب مرحلتها الأولى بداية شهر أغسطس الجاري والتطورات الخاصة بانضمام المزيد من الدول، والشركات للمقاطعة تتوالى وتزداد يومياً بغض النظر عن ما تقوله وسائل الإعلام الإيرانية التي تحاول التخفيف من تأثيرات المقاطعة بكلمات حادة لا تعبر عن واقع الحال، فشركات شركاء إيران الاقتصاديين والتجاريين الأساسيين، كالاتحاد الأوروبي والصين وروسيا وكوريا والهند ينضمون وبصورة متسارعة للعقوبات الأميركية حتى قبل أن تدخل حيز التنفيذ بصورة عملية.

في نهاية الأسبوع الماضي أعلنت كل من شركة الطيران البريطانية «بريتش إيرويز» والفرنسية «إير فرنس» والهولندية «ك إل أم» عن تعليق رحلاتها إلى إيران اعتباراً من الشهر القادم، إذ من المتوقع أن تتبعها شركات طيران أوروبية وغير أوروبية أخرى في الفترة القصيرة القادمة. وقبل ذلك هبطت واردات آسيا من النفط الإيراني إلى أدنى مستوى لها في شهر يونيو الماضي، في حين زادت شركة «هانوا توتال بتروكيميكال» الكورية الجنوبية وارداتها من المكثفات النفطية الأميركية والأسترالية والأوروبية لاستبدال الإمدادات الإيرانية، وهو ما تقوم به شركات تكرير كورية جنوبية أخرى، وذلك بعد انسحاب «توتال» الفرنسية من إيران.

وفي مجال الطاقة أيضاً قالت شركة «كويركوس» البريطانية لاستثمارات الطاقة المتجددة، إنها ستوقف بناء مشروع طاقة شمسية قيمته 500 مليون يورو في إيران، وهي سادس أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم، وذلك بسبب العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة على طهران. أما في مجال الطرق والاتصالات، فقد أعلنت السكك الحديدية الألمانية وشركة الاتصالات «دوتشي تيليكوم» عن انساحبهما التدريجي من إيران، وذلك بعد أن انسحبت شركات السيارات الأوروبية،«كدايمر بنز» الألمانية «ورينو» الفرنسية. من ذلك يتضح أن العقوبات ستطال القطاعات الاقتصادية النفطية كافة، وغير النفطية من دون استثناء، وذلك بخلاف العقوبات السابقة التي تمت في عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، والتي كانت مخففة وأمكن الالتفاف عليها بسهولة، مما يعني إمكانية انهيار اقتصادي شامل، سيعقبه انهيار سياسي لنظام الملالي في طهران، خصوصاً وأنه إلى جانب ذلك يعتبر النظام المالي والمصرفي الأكثر تضرراً بالعقوبات الأميركية.

بدورها تحاول إيران إيجاد منافذ للالتفاف على هذه العقوبات والبحث عن بدائل، إلا أنها لا تجد تجاوباً حتى من قبل تلك الدول التي لا تتفق مع العقوبات، بما فيها تلك الموقعة على الاتفاق النووي، وذلك بسبب الارتباط القوي لمصالح هذه البلدان بالولايات المتحدة.

وعلى سبيل المثال تحاول إيران حث الأوروبيين على إيجاد نظام دفع دولي بديل لتحويل مبيعات النفط الإيرانية لتغطية قيم المبادلات التجارية، وذلك عوضاً عن نظام الدفع الأميركي المعتمد على الدولار، إلا أن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ردت سريعاً، بأنها لا تحبذ إيجاد نظام دفع دولي جديد، كما أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أعلن أن روسيا لا تحبذ التخلي عن الدولار، كعملة دولية، مما شكل انتكاسة لإيران في هذا المجال الحيوي، وهو ما يعني أنه لا تعاملات مالية ونقدية دولية مع إيران بعد تطبيق العقوبات كاملة في بداية شهر نوفمبر القادم.

وتسعى الولايات المتحدة حتى ذلك التاريخ إلى وصول صادرات النفط الإيرانية إلى الصفر، وهو ما سيشكل الضربة القاضية للاقتصاد الإيراني، إذ على الرغم من أن مساهمة النفط والغاز لا تتعدى 15% من الناتج المحلي الإجمالي، إلا أنها تشكل 60% من الإيرادات الحكومية و80 من القيمة الإجمالية للصادرات الإيرانية، مما يعني حرمان النظام من معظم إيراداته وتوجيه لطمة قوية للصادرات ومصادر العملة الصعبة، وهو ما سيجد له انعكاسات سياسية خطيرة على النظام داخلياً وخارجياً، ويضع الأسس الموضوعية لانهياره المحتوم.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد