أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ثلاثة رجال خطيرين:

من يقود الحروب غير النظامية لروسيا والصين وإيران؟

03 مارس، 2022


عرض: هند سمير

في كتابه ثلاثة رجال خطيرين "Three Dangerous Men"، يطرح خبير الدفاع سيث جونز فكرة جوهرية مفادها أن الولايات المتحدة غير مستعدة على الإطلاق لمستقبل المنافسة العالمية. ففي الوقت الذي ركزت واشنطن فيه على بناء طائرات مقاتلة وصواريخ وقدرات قتالية تقليدية، تبنى منافسوها الرئيسيون - روسيا وإيران والصين - الحرب غير النظامية بشكل متزايد، والتي تضمنت الهجمات الإلكترونية، استخدام الميليشيات بالوكالة، الدعاية، التجسس، والمعلومات المضللة، من أجل تقويض القوة الأمريكية. 

يقدم الكاتب لمحة عن ثلاثة رواد في الحرب غير النظامية في موسكو وطهران وبكين ممن قاموا بتكييف الأساليب الأمريكية وحققوا مكاسب ضخمة من دون شن حرب تقليدية، وهم رئيس الأركان الروسي فاليري جيراسيموف، واللواء الإيراني الراحل قاسم سليماني، ونائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية الصينية تشانغ يوشيا. 

فقد قضى كل منهم حياته المهنية في دراسة القوة الأمريكية وابتكر تقنيات مختلفة لتجنب حرب تقليدية أو نووية مع الولايات المتحدة. ساعد جيراسيموف في الإشراف على تجدد الحرب الروسية غير النظامية، ومنها محاولات تقويض الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعامي 2016 و2020. في حين كان سليماني فعّالاً للغاية في توسيع النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط لدرجة أن واشنطن استهدفته في عملية اغتيال. أما تشانغ يوشيا فيمثل التحدي الأكثر إثارة للقلق، وذلك لأن الصين تمتلك المزيد من القوة والإمكانات تحت تصرفها.

بالاعتماد على مقابلات مع عشرات المسؤولين العسكريين والدبلوماسيين والاستخباراتيين الأمريكيين، بالإضافة إلى مئات الوثائق المترجمة من الروسية والفارسية والماندرية، يوضح جونز كيف دمر خصوم أمريكا سمعتها واستولوا على الأراضي في جميع أنحاء العالم. وبدلاً من الوقوف في وجه مثل هذه الأنظمة الاستبدادية، تخلت الولايات المتحدة، إلى حدٍ كبير، عن نوع المعلومات والعمليات الخاصة والاستخبارات والعمل الاقتصادي والدبلوماسي الذي ساعد في كسب الحرب الباردة من قبل.

جيراسيموف والتمدد الروسي:

تتبع وحدة المخابرات العسكرية الروسية واحداً من أكثر قادة موسكو نفوذاً، الجنرال فاليري جيراسيموف، رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة. والذي تخرَّج من مدرسة قيادة الدبابات العليا في كازان، في عام 1977، وهو الوقت الذي تراجعت فيه احتمالات نشوب حرب تقليدية ونووية مع الولايات المتحدة بسبب التكاليف الباهظة، والمخاوف من وقوع محرقة نووية. وبدلاً من ذلك، وتحت قيادة جيراسيموف، لجأ الاتحاد السوفييتي إلى "تدابير نشطة" للتنافس مع القوة العظمى، والتي استهدفت التأثير على الداخل الأمريكي، مثل التضليل، والتزوير، وجماعات التأثير، ...إلخ، والتي تم استخدامها بالتزامن مع عمليات التجسس التقليدية لإضعاف الولايات المتحدة وتوسيع نفوذ موسكو.

لعدة سنوات، كانت وكالات الاستخبارات الأمريكية والأوروبية تراقب بقلق متزايد الأنشطة الروسية، حيث استولت الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الروسية على شبه جزيرة القرم بوسائل غير نظامية، وبدأت حرباً في شرق أوكرانيا بمساعدة الانفصاليين، وعملت مع حزب الله اللبناني وقوات أخرى في سوريا، ونفذت عمليات قرصنة وعمليات إغراق ضد انتخابات رئاسية أمريكية، ونشرت شركات عسكرية خاصة فيما يقرب من ثلاثين دولة في أربع قارات.

سليماني والصعود الإيراني:

يبدأ الكاتب بإعطاء نبذة عن قاسم سليماني، والذي وُلد في مدينة رابر في 11 مارس 1957، وسط عائلة فقيرة، وبعد قيام الثورة الإسلامية في عام 1979، انضم سليماني إلى حرس الثورة الإسلامية. وبزغ نجم سليماني مع بداية سيطرة حركة طالبان على زمام الأمور في أفغانستان، مما سبب قلق واضح في إيران. وفي هذا الوقت اجتمعت الولايات المتحدة وإيران ضد عدو مشترك (طالبان)، كما قامت الولايات المتحدة بمفاوضات مباشرة مع الإيرانيين كجزء من مبادرة جنيف، والتي ضمت إيران والولايات المتحدة وإيطاليا وألمانيا، مع الأمم المتحدة بصفتها الداعية.

في أوائل عام 2002، تدهورت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران بشكل كبير لسببين. الأول كانت تصريحات الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش التي اعتبرت إيران - إلى جانب كوريا الشمالية والعراق - دولا ترعى الإرهاب وتنتج أسلحة دمار شامل. بينما تمحور السبب الثاني حول تنظيم القاعدة، حيث استخدمت إيران، بتوجيه من سليماني، نهجاً غير متكافئ، واختارت العمل مع القاعدة من أجل موازنة التهديد الأكبر الولايات المتحدة. 

ومن هنا بدأت إيران في شن حرب غير نظامية واضحة ضد الولايات المتحدة بدأت مع الغزو الأمريكي للعراق، والذي وصفه جونز بأنه هدية من الولايات المتحدة لإيران، حيث استغل سليماني الفرصة لدعم الأغلبية الشيعية في العراق واستهداف القوات الأمريكية الضعيفة، فقد استفادت إيران من سوء التقدير الأمريكي. وعلى غرار العراق، وسع سليماني النفوذ الإيراني في جميع أنحاء المنطقة في منافسة مباشرة مع الولايات المتحدة وحلفائها، من خلال وكلاء إيران.

مع تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة في 2017، بدأ في تركيز انتباهه على إيران. في العام التالي، أعلن ترامب انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات كجزء من حملة "الضغط الأقصى". في عام 2020، خلص كبار مسؤولي ترامب إلى أن فوائد قتل الجنرال قاسم سليماني تفوق أي مخاطر محتملة، لأن سليماني كان يوسع بشكل خطير قوة إيران ونفوذها باستخدام شبكة من الميليشيات في لبنان وسوريا والعراق واليمن ودول أخرى. 

يوشيا والنفوذ الصيني:

أحد الرجال الثلاثة الخطيرين، هو تشانغ يوشيا، نائب رئيس اللجنة العسكرية المركزية في الصين، وواحد من كبار الضباط العسكريين الصينيين ذوي الخبرة القتالية، وعلى عكس فاليري جيراسيموف وقاسم سليماني، لم يكن تشانغ صاحب شخصية جاذبة ولا يتمتع بشخصية كاريزمية. وقد وُلد تشانغ يوشيا في يوليو 1950 في أسرة متميزة، وكان ابناً لمسؤول كبير مؤثر في الحزب الشيوعي، وفي مايو 1969، انضم تشانغ إلى الحزب الشيوعي الصيني - وهي خطوة أساسية للترقية في الجيش الصيني.

إلى جانب الرئيس الصيني وقادة صينيين آخرين، ساعد تشانغ في الإشراف على حملة بكين ضد الولايات المتحدة التي تضمنت معلومات مضللة، والتجسس لسرقة بعض تقنيات الولايات المتحدة الأكثر تقدماً، وشن الحرب الاقتصادية، وتوسيع النفوذ الصيني البحري، والسيطرة على الأراضي باستخدام الميليشيات والقوات شبه العسكرية الأخرى. 

وكنتيجة للغزو الأمريكي لأفغانستان والعراق، وافقت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي واللجنة العسكرية المركزية على مفهوم محوري لجيش التحرير الشعبي يُدعى "الحروب الثلاث". وقد اشتمل على ثلاثة مكونات هي حرب الرأي العام، تضمن استخدام البث والمطبوعات وجهود الإنترنت للتأثير على الرأي العام المحلي والدولي بطرق تدعم المصالح الصينية وتقوض منافسيها. والحرب النفسية، صُممت لتحقيق أغراض عسكرية، ومنها استنزاف معنويات العدو، وتفكيك إرادته في القتال، وإشعال المشاعر المناهضة للحرب بين المواطنين في الداخل، وزيادة الصراع الدولي والمحلي، والحرب القانونية، يتضمن استغلال القانون الدولي والمحلي لتأكيد شرعية الادعاءات الصينية.

ولعل من أبرز الأمثلة على حرب الصين غير النظامية ضد الولايات المتحدة، استغلال وباء كورونا، حيث أرسل عملاء الحكومة الصينية نصوصاً إلى الأمريكيين على هواتفهم المحمولة ونشروا معلومات كاذبة على منصات التواصل الاجتماعي، محذرين من أن إدارة ترامب كانت على وشك نشر جنود أمريكيين لإغلاق البلاد. كما نشر المسؤولون الصينيون على وسائل التواصل الاجتماعي أكاذيب ونظريات مؤامرة، بما في ذلك أن الجيش الأمريكي هو المتسبب في انتشار الفيروس في ووهان.

طرق المواجهة الأمريكية:

في خاتمة كتابه، يوضح جونز بالتفصيل الخطوات الرئيسية التي يجب على الولايات المتحدة اتخاذها لتغيير طريقة تفكيرها في المنافسة قبل فوات الأوان، حيث يرى جونز أن الولايات المتحدة اليوم في فترة شبيهة إلى حد ما بالسنوات الأولى للحرب الباردة. 

وعلى الرغم من أن السياسة الخارجية للولايات المتحدة في طور تحول كارثي من مكافحة الجماعات الإرهابية إلى التنافس مع القوى غير الليبرالية، وذلك لمدة عقدين، إلا أن الولايات المتحدة لديها القدرات لمحاربة المعلومات المضللة والإكراه الاقتصادي والتجسس - كما أظهرت خلال الحرب الباردة. لكن الأمر يحتاج إدراك الأمريكيين لتغيير قواعد المنافسة من العولمة إلى التكنولوجيا، ومن الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي إلى الروبوتات والذكاء الاصطناعي وتكنولوجيا النانو.

ويناقش الكاتب أن المبادئ والأهداف التي توجه السياسة الخارجية للولايات المتحدة يجب أن تكون مرتبطة بالقيم الديمقراطية للبلاد، ويجب أن تستفيد السياسة الأمريكية من جميع أدوات القوة، مثل العسكرية، والدبلوماسية، والمالية، والتنموية، والاستخباراتية، والأيديولوجية، وذلك على النحو التالي:

1. توافق مبادئ الولايات المتحدة مع سياستها الخارجية: أهم خطوة في المنافسة هي إعادة تشكيل السياسة الخارجية للولايات المتحدة على أساس المبادئ الأساسية للولايات المتحدة، والقائمة منذ التأسيس. فالمنافسة اليوم هي إلى حد كبير صراع بين الأنظمة السياسية والاقتصادية والعسكرية، مع الوضع في الاعتبار أن الصين وروسيا وإيران كلها دول غير ديمقراطية وتتجنب الأسواق والصحافة الحرة. ومن ثمَّ تهدف إلى تقويض المؤسسات الديمقراطية الأمريكية في الداخل، وإضعاف قوة الولايات المتحدة ونفوذها في الخارج، ونشر المبادئ الاستبدادية في جميع أنحاء العالم. ولتتغلب الولايات المتحدة على ذلك، لابد أن تتسق سياستها الخارجية مع مبادئها الأساسية، فلا يجوز، على سبيل المثال، فرض الديمقراطية الليبرالية باستخدام القوة العسكرية للإطاحة بالأنظمة.

2. الجانب الآخر يتمثل في فهم أفضل لكيفية رؤية الصين وروسيا وإيران في المستقبل وإدراك ماهية أهدافهم، والأدوات الرئيسية التي يستخدمونها، ونقاط الضعف القابلة للاستغلال، وغيرها. فعلى الجانب الآخر، مثلاً، تستثمر بكين موارد كبيرة في ترجمة واستكشاف معالم الثقافة والسياسة الأمريكية، في حين تتقاعس الولايات المتحدة عن التعرف على لغة عدوها، وهو الدور الذي عوضته معاهد كونفوشيوس في بكين في حرم الجامعات الأمريكية. وقد سلطت جائحة كورونا الضوء على النقص الهائل في المواد المترجمة من الصينية إلى الإنجليزية، مما يؤثر بشكل واضح على فهم كيفية تغير وجهات النظر الصينية بمرور الوقت. 

وللتغلب على هذه المشكلة، يقترح جونز بناء خدمة معلومات مفتوحة المصدر بمساعدة الكونغرس، تقوم على ترجمة المواد الخاصة بمنافسيها الرئيسيين، وإتاحتها للجمهور. فضلاً عن زيادة الموارد المخصصة لتعليم دبلوماسييها وجنودها وجواسيسها باللغات والتاريخ والسياسة والثقافة الصينية والروسية والفارسية، ويجب أن تكون الصين محور التركيز الرئيسي. 

3. عمليات التأثير - الهجوم والدفاع: تفتقر حكومة الولايات المتحدة إلى حملة أو منظمة إعلامية متكاملة لمكافحة الدعاية والمعلومات المضللة الروسية والإيرانية والصينية، على عكس وقت الحرب الباردة، حيث أخذت الإدارة الأمريكية حينذاك الحملات الإعلامية على محمل الجد، وضاعفت تقريباً ميزانية وكالة المعلومات الأمريكية، والتي تم إغلاقها لاحقا في عام 1999. ويرى جونز أن إجراء حملة فعالة غير منتظمة يتطلب عمليات دفاعية وهجومية، حيث تحتاج الولايات المتحدة إلى شن عمليات إعلامية هجومية ضد روسيا وإيران والصين لتعزيز المصالح الأمريكية وردع خصومها عن الأعمال العدوانية. ويمكن أن يتم ذلك بالتركيز على ثلاث جوانب أساسية: أولاً، تعزيز نقاط القوة الديمقراطية الأمريكية وتشجيع الإصلاحات في موسكو وطهران وبكين. ثانياً، يجب على الولايات المتحدة وشركائها تسليط الضوء بشكل استباقي على أمثلة النشاط الخبيث وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد من قبل خصومها. ثالثاً، الاستفادة من المنشقين والمهاجرين من الصين وروسيا وإيران - بما في ذلك المثقفون والعلماء - من أجل الحملات الإعلامية.

4. الحلفاء والشركاء: أخيراً، لن تكون المنافسة الفعَّالة ممكنة من دون الدعم النشط من حلفاء الولايات المتحدة وشركائها. فعلى سبيل المثال، منعت أستراليا شراء معدات اتصالات Huawei 5G لشبكتها الوطنية وكانت منتقداً صريحاً لانتهاكات الصين لحقوق الإنسان والممارسات المناهضة للديمقراطية، وهو ما يدعم الموقف الأمريكي بشكل أكبر. فمن المنطقي أن تحتاج الولايات المتحدة إلى التدريب وتقديم المشورة والمساعدة للجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية في جميع أنحاء العالم لتحقيق التوازن ضد روسيا وإيران والصين. 

المصدر:

SETH G. JONES, THREE DANGEROUS MEN: RUSSIA, CHINA, IRAN, AND THE RISE OF IRREGULAR WARFARE, First Edition, W. W. Norton & Company Ltd., London, 2021.