أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تصعيد مستمر:

لماذا تصر إيران على إطلاق قمر صناعي جديد؟

09 فبراير، 2020


تستعد إيران في الوقت الحالي لإطلاق القمر الصناعي "ظفر" عبر صاروخ "سيمرغ" إلى الفضاء من قاعدة "الإمام الخميني" الفضائية. وبصرف النظر عن مدى نجاح أو فشل تلك العملية التي سوف تحظى بمتابعة دقيقة من جانب الدول الغربية، لاسيما الولايات المتحدة الأمريكية، فإن توقيتها يوحي بأن هذه الخطوة الجديدة التي أقدمت عليها إيران لا تنفصل عن التصعيد الحالي مع تلك الدول، بما يعني أنها تأتي استكمالاً للإجراءات التصعيدية التي اتخذتها طهران وخفضت من خلالها مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، الذي لم يعد توقف العمل به احتمالاً مستبعداً خلال المرحلة القادمة.

أهداف عديدة:

تسعى إيران إلى استغلال الإعلان عن الاستعداد لإطلاق القمر الصناعي "ظفر" إلى الفضاء باستخدام الصاروخ "سيمرغ"، في 7 فبراير الجاري، من أجل تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- توسيع نطاق الإجراءات التصعيدية: تحاول إيران عبر تلك الخطوة الإشارة إلى أن لديها من أوراق الضغط ما يمكن أن تستخدمه لرفع كلفة الإجراءات العقابية التي تتخذها الولايات المتحدة الأمريكية ضدها، على نحو يوحي بأنها تسعى إلى توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها في هذا السياق، بحيث لا تقتصر على تخفيض مستوى التزاماتها في الاتفاق النووي، على غرار رفع مستوى اليورانيوم المخصب وزيادة كميته ومواصلة عمليات البحث والتطوير بدرجة أعلى، وإنما تمتد أيضاً إلى مواصلة الأنشطة الخاصة ببرنامج الصواريخ الباليستية الذي يحظى باهتمام خاص من جانب الدول الغربية.

ففي رؤية هذه الدول، فإن محاولات إيران العديدة لإطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء تمثل انتهاكاً للاتفاق النووي، باعتبار أن ذلك يثبت أنها لا تلتزم بالقيود المفروضة على برنامجها الصاروخي، حيث "يدعوها" قرار مجلس الأمن رقم 2231 إلى وقف الأنشطة الخاصة بتطوير تلك النوعية من الصواريخ التي يمكن أن تحمل أسلحة نووية.

إلا أن إيران ترد على ذلك باستمرار بأن الصواريخ الباليستية التي تمتلكها ليست مصممة لحمل هذه الأسلحة، على نحو يكشف، بصفة دائمة، عن ما تسميه اتجاهات عديدة بـــ"مكامن الخلل" في الاتفاق النووي الحالي الذي لم يتضمن التزامات صارمة في هذا السياق، وكان ذلك أحد أسباب إقدام إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على اتخاذ قرار الانسحاب من الاتفاق في 8 مايو 2018.

واللافت في هذا السياق، هو أنه من المفترض أن ترفع القيود الخاصة بممارسة أنشطة لها صلة بتطوير الصواريخ الباليستية بعد مرور ثماني سنوات من تطبيق الاتفاق النووي، وهو ما بدأت الولايات المتحدة الأمريكية في توجيه تحذيرات من التداعيات المحتملة التي يمكن أن تسفر عن ذلك، في إطار التصعيد المتواصل مع إيران حول برنامجيها النووي والصاروخي، وقدراتها العسكرية، حيث من المفترض أيضاً أن ترفع قيود، خلال العام الحالي، على بيع وشراء إيران لبعض المعدات العسكرية التقليدية.

2- الرد على تفعيل آلية فض النزاع: تسعى طهران عبر تلك الخطوة إلى الرد على اتجاه كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا إلى تفعيل آلية فض النزاع الخاصة بالاتفاق النووي، بسبب إصرار الأولى على تخفيض مستوى التزاماتها فيه، على نحو يمكن أن يؤدي في النهاية إلى عودة الملف النووي إلى مجلس الأمن وتعرض إيران إلى العقوبات الدولية السابق التي تم تجميدها بعد الوصول للاتفاق وبداية تطبيقه في منتصف يناير 2016.

وفي رؤية طهران، فإن الدول الأوروبية لا تمتلك خيارات عديدة في التصعيد معها، باعتبار أن الاستمرار في تفعيل آلية فض النزاع يمكن أن يؤدي إلى توقف العمل بالاتفاق النووي في مرحلة قادمة على نحو لا يتوافق، في رؤيتها، مع مصالح تلك الدول التي تسعى إلى استمرار تطبيقه باعتبار أن البديل لذلك سيكون نشوب مواجهة عسكرية جديدة في المنطقة تسعى بشكل حثيث إلى تجنبها نظراً للارتدادات المتوقعة التي يمكن أن تنتجها على أمنها ومصالحها، على غرار ما حدث بعد تصاعد حدة الأزمة السورية، التي أدت إلى تدفق موجات اللاجئين على حدودها واستغلال التنظيمات الإرهابية لذلك في تجاوز إجراءاتها الأمنية وتنفيذ عمليات إرهابية داخل بعض عواصمها ومدنها.

لكن ذلك لا ينفي أن إيران بدورها لا تمتلك خيارات عديدة في هذا السياق. إذ أنها تواجه المأزق نفسه، باعتبار أن توقف العمل بالاتفاق وعودتها إلى رفع مستوى أنشطتها النووية، وربما الانسحاب من معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية حسب ما هدد بعض نواب مجلس الشورى من تيار المحافظين الأصوليين، من شأنه تعزيز احتمالات الانخراط في حرب مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل أو الاثنتين معاً، وهو خيار تعمل إيران باستمرار على تجنبه لما يمكن أن يفرضه من عواقب وخيمة عليها. 

وقد كان لافتاً أنها سارعت إلى وضع حدود للمواجهة العسكرية المباشرة مع واشنطن بعد مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني، في 3 يناير 2020, عندما أشارت إلى أن ردها العسكري انتهى بتوجيه ضربات صاروخية إلى قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية في 8 من الشهر نفسه. 

3- خلط الأوراق: ربما لا يمكن فصل توقيت الإعلان عن الاستعداد لإطلاق القمر الصناعي الجديد عن تصاعد حدة الأزمات الأخرى التي تواجهها إيران في المرحلة الحالية. فإلى جانب الأزمة الدولية التي تسبب فيها إسقاط الحرس الثوري للطائرة الأوكرانية بعد ساعات قليلة من إطلاق صواريخ باتجاه القاعدتين العراقيتين اللتين تتواجد بهما قوات أمريكية، فإن الاحتجاجات التي ما زالت تندلع بين حين وآخر في بعض المحافظات والمدن الإيرانية تفرض بدورها أزمة داخلية لم تستطع السلطات التعامل معها أو احتواءها حتى الآن.

ولم تعد الخلافات بين إيران والدول المعنية بملف الطائرة منحصرة فقط في التداعيات التي يفرضها الاعتراف بإسقاطها، وإنما باتت تمتد أيضاً إلى التعويضات التي ستدفعها إلى عائلات ضحايا الطائرة، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في 3 فبراير الجاري، أن كييف غير راضية عن حجم التعويضات التي عرضتها إيران في هذا السياق، مشيراً إلى أنها سوف تسعى إلى زيادتها، حيث كانت إيران قد عرضت تقديم 80 ألف دولار لكل عائلة، وهو ما اعتبرت أوكرانيا أنه ضئيل جداً.

ومن هنا، لا يمكن استبعاد أن يكون توقيت الإعلان عن تلك الخطوة مرتبطاً بمحاولة النظام تقليص حدة تلك الأزمات وتوجيه الأنظار بعيداً عنها وتعزيز قاعدته الداخلية. 

4- استباق الانتخابات: قد يحاول النظام عبر تلك الخطوة دعم فرص تيار المحافظين الأصوليين في انتخابات مجلس الشورى (البرلمان) التي سوف تجرى في 21 فبراير الحالي، بالتوازي مع الخطوات التي يتخذها مجلس صيانة الدستور برفض أهلية عدد كبير من مرشحي تيار المعتدلين، على نحو يزيد من احتمالات أن يحقق تيار الأصوليين أغلبية في البرلمان القادم، قبل نحو عام وثلاثة أشهر من إجراء الانتخابات الرئاسية التي يسعى للفوز بها أيضاً في غياب الرئيس حسن روحاني الذي لن يترشح فيها.

إن ما سبق في مجمله يوحي بأن التصعيد سوف يكون السمة الرئيسية لتفاعلات إيران على الساحتين الداخلية والخارجية خلال المرحلة القادمة، رغم المحاولات التي تبذلها أطراف عديدة لتقليص حدة التوتر والعودة إلى خيار المفاوضات.