أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

تحديات أخلاقية:

مقارنة استخدام البيانات الانتخابية في الديمقراطيات الغربية

03 أكتوبر، 2024


عرض: عبدالله الشريف

تُعد الحملات الانتخابية بمثابة اللحظة الرئيسية التي تتواصل فيها الأحزاب السياسية في جميع أنحاء العالم مع الناخبين للحصول على الدعم والتأييد، من خلال المنشورات، والمُلصقات، وحملات طرق الأبواب، والرسائل المُختلفة التي تنشرها بهدف حشد الناخبين، في إطار الممارسة الديمقراطية لإجراءات العملية الانتخابية. مع ذلك، فعلى مدى السنوات العشر الماضية، واجهت مثل هذه الصور للحملات الانتخابية تحدياً رئيسياً؛ إذ يُنظر إلى الأحزاب السياسية على أنها جمعت قواعد بيانات واسعة من المعلومات الشخصية، وباستخدام تقنيات تحليلية معقدة لتكوين معلومات غير مسبوقة عن حياة الأفراد الشخصية؛ بهدف التلاعب بالناخبين وسير العملية الانتخابية. 

وترسم مثل هذه الممارسات صورة معينة للدور الذي تؤديه البيانات في الحملات الانتخابية في الوقت الراهن؛ وهو ما أثار مخاوف بشأن مدى ديمقراطية العملية الانتخابية. وفي هذا الإطار، تأتي أهمية كتاب "الحملات الانتخابية المُعتمدة على البيانات والأحزاب السياسية: مقارنة بين خمس ديمقراطيات متقدمة"، الصادر في 2024، والذي ألفه كل من كاثرين دوميت، وغلين كيفورد، وسيمون كروشينسكي، كأول دراسة مقارنة دولياً للحملات الانتخابية القائمة على البيانات Data-Driven Campaigns (DDC) عبر خمس ديمقراطيات في الدول الغربية (أستراليا، كندا، ألمانيا، الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا)، كما درست الممارسات الانتخابية المتنوعة والمعقدة داخل 18 حزباً سياسياً في تلك الدول.

ويعرف الكتاب "DDC" على أنها طريقة من الحملات الانتخابية التي تسعى إلى استخدام البيانات لتطوير وتقديم تدخلات الحملة؛ بهدف إحداث تغيير في مواقف وسلوكيات المواطنين. ورغم أن حالات الدول الديمقراطية الخمس التي يدرسها الكتاب متشابهة في العديد من النواحي؛ فإنها تُظهر تبايناً كبيراً في الأبعاد النظامية والتنظيمية، فحتى في نفس السياق السياسي، يتم اعتماد تقنيات الحملة الانتخابية بطرق مختلفة من قِبل جهات سياسية مختلفة. 

ويميز الكتاب بين أربعة مكونات لهذه الحملات الانتخابية؛ هي: البيانات والتحليلات والتكنولوجيا والموظفين، وكيف يمكن أن يختلف النشاط على كل مستوى، فضلاً عن الوقوف على أسباب اختلاف ممارسات "DDC" من خلال تقديم البيانات التجريبية التي تم جمعها من حالات الدراسة في الدول الخمس، أخذاً في الاعتبار أهمية العوامل النظامية والتنظيمية على مستوى الحزب كمحركات لممارسة الحملة.

أنواع البيانات الانتخابية: 

يتناول الكتاب الأدوات والتقنيات المختلفة التي تُستخدم لجمع البيانات وتحليلها واستخدامها في الحملات الانتخابية باعتبارها متغيراً مستقلاً، وهناك أربعة أنواع أساسية من البيانات، النوع الأول: البيانات المُتاحة للجمهور؛ والتي قد تكون مدفوعة الأجر أو مجانية، وهي تأتي من اللجان الانتخابية أو مكاتب الإحصاء الوطنية، مثل: العمر والجنس والرمز البريدي والحالة الاجتماعية. والنوع الثاني: البيانات المكشوفة والتي تُقدم من المواطنين مباشرةً إلى الأحزاب السياسية، عبر أنشطة الاتصال المباشر بالناخبين مثل: طرق الأبواب، والخدمات المصرفية عبر الهاتف، والبريد الإلكتروني. النوع الثالث: بيانات الرصد، وهي تأتي من تتبع البيانات عبر الإنترنت، فمثلاً تحاول الأحزاب حشد التبرعات؛ إذ يمكن للمتطوعين تجربة رسائل الحملات المتنافسة واستخدام مراقبة البيانات، مثل: وقت فتح رسائل البريد الإلكتروني، والمواقع التي تمت زيارتها بعد إرسال البريد. ويتعلق النوع الرابع والأخير بالبيانات الاستنتاجية، ويتم استخدام عينة تمثيلية لاستخلاص استنتاجات حول نية التصويت.  

ويجادل الكتاب بأن البيانات المُتاحة للجمهور تُعد عنصراً أساسياً في قواعد البيانات التي تعتمد عليها الأحزاب السياسية في العديد من الديمقراطيات المتقدمة، في حين أن هناك اختلافاً في نوع ومدى توفر هذا النوع من البيانات في دراسات الحالة الخاصة بالدراسة. ففي أستراليا؛ تتمتع الأحزاب السياسية بسهولة الوصول إلى مخزون ضخم من هذه البيانات، ويتم منح الأحزاب السياسية المُسجلة إمكانية الوصول إلى القائمة الانتخابية من اللجنة الانتخابية الأسترالية، والتي تحتوي على تفاصيل مثل أسماء وعناوين جميع المواطنين المُسجلين للتصويت، والذين يمثلون ما يقرب من 90% من السكان البالغين.

ويتشابه ذلك مع الوضع في المملكة المتحدة؛ حيث تستطيع الأحزاب السياسية الوصول إلى السجل الإنتخابي للدائرة الانتخابية، وفقاً لما ينص عليه قانون تمثيل الشعب، فضلاً عن إمكانية شراء السجل المميز؛ والذي يحتوي على من أدلى أو لم يدل بأصواته في الانتخابات الأخيرة، وتقوم الأحزاب السياسية بإلحاق هذه المعلومات بالسجل الانتخابي ضمن قواعد البيانات الخاصة بها. 

وقد لا تكون البيانات العامة المُتاحة للأطراف الكندية واسعة النطاق مثل تلك الموجودة في أستراليا أو المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة التي تختلف ظروفها حسب الولاية، لكنها أيضاً ليست محدودة مثل تلك الموجودة في ألمانيا؛ بسبب ضعف الموارد المالية المُخصصة للأحزاب السياسية والنظام المالي الحزبي الصارم؛ خاصةً وأن البيانات العامة لا تتم إتاحتها إلا قبل ستة أشهر من الانتخابات. 

ويحتوي قانون الانتخابات الكندي على أحكام يتم بموجبها تزويد الأحزاب السياسية بنسخة من السجل الانتخابي كل عام، وقائمة مُحدثة بعد الانتهاء من الأوامر القضائية؛ تتضمن المعلومات المُقدمة الأسم الأول والأخير والعنوان والرمز الانتخابي الذي تستخدمه هيئة الانتخابات الكندية، إلا أنها قد تكون أقل قيمة لأنه يمكن التسجيل للتصويت في نفس وقت الإدلاء بالصوت، كما أنها ليست متاحة دائماً قبل الانتخابات. وفي الوقت الذي تعتمد فيه الولايات المتحدة على جميع أنواع البيانات الأربعة؛ بسبب تطور صناعة شراء البيانات وضعف الرقابة التنظيمية نسبياً، تُعد البيانات المتاحة للجمهور في أستراليا وكندا والمملكة المتحدة المصدر الأساسي للبيانات، وفيما يتعلق بألمانيا؛ يتضح أن هذه البيانات مهمة جداً لكن الوصول إليها أكثر تقييداً.

تحليل العملية الانتخابية:

تظل الطريقة التي يتم بها تحليل البيانات واستخدامها كجزء من الحملات التي تُجريها الأحزاب السياسية "غامضة"؛ بسبب تكتم تلك الأحزاب على ممارسات تحليل البيانات، والعمليات الإحصائية والحسابية المُستخدمة في ذلك؛ نظراً للقلق من السماح "للغرباء" بمعرفة سبب اتخاذ القرارات. ويمكن فهم التحليلات، باعتبارها أحد مكونات "DDC"، على أنها المخرجات الناتجة عن فرز وتدقيق البيانات؛ بهدف وضع رؤى تساعد صناع القرار على تحديد كيفية استخدام موارد رأس المال والعمالة لديهم. 

وتتنوع طرق التحليل ما بين التقسيم والاستهداف والاختبار؛ فالتقسيم/ التجزئة تشير إلى ممارسة تقسيم مجموعة سكانية معينة إلى مجموعات أو أفراد، والاستهداف هو تفعيل إجراء حملة معينة لجمهور محدد وليس جمهوراً عاماً، والاختبار بمثابة فحص وتقييم فعالية تدخل معين.

وتختلف حالات الدراسة في الكتاب في التقنيات المستخدمة من قِبل الأحزاب الصغيرة والكبيرة في التحليل. ففي أستراليا، على سبيل المثال، يتضح أن الأحزاب الصغيرة مثل حزب الخضر تعتمد على عمليات التجزئة؛ فيتم تقسيم بيانات الناخبين لإنتاج مجموعة مختارة من الناخبين أو الأعضاء ذوي السمات المحددة، دون التعرض لاستخدام تقنيات أكثر تعقيداً؛ بسبب ضعف الموارد المتاحة. وهو ما يتشابه مع المملكة المتحدة؛ حيث يتم استخدام التجزئة لتحديد المقاعد والمجموعات المستهدفة، بما يعكس النظام الانتخابي الفردي التعددي. أما الولايات المتحدة؛ فتعتمد على تقنيات أكثر تعقيداً في التحليلات، ويستخدم الحزبان الرئيسيان (الديمقراطي والجمهوري) أشكالاً معقدة من التجزئة والاستهداف والاختبار.

 ويوضح الكتاب أنه يمكن إجراء كل عملية تحليل للبيانات الانتخابية في باقي حالات الدراسة بدرجات مختلفة من التعقيد، سواء داخلياً من قبل عملاء/ أعضاء الحزب أم بواسطة مستشارين خارجيين. ففي أستراليا يتم الاعتماد على التجزئة بدرجات مختلفة من التعقيد اعتماداً على الحزب؛ إذ يكون حزب العمال أكثر تقدماً عن غيره، مثلما الحال في المملكة المتحدة وكندا. وقد تلاحظ أن الأمر الشائع في الحالات الأربع هو أشكال الاستهداف والاختبار الأقل تعقيداً مما عليه في الولايات المتحدة.  

تكنولوجيا العملية الانتخابية:

تشمل التكنولوجيا جميع الأدوات والأنظمة المستخدمة لجمع وتخزين وتحليل البيانات. وكذلك منصات إدارة البيانات، وأدوات التحليل، ونظم إدارة الحملات؛ فيتم استخدام تقنيات مختلفة بوظائف مختلفة لأغراض تنظيمية واتصالية في كل بلد من حالات الدراسة. ويخلص الكتاب إلى أن الولايات المتحدة هي الأكثر تقدماً فيما يتعلق باستخدام التكنولوجيا عبر مجموعة واسعة من "الحلول البرمجية"؛ إذ يوجد قدر كبير من الابتكار فيما يتصل بتطبيقات الحملات الانتخابية والمواقع الإلكترونية. 

وفيما يتعلق بباقي دول حالات الدراسة؛ فإن مستوى التقدم التكنولوجي في إدارة العملية الانتخابية يتوقف على حجم الحزب السياسي، وتستثمر الأحزاب الكبرى في تكنولوجيا الحملات الانتخابية، من خلال شراء برامج قاعدة بيانات الحملات من الشركات الأمريكية وتكيف هذه الأحزاب تلك البرامج لأغراضها الخاصة. في حين تقوم الأحزاب الصغيرة بتطوير أنظمتها الخاصة التي تعتمد على برمجيات مفتوحة المصدر تميل إلى إظهار مستويات أقل من الأداء الوظيفي؛ خاصةً في ظل تواضع الموارد المالية لإنشاء مواقع الويب وصيانتها، أو للإعلانات السياسية.

ويضاف إلى ضعف الموارد المالية، بعض العوامل التنظيمية التي أدت دوراً في اختلاف مستوى التقدم التكنولوجي للأحزاب السياسية في حالات الدراسة، فعلى سبيل المثال، تعرض الأحزاب الألمانية عدداً أكبر من التطبيقات الإقليمية مقارنةً بالدول الأخرى؛ بسبب القيود التنظيمية. فضلاً عن تأثير هيكل الحزب وأيديولوجيته في تعزيز التفاوت في التقدم التكنولوجي بين الأحزاب السياسية، وتستخدم بعض الأحزاب مثل: حزب العمال في المملكة المتحدة والليبراليين الكنديين مواقعها الإلكترونية لمحاولة جذب المزيد من المشاركة خارج الإنترنت مقارنةً بنظيرتها المحافظة. وفي جميع الأحوال؛ فقد خلص الكتاب إلى ضعف التقدم التكنولوحي في جميع أنحاء أستراليا والمملكة المتحدة وألمانيا؛ بسبب ضعف البرامج المستخدمة، وعدم قدرة الأحزاب على الاستثمار التكنولوجي.

دور الأفراد في الانتخابات:

يدرس الكتاب دور الأفراد الذين يقومون بجمع وتحليل واستخدام البيانات في الحملات الانتخابية. ويشمل هؤلاء الأفراد محللي البيانات، ومديري الحملات، والمستشارين السياسيين، وأعضاء فرق الحملة؛ إذ يتم استعراض المهارات والخبرات المطلوبة لتحقيق النجاح في هذا المجال. كما يقدم الكتاب تفسيراً للتباين في استخدام البيانات بين الأحزاب المختلفة، وفقاً لطبيعة كل دولة، ويركز على العوامل النظامية والتنظيمية والأيديولوجية التي تؤثر في كيفية استخدام البيانات.

وأظهرت دراسات الحالة في الكتاب أن الولايات المتحدة تعتمد الاحترافية في ممارستها الانتخابية؛ من خلال توظيف العديد من الموظفين والجهات الفاعلة الخارجية؛ فيتم الاعتماد على مجموعة واسعة من الخبرات المتخصصة لجمع البيانات والتحليلات والتكنولوجيا، ومن النادر أن تقوم الأحزاب السياسية في حالات الدراسة الأخرى بتعيين عدد كبير من الموظفين، أو الاعتماد على الخبرات الخارجية مدفوعة الأجر؛ إذ يتم الاعتماد على الناشطين على مستوى القاعدة للقيام بمهام مختلفة، مع عمليات أكثر مركزية في المملكة المتحدة، وطاقم عمل أكثر لا مركزية في كندا.

وفي الوقت الذي يجادل الكتاب بأنه غالباً ما يتم تصوير "DDC" على أنه نشاط مهدد للديمقراطية يرتبط بممارسات معينة أكثر شيوعاً في الولايات المتحدة، إلا أن ذلك يختلف في حالات الدراسة باختلاف الممارسات التي تقوم بها الأحزاب السياسية في خمس ديمقراطيات متقدمة؛ لأن "DDC" ليس فقط موحداً في هذه الحالات، لكن البيانات التي يتم جمعها وتحليلها ونشرها تختلف من قبل الأحزاب السياسية. 

ختاماً؛ يخلص الكتاب إلى أن الحملات الانتخابية المُعتمدة على البيانات هي ظاهرة معقدة ومتنوعة، تختلف بين الدول وأنظمتها الحزبية المختلفة. ويؤكد أهمية فهم السياقات المختلفة لاستخدام البيانات لتحقيق فهم أعمق لتأثيرها في الديمقراطية. أخذاً في الاعتبار التنوع في استخدام البيانات؛ فيوضح الكتاب أن استخدام البيانات في الحملات الانتخابية يختلف بشكل كبير وفقاً لكل حالة. فضلاً عن التحديات الأخلاقية والتنظيمية؛ إذ تمت مناقشة التحديات المتعلقة بخصوصية البيانات وتأثيرها في الديمقراطية. وكذا التطور التكنولوجي الذي يسهم في تغيير طريقة تنظيم الحملات الانتخابية وتنفيذها. علاوةً على الدور الحاسم للأفراد؛ والخبرات المطلوبة في إدارة الحملات المُعتمدة على البيانات. 

وعلى الرغم من تطرق الكتاب إلى التحديات الأخلاقية؛ فإنه لا يقدم تحليلاً كافياً للعواقب الأخلاقية لاستخدام البيانات في الحملات الانتخابية وتأثيرها في خصوصية الأفراد. فضلاً عن مسألة تطبيق النظريات على الواقع؛ فقد يجد بعض القراء أن الانتقال من الإطار النظري إلى التطبيق العملي ليس سلساً بما فيه الكفاية؛ خاصةً في ضوء عدم التوازن بين بلدان الدراسة؛ فبينما يقدم الكتاب مقارنة بين خمس دول؛ فإن التركيز ليس متوازناً بشكل كافٍ؛ إذ تحصل بعض الدول على تغطية أكثر تفصيلاً مقارنة بغيرها.

المصدر:

Dommett, K., Kefford, G., & Kruschinski, S. (2024). Data-driven campaigning and political parties: Five advanced democracies compared. Oxford University Press.