أخبار المركز
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)
  • هالة الحفناوي تكتب: (ما مستقبل البشر في عالم ما بعد الإنسانية؟)
  • مركز المستقبل يصدر ثلاث دراسات حول مستقبل الإعلام في عصر الذكاء الاصطناعي
  • حلقة نقاشية لمركز المستقبل عن (اقتصاد العملات الإلكترونية)

من التعبئة إلى المساءلة:

مراجعة نقدية لتحولات هوليود تجاه 11 سبتمبر

25 سبتمبر، 2022


لعبت السينما الأمريكية في السنوات الأولى من أحداث 11 سبتمبر دوراً كبيراً في تعبئة الجمهور العام لدعم السياسة الأمريكية، مهما كانت أدواتها، طالما وضع عليها صك "محاربة الإرهاب". فسواء بقصد أو من دون قصد، صنعت أفلام هوليود "عدواً" ملموساً أمام الجماهير متمثلاً في الشعوب الإسلامية والشرق أوسطية، لتصب غضبها نحوه، وفي المقابل نأت بالأجهزة الأمريكية عن تحمل أي مسؤولية وعظمت من دور البطل الأمريكي الذي يحارب الإرهاب، هذا التهديد الذي يستهدف الشعب الأمريكي. وقد وظفت الولايات المتحدة بدورها هذه اللحظات الاستثنائية لاتخاذ سياسات وتحركات لم يتم دعمها من قبل، على رأسها شن الحرب على العراق.  فقد أدى التركيز على الواقعة في عدد كبير من أفلام هوليود إلى إضفاء الشرعية بصورة أو بأخرى على تحركات الولايات المتحدة، حتى وإن بدت غير منطقية. 

فالولايات المتحدة تعي وتجيد تماماً تفعيل دور السينما كواحدة من أهم أدوات القوى الناعمة. فلم يفت السينما الأمريكية أن تلعب دوراً محورياً فى التأثير على الوعي الجمعى داخل وخارج الولايات المتحدة من خلال الزوايا التى تناولت منها أحداث الحادى عشر من سبتمبر وتداعياتها.  

وعلى الرغم من ذلك التأثير الذي استمر على مدار السنوات الأولى التالية لأحداث سبتمبر، تحولت طريقة تناول السينما الأمريكية للحادثة ذاتها، وظهرت سلسلة من الأفلام تنتقد وتفند الإجراءات الأمريكية التي تم اتخاذها في إطار "محاربة الإرهاب"، وأصبحت النقاشات والجدالات أكثر ميلاً نحو تحميل جزء كبير من المسؤولية للجانب الأمريكي، وتشكك في التوظيف الأمريكي للحدث لتمرير سياسات وقرارات لم تكن لتمر سابقاً. 

وفي إطار مرور أكثر من عقدين على أحداث 11 سبتمبر، تتناول المقالة الحالية دور السينما الأمريكية في التأثير على الرأي العام وكيف تم توظيفها من جانب الحكومة الأمريكية، فضلاً عن التحولات التي طرأت على تناول السينما لأحداث 11 سبتمبر بعد عدة أعوام من الحادثة، استجابة إلى النقد الذي تمت إثارته في المجال العام الأمريكي حول جدوى السياسات الأمريكية والإجراءات التي تم اتخاذها تحت مسمى "الحرب على الإرهاب". 

سردية الضحية والمنتقم

ركزت الأفلام التي ظهرت خلال السنوات القليلة الأولى التي تلت الأحداث على تعظيم "دور الضحية" والتأكيد على بسالة الجندي الأمريكي وأهمية التدخل العسكري لمحاربة التهديدات التي تواجه الشعب الأمريكي. وذلك كما ظهر في فيلم سقوط الصقر الأسود (Black Hawk Down) إنتاج يناير 2002 حول بطولة كتيبة من الجنود الأمريكيين في الصومال في مواجهة مجموعات مسلحة شديدة الخطورة.  كما تم استغلال تلك الفترة التي تعاطف فيها الجميع مع البطل الأمريكي لتحسين صورة الموقف الأمريكي في "حرب فيتنام" وذلك كما ظهر في فيلم كنا جنود (We were soldiers) إنتاج مارس 2002 حول معركة كبرى في المرحلة الأولى للحرب الأمريكية في فيتنام، وكذلك تهيئة الشعب لخوض الولايات المتحدة حرباً جديدة ضد العراق في إطار محاربة الإرهاب.

 وهو ما جاء متماشيا مع اتجاهات الرأى العام داخل الولايات المتحدة، إذ كان هناك اتفاق كاسح حول حتمية الحرب، تجلى في تصويت الكونجرس بأغلبية كبيرة لصالح قرار الحرب الذي روجت له إدارة بوش بشدة وسط تأييد شعبي عارم بسبب حالة الذعر الجماعي التي عاشها الشعب الأمريكي. حيث عانى البعض منهم اضطرابات نفسية واضحة رصدتها بعض الدراسات على نحو التالي: إن 7.5% من سكان نيويورك و20% من هؤلاء الذين كانوا بالقرب من مبنى التجارة وقت وقوع الأحداث عانوا أعراض PTSD) (  Post-Traumatic stress Disorder وهو اضطراب ما بعد الصدمة، وفي الأسابيع التالية لسبتمبر 2001، 5% من الأطفال والكبار الذين تابعوا تغطية الأحداث عانوا نفس المرض و18% من الأطفال و10.7% من الكبار ظهرت عليهم بعض أعراض المرض فقط.

فى هذا السياق وأمام شعب يعاني هذه الأزمات النفسية ولديه الحاجة للشعور بالأمان لاقت دعوات الإدارة الأمريكية لضرورة التماسك والالتفاف حول الهوية الوطنية صدى لدى الأمريكيين، وكأن الوطنية وحب الوطن أصبحت علاجاً جماعياً في ظل حالة من الاضطراب الجماعي. كما ساعد الخطاب السائد على تأجيج مشاعر الغضب وتعظيم الرغبة في الانتقام والتركيز على وجود كارثة حقيقية تهدد أمن الأمريكيين ونمط حياتهم. عكست السينما الأمريكية ذلك في أفلام تناولت أحداث الحادي عشر من سبتمبر مباشرة مثل فيلم United 93 إنتاج عام 2006 الذي يحكي قصة الطائرة الوحيدة التي لم تصب هدفها بعد مواجهة دامية بين الإرهابين وركاب الطائرة. 

كما أنه هناك أفلام أخرى قد تبدو قصصها بعيدة عن الأحداث مباشرة لكنها تؤكد الخطاب ذاته، ولا يمكن فصلها عن سياقها مثل فيلم Spider man  إنتاج عام 2002  الذي جاء بتأكيد واضح على قوة النزعة الوطنية وضرورة التمسك بالهوية الأمريكية. فنجد أن البطل الرجل العنكبوت ذا القوة الخارقة يترك أحلامه الخاصة ويكرس نفسه للدفاع عن بلاده فنجده يجوب أنحاء نيويورك ليطمئن على الجميع. كما جاءت جملة واضحة بالفيلم لتشير للأحداث "هذه نيويورك، إذا قررت العبث مع أحد منا فأنت تعبث معنا جميعاً". مثال آخر فيلم War of the worlds إنتاج عام 2005 والذي يتناول هبوط كائنات من الفضاء دمرت كل شيء في محاكاه لما حدث في الحادي عشر من سبتمبر وهو ما أكده مخرج الفيلم ستيفن سبيلبرج Steven Spielberg : "أكثر الصور التصاقاً بذاكرتي من 11 سبتمبر هي فرار الجميع من مانهاتن عبر جسر جورج واشنطن، إنها صورة مؤلمة لم أنجح أبداً في إبعادها عن مخيلتي. إن الفيلم يتعلق بكل تأكيد بفرار الأمريكيين للنجاة بأرواحهم وتعرضهم لهجوم، دون أن تكون لديهم أدنى فكرة عن سبب الهجوم أو منفذيه".

انتقاد التوظيف السياسي

مع تطور الأحداث، تم شن حرب في أفغنستان وأخرى في العراق بسبب إدعاء إدارة بوش وجود أسلحة دمار شامل بها وهو ما ثبت أنه غير حقيقي، وأدى إلى تكبد الاقتصاد الأمريكي خسائر فادحة، إضافة للخسائر النفسية والبشرية والسياسية والاقتصادية في الداخل والخارج.

في هذا السياق بدأت الأفلام في البعد عن الغلو في الخطاب الوطني وتبنت رؤى نقدية. من أبرز تلك الأفلام، فيلم سيريانا Syriana إنتاج عام 2005، المأخوذ عن كتاب "القصة الحقيقية لجندي ميداني في حرب الاستخبارات الأمريكية على الإرهاب"، وهو عبارة عن يوميات وضعها عميل الاستخبارات السابق روبرت بير. ينتقد الفيلم الإدارة الأمريكية بشدة حيث يشرح كيف أن النفط والسيطرة عليه كانا الدافع الأساسي خلف السياسة الخارجية الأمريكية.

كذلك فيلم أسود وحملان (Lions for Lambs) إنتاج عام 2007 الذي صور فشل سياسات القوات الأمريكية، وكيف يدفع صغار الشباب ثمن طموحات السياسيين وسياساتهم الفاشلة إلى جانب توظيف الشركات الإعلامية الكبرى لخدمة هذه المصالح، ويناقش الفيلم مفهوم الحرب على الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر، وما تلا ذلك من غزو أفغانستان واحتلال العراق.

بحلول عام 2007 كانت موجة الأفلام التي تنتقد النظام الأمريكي في صعود واضح ومن أبرزها، فيلم ستكون هناك دماء (There will be Blood) وهو يجسد جذور الطمع والعنف في النظام الرأسمالي البطرياركي المدعوم بثنائية الدين والعائلة، في إطار دراما تاريخية تحاول أن تشرح جذور الأزمة المتجذرة في المجتمع الأمريكي في قلب معتقداته ومؤسساته، مقدماً بذلك نقداً لما بعد 11 سبتمبر. 

كما جاء فيلم دابليو (W) إنتاج عام 2008، ليقدم نقداً مباشر للإدارة الأمريكية عن طريق تناول قصة حياة الرئيس الأمريكي بوش، مسلطاً الضوء على حياته الشخصية وجراح طفولته وتأثير ماضيه على أدائه كرئيس واتخاذه هو وإدارته لسلسة من القرارات أدت لنتائج ذات آثار بالغة على الخارج والداخل الأمريكي. ويتوافق هذا الطرح الذي تبناه الفيلم مع الرأي العام في هذه المرحلة. فقد أقام مركز جالوب استطلاعاً حول نسبة رضا المواطنين نحو حكومتهم، وجاءت نسبة الرضا في الولايات المتحدة 34% بعد كل من ألمانيا والاتحاد الأوروبي والصين وذلك في عام 2008 بنهاية حكم بوش. أما داخلياً فقد أصدرت سي بي إس نيوز (CBS News) القناة الأمريكية نتائج استطلاعات للرأي حظي فيها بوش بـ 20% فقط كنسبة رضا شعبي. 

مراجعة الذات: الثابت والمتغير

يمكننا أن نستخلص من أفلام تلك الحقبة –حتى نهاية فترة حكم بوش- الملامح الرئيسية لصورة الذات والآخر كما رسمتها السينما الأمريكية فنجد أنه في السنوات الأولى اتسمت صورة الإدارة الأمريكية بالرشادة والانضباط، حيث لم يكن المجتمع مستعدًّا للخطاب النقدي وكان مستغرقاً فى الشعور بالألم كما ساعدت تلك الأفلام الدولة في حربها المزعومة على الإرهاب. مثال على ذلك مثل ما جاء فيه نهاية فيلم مركز التجارة العالمي (The World Trade center) إنتاج عام 2006 الذي تضمن بشكل غير مباشر تبرير للحرب من خلال تناول قصة معاناة شرطيين أمريكيين ظلا عالقين تحت الركام أثناء قيامهم بإنقاذ ضحايا برجي التجارة. وجاءت الحرب كما قدمها الفيلم كردة فعل لهجمات الحادي عشر من سبتمبر، حيث ظهرت الإدارة الأمريكية بمظهر صارم ومنصبط ومنغمس في توحيد الولايات المتحدة لخوض معركة ضد الإرهاب، وهي بالضبط الصورة التي أرادت إدارة بوش إظهارها. 

على النقيض تجلت ملامح الكذب والخداع كسمة مميزة للإدارة الأمريكية في الأفلام التي تلت تلك المرحلة، فعلى سبيل المثال، فيلم المرشح المنشوري (The Manchurian Candidate) إنتاج عام 2004 الذي تدور قصته حول قيام بعض الجهات بزرع آلة صغرى في أجسام الجنود، تسمح بالتحكم بأفكارهم وأفعالهم وتضليلهم من أجل خدمة مصالح الإدارة السياسية فى إسقاط واضح على إدارة بوش.

ارتباطاً باستخدام الأكاذيب لتحقق الإدارة الأمريكية أهدافها، لجأت أيضاً إلى انتهاك الحقوق والحريات، أي اتسمت بكونها إدارة قمعية. وهو ما تناوله فيلم ڤي رمز للثأر (V for Vendetta) إنتاج عام 2005 الذي جسد التعدي على الحريات المدنية بحجة الحماية العامة من خطر الإرهاب، حيث قامت الحكومة بالتصنت على التليفونات ومراقبة البريد الإلكتروني، بل وتاريخ التصفح على الإنترنت، ونشر سياسات الترويع للحصول على مزيد من القوة كما يوضح الفيلم. 

أما أكاذيب الإدارة الأمريكية حول حرب العراق فقد خصصت لها أفلاماً تناولت نتائجها الكارثية وإن كانت أبرز تلك الأفلام قد ظهرت بعد مرور سنوات من رحيل بوش مثل فيلم المنطقة الخضراء (Green Zone) إنتاج 2010 وفيلم اللعبة العادلة (Fair game) إنتاج العام ذاته وغيرها، إلا أنه قد ظهرت أفلام تقدم ذات الصورة لإدارة بوش أثناء فترة حكمه ومنها  فيلم كتلة أكاذيبBody of lies  عام 2008 المؤخوذ عن كتاب للصحفي الأمريكي دايفيد إيجناتيوس David Ignatius  الذي عمل فترة طويلة  لدى واشنطن بوست في التغطية الصحفية لشؤون المخابرات المركزية الأمريكية والشرق الأوسط. يتناول الفيلم عمليات السي آي إيه وكيفية إدارتها فى إطار ما سمى بالحرب على الإرهاب.

على العكس جاءت صورة المواطن والجندى الأمريكي متسمة بالإيجابية في معظم الأفلام. حيث تم تصوير الأمريكيين على أنهم مترابطون ومتحملون المسؤولية رغم ما تكبدوه من خسائر مما يعزز النظرة الإيجابية لهم، كما جاء في عدة أفلام منها متحدون 93 (United 93) حيث رأينا المواطنين يقاومون الإرهابيين وبالفعل وقد نجحوا في جعل الطائرة تسقط من دون أن تصيب هدفها رغم أن الثمن كان حياتهم إذ ماتوا جميعاً مع سقوط الطائرة، لكنهم حالوا دونما نتائج أكثر كارثية لو أن الطائرة كانت قد أصابت هدفها. كما ركزت أفلام أخرى على مرارة المواطنين الذين فقدوا أحباء بسبب الإرهاب، مثل فيلم رحلت جرايس (Grace is gone)  إنتاج عام 2007 الذي يتناول قصة أب لا يعرف كيف يخبر ابنتيه الصغيرتين أن أمهما المجندة في الجيش الأمريكي قتلت في العراق. كما أوضح فيلم وادي إيلاه (In The Valley of Ellah)  إنتاج عام 2007 أن حرب العراق دمرت الداخل الأمريكي، وأن الأمريكيين ضحايا سياسات إدارتهم.

واقترن تصوير المواطنين الأمريكيين كضحايا بتصويرهم كأبطال في مواجهة خطر الإرهاب من ناحية، ومواجهة سياسات إدارتهم التي أضرت بهم من ناحية أخرى. فنلاحظ أنه حتى في أكثر الأفلام التي انتقدت سياسات الإدارة الأمريكية بشدة، انتصرت في الوقت ذاته للمواطن وللجندي الأمريكيين.

أما صورة الآخر، فقد ارتكزت على تسليط الضوء على الإرهابيين الذين مثلوا بالطبع قوى الشر واستخدموا الدين لتبرير جرائمهم.  وقد اتسمت صورة المواطن العربي غير الإرهابي في مجملها – في الأفلام السالف ذكرها - بالفقر والجهل والتهميش في إطار قصص ترتكز في غالبيتها على الصراع مع الإرهابين كفاعل رئيسي، مما حصر في الأذهان صورة العربي في هذا الإطار. 

 يمكننا إذن القول إن السينما الأمريكية في فترة حكم بوش لعبت دوراً كبيراً في كيفية استقبال المشاهد للأحداث. كما لعبت أيضا دوراً في التأثير على سلوك الجماهير على المستوى الداخلي عن طريق تكريس حالة الخوف وأهمية التضامن والتوحد خلف الإدارة الأمريكية للقضاء على قوى الشر المتمثلة في الإرهاب، ولكنها وعلى النقيض لعبت أيضاً دوراً في تنمية الوعي بمساوئ سياسات تلك الإدارة. أما على المستوى الخارجي فقد لعبت السينما دوراً محورياً في إدارة الولايات المتحدة لصراعاتها وفقاً للصور النمطية التي قدمتها ورسختها عن الذات والآخر. فمن ناحية قدمت بعض الأفلام صورة إيجابية للإدارة الأمريكية تبرر بها سياساتها وقراراتها، ومن ناحية أخرى انتقدت بعض الأفلام هذه الإدارة بصورة توحي بمدى ديمقراطية المجتمع الأمريكي مع الحفاظ على صورة المواطن والجندي المتسمة بالبطولة والنبل والشجاعة. بذلك استطاعت الولايات المتحدة أن ترسم لذاتها صورة إيجابية تترسخ في وجدان المشاهدين وتجعلهم - وإن اختلفوا مع سياساتها- لا يسعهم إلا أن يحملوا لها قدراً من الإعجاب بشكل واع أو غير واع. كما أن تلك الأفلام تعد في حد ذاتها وثائق تاريخية تسمح للمشاهد بالولوج إلى تلك الحقبة من الزاوية ووجهة النظر الأمريكية.