أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

التغيير المستبعد:

هل تتحول إيران إلى دولة معتدلة؟

16 أغسطس، 2014


** نشر هذا المقال في دورية (اتجاهات الأحداث) الصادرة عن مركز المستقبل، العدد الأول، أغسطس 2014.

انتظر العالم منذ فوز حسن روحاني في الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2013، تغييراً حقيقياً في السياسات الإيرانية على المستويين الداخلي والخارجي، إلا أنه بعد مرور عام على توليه السلطة لم يظهر في الأفق تحول جذري في هذه السياسات، فقد ظلت المواقف الإيرانية تعبر عنها الشعارات والأهداف والثوابت ذاتها التي تبنتها الثورة الإيرانية عام 1979، ولكن من خلال رئيس يوسم بالاعتدال. وبالرغم من هذا فلايزال المجتمع الدولي يتوقع الكثير من روحاني ولم يسحب الفرص المتاحة له، باعثاً رسالة مفادها أن العالم يأمل أن يرى تحولاً نوعياً فعلياً في السياسيات الإيرانية.

أوجد الرئيس روحاني شعوراً عاماً بأنه رجل يؤمن بالتغيير، لكن الدستور الإيراني يمنح المرشد الأعلى للنظام، وليس الرئيس الإيراني، صلاحيات مطلقة تفرض التساؤل التالي: هل يستطيع حسن روحاني "المعتدل" أن يؤثر على آية الله علي خامنئي المرشد الأعلى "المتشدد"؟ وهل يمتلك القوة والصلاحية لترجمة شعاراته الانتخابية إلى سياسات فعلية؟

لقد عبر روحاني أثناء حملته الانتخابية وبعدها عن رغبته في التفاوض مع دول الجوار، ولوح بالتقارب مع الولايات المتحدة الأمريكية، وأعلن عن استعداده لمناقشة ملف إيران النووي بشكل جاد. وبالرغم من كل ذلك، فإن كافة المؤشرات تؤكد أن السياسات الإيرانية ستشهد تغييرات طفيفة فقط، دون أن تؤدي إلى تحول كبير في الثوابت العقائدية الإيرانية التي تُفرض عليها مهام لا يجوز أن تبقى سجينة الحدود الجغرافية لإيران.

إيران وتطورات المنطقة

وصل الرئيس روحاني إلى سدة الحكم في خضم تطورات متسارعة في المنطقة العربية، بدأت منذ ثورات "الربيع العربي"، وتطلق إيران على هذه التطورات مسمى "الصحوة الإسلامية"، وتؤكد أنها امتداد لثورتها الإسلامية التي أسقطت الشاه قبل ثلاثة عقود ونيف، في حين ترى المعارضة أن "الربيع العربي" سبقه "ربيع إيراني" في عام 2009؛ احتجاجاً على نتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها محمود أحمدي نجاد، فكان من الأحرى اعتبار الأحداث في العالم العربي امتداداً للأحداث والاحتجاجات الدامية التي شهدتها الشوارع الإيرانية، والتي كادت أن تحدد مصير النظام.

وفي الوقت الذي أيدت فيه إيران الثورة في كل من مصر وليبيا واليمن وتونس، وقفت بقوة ضد الثورة السورية من خلال دعم الرئيس السوري بشار الأسد، ووصف مسؤولون إيرانيون سوريا بالمجال الحيوي لبلادهم، حيث أكد يحيى رحيم صفوي مستشار المرشد الإيراني للشؤون العسكرية في 2 مايو 2014 دعم بلاده الرئيس السوري بشار الأسد، مدافعاً عن السياسة التي تتبعها طهران تجاه الأزمة السورية بقوله: "حدودنا الغربية لا تقف عند شلمجة – على الحدود العراقية غرب الأهواز– بل تصل إلى جنوب لبنان، وهذه المرة الثالثة التي يبلغ نفوذنا سواحل البحر الأبيض المتوسط"، في إشارة إلى حدود الإمبراطوريتين الأخمينية والساسانية الفارسيتين قبل الإسلام.

 إيران والخليج

 حظيت الانتخابات الرئاسية باهتمام دولي لما لها من تأثير على علاقات إيران الإقليمية والدولية، خاصة مع دول أعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وكذلك على علاقاتها مع مصر وتركيا من جهة أخرى.

ومن جانبه حاول روحاني منذ توليه الحكم أن يحصل على إجماع إيراني من قبل مؤسسات صنع القرار الرئيسية في إيران بانتهاج سياسات ترأب الصدع مع دول مجلس التعاون. وأمل روحاني في أن التقدم الإيجابي في المفاوضات حول الملف النووي مع المجتمع يمكن أن يترك تأثيراً إيجابياً على العلاقات الثنائية الإيرانية الخليجية، وتقنع دول الخليج بأن أنشطة إيران النووية سلمية %100.

ويمكن القول إن العلاقات الإيرانية – السعودية المتوترة تشكل معياراً لقياس نوايا إيران تجاه المنطقة العربية. يذكر أن روحاني عبر مراراً عن استعداد بلاده لفتح صفحة جديدة مع الرياض. ويرى المراقبون أنه لو استطاع روحاني بالفعل تحسين العلاقات مع السعودية وشقيقاتها الخليجية فسوف تتغير الكثير من المعادلات في الشرق الأوسط من الخليج إلى شواطئ البحر الأبيض المتوسط، لكنهم من جانب آخر أشاروا إلى أن المسافة بين طهران والرياض تمر عبر قضايا شائكة ابتداء من العراق، مروراً بسوريا ولبنان، ووصولاً إلى اليمن والبحرين.

وتشكل أحداث العراق الحالية والتحديات التي يواجهها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، حليف طهران في بغداد، تحدياً إضافياً لعلاقات إيران بدول المنطقة، وسوف تؤثر طريقة إيران في التعاطي مع الوضع في العراق على شكل العلاقات مع دول الخليج. ويرى مراقبون أنه ينبغي على الأطراف كلها أن تعمل على إيجاد أجواء إيجابية. من جانبها تشترط دول الخليج لتحسين العلاقات مع إيران قيام الأخيرة بإعادة النظر في شعاراتها وثوابتها الأيديولوجية، التي تبرر لها التدخل في شؤون الدول الأخرى، خاصة شعار "تصدير الثورة". ولا يمكن لطهران القفز على هذا التغيير المطلوب، وتبدأ مرحلة تحسين العلاقات مع دول الجوار دونه، فهذه الدول قلقة من العودة إلى المربع الأول ما دامت العقيدة الثورية الإيرانية لم تتغير.

 إيران ومصر

في أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979 توترت العلاقات المصرية – الإيرانية بصورة غير مسبوقة، وبعد ثورة 25 يناير عام 2011 وتنحي الرئيس المصري الأسبق محمد حسني مبارك وانتخاب محمد مرسي رئيساً للجمهورية، ظهرت بوادر تحسن في العلاقات بين البلدين، وساعدت العلاقات التاريخية، التي تعود إلى ستينيات القرن الماضي، بين قادة الثورة الإيرانية والإخوان المسلمين في مصر، في تمهيد الأرضية لاستئناف العلاقات بين البلدين. وكانت طهران قد رحبت بانتخاب مرسي ودعم المشروع المصري الرباعي لحل الأزمة السورية، بمشاركتها إلى جانب السعودية وتركيا، وقام الرئيس الأسبق مرسي بزيارة طهران في عام 2012 للمشاركة في قمة دول عدم الانحياز، وفي المقابل حضر الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في القاهرة في فبراير 2013، في أول زيارة لرئيس إيراني لمصر منذ عام 1979. ومع عزل الجيش المصري لمرسي على خلفية احتجاجات شعبية كبيرة، أفضت إلى إبعاد الإخوان عن الحياة السياسية المصرية، دخلت العلاقات بين القاهرة وطهران مرحلة المراقبة، وتعاملت إيران مع الشأن المصري بحذر، وبالرغم من ذلك فهي مستعدة لفتح صفحة جديدة مع من يحكم مصر.

أخيراً.. تشير المراجعة الواقعية للوضع السياسي السائد في المنطقة، والمواجهات بين إيران ودول الخليج في أكثر من جهة، إلى أن تغييراً حقيقياً في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه دول المنطقة أمر من المستبعد حدوثه على المدى المنظور، ولكن قد تدفع التحديات الداخلية في إيران، خاصة الضغوط الاقتصادية، إلى السعي الدؤوب نحو تحقيق تقدم في مفاوضات الملف النووي من أجل إلغاء العقوبات، وهو ما يشكل الاحتمال الأقوى لإحداث تحول حقيقي في السياسة الخارجية الإيرانية، ونجاح طهران في تطوير علاقاتها مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.

 وفي حال تطور هذه العلاقات على حساب الدول الإقليمية، خاصة الخليجية، فإن هذه الدول لن تقف مكتوفة الأيدي، ويدرك الرئيس الإيراني المعادلة جيداً، الأمر الذي يفسر محاولاته المستمرة شق الطريق بين طهران والخليج بشكل عام والرياض بشكل خاص.

 ومن المهم التأكيد على أن المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي هو الذي يمسك بيده خيوط السياسة الخارجية الإيرانية، لاسيما ما يتعلق بالملفات الحساسة، وينبغي على الرئيس روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف أن يستخدما قدراتهما في إقناع المرشد حتى يوافق على أي تحول جذري في السياسة الخارجية الإيرانية.