أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مصالح منقوصة:

لماذا تصاعدت "خلافات الحلفاء" في الشرق الأوسط؟

28 أغسطس، 2017


شهدت العلاقات بين الحلفاء في الإقليم، سواء كانوا أحزابًا سياسية وميلشيات مسلحة في صراعات داخلية، أو أطراف الائتلاف الحاكم فيما يتعلق بالعلاقة مع دول الجوار، أو قوى إقليمية وقوى دولية بشأن صراعات إقليمية ممتدة، أو قوى إقليمية وقوى دولية على خلفية توتر في العلاقات الثنائية، تباعدًا آخذ في التصاعد في بعضها وربما يكون متجهًا إلى التراجع في البعض الآخر. ويمكن تفسير تلك الحالات المختلفة، سواء الداخلية أو الخارجية، بالمصالح المنقوصة التي تباعد بين الأطراف.

فلم يعد ممكنًا حفظ بعض تلك الخلافات في الغرف المغلقة بعد أن اتخذت شكل حرب كلامية وتطورت إلى سلوكيات ميدانية بين طرفى الانقلاب في اليمن، وهو ما يؤثر على تصاعد منسوب الصراع، في حين يمكن إدارة الخلاف بين روسيا وإيران بشكل مرحلي حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد ومستقبل الميلشيات الشيعية والعلاقة الروسية الاستراتيجية مع إسرائيل، وأطماع إيران في الحصول على منفذ بحري في سوريا.

إن ثمة أنماطًا عدة لخلافات الحلفاء، سواء داخل أو بين الدول في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- الخلاف بين قوى داخلية في الدولة الواحدة: وهو ما يبدو جليًا بين حلفاء الأمس في اليمن، وتحديدًا بين قوات الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح وحركة الحوثيين، على نحو يمثل تحولاً عما كان سائدًا خلال الأعوام الثلاث الأخيرة حينما استطاعت تلك الميلشيا بدعم من قوات صالح الانقلاب على الشرعية والاستيلاء على السلطة بقوة السلاح في العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014. وقد فشلت جهود الوساطة التي قادها الزعيم القبلي ناجي الشايف بين طرفى الانقلاب (صالح ورئيس المجلس السياسي الأعلى صالح الصماد) للحيلولة دون خروج الخلاف إلى العلن.

حرب الاتهامات:

ولعل ظهور الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح في 24 أغسطس 2017 وسط حشد من أنصاره ويحيط به مسلحون يرتدون الزى العسكري يعبر عن استعداده لإرسال مئات الآلاف من المقاتلين على الجبهات المختلفة على نحو يشكك في القدرات القتالية للحوثيين. في حين دعت حركة الحوثيين لإعلان حالة الطوارئ ووقف كافة أشكال النشاط الحزبي وعدم الدفع بأى تجمعات حاشدة في الميادين العامة، غير أن أنصار صالح لم يلتزموا بذلك في إطار إحياء الذكرى الـ35 لتأسيس حزب المؤتمر الشعبي، ومن ثم، اعتبرت حركة الحوثيين تجمع أنصار صالح في صنعاء "خيانة للتحالف بينهما ودعمًا للتحالف الخارجي".

غير أن هذا الخلاف بين الطرفين ليس وليد اليوم، وهو ما أشار إليه عارف الزوكا، الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي في خطاب بثه موقع "المؤتمر نت" في 21 أغسطس الجاري قائلا: "إن الخلاف بين الطرفين بدأ مع رفض الحوثيين انعقاد مجلس النواب لقبول استقالة الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي"، التي تقدم بها في 22 يناير 2015، قبل أن يتراجع عنها بسبب عدم انعقاد البرلمان، وأضاف: "إن الخلاف توسع مع ضغوطات الحوثيين على حليفهم صالح الذي فرضوا عليه حشد 40 ألف مقاتل، إلا أن الأخير قدم حتى اليوم 3 آلاف مقاتل رفضت جماعة الحوثي ضمهم للجبهات.. والجماعة عرقلت تعيين قائد لقوات الحرس الجمهوري التي تدين بالولاء لصالح".

ووفقًا لعضو المكتب السياسي للحوثيين ورئيس اللجنة الرقابية العليا علي الصماد في تصريح لوسائل الإعلام في 23 أغسطس 2017، فإن "الخلاف قديم، وظهوره على السطح اليوم هو نتيجة طبيعية لحالة الاحتقان الموجودة داخل المكونات السياسية".

عقدة الأسد:

2- الخلاف بين شركاء الائتلاف الحاكم حول العلاقات مع دول الجوار: على نحو ينطبق على الخلاف بين تيار المستقبل من جانب وحزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر من جانب آخر بشأن انفتاح العلاقات اللبنانية مع نظام الأسد في سوريا. إذ يسود اتجاه يدافع عن صياغة علاقة جديدة مع الأخير خاصة للتعامل مع التهديدات الأمنية العابرة للحدود ومواجهة تداعيات أزمة النازحين السوريين، وهو ما دعا الرئيس اللبناني ميشال عون إلى تعيين مبعوث رئاسي لدمشق هو اللواء عباس إبراهيم مدير الأمن العام.

أهداف متباينة: 

3- الخلاف بين قوى إقليمية وقوى دولية حول الصراعات الإقليمية: تتزايد مساحة التباين بين موسكو وطهران، والذي برزت ملامحه في توقيتات مختلفة، وخاصة في مرحلة ما بعد تحرير حلب في ديسمبر 2016، حينما تم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار الذي أبرم بين موسكو وأنقرة، دون الأخذ في الاعتبار حسابات نظام بشار الأسد أو طهران.

وتسعى إيران من خلال وجودها بسوريا إلى تثبيت نفوذها الإقليمي والسيطرة على الشريط الذي يمر عبر سوريا والعراق وحزب الله، في حين أن روسيا تهدف من وجودها داخل سوريا إلى تعزيز دورها كقوة دولية منافسة للولايات المتحدة، وستكون سوريا قاعدة مركزية لها على البحر المتوسط. وقد حرصت إيران في أكثر من مناسبة على تأكيد أن موقفها غير متطابق مع روسيا إزاء مستقبل الأسد.

وتجدر الإشارة إلى تصريحات القائد العام للحرس الثوري الإيراني محمد علي جعفري التي نقلتها وكالة الأنباء الإيرانية "مهر" خلال عام 2015، والتي تشير إلى أن بلاده "لا ترى بديلاً للأسد وتعتبره خطًا أحمر وتجاوزه ممنوع"، في حين أن الأسد بالنسبة لروسيا وسيلة وليس هدفًا، ويمثل ذلك نقطة الافتراق المركزية، كون بقاء الأسد قد يخدم روسيا لكنها لا تمانع من المفاوضة عليه لتحصل على بدائل أخرى بالمقابل. وقد نقلت وكالة الإعلام الروسية في هذا السياق عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا: "نحن لا نقول أن الأسد يجب أن يرحل أو يبقى".

توترات ثنائية:

4- الخلاف بين قوى إقليمية وقوى دولية على خلفية التوتر في العلاقات الثنائية: وهو ما يعكسه واقع العلاقات المصرية- الأمريكية، بعد قرار تخفيض المساعدات العسكرية المخصصة لمصر، في 22 أغسطس الجاري. فقد أكدت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها أن "مصر تعتبر أن هذا الإجراء يعكس سوء تقدير لطبيعة العلاقة الاستراتيجية التي تربط البلدين على مدار عقود طويلة". كما حذر البيان من أن "قرار خفض المساعدات يعد خلطًا للأوراق بشكل قد تكون له تداعياته السلبية على تحقيق المصالح المشتركة المصرية الأمريكية".

ويأتي قرار تخفيض المساعدات الأمريكية لمصر، بعد التقارب في العلاقات بين القاهرة وواشنطن منذ تولي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد منصبه في مطلع العام الجاري، لا سيما بعد زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي لواشنطن، حيث قال الرئيس ترامب خلال اجتماعه مع الرئيس السيسي: "أود فقط أن يعلم الجميع، إن كان هناك أدنى شك أننا بقوة خلف الرئيس السيسي. لقد أدى عملاً رائعًا في موقف صعب للغاية. نحن نقف وراء مصر وشعب مصر بقوة".

إن هناك مجموعة من العوامل التي تفسر تزايد خلافات الحلفاء في الإقليم، على نحو ما توضحه النقاط التالية:

نزاعات الهيمنة:

1- صراعات السلطة بين الأطراف المركزية داخل الدولة: وهو ما يشير إلى هشاشة التحالفات التكتيكية، على نحو ما يعكسه تحالف المصلحة الذي جمع أعداء الأمس بين قوات صالح وأنصار حركة الحوثيين، حينما وصف صالح الحوثيين بأنهم "ميلشيا" وأنه مستعد للانسحاب من تحالفه مع الحوثيين إذا ارادوا التفرد بالسلطة، ووصف مقاتلون موالون للحوثيين الرئيس السابق بأنه "متربص شرًا". وقد أفاد بيان للجان الشعبية التابعة للحوثيين، في 23 أغسطس 2017، بأن "الطعنة تأتي من الظهر بأن توصف بأنها ميلشيا، فذلك هو الغدر بعينه".

ويعكس هذا الشقاق العلني بين الطرفين صراعهما على السيطرة على وزارة الدفاع، لا سيما بعد تعيين اللواء عبدالله يحيى الحاكم رئيسًا لهيئة الاستخبارات العسكرية. وكذلك الخلاف بشأن المخصصات المالية في دوائر الحكم في العاصمة صنعاء، خاصة بعد اتهام صالح للحوثيين بسوء الإدارة والتلاعب بأموال البنك المركزي اليمني وعدم صرف الرواتب لموظفي الدولة على مدى عدة أشهر. فضلا عن إلقاء كل طرف بالمسئولية على الطرف الآخر في تفاقم حدة الأزمة الإنسانية التي تمر بها البلاد. لذا دفع كوادر حزب المؤتمر الشعبي للنزول إلى الشارع والنشاط على وسائل التواصل الاجتماعي تحت شعار "أين الراتب يا أنصار الله؟" و"أنا جائع".

ووفقًا لما أشار إليه المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية في 23 أغسطس 2017، فإن "65 سفينة و124 قافلة إغاثة، و628 شاحنة، و5500 سلة غذائية، و6 آلاف كيس دقيق قمح، تعرضت إما للمصادرة أو النهب من قبل الميلشيات الحوثية، فضلاً عن الاعتداءات التي نفذتها تلك الميلشيات على المنظمات التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإغاثية والعاملين فيها، في 6 مدن ومحافظات يمنية هى صنعاء، وتعز، وحجة، والحديدة، وإب، وعدن، علاوة على عمليات القتل والاختطاف وإغلاق المنافذ وفرض إغلاق المكاتب ونهبها، التي تورطت فيها عناصر تلك الميلشيات".

هذا بخلاف دافع آخر يتعلق بمحاولة الرئيس السابق صالح استعادة الزعامة المفقودة والضغط على الحكومة الشرعية عبر إظهار ولاء بقايا الجيش اليمني له لتحسين موقعه التفاوضي المستقبلي، سواء لحزبه أو لنجله أحمد.

2- تباينات الرؤئ بشأن مسارات الصراعات الإقليمية المسلحة: على نحو ما يكشفه الخلاف "غير المرئي" بين موسكو وطهران، في بعض الأحيان، تحت سقف التحالف في الأزمة السورية، وفقًا لأولويات مختلفة. فقد يبدو للوهلة الأولى أن ثمة تطابقًا في رؤى موسكو وطهران حيال الأزمة السورية، لا سيما في ظل الدعم الجوي الروسي لقوات الأسد والدعم البري الإيراني إلى جانب مشاركة حزب الله، إلا أن هناك خلافًا ضمنيًا في دوافع دعم كل طرف لنظام الأسد، إذ أن موسكو تفضل الحل السياسي في حين تفضل إيران الحسم العسكري.  

فهدف روسيا من تدخلها في الصراع الداخلي السوري هو تعزيز وتمكين "بقايا" أو أشباه مؤسسات الدولة السورية، وخاصة الجيش النظامي، بما يحافظ على مصالحها الاستراتيجية والاقتصادية، في حين تهدف إيران إلى إضعاف بنية الدولة السورية وتفتيتها لتمكين ميلشيات طائفية من السيطرة، على نحو يقود تباعًا إلى تغيير البنية المجتمعية، وهو ما بدا جليًا في المناطق التي خرجت عن سيطرة "داعش" وبعض قوى المعارضة المسلحة، ومن ثم الخلاف بشأن إبرام الهدن لاحتواء المناطق المحاصرة.

كما يختلف الطرفان الروسي والإيراني بشأن مسار التسوية السياسية في سوريا. فالهدف الذي تدعمه موسكو هو محاربة الإرهاب العابر للحدود وفرض حل يضمن استقرارًا داعمًا لها، حتى لو أدى ذلك إلى إحداث تغيير في بنية النظام وإبعاد رموزه، بينما تهدف طهران إلى الحفاظ على الوضع القائم وتعزيز وجود رموزه خلال المرحلة الانتقالية. لذا يوجد اتجاه في الأدبيات الغربية مفاده أن روسيا تسعى لدبلوماسية المقايضة تهدف من خلالها إلى رفع العقوبات الاقتصادية والاعتراف بحقها في شبه جزيرة القرم والاحتفاظ بنفوذ دبلوماسي في ما تسميه موسكو "دول الجوار القريب" أى النفوذ الذي مارسته على مدى أربعة عقود في عصر المنظومة السوفيتية.

علاوة على ذلك، يوجد خلاف بين موسكو وطهران على الموقف من قوى المعارضة المسلحة، إذ تعتبرها طهران جماعات إرهابية دون تمييز بينها، في حين تميل موسكو إلى التفرقة بين التنظيمات المتطرفة والتنظيمات المعتدلة.

فضلاً عن رفض موسكو استمرار الدور العسكري لحزب الله في سوريا وتواصله مع ميلشيات موالية لطهران. وفي حين تهدف طهران إلى التمدد الإقليمي لمواجهة نفوذ بعض القوى الإقليمية، فإن موسكو تسعى إلى تحقيق الهيمنة بإدارة مصالح مختلف الأطراف الدولية والإقليمية سواء بوجود دور رئيسي لواشنطن في إنجاز التسوية، أو تقدير مخاوف إسرائيل، أو تفهم بوتين تمدد القوات العسكرية التركية في شمال سوريا وتعزيز خيار التوافق مع أنقرة لضمان وقف إطلاق النار، أو دعم دور مصري في اتفاقات التهدئة.

3- التقارب بين أحد الحلفاء و"خصم" الحليف الآخر: حيث تتابع إسرائيل مسارات التعاون الروسي-الإيراني في سوريا، كما تبدي الحكومة الإسرائيلية قلقًا واضحًا سواء من محاولات التمدد الإيراني بالقرب منها، أو من عدم تجاوب موسكو، إلى جانب واشنطن، مع مطالبها لتعديل بنود اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، وخاصة ضمان خروج القوات الإيرانية والميلشيات الشيعية من سوريا، وليس فقط إبعادها 20 كم من الحدود مع إسرائيل.

ومن هذا المنطلق، زار رئيس الوزراء الإسرائيلي نيتانياهو موسكو في 23 أغسطس الجاري لتوجيه رسالة لموسكو مفادها ضرورة قيام الأخيرة بكبح التمدد الإيراني على الحدود المشتركة مع إسرائيل.

مواقف مزدوجة:

4- تباين رؤى مؤسسات الدولة في التعامل مع الحلفاء: وهو ما ينطبق على قرار الولايات المتحدة بتخفيض المساعدات العسكرية لمصر. فوفقًا لوزارة الخارجية الأمريكية، قررت الولايات المتحدة تجميد 195 مليون دولار من المساعدات العسكرية لمصر في انتظار تسجيل "تقدم في أولويات حيوية".

ولعل الارتباك المفاجئ الذي قد يصيب العلاقات المصرية-الأمريكية يعود، في قسم كبير منه، إلى التباين بين رؤية البيت الأبيض من جانب ووزارة الخارجية والكونجرس من جانب آخر فيما يخص العلاقات مع الدول الحليفة أو الشريكة في منطقة الشرق الأوسط، وهو نهج ليس قاصرًا على مصر وإنما قد يمتد أيضًا إلى الشركاء في منطقة الخليج بل وشرق آسيا.

تأثيرات متفاوتة:

إن العواقب الناتجة عن ظاهرة خلافات الحلفاء في الإقليم سوف تكون متباينة، وفقًا لماهية هذه الخلافات وحدودها وفرص تصاعدها. إذ أن استمرار الخلافات بين الحلفاء في الإقليم قد يقود إلى تعميق الصراعات الداخلية المسلحة في الإقليم، حيث شن الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح ستة حروب في مواجهة الحوثيين في صعدة والحديدة، خلال الفترة (2004-2009)، وتحالف مع أطراف عديدة ضدهم مثل الإخوان المسلمين والسلفية الجهادية اليمنية، على نحو يشير إلى تاريخ دامٍ بين الطرفين، بما يعني أن توافق المصلحة المؤقتة هو الذي قاد إلى مشاركة الطرفين في الانقلاب على الشرعية الدستورية في اليمن.

كما أن خروج قطاعات من الرأى العام اليمني للتظاهر ليس لتأييد صالح بل للاحتجاج ضد الحوثيين، ربما يمهد لتوافقات جديدة وتغيير في التفاعلات السياسية التي تشهدها الساحة اليمنية، لا سيما مع إعلان المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ عن مبادرة إنسانية تتضمن تسليم ميناء الحديدة ومطار صنعاء لجهة ثالثة تحت إشراف دولي، حيث أبدى صالح موقفًا مرنًا من هذه المبادرة، وهو ما يعني قبوله بإجراء حوار سياسي. ويتزامن ذلك مع عدم تمكن قوات الجيش اليمني المحسوبة على الشرعية من تحقيق انتصارات حاسمة في جبهات الشمال، ولا سيما محيط صنعاء، مقابل عجز قوات الحوثي وصالح عن تحقيق تقدم في جبهات الجنوب، فضلا عن اندلاع أزمة إنسانية حادة، على نحو أوجد حراكًا سياسيًا داخليًا.

تنازلات متبادلة:

على جانب آخر، لا يمكن أن يصل الخلاف بين موسكو وطهران إلى افتراق بينهما كون الطرفان يحتاجان إلى بعضهما، وتوجد بينهما قواسم مشتركة، ذلك أن إيران تحتاج إلى روسيا ومن دونها لا تستطيع أن تحقق انتصارًا في سوريا، بينما روسيا تحتاج أيضًا لإيران كى تضمن عدم تخريب الاتفاقات الروسية في سوريا. كما أن روسيا لا تمتلك بدائل دولية أو إقليمية تشجع على تبديل تحالفاتها. والمسار الأرجح هو أن يميل الطرفان نحو تقديم تنازلات متبادلة والتوصل إلى تفاهمات بينية.

في حين ترى اتجاهات عديدة أن ملف المساعدات الأمريكية لمصر يؤثر على واقع العلاقات الثنائية، فضلا عن تعزيز الدور المصري بشأن عملية السلام في الشرق الأوسط وتقليص احتمالات إنهاء الأزمة القطرية، بل قد يؤكد انطباعًا بأن دول الإقليم الشريكة لواشنطن لا يمكنها أن تراهن عليها في تحمل أعباء تحقيق الاستقرار في الإقليم.

خلاصة القول، لم تعد الخلافات قائمة بين الخصوم في الإقليم وإنما صارت بين الحلفاء أو الأصدقاء أيضًا، حيث تفرض "توافقات الضرورة" مع أطراف ثالثة، وهشاشة التحالفات بين قوى الصراع سواء كانت أحزابًا سياسية أو ميلشيات مسلحة، وتعقد الصراعات الداخلية المسلحة، وتأثيرات الأزمات الإقليمية، وضغوط لوبيات المصالح الخارجية، تغيير المسارات المحتملة للعلاقات في الشرق الأوسط، وهو ما يرجح أن يزيد من مضاعفات عدم الاستقرار الإقليمي خلال الفترة المقبلة.