أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ملء الفراغ:

كيف تتعامل إيران مع الانسحاب الروسي من سوريا؟

23 ديسمبر، 2017


تتابع إيران بدقة وحذر مسارات الانخراط الروسي، سياسيًا وعسكريًا، في سوريا خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد إعلان الروسي فيلاديمير بوتين، خلال زيارته قاعدة حميميم العسكرية الروسية في سوريا في 11 ديسمبر 2017، سحب القسم الأكبر من القوات العسكرية الروسية بعد أن قامت بتنفيذ مهامها. ويبدو أن ذلك لا ينفصل عن التصريحات الأخيرة التي أدلى بها العديد من المسئولين الإيرانيين، وأشاروا من خلالها إلى استعداد طهران لتكريس نفوذها العسكري داخل العراق وسوريا خلال المرحلة القادمة، في مؤشر يوحي بأن إيران قد تحاول ملء الفراغ الناتج عن الانسحاب الروسي من سوريا، لاعتبارات خاصة برؤيتها لاحتمالات التصعيد مع القوى الإقليمية والدولية المناوئة لتدخلاتها في المنطقة.

إشارات متوازية:

لم تكتف إيران بمحاولات الترويج لدورها المزعوم في الحرب ضد "داعش"، بعد الهزائم الكبيرة التي تعرض لها الأخير في العراق وسوريا خلال الفترة الأخيرة، وكان آخرها الادعاءات التي تبنتها صحيفة "كيهان" (الدنيا) بشأن دعوة البعض داخل سوريا والعراق ولبنان لإقامة تماثيل لقاسم سليماني قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري، والمسئول عن العمليات الخارجية، بسبب الدور الذي قام به في التخلص من "داعش"، بل إنها ربما تسعى إلى رفع مستوى انخراطها في سوريا والعراق على المستويات المختلفة، العسكرية والاقتصادية والاجتماعية، من أجل التعامل مع المعطيات الجديدة التي سيفرضها الانسحاب الروسي من سوريا وانتهاء الحرب ضد تنظيم "داعش".

وفي هذا السياق، قال قائد الحرس الثوري محمد علي جعفري، في 15 ديسمبر 2017، أن "إيران سوف تقوم بتعزيز وجودها العسكري في العراق وسوريا خلال المرحلة القادمة"، فيما أشار ممثل المرشد في الحرس علي سعيدي إلى أن أحد أسباب ذلك يكمن في قدرة إيران على تحويل المواجهات الخارجية من صراع تقليدي إلى حرب غير متماثلة.

هذه التصريحات توازت مع دعوات أخرى وجهها العديد من المسئولين الإيرانيين لتكريس النفوذ الاقتصادي الإيراني داخل الدولتين، من خلال توسيع نطاق المشاركة الإيرانية في عمليات إعادة الإعمار في سوريا، والهيمنة على المناقصات المطروحة لتطوير حقول النفط العراقية.

دلالات عديدة:

اتجاه إيران إلى تعزيز نفوذها داخل العراق وسوريا يطرح دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تصاعد الضغوط: يشير سعى إيران لدعم نفوذها داخل الدولتين إلى أنها باتت تدرك حجم الضغوط الإقليمية والدولية التي تتعرض لها بسبب تدخلاتها في المنطقة ودعمها للتنظيمات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول الأزمات، والتي انعكست في مطالبة العديد من تلك القوى لها بالتوقف عن تلك السياسة التي ساهمت في انتشار الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة. 

وبعبارة أخرى، فإن تعمد إيران توجيه تلك الرسائل في المرحلة الحالية يعني أنها ترى أن تعزيز نفوذها داخل العراق وسوريا يمثل آلية مهمة يمكن من خلالها مواجهة الضغوط التي تتعرض لها بسبب تصاعد الاتجاه الإقليمي والدولي المناوئ لانتهاكاتها المتواصلة للاتفاق النووي وتطويرها برنامج الصواريخ الباليستية وتهديدها لأمن واستقرار دول المنطقة.

وهنا، كان لافتًا حرص محسن رضائي قائد الحرس الثوري الأسبق أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام على تأكيد أن تأخر تحرك إيران نحو دعم نفوذها داخل العراق وسوريا، خاصة على المستوى الاقتصادي، سوف يمنح الفرصة للقوى الأخرى من أجل مل الفراغ الناتج عن ذلك، مشيرًا في هذا السياق إلى أن عمليات إعادة الإعمار التي ستبدأ في سوريا خلال الفترة القادمة سوف تكون محورًا لتنافس العديد من الأطراف التي تتطلع إلى المشاركة فيها.

2- قلق متزايد: رغم أنه لا يمكن استبعاد أن تكون روسيا قد قامت بالتنسيق مع إيران والنظام السوري والميليشيات الطائفية الأخرى قبل إعلانها سحب قسم من قواتها من سوريا، إلا أن ذلك لا ينفي أن طهران ربما تبدي قلقًا من احتمال أن تكون تلك الخطوة قد اتخذت وفق تفاهمات أخرى توصلت إليها روسيا مع القوى المناوئة لإيران، على غرار الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، خاصة في ظل حرص روسيا على مواصلة التنسيق السياسي والعسكري مع الطرفين للتعامل مع التطورات الميدانية والسياسية التي يشهدها الصراع السوري، وهو ما يمكن أن يمثل دافعًا لطهران من أجل السعى لتوسيع نطاق نفوذها للتعامل مع هذا الاحتمال الذي لا يمكن استبعاده في رؤيتها.

3- الرد على الانتقادات الأمريكية: يبدو أن تصريحات جعفري التي أشار فيها إلى اتجاه إيران نحو توسيع نطاق نفوذها العسكري داخل الدولتين تمثل ردًا على الانتقادات القوية التي تواصل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب توجيهها إلى إيران، وآخرها ما جاء على لسان المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن نيكي هيلي في 14 ديسمبر الجاري.

فقد قدمت هيلي أدلة عديدة تؤكد تورط إيران في تقديم دعم عسكري لميليشيا الحوثيين، في انتهاك واضح لقرارات مجلس الأمن، لا سيما القرارين 2216 و2231، مشيرة إلى دور إيران في انتشار الإرهاب، حيث قالت في هذا السياق أنه "لا توجد جماعة إرهابية في الشرق الأوسط ليس لإيران بصمات عليها".

وهنا، كان لافتًا أن التصريحات الإيرانية الأخيرة تلت التحذيرات الأمريكية المتعددة لإيران بعدم استهداف قواتها في العراق، وهو ما يعني أن إيران قد تسعى إلى استخدام وجودها العسكري ونفوذها القوي لدى الميليشيات الطائفية الموالية لها، ولا سيما ميليشيا "الحشد الشعبي"، كآلية يمكن الاستناد إليها في حالة وصول التوتر مع الولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة غير مسبوقة في المرحلة القادمة.

4- ترسيخ سياسة حرب العصابات: لا تبدو إيران في وارد الدخول في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل، رغم تهديداتها المستمرة، حيث أنها ترى أن ذلك يمكن أن يفرض تداعيات وخيمة عليها، خاصة في ظل خبرتها التاريخية السلبية في الحروب التقليدية المباشرة.

ومن هنا، فإن الرسائل التي تعمد أكثر من مسئول إيراني توجيهها تشير إلى أن طهران سوف تعتمد على الميليشيات الطائفية الموالية لها في المواجهات مع القوى المناوئة لها، وهو ما انعكس في تصريحات علي سعيدي ممثل خامنئي في الحرس الثوري تحديدًا.

فقد قال سعيدي أن "معادلات المنطقة تغيرت لصالح إيران" وهو ما يعود، وفقًا لرؤيته، إلى اعتماد الحرس الثوري على الانتقال من الحرب المتوازنة إلى الحرب غير المتماثلة، في إشارة إلى الدور الذي تقوم به الميليشيات الطائفية الموالية لإيران في دعم دورها في المنطقة ومواجهة التي تتعرض لها.

وفي النهاية، ربما يمكن القول إن إيران لم تعد تستطيع الاستعاضة عن دور الميليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في بعض دول المنطقة، خاصة في ظل تصاعد حدة الضغوط المفروضة عليها، وتطلع المؤسسات الراديكالية النافذة داخل النظام الإيراني إلى استثمار التطورات الطارئة على الساحتين الإقليمية والدولية من أجل تعزيز نفوذها من جديد داخل دوائر صنع القرار بعد أن حاولت بعض الأطراف داخل النظام استغلال الاتفاق النووي من أجل تقليص وفرض قيود على هذا النفوذ.