أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

تصفية حسابات:

هل تعكس قضية مرتضوي صراع نفوذ في إيران؟

04 ديسمبر، 2017


يشير صدور حكم بالسجن لمدة عامين على سعيد مرتضوي المدعي العام الإيراني السابق بتهمة ارتكابه عمليات تعذيب خلال أحداث يونيو 2009، إلى تصاعد حدة الصراعات بين القوى والتيارات السياسية داخل إيران، والتي أدت إلى فتح ملفات عديدة خاصة بانتهاكات حقوق الإنسان وانتشار الفساد داخل مؤسسات الدولة.

واللافت في هذا السياق هو أن صدور هذا الحكم توازى مع حملة الاتهامات المتبادلة التي شهدتها إيران خلال الفترة الأخيرة بين الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد وخصومه السياسيين من داخل تيار المحافظين الأصوليين، خاصة علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى (البرلمان) وشقيقه صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية القريبين من المرشد الأعلى علي خامنئي، والتي امتدت حتى إلى بعض قضايا السياسة الخارجية، على غرار البرنامج النووي والعقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران قبل الوصول إلى الاتفاق النووي في منتصف عام 2015.

اعتبارات عديدة:

ربما يمكن تفسير أسباب تصاعد قضية سعيد مرتضوي على الساحة السياسية من جديد في ضوء اعتبارات رئيسية ثلاث: يتمثل أولها، في تعمد الرئيس السابق أحمدي نجاد مواصلة حملته من جديد على عائلة لاريجاني، حيث حاول تبرير اتساع نطاق العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران بسبب أزمة ملفها النووي قبل الوصول إلى الاتفاق النووي، بالمواقف التي اتخذها علي لاريجاني خلال فترة توليه منصب كبير المفاوضين الإيرانيين وأمين المجلس الأعلى للأمن القومي، وهى الفترة التي شهدت خلافات حادة بين الطرفين انتهت بإبعاد لاريجاني عن إدارة المفاوضات النووية مع القوى الدولية.

فبعد فتح بعض ملفات الفساد التي وقعت في عهده، ادعى الرئيس السابق أن امتناع لاريجاني عن تنفيذ تعليماته الخاصة بالتعامل مع الأسئلة التي طرحتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن الأنشطة النووية الإيرانية، كان سببًا في صدور قرارات العقوبات من داخل مجلس الأمن، والتي فرضت تداعيات قوية على الاقتصاد الإيراني بدت جلية في انهيار العملة الوطنية وارتفاع معدلات التضخم والبطالة والفقر.

كما ألمح أحمدي نجاد إلى دور ما قام به لاريجاني من أجل عرقلة الاتفاق الثلاثي الذي توصلت إليه إيران وتركيا والبرازيل في 18 مايو 2010 وكان يهدف إلى تسوية الأزمة النووية من خلال الاتفاق على نقل اليورانيوم المخصب داخل إيران بنسبة 3.5% إلى الخارج مقابل حصولها على يورانيوم مخصب بنسبة 20%، لتشغيل مفاعل الأبحاث النووية في العاصمة طهران.

وفي رؤيته، فإن اتجاه خصومه السياسيين إلى عرقلة تنفيذ هذا الاتفاق كان يهدف إلى منعه من تحقيق إنجاز سياسي في هذا الملف تحديدًا، بشكل كان سيؤثر على توازنات القوى السياسية داخل إيران في غير صالح الجناح الذي يقوده لاريجاني داخل تيار المحافظين الأصوليين.

واللافت في هذا السياق، هو أن قضية مرتضوي تحديدًا كانت محورًا لأزمة حادة نشبت بين أحمدي نجاد وعلي لاريجاني في 3 فبراير 2013، عندما استغل الرئيس السابق مشاركته في جلسة لمجلس الشورى للدفاع عن وزير العمل عبد الرضا شيخ الإسلام الذي كان البرلمان يسعى إلى عزله، من أجل إلقاء الضوء على ما سماه بـ"قضايا فساد تطول بعض أفراد عائلة لاريجاني" لا سيما فاضل لاريجاني الذي بث أحمدي نجاد شريط فيديو يجمعه مع مرتضوي ويعرض فيه الأول استغلال نفوذ عائلته في تسوية العقبات التي تحول دون تأسيس إحدى الشركات الخاصة مقابل المساهمة في مشروعاتها.

ويبدو أن ذلك دفع الشقيقين علي وصادق لاريجاني إلى عدم الاكتفاء بالسعى إلى منع أحمدي نجاد من تمكين أحد أنصاره من الفوز في الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو من العام نفسه، من خلال دعم الرئيس الحالي حسن روحاني، وإنما الإصرار على فتح ملفات فساد ارتكبت خلال عهد الرئيس السابق، خاصة في ظل النفوذ الذي يحظى به صادق لاريجاني داخل السلطة القضائية.

وربما لا ينفصل ذلك أيضًا عن الجدل الذي تشهده الساحة الداخلية الإيرانية في الوقت الحالي، بسبب المشكلات العديدة التي كشف عنها الزلزال الأخير الذي تعرضت له بعض المدن الغربية الإيرانية، في 12 نوفمبر الجاري، وأسفر عن مقتل 482 شخصًا وإصابة 12380 شخصًا آخرين وتدمير 30 ألف منزل، من بينها بعض المنازل التي تم إنشاءها خلال عهد أحمدي نجاد في إطار برنامج الحماية الاجتماعية الذي تبنته الحكومة للتعامل مع تداعيات العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على إيران في تلك الفترة.

تقليص الضغوط:

وينصرف ثانيها، إلى الجهود الحثيثة التي يبذلها الرئيس حسن روحاني من أجل تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها من جانب أنصار تيار الإصلاحيين الذين يوجهون له انتقادات قوية بسبب عزوفه عن تنفيذ بعض أهم الالتزامات التي تبناها خلال فترة ما قبل الانتخابات، خاصة على صعيد توسيع هامش الحريات السياسية والاجتماعية.

إذ يبدو أن الحكومة سعت إلى استغلال قضية مرتضوي من أجل تأكيد جديتها في التعامل مع الملفات الشائكة، على غرار انتهاكات حقوق الإنسان التي تعرض لها أنصار هذا التيار خلال الاحتجاجات التي شهدتها إيران في يونيو 2009 بسبب رفض "الحركة الخضراء" لنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في هذه الفترة وأسفرت عن فوز أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية، حيث اتهم مرتضوي بارتكاب عمليات تعذيب أدت إلى وفاة بعض المعتقلين، على غرار  محسن روح الله أميني طالب الدراسات العليا في قسم هندسة الإلكترونيات بجامعة طهران، الذي توفى في يوليو 2009 في معتقل كاهريزاك بسبب مشاركته في الاحتجاجات، وهو الشخص الذي حصل محامي عائلته على الحكم الأخير بسجن مرتضوي لمدة عامين.

رسائل مضادة:

ويرتبط ثالثها، بمحاولة النظام الإيراني استيعاب الانتقادات الدولية لانتهاكات حقوق الإنسان في إيران، والتي انعكست في الإدانات المستمرة من جانب المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان فضلاً عن بعض القوى الدولية على غرار الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الانتهاكات، والتي قد تستند إليها الأخيرة في سعيها إلى فرض عقوبات جديدة على إيران.

وقد تصاعدت حدة تلك الانتقادات عقب نجاح قوى المعارضة الإيرانية في الخارج في إعادة إلقاء الضوء على بعض الانتهاكات التي ارتكبت لأنصارها في الداخل، على غرار ما يسمى بـ"مذبحة عام 1988" التي شارك فيها بعض الشخصيات الإيرانية المعروفة على الساحة السياسية حاليًا بتعليمات من الخميني، مثل إبراهيم رئيسي المرشح الخاسر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة الذي قام المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي بتعيينه في مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومصطفى بور محمدي وزير العدل في حكومة روحاني.

وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن تصاعد حدة الصراعات السياسية داخل إيران سوف يستمر خلال الفترة القادمة، خاصة في ظل الضغوط الدولية والإقليمية التي تتعرض لها حاليًا، بشكل سوف يؤدي إلى الكشف عن مزيد من الملفات الخاصة بالفساد وانتهاكات حقوق الإنسان.