أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

توازنات متغيرة:

هل يتم تشكيل ميليشيا "الجيش الوطني" في سوريا؟

10 أغسطس، 2017


كشف قائد "جيش مغاوير الثورة"، أحد فصائل المعارضة السورية المسلحة، عن مفاوضات جارية مع ممثلين عن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، تهدف إلى تأسيس ما يسمى بـ"الجيش الوطني" تكون نواته الأولى من "المغاوير"، محددًا مهمته في قتال تنظيم "داعش" انطلاقًا من قاعدة الشدادي في ريف الحسكة الجنوبي، والتي أنشأتها الولايات المتحدة في وقت سابق باتجاه بعض مناطق دير الزور التي يسيطر عليها التنظيم.

وسوف يقتضى ذلك، على الأرجح، أن تحل القوات الجديدة محل "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تتخذ من الشدادي مركزًا لها، وهو ما يوسع دائرة الأهداف من إنشاء هذا الجيش، خاصة فيما يتعلق بإعادة صياغة واشنطن لأنماط علاقاتها ورؤيتها لطبيعة أدوار شركائها المحليين في مناطق النفوذ ومناطق عمل التحالف الدولي في سوريا، بالتوازي مع توسيع مجال التفاهمات مع روسيا في المناطق الآمنة، في إطار ما يمكن تسميته بـ"إعادة بناء التوازنات" في تلك المناطق.

دلالات عديدة:

تطرح الخطوة المحتملة الخاصة بتشكيل "الجيش الوطني" دلالات عديدة، يتمثل أبرزها في:

1- مغزى الاختيار: إذ أن فصيل "مغاوير الثورة" هو كيان عسكري مسلح منشق عن "الجيش السوري الحر"، لكنه ما زال يعمل في الإطار نفسه كتنظيم مسلح ضد النظام، ولكن هناك إشارات كثيرة في العديد من التقارير الغربية إلى علاقاته بالمخابرات المركزية الأمريكية، فضلا عن أن هذا الفصيل جرى تدريب عناصره في قاعدة التنف الجنوبية الخاصة بقيادة التحالف والتي تشرف عليها بالتحديد قوة عسكرية أمريكية، وتمكن من امتلاك خبرات أيضًا في مواجهة "داعش" في مناطق البادية السورية، إلى جانب أن بنية هذا الفصيل تعتمد بالأساس على المكون العشائري العربي في تلك المنطقة. 

2- طبيعة الدور: لم يعد دور هذا الكيان يقتصر على مواجهة النظام السوري، وإنما بات يمتد أيضًا إلى مواجهة "داعش"، وهو ما يمكن استنتاجه من أن الولايات المتحدة سحبت بالتزامن مع هذا الإعلان السلاح الثقيل من فصائل "الجيش الحر" في الجنوب، بما يعني، وفقًا لاتجاهات عديدة، أنه ليس لديها الرغبة في دعم معركة الأخير في مواجهة نظام الأسد، ويرتبط ذلك كله بتفاهمات المناطق الآمنة الروسية– الأمريكية، الأمر الذي يؤشر إلى أن هذه التكتيكات لديها الأولوية الآن على حساب أية تكتيكات أخرى. 

3- التوافق مع تركيا: ارتبطت بعض التحركات الخاصة بتشكيل هذا الكيان بحضور لافت لقوى المعارضة خاصة "الائتلاف الوطني" في تركيا، وبدعم من الأخيرة لتعزيز دور العرب في المناطق التي كان الأكراد يتطلعون إليها، بما يعني أن هذا التطور قد يتوافق مع مصالح أنقرة كونه سيساهم في دعم منافس في دوائر تحرك الميليشيات الكردية التي تعتبرها عدوًا لها، ومن مكون مقبول لديها وتؤسس علاقات قوية معه.  

4- الاستفادة من دروس الموصل: خاصة فيما يتعلق بتجنب ارتكاب انتهاكات في المناطق التي يمكن تحريرها من تنظيم "داعش" على غرار التي قامت بها الميليشيات الحليفة لإيران التي ادعت انخراطها في المواجهات المسلحة ضد التنظيم في الموصل، وفي مقدمتها ميليشيا "الحشد الشعبي".

5- تأثير الموقع: وفقًا للخطة المطروحة هناك موقعان: الأول، هو قاعدة الشدادي التي كانت مرتكزًا لقوات "قسد" ثم يتم إخلائها منها. والثاني، هو دير الزور التي تحظى بموقع استراتيجي باعتبارها تشكل ما يطلق عليه "سلة الغذاء والنفط" في سوريا، وبالتالي فإن السيطرة عليها تمثل دعمًا لجهود كسب مواقع نفوذ على الساحة السورية. إلى جانب أن منطقة دير الزور هى إحدى المحطات الرئيسية التي تبدي إيران اهتمامًا خاصًا بها لتعزيز فرص تأسيس ما يسمى بـ"مشروع القوس الإيراني" الذي ينطلق من طهران وصولا إلى شرق المتوسط.

تداعيات مختلفة:

انطلاقًا من ذلك، يمكن استنتاج أن ما تروج له "مغاوير الثورة" من أن الهدف الوحيد يتمثل في الحرب على "داعش" هو مجرد عنوان مرحلي يتعلق بالمهام وطبيعة الدور فقط ولا يشير إلى الأهداف الاستراتيجية الأخرى، التي يتعلق أهمها بإعادة بناء التوازنات التي سوف تفرض تداعيات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:

1- تعزيز النفوذ: إذ أن تركيز الدعم على "قوات سوريا الديمقراطية" في معركة الرقة يعنى أن الولايات المتحدة كانت تمنح الأولوية فقط للحرب ضد "داعش" ولم يمتد نطاق اهتماماتها إلى إعادة هندسة مناطق النفوذ من الحسكة شمالا إلى الرقة ودير الزور وصولاً إلى خط الحدود الجنوبي، وبالتالي فإن مجرد الاعتماد على طرف آخر يمثل الكتلة العربية قد يحقق ذلك إلى حد ما. 

2- دعم التنافس: خاصة بعد أن كشفت التجارب السابقة عن صعوبة التنسيق المشترك بين "قسد" والقوى الأخرى، في ظل وجود شكوك ومخاوف إزاء الخطط المستقبلية، لا سيما مع حرص الأكراد على توجيه إشارات تفيد سعيهم إلى تكرار النموذج العراقي في المناطق التي يسيطرون عليها.

3- تكريس التوازن: لا سيما في مواجهة الوجود الروسي، حيث تتقاسم الولايات المتحدة مناطق النفوذ مع روسيا في الجهة الشرقية من سوريا، وتسعى إلى توسيع قاعدة النفوذ في الكثير من المناطق دون التركيز على منطقة واحدة، وهو ما يعنى أنها تواكب الأجندة الروسية في سوريا أيضًا وتحاول بناء قاعدة مماثلة لها. 

تحديات محتملة:

رغم أن الولايات المتحدة تعد الطرف الرئيسي الذي قام بصياغة تلك الترتيبات، إلا أنه بدا لافتًا أنها لم تقم بالإعلان عن تشكيل هذا الكيان، حيث تولت "مغاوير الثورة" تلك المهمة. وربما يؤشر ذلك إلى عدم وجود قرار واضح حتى الآن إزاء اتخاذ هذه الخطوة، وهو ما يمكن تفسيره في إطار التحديات المحتملة التي يمكن أن تواجهها.

 إذ لم تتضح بعد آليات التنسيق مع الأطراف الأخرى، على غرار "قسد"، كما لم تتبلور خريطة انتشارها خاصة في دير الزور، التي تتواجد فيها أيضًا قوات تابعة للنظام وعناصر من تنظيم "داعش".

 فضلا عن ذلك، فإن التداعيات التي يمكن أن تفرضها خطة إعادة الانتشار التي يمكن أن ترتبط بتلك الخطوة ربما لا تكون هينة، خاصة في المناطق التي سوف يتم سحب "المغاوير" منها، حيث أن ذلك سيحدث انكشافًا في الخطوط الخلفية للمعركة، بشكل قد يمنح الفرصة للأطراف الأخرى مثل القوات النظامية لمحاولة ملء الفراغ فيها سريعًا.

 إلى جانب أن هذه الخطوة ربما تفرض ضغوطًا على المكون العربي في "قسد"، الذي يشكل ثُلث قواتها تقريبًا حسب بعض التقديرات، والذي لم تتضح بعد ملامح خياراته المستقبلية، سواء البقاء في "قسد" أو الانضمام للتشكيل الجديد بحكم الانتماء العرقي، بشكل سوف يؤثر على توازنات القوى فيما بينهما. 

 وعلى ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية إن الخطوة الجديدة ربما تساهم في إعادة ترتيب أنماط التفاعلات بين القوى والأطراف الرئيسية المنخرطة في الصراع السوري، الذي يبدو أنه مقبل على استحقاقات استراتيجية سوف تؤثر على مساراته المحتملة في المرحلة القادمة.