يكشف اتجاه تنظيم "داعش" إلى تأسيس "مدارس للأشبال" عن أنه لم يعد يهتم فقط بالتعامل مع التداعيات التي فرضتها العمليات العسكرية التي يتعرض لها في كل من سوريا والعراق تحديدًا والتي أدت إلى استنزاف قدراته البشرية والمادية بشكل واضح، وإنما بات يمنح الأولوية أيضًا للحفاظ على استمرار توجهاته الفكرية، التي يمكن أن تنحسر تدريجيًا بفعل تلك العمليات العسكرية. ففي هذا السياق، أشارت تقارير عديدة إلى أن التنظيم يقوم حاليًا بتأسيس مدارس جديدة للأطفال، تتولى تدريس النواحي الفكرية إلى جانب العلوم الشرعية، أطلق عليها "مدارس الأشبال"، والتي تختلف عن "معسكرات الأشبال" التي تقوم بتنظيم دورات عسكرية للأطفال، من أجل تخريج إرهابيين لا يتبنون أفكاره فحسب وإنما يمتلكون الإمكانيات التي تمكنهم من العمل على تنفيذ تعليماته أيضًا.
دلالات عديدة:
ومن دون شك، فإن اهتمام "داعش" بتجنيد الأطفال ليس جديدًا، حيث أنه سعى، منذ تصاعد نشاطه في منتصف عام 2014، إلى ضم عدد منهم إلى صفوفه خاصة أبناء الإرهابيين أو الأسرى، بل إنه قام باختطاف بعضهم من ذويهم لتدريبهم وتلقينهم أفكاره ثم الزج بهم في المعارك المسلحة خاصة في مدينة الموصل العراقية، حيث عين أحد كوادره الذي يدعى "أبو حارث" مسئولا عن تدريبهم، لكنه قتل في غارة شنها الطيران العراقي في 5 سبتمبر 2016، إلا أن الجديد في هذا الإطار هو أن التنظيم بات يحرص على تأسيس مدارس تتمثل مهمتها الرئيسية في تخريج جيل جديد من الإرهابيين التابعين له، وهو ما يطرح دلالات عديدة يمكن تناولها على النحو التالي:
1- تهديد البنيان الأيديولوجي للتنظيم: تصاعدت حدة الحملات الفكرية التي شنتها أطراف وقوى عديدة، خلال العامين الماضيين، ضد التوجهات الفكرية التي يتبناها "داعش"، بشكل ساهم، ضمن أسباب أخرى، في كشف زيف الادعاءات التي يستند إليها وتراجع معدلات الانضمام إليه نسبيًا، وهو ما اعتبره التنظيم بمثابة تهديدًا قويًا لأفكاره يتوازى مع استمرار العمليات العسكرية التي يتعرض لها على أكثر من جبهة، بشكل دفعه إلى محاولة تأسيس هذه النوعية من المدارس من أجل الحفاظ على استمرار توجهاته الإرهابية العنيفة، عبر تلقينها لبعض الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 14 عامًا.
2- استباق مرحلة الانهيار: يبدو أن التنظيم يدرك صعوبة الحفاظ على المناطق التي سيطر عليها في شمال العراق وسوريا، في ظل العمليات العسكرية التي تشنها الأطراف والقوى المعنية بالحرب ضده، والتي ربما يتسع نطاقها خلال المرحلة القادمة، بشكل دفعه إلى محاولة استباق مرحلة الانهيار التي يمكن أن يصل إليها، عبر العمل على تخريج جيل جديد من الإرهابيين القادرين على إعادة نشر أفكاره وتوجهاته سواء في المناطق التي ما زال يتواجد بها أو بعض البؤر الجديدة التي يمكن الوصول إليها في مرحلة ما بعد انتهاء المعارك المسلحة في شمال العراق وسوريا. ومن هنا، أشارت اتجاهات عديدة إلى أن التنظيم ربما يتجه خلال المرحلة القادمة إلى منح الأولوية للحفاظ على "الفكرة" أكثر من الحفاظ على "الهيكل" الذي يتعرض لضربات قوية بسبب استمرار المواجهات العسكرية مع الأطراف المناوئة له.
3- ترسيخ الثبات الفكري: يسعى "داعش" في تلك المرحلة إلى تعزيز الثبات الفكري لدى العناصر الإرهابية التي تنتمي إليه، باعتبار أن هؤلاء هم الأكثر قدرة على الالتزام بأفكاره وتوجهاته والعمل على تنفيذها على الأرض، وهو ما يمكن أن توفره "مدارس الأشبال"، التي يمكن أن تساعده في ترويج أفكاره لدى الأطفال، خاصة أن الضغوط الحالية التي يتعرض لها لا تتطلب، في رؤيته، استقطاب عناصر تسعى للانضمام إليه من أجل تحقيق أهداف أخرى مادية أو اجتماعية أو غيرها.
تأثيرات محتملة:
ربما يفرض انتشار ظاهرة "مدارس الأشبال" التي يقوم "داعش" بتأسيسها عددًا من التداعيات التي تتمثل في:
1- تصاعد حدة العنف: إذ أن تلك المدارس سوف تساعد في إعداد جيل جديد من الإرهابيين الذين قام "داعش" بتلقينهم أفكاره وإكسابهم الخبرة القتالية اللازمة لتمكينهم من تنفيذ تعليماته.
2- ظهور بؤر إرهابية جديدة: لا سيما في حالة انتقال تلك العناصر إلى مناطق أخرى، داخل دول الأزمات على غرار سوريا، بفعل الضربات العسكرية المتواصلة التي يتعرض لها التنظيم في المناطق التي يسيطر عليها، حيث أن ذلك سوف يزيد من احتمالات إقدامهم على محاولة تأسيس بؤر إرهابية جديدة كتعويض عن الخسائر البشرية والمادية التي يتكبدها التنظيم بسبب تلك الضربات.
3- دعم التنظيمات الفرعية: خاصة تلك التي تتعرض لضغوط قوية بسبب العمليات العسكرية أو الحملات الفكرية المناهضة لها، بشكل يزيد من أهمية توفير منظرين فكريين قادرين على ترسيخ توجهات التنظيم لدى العناصر الإرهابية التي تنتمي لها.
4- تزايد أعداد الانتحاريين: تحتاج العمليات الانتحارية أو الانغماسية، التي صار التنظيم يعتمد عليها بشكل كبير منذ بدء عملية تحرير الموصول فى أكتوبر 2016، إلى عناصر إرهابية تتبنى قناعات فكرية غير تقليدية، تمكنهم من الإقدام على تنفيذ هذه النوعية من العمليات، وهو ما يمثل أحد أهداف تأسيس تلك المدارس، التي باتت تكتسب أهمية خاصة من جانب التنظيم، في ظل حرصه على زيادة العمليات الانتحارية خلال الفترة الماضية، وكان آخرها الهجوم الانتحاري الذي شنه فرع التنظيم في أفغانستان، والذي استهدف مبنى الإذاعة في جلال أباد، في 17 مايو 2017. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن التنظيم بات يعتمد على الأطفال في تنفيذ عمليات انتحارية ضد القوات والميليشيات المنخرطة في العمليات العسكرية ضده.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن ترجيح اتجاه التنظيم إلى مواصلة تبني تلك الآلية خلال المرحلة القادمة، في ظل تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها بسبب العمليات العسكرية التي تشنها أطراف وقوى عديدة ضده، واستمرار ظاهرة الانشقاقات التي يقوم بها بعض كوادره، فضلا عن انحسار مساحة الأراضي التي يسيطر عليها في كل من العراق وسوريا.