تسعى الصين للحصول على التأييد الدولي والإقليمي لمبادرتها المعروفة بـ"طريق الحرير الجديد: حزام واحد..طريق واحد"، والتي أطلقتها في عام 2013 بغرض ربط المناطق الغربية والجنوبية في البلاد بالقارات الثلاث القديمة آسيا وإفريقيا وأوروبا. ومؤخرًا، وعلى هامش انعقاد منتدى "الحزام والطريق للتعاون الدولي" ببكين في مايو الجاري، خصصت الأخيرة مليارات الدولارات من أجل دعم المبادرة.
وعلى مدار السنوات الماضية، أبدت الصين ترحيبها بمشاركة دول الشرق الأوسط في المبادرة لما تحظى به من أهمية استراتيجية ولوجيستية كبيرة تساهم، من دون شك، في ربط أسواقها بالدول الأوروبية والآسيوية، وفي الوقت نفسه، فقد بادرت حكومات المنطقة بتوثيق تعاونها مع الصين في هذا الشأن، وفي الآونة الأخيرة وقع الطرفان عددًا من مذكرات التفاهم والاتفاقات لتعزيز استثمارات البنية التحتية اللازمة لتنفيذ المبادرة.
وبالنسبة للمنطقة، فنظريًا هناك العديد من المكاسب الاقتصادية والسياسية والتي يمكن أن تحققها دول الشرق الأوسط من انضمامها للمبادرة. إذ أن ذلك سوف يساهم في دعم التقارب السياسي مع الصين، وهو ما قد يعزز مستقبلا من مساهمة الأخيرة في العمل على تسوية قضايا المنطقة. كما أنه سيؤدي إلى تعزيز مكانة الصين كشريك اقتصادي للمنطقة، حيث تمثل هذه المبادرة أساسًا جيدًا للانطلاق نحو مزيد من تعميق العلاقات التجارية والاستثمارية بين الطرفين علاوة على الاستفادة من الإمكانات المتاحة من الصين لدعم البنية التحتية لاقتصادات المنطقة.
ولكن على ما يبدو، فإن وتيرة المكاسب التي ينتظرها الجانبان الصيني والشرق الأوسطي لن تكون بالسرعة المطلوبة، فلا زال هناك العديد من العراقيل التي ربما تعوق تنفيذ المبادرة وبما قد يؤجل من المكاسب التي تجنيها دول المنطقة، ويتعلق أبرزها بارتفاع كلفة تمويل مشاريع البنية التحتية اللازمة لتنفيذ المبادرة، والتي تتزامن مع تصاعد المخاوف العالمية من تراجع أداء الاقتصاد الصيني.
فضلا عن ذلك، لا يبدو حصول المبادرة على التأييد الدولي الكامل احتمالا مؤكدًا، لا سيما في ظل التحفظات الأوروبية والهندية على تنفيذها، إلى جانب استمرار الاضطرابات الجيوسياسية والأمنية في بعض دول المنطقة.
استعداد مشترك:
ترى بكين أنه لا غنى عن انضمام دول منطقة الشرق الأوسط لما يسمى بـ"الحزام الاقتصادي لطريق الحرير" و"طريق الحرير البحري في القرن الحادي والعشرين"، المعروف باسم "طريق الحرير الجديد: حزام واحد.. طريق واحد"، والذي يهدف إلى ربط المناطق الغربية والجنوبية في الصين بالقارات الثلاث أوروبا وإفريقيا وآسيا عبر عددد من المحاور البرية والبحرية التي سيتم إنشائها.
ومن دون شك، فإن الموقع الاستراتيجي لمنطقة الشرق الأوسط سيعزز من الجهود التي سوف تبذل من أجل ربط الأسواق الآسيوية بكل من الأسواق الأوروبية والإفريقية. وتمثل قناة السويس إحدى الركائز الرئيسية لتحقيق هذا الترابط، حيث ظلت على مدار السنوات الماضية ممرًا رئيسيًا لنقل البضائع الصينية لمختلف الأسواق الأوروبية.
ومن أجل كسب شركاء من الشرق الأوسط لتنفيذ المبادرة، سعت الصين، منذ إطلاقها في عام 2013، إلى تعميق أطر تعاونها الاستثمارية في مجال البنى التحتية مع كثير من دول الشرق الأوسط. وفي هذا الصدد، وقعت الصين وتركيا مذكرة تفاهم في إطار قمة العشرين التي عقدت في نوفمبر 2015 بمدينة أنطاليا التركية حول مشروع طريق الحرير وتعزيز العلاقات التجارية والملاحة البحرية للدولتين، إضافة إلى مذكرة تفاهم تتعلق بمبادرة "ممر الوسط".
وبالمثل، أبرمت الصين مذكرة تفاهم مع مصر في يناير 2016 لتعزيز التعاون بين الدولتين لتنفيذ طريق الحرير الجديد. وفي الوقت نفسه، أيدت الحكومة المصرية المبادرة والتي ستنعكس، من دون شك، على تعزيز المكانة اللوجستية للممر الملاحي لقناة السويس.
فيما خطت الصين أولى خطواتها الفعلية نحو تعزيز ترابطها مع الشرق الأوسط، بوصول قطار البضائع الأول من الصين إلى العاصمة الإيرانية طهران مارًا بكل من كازاخستان وتركمانستان، والذي ساهم في خفض مسافة نقل البضائع إلى 14 يومًا مقارنة بـ45 يومًا، وهي المسافة التي كانت تقطعها البضائع من ميناء شنغهاي بالصين إلى ميناء بندر عباس بإيران، الأمر الذي يعد نقطة فاصلة فى إحياء طريق الحرير، ويمثل مرحلة جديدة من التعاون المربح للطرفين.
وبما أن إسرائيل أيضًا تمثل إحدى المواقع الرئيسية التي تعدها الصين كنقطة محورية في تنفيذ مبادرة طريق الحرير البحري، فقد بدأت عدد من الشركات الصينية، بدعم من الحكومة الصينية، في ضخ استثمارات في قطاع النقل والموانئ لتسهيل التجارة بين إسرائيل والقارة الآسيوية. وفي عام 2014 فازت شركة "تشاينا هاربور" بعقد لبناء ميناء أشدود الجديد، الذي من المنتظر الانتهاء منه عام 2021، كما حصلت شركة "شنغهاي أنترناشونال" الصينية، في عام 2015، على حق إدارة ميناء حيفا لمدة 25 عامًا.
مكاسب منتظرة :
نظريًا، يمكن أن يحقق مشروع طريق الحرير الجديد العديد من المكاسب لمنطقة الشرق الأوسط، يمكن تناولها على النحو التالي:
1- استثمارات إضافية: ساهمت التغيرات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط منذ عام 2011، وبالتزامن مع تراجع أدوار بعض القوى الدولية في قضايا المنطقة، في تعزيز الحضور السياسي والاقتصادي للصين واعتبارها شريكًا اقتصاديًا يمكن التعويل عليه من قبل بعض حكومات الشرق الأوسط. وفي العام الماضي، وصلت الاستثمارات الصينية إلى ذروتها عند مستوى 28.1 مليار دولار، بما يعادل ثلاثة أضعاف مستواها في عام 2010.
ومن دون شك، فإن مبادرة طريق الحرير الجديد، والتي خصصت الصين لها 128 مليار دولار في مايو الجاري، ستتيح لكثير من دول الشرق الأوسط الاستفادة من الإمكانات التمويلية والإنتاجية للصين واللازمة لدعم البنية التحتية والربط الاقتصادي والإنتاجي فيما بين دول المبادرة الـ65. ذلك في الوقت الذي تعهد الرئيس الصيني شي جين بينج أثناء زيارته لمنطقة الشرق الأوسط في يناير 2016 بتقديم قروض واستثمارات للمنطقة قد تبلغ قيمتها الإجمالية نحو 55 مليار دولار.
2- تعزيز التجارة: في عام 2015، وصلت التجارة بين الصين ودول المنطقة إلى حدود 191.1 مليار دولار بحسب منظمة التجارة العالمية. ومن دون شك، فإن طريق الحرير الجديد سيمثل استمرارًا للسياسات الصينية التى تهدف الى إقامة علاقات تجارية أوثق بين الصين والشرق الأوسط. وفي المجمل، تطمح الصين للوصول بقيمة التجارة مع الدول المشاركة في خطة إنشاء طريق الحرير الجديد إلى 2.5 تريليون دولار وذلك خلال عشرة أعوام من انطلاق المبادرة، وهو ما ستدعمه سهولة الوصول إلى الأسواق فيما بين دول المبادرة خاصة مع تطوير البنية التحتية للطرق والسكك الحديدية والموانئ بين الصين والعالم الخارجي.
3- دعم البنية التحتية: تعمقت العلاقات الصينية مع الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة ولتشمل انخراط كثير من الشركات الصينية في دعم البنية التحتية بالمنطقة. وحاليًا، هناك مشاريع بنية تحتية في مجالات الطاقة والكباري والنقل بقيمة 25 مليار دولار تقوم بإنشائها شركات صينية وذلك بحسب "بي إم آي للأبحاث".
ولكن مع الإمكانات التمويلية الجديدة والتي تتيحها الصين لتنفيذ مبادرة طريق الحرير الجديد، ربما يتوقع أن تصبح شريكًا رئيسيًا للبناء وتمويل البنية التحتية في دول المنطقة. والآن، هناك الكثير من الآليات التمويلية التي دشنتها الصين لدعم هذه المبادرة منها صندوق طريق الحرير الجديد، الذي سيوفر 40 مليار دولار، بالإضافة إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية بتمويلات قد تبلغ 100 مليار دولار. وحسب "بي إم آي للأبحاث" أيضًا، هناك 35 مليار دولار من مشاريع البنية التحتية التي يجرى التخطيط لتنفيذها بدعم من الصين.
عقبات محتملة:
رغم الدعم الصيني للانتهاء من مبادرة طريق الحرير الجديد في سنوات قليلة، إلا أن هناك عددًا من العراقيل التي قد تعوق تنفيذ المشروع. يتمثل أولها، في التوترات الجيوسياسية والأمنية في بعض الدول المشاركة في المبادرة، التي تعاني من أزمات عديدة على الصعيدين الأمني والسياسي، بشكل قد يؤدي إلى تعطيل تنفيذ العديد من المشاريع.
ويتعلق ثانيها، بارتفاع تكاليف تطوير مشاريع المبادرة، فاستنادًا إلى تقديرات شركة "برايس كوبرز ووترهاوس"، تحتاج الصين إلى تعبئة ما يصل إلى تريليون دولار لتنفيذ المبادرة، وذلك بالتزامن مع مخاوف بشأن ما إذا كانت الصين، بسبب تباطؤها الاقتصادي، قادرة على تمويل المشاريع وتحقيق أرباح كبيرة منه أم لا.
وينصرف ثالثها، إلى عدم الحصول على التأييد الدولي للمبادرة بشكل كامل. إذ أن هناك عددًا من الدول التي أبدت تحفظها على المشروع في الآونة الأخيرة مثل ألمانيا التي اشترطت تقديم ضمانات لحرية التجارة والمنافسة للمشاركة بالمبادرة. كما أكدت الهند معارضتها للممر الاقتصادي الصيني- الباكستاني، وهو مشروع رئيسي ضمن المبادرة، والذي من المقرر أن يمر عبر منطقة كشمير المتنازع عليها مع باكستان.
وختامًا، يمكن القول إن الصعوبات التمويلية والتنفيذية العديدة التي تواجه مبادرة طريق الحرير الجديد قد تضع سقفًا وحدودًا للمكاسب التي يمكن أن تجنيها المنطقة من المبادرة، ولكنها على أية حال ستمثل نقلة رمزية في مستوى التعاون الاقتصادي بين المنطقة والصين خلال المرحلة القادمة.