أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

سمات خاصة:

أسباب وتداعيات تصاعد ظاهرة "الإرهابيين الجائلين"

06 أبريل، 2017


أثارت تصريحات ماسيل دا سوزا رئيس لجنة المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا "إكواس"، خلال زيارته لموريتانيا، في 31 مارس 2017، والتي أشار فيها إلى وجود مخاوف من احتمال "نزوح إرهابيين" من مدينة الموصل العراقية إلى مدينة كيدال في شمال مالي، تساؤلات عديدة حول احتمال انتقال بعض الإرهابيين بين بؤر الصراعات المختلفة، بدلا من العودة إلى دولهم الأصلية، في إطار ما يمكن تسميته بظاهرة "الإرهابيين الجائلين"، التي تختلف عن ظاهرة "العائدين من مناطق الصراع"، التي بدأت بعض الدول والاتجاهات في التحذير منها خلال الفترة الأخيرة.

ورغم أن بعض الاتجاهات استبعدت هذا الاحتمال، إلا أن هذه التساؤلات بدأت تكتسب أهمية ووجاهة خاصة، في ضوء تزايد التقارير التي تشير إلى إمكانية اتجاه تنظيم "داعش" نحو البحث عن بؤر صراعات جديدة للتمدد داخلها، في ظل الضغوط التي يتعرض لها في المناطق الرئيسية التي يتواجد فيها حاليًا، لا سيما في سوريا والعراق. 

ظاهرة متجددة:

ترتبط ظاهرة "الإرهابيين الجائلين" بتعدد بؤر الصراع التي تسمح للإرهابيين بالانتقال من منطقة إلى أخرى، في ظل سيولة الحدود بين بعض الدول وضعف الرقابة الأمنية، لا سيما في دول الأزمات. واللافت أن هذه الظاهرة ليست جديدة وإنما متجددة، إذ أنها ظهرت مع مطلع تسعينيات القرن الماضي عقب الانسحاب السوفيتي من أفغانستان، وبداية الحرب الأهلية عام 1992، حيث رفض العديد من المقاتلين الأجانب المشاركة في تلك الحرب، وقرروا التوجه إلى بؤر صراعات أخرى، على غرار الشيشان والبوسنة وكشمير والصومال وغيرها، من أجل المشاركة في الحروب التي تصاعدت فيها، وإقامة معسكرات تدريب لبعض العناصر التي استطاعوا استقطابها للانخراط في تلك الصراعات.

وقد بدأت ظاهرة "الإرهابيين الجائلين" تطرح نفسها مجددًا على الساحة خلال الفترة الأخيرة، مع تصاعد حدة الضغوط التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية، وخاصة تنظيم "داعش" الذي انخراط في معارك مسلحة على جبهات متعددة في كل من العراق وسوريا. وقد كشفت العديد من الدراسات عن أن كثيرًا من العناصر الإرهابية التي انضمت إلى تنظيم "داعش" خلال الفترة الماضية لن يعودوا إلى دولهم، خاصة في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي بدأت في إتباعها واتجاهها إلى رفع مستوى التنسيق الأمني مع دول الجوار وبعض القوى المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وإنما سيتجهون إلى بور صراع جديدة، سواء بقرار فردي أو بتكليف من التنظيم.

وفي السياق ذاته، أشار موقع "دويتشه فيله" الألماني، في تقرير له في يونيو 2016، إلى احتمال توجه عناصر من تنظيم "داعش" إلى ليبيا أو أفغانستان أو غيرها من الدول غير المستقرة، وذلك لقدرة التنظيم هناك على إعادة الانتشار وتوفير الحاضنة. كما حذرت مجلة "نيوزويك" الأمريكية، في بداية نوفمبر 2016، من مخاطر انتقال عناصر من التنظيم من مدينة سرت في ليبيا إلى تونس.

وقبل ذلك، قال وزير الدفاع التونسي فرحات الحرشاني، في سبتمبر 2016، أن "الإرهابيين لا يفرون فقط من جنوب ليبيا للانضمام إلى جماعة بوكو حرام، بل أيضًا في اتجاه الغرب، إلى تونس تحديدًا". وقد أعاد الحرشاني، في فبراير 2017، التأكيد على أن "عودة المقاتلين يمثل تهديدًا للأمن القومي التونسي، نظرًا لاحتمال إقدامهم على تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف أمن الدولة ونهج الانتقال الديمقراطي".

فوارق متعددة:

يختلف "الإرهابيون الجائلون" الذين يتنقلون بين بؤر الصراعات المختلفة من أجل المشاركة في المواجهات المسلحة، عن "الإرهابيين العائدين" الذين يحاولون العودة إلى دولهم مباشرة من بؤر الصراعات. ولذا، بدأت اتجاهات عديدة في وصف "الإرهابيين الجائلين" بـ"المرتزقة" الذين يشاركون في الصراعات المختلفة لاعتبارات عديدة ترتبط بتبنيهم أفكارًا شديدة التطرف وسعيهم إلى الحفاظ على مصادر دخلهم.

كما أن "العائدين" غالبًا ما يحاولون الانتقال إلى دولهم بشكل فردي، في حين أن "الجائلين" يتنقلون بشكل فردي أو جماعي. ويمتلك "الجائلون"، في الغالب، خبرة وقدرات قتالية نوعية، كما أنهم، وفقًا لاتجاهات عديدة، أكثر التزامًا من الناحية التنظيمية والفكرية، وهو ما يجعلهم، في كثير من الأحيان، يُطيعون أوامر قيادة التنظيم بالانتقال من منطقة إلى أخرى. في حين يُنظر إلى "العائدين"، خاصة الذين يعودون بقرار فردي، على أنهم يسعون إلى الهروب من جبهات المعارك بعد تصاعد حدة الضغوط المفروضة عليهم. ولذا تحرص التنظيمات الإرهابية على اتخاذ إجراءات رادعة ضدهم، على غرار تنظيم "داعش" الذي قام، في فبراير 2017، بإعدام سبعة من عناصره حاولوا الهروب عبر نهر دجلة لكنهم فشلوا بسبب سيطرة القوات العراقية على المجرى المائي، كما صدرت فتاوى داخل التنظيم تسمح بإعدام العناصر التي تسعى إلى الفرار من جبهات القتال. 

تأثيرات محتملة:

ربما يفرض تصاعد ظاهرة "الإرهابيين الجائلين" في تلك الفترة تداعيات عديدة لا تبدو هينة، لا سيما في ظل تردي الأوضاع الأمنية في العديد من مناطق الصراع التي ربما يتوجهون إليها، ويتمثل أبرزها في:

1- اتساع نطاق أعمال العنف: خاصة أن هذه العناصر تسعى إلى المشاركة في المعارك المسلحة التي تشهدها بعض تلك المناطق، سواء بقرار فردي أو بتعليمات من جانب التنظيمات التي تنتمي إليها.

2- استقطاب عناصر جديدة: تشير اتجاهات عديدة إلى أن "الإرهابيين الجائلين" غالبًا ما يمتلكون خبرات قتالية وتنظيمية كبيرة نتيجة مشاركتهم في المواجهات المسلحة التي اندلعت بين التنظيمات الإرهابية وبعض القوى والأطراف المعنية بالحرب ضد الإرهاب، وهو ما يزيد من احتمالات اتجاههم إلى نقل تلك الخبرات إلى بعض العناصر المحلية، لا سيما في حالة ما إذا تلقوا تعليمات من جانب التنظيمات الرئيسية بتأسيس مراكز لتدريب هذه العناصر من أجل دعم الجهود التي تبذلها هذه التنظيمات لتوسيع نطاق نفوذها في تلك المناطق الجديدة.

3- تفاقم الأوضاع في مناطق الصراع: إذ أن انخراط هذه العناصر في المواجهات المسلحة التي تشهدها بعض مناطق الصراع، يؤدي، في الغالب، إلى تصاعد حدة الأزمات في تلك المناطق، على المستويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية، خاصة في ظل تراجع قدرات السلطات في دول الأزمات على فرض إجراءات أمنية مشددة وضبط الحدود ومكافحة تهريب الأسلحة. 

وأخيرًا، يمكن القول إنه كلما تصاعدت حدة الضغوط التي تتعرض لها التنظيمات الإرهابية في إحدى المناطق، كلما دعم ذلك من احتمالات اتساع نطاق ظاهرة "الإرهابيين الجائلين"، لا سيما في ظل تزايد أعداد العناصر الأجنبية المتطرفة التي انضمت إلى تلك التنظيمات خلال الفترة الماضية، فضلا عن حرص كثير من الدول التي تنتمي إليها هذه العناصر على اتخاذ خطوات إجرائية عديدة لمنع عودتهم من جديد إلى أراضيها.