تصاعدت مؤشرات التسلح في منطقة الشرق الأوسط للعام الخامس على التوالي، وهو ما يرتبط بتطورات عديدة شهدتها المنطقة خلال الفترة الماضية، يتمثل أهمها في تفاقم التهديدات التي تفرضها التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش، ورفع العقوبات الدولية المفروضة على بعض الدول، فضلا عن استمرار الأزمات الإقليمية المزمنة. ومن دون شك، فإن تلك العوامل في مجملها ربما تكون سببًا في تزايد احتمالات استمرار ارتفاع هذه المؤشرات خلال المرحلة المقبلة، وهو ما تشير إليه كثير من التقارير الدولية المعنية بها. لكن اللافت في هذا السياق، هو ظهور مناطق جديدة باتت تشهد ارتفاعًا في مستويات التسلح، على غرار منطقة شمال إفريقيا، وذلك في ظل اهتمام دول مثل المغرب والجزائر بإبرام مزيد من الصفقات العسكرية لتحقيق أهداف عديدة خاصة بالسياسة الخارجية لكل منهما.
أسباب متعددة:
تتمثل أبرز العوامل التي تدفع كثيرًا من دول المنطقة إلى إبرام مزيد من الصفقات العسكرية في:
1- تفاقم التهديدات الإرهابية: تسعى بعض هذه الدول إلى رفع مستوى قدراتها العسكرية من أجل التعامل مع التهديدات التي يفرضها استمرار العمليات التي تقوم بها التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيمى "داعش" والقاعدة"، خاصة بعد أن بدأت تلك التنظيمات في البحث عن مناطق جديدة لتكوين بؤر إرهابية فيها، بعد تراجع قدراتها وارتفاع خسائرها البشرية والمادية في المناطق التقليدية التي تتواجد فيها، لا سيما في العراق وسوريا.
وهنا، فإن ثمة اتجاهات عديدة تشير إلى أن حرص الجزائر على توقيع بعض الصفقات العسكرية الجديدة يعود، في قسم منه، إلى تزايد التهديدات الإرهابية القادمة من دول الأزمات المجاورة لها، ولا سيما ليبيا ومالي، حيث بدأ تنظيم "داعش" على سبيل المثال، في محاولة تنفيذ عمليات إرهابية داخل الجزائر، على غرار العملية الفاشلة التي وقعت أمام أحد مراكز الشرطة في مدينة قسنطينة، في 26 فبراير 2017، وأعلن التنظيم مسئوليته عنها.
2- رفع العقوبات الدولية عن بعض الدول: سارعت إيران إلى استثمار رفع العقوبات الدولية التي كانت مفروضة عليها بسبب أزمة الملف النووي في منتصف يناير 2016، بعد الوصول للاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في يوليو 2015، من أجل إتمام صفقات عسكرية مع بعض الدول، مثل روسيا، التي قامت بتنفيذ صفقة أنظمة صواريخ "إس 300" التي أثارت أزمة مع إيران منذ عام 2010، بعد أن جمدتها روسيا في تلك الفترة بسبب العقوبات الدولية. وقد كشفت تقارير عديدة، في نوفمبر 2016، أن إيران قد تجري مفاوضات مع روسيا لتوقيع صفقات أخرى تصل قيمتها إلى نحو 10 مليار دولار.
وبالطبع، فإن إيران ربما تسعى إلى إبرام مزيد من الصفقات خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل التصعيد الحالي في علاقاتها مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب حول الاتفاق النووي واتهام إيران بدعم الإرهاب، لا سيما بعد أن أعادت الإدارة الأمريكية التلويح بعدم استبعاد أى خيار في التعامل مع إيران خلال المرحلة القادمة.
فضلا عن ذلك، ربما تساهم الجهود التي تبذل في الفترة الحالية للوصول إلى تسوية بين الأطراف الليبية المختلفة، في رفع الحظر المفروض على الجيش الليبي منذ عام 2011، بشكل يمكن أن يؤدي إلى إبرام صفقات عسكرية جديدة، لمواجهة التهديدات المتصاعدة من جانب الميليشيات الإرهابية والمسلحة.
3- استمرار المشكلات المزمنة: على غرار قضية الصحراء المغربية التي ما زالت تمثل محور خلاف تاريخيًا بين المغرب والجزائر، وكانت، حسب تقارير عديدة، سببًا رئيسيًا فى اتجاه الطرفين إلى إبرام صفقات عسكرية عديدة مع بعض القوى الدولية. فوفقًا لتقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي، الذي صدر في 20 فبراير 2017، فإن الجزائر تقدمت الدول الإفريقية بشكل عام في صفقات التسلح، حيث مثلت وارداتها العسكرية نحو 46% من إجمالى الواردات الإفريقية، وما يقرب من 3.7% من إجمالي الأسلحة المباعة في السوق العالمي. وتأتي المغرب في المرتبة الثانية على مستوى القارة الإفريقية، حيث مثلت وارداتها نحو 15% من الأسلحة التي قامت الدول الإفريقية باستيرادها.
مؤشرات مستقبلية:
يرتبط ارتفاع مستويات الصفقات العسكرية في المنطقة بعدد من المؤشرات المهمة: يتمثل الأول، في تزايد احتمال تحول روسيا إلى طرف رئيسي في العقود الجديدة التي ربما يتم إبرامها خلال المرحلة القادمة. ففضلا عن الصفقات التي وقعتها مع إيران، فقد أشارت تقارير عديدة إلى أن تركيا تسعى إلى شراء منظومة صواريخ "إس 400" للدفاع الجوي من روسيا. كذلك من المرجح أيضًا أن يكون لروسيا دور مهم في عملية إعادة تسليح الجيش الليبي، في حالة ما إذا تم رفع الحظر الدولي، حيث أنها تدفع خلال الفترة الحالية في اتجاه الوصول إلى تسوية بين الأطراف الليبية من أجل تحقيق ذلك.
وقد أشارت تقديرات عديدة إلى أن إجمالي العقود العسكرية التي ربما توقعها روسيا خلال عام 2017 قد تصل إلى نحو 14 مليار دولار، وهو ما يعود، دون شك، إلى حرص روسيا على تجربة عدد كبير من أسلحتها في سوريا، بعد أن رفعت مستوى انخراطها العسكري في الصراع السوري منذ سبتمبر 2015.
ويرتبط الثاني، بزيادة الطلب على منظومات الدفاع الجوي، على غرار منظومة "إس 300" التي أبرمت روسيا صفقات عديدة بشأنها، ومنظومة "إس 400" التي ربما تكون محور مفاوضات محتملة بين روسيا وبعض القوى الإقليمية مثل تركيا.
وينصرف الثالث، إلى رفع مستوى التسلح البحري، خاصة في ظل التهديدات العديدة التي تواجهها مسارات الملاحة الرئيسية في المنطقة، على غرار مضيق باب المندب ومضيق هرمز، حيث بدأت إيران، على سبيل المثال، في التلميح إلى إمكانية إنشاء قواعد بحرية في كل من اليمن وسوريا، حسب تصريحات رئيس الأركان الإيراني محمد باقري، في 26 نوفمبر 2016.
ويتعلق الرابع، بتوقيع مزيد من الصفقات الخاصة بالطائرات من دون طيار "الدرونز"، في ظل اهتمام العديد من القوى الإقليمية بالمنطقة، فضلا عن بعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة، باستخدامها في مناطق الصراع، على غرار سوريا.
وعلى ضوء ذلك، ربما يمكن القول في النهاية، إن مؤشرات التسلح في المنطقة سوف ترتبط بمتغيرات عديدة، يتمثل أهمها في مدى إمكانية الوصول إلى تسويات سياسية قريبة للأزمات الإقليمية المختلفة، فضلا عن المسارات المحتملة للحرب على التنظيمات الإرهابية، خاصة تنظيم "داعش".