أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

التوجه جنوباً:

تصاعد التحركات المغربية في الدول الأفريقية

21 فبراير، 2017


تعكس تحركات الملك محمد السادس الأخيرة تركيزه على وضع أفريقيا في أولوية متقدمة في السياسة الخارجية المغربية. وقد وضح ذلك منذ انتهاء القمة الأخيرة للاتحاد الأفريقي، حيث تعددت زيارات ملك المغرب لعدد من الدول الأفريقية بدأها بجنوب السودان واستكملها بجولة في دول غرب أفريقيا بهدف تطوير العلاقات الثنائية في مجالات عدة (سياسية– اقتصادية) بين المغرب وتلك الدول تحقيقا لزيادة الانفتاح الاقتصادي للمغرب عليها وفتح مجالات أوسع للاستثمار بما يمكن أن ينعكس على دعم تلك الدول سواء فيما يتعلق بقضية الصحراء المغربية أو دعم استراتيجية المغرب لتكون طرفاً مؤثراً فيما يتعلق بعلاقات جنوب – جنوب.

جاءت زيارة العاهل المغربي الملك محمد السادس لعدد من الدول الأفريقية بعد عودته للاتحاد الأفريقي في إطار سياسة توسعية مغربية داخل القارة الأفريقية، وقد حملت زيارة العاهل المغربي لهاتين الدولتين (جنوب السودان– غانا) في طياتها أهدافاً اقتصادية بالأساس، وذلك على النحو التالي:

منافع اقتصادية:

1- تعزيز العلاقات الاقتصادية مع جوبا: شهدت زيارة الملك محمد السادس لدولة جنوب السودان توقيع تسع اتفاقيات للتعاون المشترك بين الدولتين ومن بينها، الاتفاق على قيام المغرب بالاستثمار في مجال التعمير والتنمية الحضرية بهدف دعم تشييد عاصمة جديدة لجنوب السودان (مدينة رامسييل الجديدة)، وتضمن الاتفاق تمويل الدراسات التقنية والمالية لهذا المشروع بقيمة 5.1 مليون دولار حيث ستركز الدراسات الأولية على التعمير والجوانب الاجتماعية والاقتصادية والبيئية لهذا المشروع، بتكلفة تقدر بحوالي 10 مليار دولار على مدى عشرين عامًا، وستشرف على المشروع شركة "العمران" التابعة للحكومة المغربية.

كما شهدت الزيارة الاتفاق على تشجيع وحماية الاستثمار وخاصة الاستثمارات المغربية المنتظر ضخها في الاقتصاد الجنوب سوداني، والتوقيع على اتفاقية لمنع الازدواج الضريبي ومحاربة التهرب الضريبي، وأيضاً التوقيع على مذكرتي تفاهم الأولى في مجال الزراعة، والأخرى تتعلق بالتعاون الصناعي بين الدولتين.

2- زيادة التبادل التجاري مع غانا: حيث سجل حجم التبادل التجاري بين المغرب وغانا خلال الفترة ما بين 2006 - 2010 متوسط ارتفاع سنوي نسبته 33%، حيث بلغت 76 مليون دولار في عام 2010، من بينها 70 مليون دولار من الصادرات المغربية، ومن المتوقع أن تسفر هذه الزيارة عن زيادة حجم التبادل التجاري وخاصة بعدما اتفقت الدولتان على ذلك خلال فعاليات "المنتدى الاقتصادي المغربي- الغاني" الذي عُقد في العاصمة الغانية "أكرا" بهداف ضخ المزيد من الاستثمارات المتبادلة وتعزيز الشراكة القائمة بين البلدين.

وتهدف المغرب من تطوير علاقاتها بغانا إلى الاستفادة من كونها سوقاً اقتصادية يمكن الاستثمار بها حيث تعد غانا ثاني أقوى اقتصاد بعد نيجيريا بمنطقة غرب إفريقيا، تصنف من بين الشركاء التجاريين الثلاثة الأوائل للمغرب داخل المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (سيدياو)، كما تستثمر المغرب هناك في القطاع البنكي حيث تمتلك مجموعة مغربية لـ"بانك أوف أفريكا" الذي يعد أحد أهم البنوك هناك وله عشرين فرعاً في غانا، هذا بالإضافة إلى الاستثمار في قطاع البناء وإنتاج إسمنت البناء، والذي شهد إنجاز مجموعة مغربية لمعمل هام لإنتاج الإسمنت والذي يؤمن إنتاج مليون طن، أي ما بين 20 و30% من احتياجات غانا من الأسمنت، وكذلك الاستثمار في مجال الطاقة.

3- تعزيز العلاقات الاقتصادية مع دول غرب أفريقيا: اعتماداً على ما حققه قطاع المقاولات المغربية بغرب إفريقيا، خاصة في القطاع البنكي والصناعة والأسمدة والاتصالات والخدمات، والارتكاز على ذلك لتعظيم المكاسب الاقتصادية للمغرب مستقبلاً، فدولة مثل غانا التي تصنف كأكبر منتجي الذهب في إفريقيا، الأمر الذي يدفع الرباط لتعزيز العلاقات معها في محاولة لجذب تأييد غاني لقضيتها بشأن البوليساريو، إضافة إلى الاستفادة من موارد هذه الدول الغنية بالذهب. بعبارة أخرى، تمثل زيارة العاهل المغربي لدولة غانا أهمية استراتيجية للرباط التي تسعى لتعزيز نوفذها في غرب أفريقيا عن طريق غانا التي دولة محورية في غرب أفريقيا، والتي تعد سوقاً واعدة أمام الاستثمارات المغربية.

4-خلق دينامية مغربية في القارة الأفريقية: من خلال اقتراح توزيع أكثر عدالة للثروات التي أنتجت بشكل مشترك مع دول القارة وفق استراتيجية لتحقيق الرفاهية الاقتصادية لشعوب القارة التي سيتجاوز عدد سكانها 3 مليار نسمة بحلول عام 2050.

أهداف سياسية:

تسعى المغرب إلى تحقيق عدد من الأهداف السياسية والاقتصادية من خلال تعزيز علاقاتها بدول القارة الأفريقية سواء في شرق أو غرب القارة فبعد زيارة العاهل المغربي لغانا سيتبعها بزيارة عدد من دول غرب أفريقيا مثل مالي وغينيا وزامبيا وساحل العاج التي تعتبر من أهم دول غرب إفريقيا الصاعدة اقتصاديًّا، كما أنها تعتبر أحد أبرز حلفاء المغرب داخل القارة الإفريقية، ومن أهمها ما يلي:

1- تعظيم المكانة الإقليمية للمملكة المغربية، حيث تشير زيارة العاهل المغربي إلى جنوب السودان وغانا لسياسة خارجية برجماتية مغربية تهدف إلى تكثيف التواجد المغربي سياسياً واقتصادياً بدول القارة الأفريقية، حيث تمثل الزيارة أهمية خاصة بالنسبة للمغرب وخاصة أنها تسعى لاستعادة دورها ومكانتها أفريقياً ومحاولة الرباط إثبات أنها قادرة على التدخل لحل النزاعات والخلافات بالقارة الإفريقية ومن ذلك محاولة تنفيذ اتفاق السلام في جوبا.

2-حشد الدعم السياسي من دول القارة الأفريقية، لموقف الرباط من جبهة البوليساريو وقضية الصحراء، حيث تسعى المغرب إلى استغلال عودتها للاتحاد الأفريقي من أجل عزل جبهة البوليساريو أفريقياً واستغلال دعم غانا التي أيدت عودة المغرب للاتحاد الأفريقي. وفي هذا الإطار تم توقيع مذكرة وقعت عليها غانا ورفعتها إلى رئاسة الاتحاد الأفريقي من أجل تعليق أنشطة جبهة البوليساريو في هياكل الاتحاد، وإن كان موقف الجزائر وجنوب أفريقيا سيشكلان عائقاً أمام المغرب لتحقيق ذلك.

ومن الملاحظ أن الملك محمد السادس يركز في زياراته الحالية للدول التي تتسم بدعم واضح لجبهة البوليساريو، فدولة "زامبيا" التي سيزورها لاحقاً تعد أحد معاقل البوليساريو في إفريقيا المناهضة للمغرب، وتنازعه على الصحراء الغربية، حيث سبق أن استقبلت العاصمة الزامبية "لوساكا" رئيس جبهة البوليساريو "إبراهيم غالي"، وكذلك غانا التي تُعد مثلًا من الدول الإفريقية التي ما زالت تعترف بجبهة البوليساريو. وهنا تحاول المغرب استخدام ورقة "ضخ الاستثمارات" للضغط على هذه الدول لتغيير موقفها وتأييد الموقف المغربي تجاه قضية الصحراء.

ومن جهة أخرى، تهدف الزيارة في أحد أبعادها إلى ضم جنوب السودان لقائمة الدول التي ستقف ضد قضية الصحراء المغربية المتنازع بشأنها مع جبهة البوليساريو، وتأييد الموقف المغربي منها، وذلك رغم ما قد يواجهها من بعض العقبات الداخلية وخاصة تلك الأصوات التي تطالب "سيلفا كير" بالإلتزام الأخلاقي بالموقف من جبهة البوليساريو، وفي نفس الوقت تطالب المغرب بضرورة القبول بمنح شعب الصحراء المغربية الحق في ممارسة الاستفتاء لتقرير مصيره.

3- إعادة تأسيس حقيقي للعلاقات المغربية (جنوب- جنوب)، والتي يهتم بها العاهل المغربي بنفسه ويتضح ذلك من خلال زياراته المتكررة لدول القارة معتمداً على مراجعة جذرية للسياسة المغربية التي اتسمت بالعزلة خلال الفترة الأخيرة واتجاهها نحو الأخذ بزمام المبادرات وتعزيز العلاقات في شتى المجالات السياسية والاقتصادية مع دول القارة الأفريقية.

4- موازنة النفود الجزائري، الذي شهد تراجعاً ملحوظاً خلال الفترة الأخيرة بسبب الأزمة السياسية والاقتصادية الحالية بالجزائر، وهو ما قد يسهم في استعادة الرعاية الدولية للرباط كقوة إقليمية ذات تأثير في قضايا القارة على اعتبار الاهتمام الدولي المتزايد بأفريقيا.

خلاصة القول إنه من المرجح كذلك أن تشهد الفترة القادمة تعزيز المكاسب الاقتصادية المتبادلة لكل من المغرب والدول الأفريقية والتي ستستفيد من حجم الاستثمارات المغربية الموجهة لها بما يساعدها على مواجهة ما تعانيه من مشكلات اقتصادية مثل الفقر والبطالة.