يبدو أن تصاعد حدة العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي وبعض الأطراف الدولية والإقليمية ضد تنظيم "داعش" الذي بدأ يتعرض لخسائر بشرية وعسكرية نوعية، دفع التنظيمات الإرهابية الأخرى، إلى محاولة تصعيد نشاطها من جديد، من أجل استعادة نفوذها الذي تراجع بشكل واضح لصالح "داعش" منذ انتشاره في شمال العراق في منتصف عام 2014.
ويعتبر تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" أحد تلك التنظيمات الإرهابية التي تراجع نفوذها، بدرجة ما، لصالح تنظيم "داعش"، خاصة مع اتجاه العديد من المجموعات الإرهابية الصغيرة في بعض دول شمال أفريقيا، مثل الجزائر، إلى الانضمام للأخير، على غرار تنظيم "الوسط" الذي قام بتغيير اسمه، بعد اتخاذ تلك الخطوة، إلى تنظيم "جند الخلافة في الجزائر"، إلى جانب "كتيبة أنصار الخلافة"، و"سرية الغرباء"، و"الأنصار"، بالإضافة إلى حركة "بوكو حرام" النيجيرية، التي يتجاوز نشاطها حدود نيجيريا بشكل كبير ويمتد إلى دول الجوار، ولم يمنع انضمامها لـ"داعش" من اتساع نطاق الخلافات بين الطرفين في الفترة الأخيرة، بعد رفض زعيمها أبو بكر شيكاو الاستجابة لقرار زعيم تنظيم "داعش" أبو بكر البغدادي بتعيين المتحدث باسم الحركة أبو مصعب الريناوي في منصب زعيم الحركة.
مسارات مضادة:
لكن ذلك لم يمنع تلك التنظيمات المنافسة لـ"داعش" من الاستعداد لمواجهة ضغوط محتملة قد تتعرض لها بعد انحسار نفوذ ونشاط الأخير، بفعل العمليات العسكرية التي يشنها التحالف الدولي والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى ضد مواقعه وعناصره.
وبعبارة أخرى، فإن هذه التنظيمات لم تعد، وفقًا لاتجاهات عديدة، تستبعد مواجهة اختبارات صعبة، في مرحلة ما بعد إضعاف "داعش"، على أساس أن نتائج العمليات العسكرية التي يتعرض لها الأخير سوف تدفع القوى الدولية والإقليمية المعنية بالحرب ضد الإرهاب إلى مواصلة تشديد إجراءاتها الأمنية ورفع مستوى التنسيق الأمني فيما بينها لمواجهة التنظيمات الإرهابية الأخرى، خاصة في ظل استمرار تعرض مصالحها لتهديدات غير تقليدية من جانب تلك التنظيمات.
بل إن بعض التقارير كشفت عن أن بعض التنظيمات الإرهابية تسعى في الشهور الأخيرة إلى تنفيذ عمليات إرهابية نوعية من أجل تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها تنظيم "داعش"، على غرار حركة "الشباب" الصومالية، التي قامت عناصرها، في يونيو 2016، بمهاجمة بعثة الاتحاد الأفريقي "أميصوم" في الصومال، حيث ركزت على القوات الأثيوبية المشاركة في البعثة، في ظل كونها الأكبر عددًا والأكثر عتادًا بين القوات المشاركة.
وبمعنى آخر، فإن تلك التنظيمات باتت ترى أن تصعيد عملياتها الإرهابية، بالتوازي مع استمرار الحرب ضد تنظيم "داعش" يدخل في إطار ما يمكن تسميته بـ"الدفاع المتقدم"، في ظل إدراكها للتداعيات السلبية المحتملة التي يمكن أن يفرضها إضعاف "داعش" على نفوذها ونشاطها في المناطق التي تسيطر عليها، رغم أن التوتر والتنافس يمثل سمة رئيسية للعلاقة بين "داعش" وبعض تلك التنظيمات الإرهابية.
آليات متعددة:
من هنا بدأت تلك التنظيمات، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، في تبني آليات عديدة من أجل مواصلة نشاطها ومواجهة الضغوط القوية التي تتعرض لها ويتوقع أن تتصاعد خلال المرحلة القادمة، سواء بسبب القيود الأمنية التي تفرضها بعض دول شمال أفريقيا مثل الجزائر وتونس والمغرب، أو بسبب الخسائر البشرية التي يحتمل أن تتزايد خلال الفترة القادمة بسبب العمليات العسكرية التي تشن ضدها. وتتمثل أهم تلك الآليات في:
1- تحالفات مرنة: حرص تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" على تأسيس تحالفات مرنة مع بعض التنظيمات الإرهابية الموجودة في المنطقة؛ من أجل توسيع هامش الخيارات المتاح أمامه، وتعزيز قدرته على تنفيذ عمليات إرهابية في أكثر من منطقة في آن واحد.
فبعد أن تحالف التنظيم في السابق مع حركة "أنصار الدين" في شمال مالي قبل أن تتدخل القوات الفرنسية وتتمكن من طردها منها، أسس التنظيم تحالفًا آخر مع حركة "التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا" التي كان يتزعمها أحمد ولد العام الذي كان يلقب بـ"أحمد التلمسي" والذي قُتل في غارة فرنسية في نهاية عام 2014. كما استعاد التنظيم تحالفه مع تنظيم "المرابطون" بقيادة مختار بلمختار، في ديسمبر 2015.
2- تنويع مصادر التمويل: سعى التنظيم إلى توسيع مصادر التمويل ليس فقط من أجل الإنفاق على نشاطاته المختلفة، وإنما أيضًا بهدف تقليص حدة الضغوط التي يتعرض لها من جانب حكومات دول شمال أفريقيا، التي تسعى إلى تعقب تلك المصادر من أجل إضعاف قدرة التنظيم على تنفيذ عمليات إرهابية ضد مصالحها.
وتشير اتجاهات عديدة إلى أن عمليات خطف السائحين الأجانب تمثل أحد مصادر تمويل التنظيم من خلال الحصول على الفديات التي يقوم من خلالها بتمويل نشاطاته. وقد أشارت بعض التقديرات إلى أن التنظيم استطاع الحصول، خلال الأعوام العشر الأخيرة، على أكثر من 50 مليون دولار من عمليات الخطف وحدها.
كما يشارك التنظيم في عمليات التهريب، خاصة تهريب البشر، لا سيما في ظل سيطرته على مناطق وطرق تهريب رئيسية في منطقة شمال إفريقيا. وذلك بالإضافةً إلى تهريب المخدرات والسلع والبضائع المختلفة.
ويبدو أن انضمام كتيبة "المرابطون" إلى التنظيم من جديد سوف يعزز قدرته على المشاركة في عمليات التهريب، حتى أن بعض الاتجاهات تطلق على مختار بلمختار زعيم الكتيبة لقب "مستر مارلبورو"، نظرًا لشهرته الواسعة في مجال تهريب السجائر والسيارات والأسلحة.
3- العمل في شكل مجموعات: يعتمد "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" في عمله ونشاطه على نظام المجموعات والكتائب المتفرقة التي تنتشر على نطاقات جغرافية واسعة، وهو ما يمنحه قدرًا من المرونة التنظيمية التي تسمح لكوادره وعناصره بالحركة المستمرة والدائمة في أكثر من منطقة، حيث يتكون التنظيم من ثلاث مجموعات أو مناطق، هي: "منطقة الوسط"، و"منطقة الصحراء"، و"منطقة الشرق".
4- اللامركزية التنظيمية: تبني التنظيم آلية لامركزية في وضع هيكله الإداري، وذلك عبر تفويض مجموعاته وكتائبه الفرعية باتخاذ القرارات في محيطها، لا سيما في ظل تمدد التنظيم في أكثر من نطاق جغرافي.
فضلا عن ذلك، حرص التنظيم أيضًا على تفعيل دور المجالس التنفيذية واللجان، بشكل ساهم في توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاح أمامها للتعامل مع التطورات التي تقع في المنطقة التي تنشط فيها.
5- السيولة الحدودية: استفاد التنظيم من حالة السيولة الحدودية التي تعاني منها بعض المناطق التي ينتشر فيها، نتيجة الأزمات العديدة التي تواجهها العديد من الدول، على غرار مالي، من أجل تصعيد نشاطه وتنفيذ مزيد من العمليات الإرهابية، خاصة في ظل سعيه إلى الرد على العمليات العسكرية التي شنتها فرنسا في شمال مالي.
لكن هذه الآليات في مجملها لن تمكن تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، على الأرجح، من تقليص حدة الضغوط القوية التي ربما يتعرض لها خلال المرحلة القادمة، لا سيما مع اتجاه العديد من القوى الدولية والإقليمية إلى رفع مستوى التنسيق فيما بينها لمواصلة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية.