أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أزمة جديدة :

انعكاسات اعتذار أديب على المشهد الداخلي اللبناني

30 سبتمبر، 2020


عادت الأزمة السياسية في لبنان إلى مربعها الأول من جديد، على نحو سوف يكون له تأثير مباشر على اتجاهات التفاعلات بين القوى السياسية خلال المرحلة القادمة، وذلك في سياق التعامل مع الإشكالية الأبرز في الوقت الحالي والتي تتمثل في تشكيل الحكومة الجديدة، بعد إعلان رئيس الحكومة المُكلَّف الدكتور مصطفى أديب في 26 سبتمبر الجاري، اعتذاره عن تشكيل الحكومة. وقد فسر أديب ذلك بعدم تلبية الكتل السياسية شروطه بشأن عدم تسييس التشكيل، في إشارة إلى الضغوط التي تمارسها القوى المختلفة وتدخلاتها المستمرة في عملية التشكيل.

ارتدادات محتملة:

من المرجح أن يفرض اعتذار أديب عن تشكيل الحكومة تداعيات على عدة مستويات، تتمثل في:

1- تزايد احتمالات اللجوء إلى الشارع: يدفع الوضع الحالي إلى نزول اللبنانيين للشارع مرة أخرى، لكن مشهد الشارع، وفقاً لاتجاهات عديدة، قد يتغير ليضم 3 مجموعات: الأولى مناهضة للنخبة الحاكمة، وهى المجموعات التي تحركت في احتجاجات أكتوبر 2019، والثانية تضم قوى المعارضة التي تشمل غالبية تيار "14 آذار" وبعض الحركات الجديدة المناهضة لحزب الله، والثالثة يقودها أنصار قوى "8 آذار"، والتي رأت أن المجتمع الدولي والمبادرة الفرنسية ركزت على المطالب الشعبية، مما يحتم النزول للشارع للدفاع عن مطالبها وإظهار صوت إحدى المكونات الرئيسية للبنان، مما يزيد من الانقسامات الداخلية، لاسيما في ظل تصعيد الخطاب السياسي والإعلامي في الفترة المقبلة.

2- تصاعد دور المعارضة: بعد فشل تجربة أديب في تشكيل الحكومة والعودة إلي المربع الأول، من المرجح أن تتجه بعض قوى المعارضة الرئيسية، وعلى رأسها حزبى القوات والكتائب، إلى زيادة حضورها في المشهد السياسي، خاصة بعد تزايد مصداقيتها شعبياً نتيجة مواقفها الثابتة الرافضة لعملية تشكيل الحكومة بالنهج الحالي، وانتقادها لعملية التشكيل والنخب السياسية القائمة عليها، ويدعم من ذلك التوجه نجاحها خلال الفترة الماضية في تبني خطاب شعبوي للحصول على تأييد شعبي ودعم من القيادات الروحية، خاصة البطريرك بشارة الراعي الذي تلاقت مبادرته "الحياد" مع توجهات تلك القوى، وذلك على عكس تناقضها مع التيار الوطني الحر، الذي يعد أبرز خصومها. 

3- تشكيل حكومة وفاق وطني: يضفي تفاقم الأزمة على هذا النحو أهمية خاصة على دعوات تقليص الصراعات بين القوى السياسية المتنافرة لتشكيل حكومة تمثل قطاعاً عريضاً من المجتمع اللبناني، وهو ما ستسعى إليه النخبة الحاكمة بشتى الطرق، وقد تبين ذلك في ردود فعل قوى "8 آذار" تجاه اعتذار أديب، من خلال إعلانها عن التمسك بالمبادرة الفرنسية التي تؤيد تشكيل حكومة وطنية، وبالتالي قد تنصب جهود رئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري في الفترة المقبلة على إعادة صياغة شكل الحكومة المقبلة، مع إقناع سعد الحريري بضرورة تجاوز الخلافات الماضية والانخراط في جهود تأليفها كشريك أساسي.

4- تشبيك الملفات: نجحت قوى "8 آذار"، سواء بشكل متعمد أو غير متعمد، في عرقلة المبادرة الفرنسية، وهو ما بدا جلياً في تصريحات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، في 27 سبتمبر الجاري، التي قال فيها: "لا حزب الله ولا حركة أمل يريدان التسوية، وعلى حزب الله ألا يعتقد أنه أقوى مما هو"، مضيفاً: "لا يمكن لحزب الله أن يكون جيشاً وميليشيا تشارك في حرب سوريا ويكون محترماً في لبنان، وعليه احترام اللبنانيين جميعاً، وسأتصرف وفقاً للخيانة الجماعية من قبل القوى السياسية اللبنانية، وجميعهم يتحمل المسئولية التي سيدفعون ثمنها أمام الشعب اللبناني". 

ويبدو أن تلك القوى سعت عبر ذلك إلى توجيه رسالة للمجتمع الدولي بضرورة وضع حسابات الأطراف الإقليمية في الاعتبار، خاصة إيران، لاسيما في ظل التصعيد المستمر بين الأخيرة والولايات المتحدة الأمريكية حول دورها في مناطق الأزمات. 

5- تعزيز التماسك: لا يُستبعد أن يتجه حزب الله في الفترة المقبلة إلى استغلال الموقف الراهن لتعزيز تماسك قوى "8 آذار"، وذلك عبر إبرام تسوية داخلية تقوم على توزيع الأدوار بين تلك القوى، والتي تتضمن بشكل أساسي تكريس النفوذ الحكومي لها من خلال تثبيت حضورها في الحكومة المقبلة بالمعايير نفسها التي تضمنتها الحكومات السابقة، مثل منح التيار العوني حصته الحكومية السابقة (وزارتين سياديتين ووزارة الطاقة ووزارة العدل)، مع توزيع بعض الوزارات على مختلف القوى مثل وزارة الأشغال لتيار المردة، أو تغييرها بوزارة وازنة أخرى مثل التربية والتعليم.

6- إطلاق دعوات لتأسيس نظام حكم جديد: وجهت العديد من القوى السياسية دعوات إلى ضرورة تأسيس نظام سياسي يقوم على نبذ الطائفية واعتماد مصطلح الدولة المدنية، أو اللجوء لحلول بديلة تتمثل في اللامركزية أو التحول لدولة فيدرالية، وهو الأمر الذي قد يتعذر تطبيقه على المدى المنظور، إلا أن تحرك الشارع اللبناني وقوى المعارضة والضغط الدولي سيتيح بروز ذلك التوجه على السطح في الفترة المقبلة، مما يدفعه لأن يكون قابلاً للنقاش، وهو ما سيكون مثار جدل جديد في لبنان في ظل رفضه من قبل حزب الله- بشكل غير علني- وبالتالي سيكون للأخير، بدعم من حلفاءه، دور في تقويض ذلك الاتجاه، أو على أقل تقدير تفريغه من مضمونه.

ختاماً، يعكس اعتذار مصطفى أديب عن تشكيل الحكومة استمرار تمسك القوى السياسية بمصالحها وحساباتها المحدودة، كما يكشف مدى تباين أجندتها بناءً على تلك المصالح من جهة، وعلى أساس توجهاتها الإقليمية من جهة أخرى، الأمر الذي سيدفع المشهد اللبناني لمزيد من التعقيد، إلا في حالة حدوث توافق داخلي لتشكيل حكومة إنقاذ متوازنة تضم جميع الأطياف على أساس معادلة "الكل فائز"، وبدون ذلك سيستمر العمل بحكومة تصريف الأعمال التي تلبي طموحات قوى "8 آذار" وتحافظ على مكتسباتها السياسية القائمة.