أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

مؤشرات إنذار:

هل تواجه لبنان أزمة وقود في الفترة المقبلة؟

26 سبتمبر، 2019


أثرت الأزمة المالية في لبنان على العديد من المتغيرات الاقتصادية، على غرار حركة استيراد النفط من الخارج، حيث واجهت بعض شركات استيراد النفط صعوبات في الحصول على احتياجاتها من الدولار من البنوك المحلية، بما دفعها إلى محاولة توفيرها من السوق الموازية بأسعار أعلى من سعر الصرف الرسمي، وهو ما قد يُعرِّضها لخسائر مالية نتيجة تحمل فروقات أسعار الصرف. وهذه المشكلة ناجمة بالأساس عن نقص تدفقات النقد الأجنبي إلى البلاد بشكل ملحوظ في الفترة الأخيرة، الأمر الذي يعني أن الوضع قد يكون في طريقه للتفاقم ما لم توفر الحكومة، بالتعاون مع البنك المركزي، مخصصات كافية لاستيراد النفط سريعًا، على نحو قد يتطلب بدوره، في ظل الضائقة المالية الراهنة، حشد الدعم المالي الدولي والإقليمي اللازم لمساندة الاقتصاد بشكل عام وقطاع الطاقة على وجه الخصوص.

إضراب مُؤثِّر:

شهدت لبنان إضرابًا ليوم واحد، في 18 سبتمبر الجاري، نظمته محطات الوقود في لبنان، حيث امتنعت بدورها عن تزويد المستهلكين باحتياجاتهم من الوقود، وانضمت إليها شركات استيراد النفط والنقل وغيرها من الشركات المتصلة بالقطاع. 

وقد جاء هذا التصعيد بدعم من تجمع الشركات المستوردة للنفط في لبنان "APIC" بسبب ما أشارت إليه بشأن عدم تلبية البنوك اللبنانية لاحتياجاتها من الدولار اللازمة لاستيراد المنتجات النفطية. ويأتي هذا الإضراب امتدادًا لموجة من احتجاجات شهدتها البلاد، في إبريل ومايو الماضيين، بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية والاعتراض على خطط الحكومة لتقليص الإنفاق العام، ولا سيما أجور الموظفين الحكوميين.

وتحتاج لبنان إلى نحو 5 مليون لتر يوميًا من البنزين بالإضافة إلى 3 مليون من باقي المنتجات، مثل الديزل وغاز البترول المسال وغيرها، على نحو يفرض توفير مخصصات قدرها 8 مليون دولار يوميًا، أى ما يقترب من 3 مليار دولار سنويًا.

وبالأساس، تتولى استيراد منتجات البنزين والديزل وغاز البترول المسال والبيتومين شركات القطاع الخاص، التي تنطوي تحت تجمع الشركات المستوردة للنفط الذي يضم 14 شركة عاملة في الاستيراد والنقل وتوزيع المنتجات النفطية، بما يعني أن هذه الشركات يتعين عليها توفير الدولار اللازم للاستيراد في نهاية المطاف.

 في حين أن بعض المنتجات النفطية الأخرى، مثل زيت التدفئة المنزلية وزيت الوقود لمحطات الكهرباء، يتم استيرادها عن طريق الحكومة حصريًا، أى أنها توفر بنفسها النقد الأجنبي اللازم لاستيرادها. 

وعلى نحو أسبوعي، تقوم وزارة الطاقة والمياه بتسعير المنتجات النفطية بناءً على مناقصات تحدد متوسط سعر طن البنزين المُورَّد من قبل الشركات الخاصة في الأسبوع الفائت للتسعير، بما يعني أن الأسعار المحلية تأخذ في الاعتبار بطبيعة الحال تغيرات أسعار السوق العالمية للنفط وتكاليف النقل والتسويق وغيرها.  

فجوة الدولار:

بررت بعض الشركات المستوردة للنفط الإضراب السابق بوجود صعوبات في الحصول على احتياجاتها من الدولار من البنوك المحلية، بما يضطرها لشراء الدولار من السوق الموازية بسعر أعلى من سعر الصرف الثابت البالغ 1507.5 ليرة مقابل الدولار، وهو ما قد يفرض عليها خسائر مالية في ضوء تحمل التكاليف الإضافية لفروق سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار بين السوقين.

وتبدي كثير من الشركات المستوردة للنفط حاليًا تخوفات من أنها ربما لن تتمكن من استيراد المنتجات النفطية في الشهور المقبلة في ظل الضائقة المالية والنقدية التي تمر بها البلاد منذ أشهر عديدة على خلفية انحسار تدفقات النقد الأجنبي في البلاد مثل السياحة وودائع غير المقيمين وغيرها.

وعلى الرغم من ذلك، أكد اتحاد المصارف اللبنانية، على ضوء الإضراب السابق، أن البنوك  تلبي احتياجات عملائها من النقد الأجنبي، وهو ما دعا اتجاهات عديدة إلى تأكيد أن هناك طلبًا مرتفعًا من قبل شركات استيراد النفط على الدولار، لدرجة لم تنجح معها البنوك في توفيره. 

ولكن بشكل عام، تواجه لبنان أزمة اقتصادية منذ أشهر عديدة بسبب عوامل عديدة يتمثل أبرزها في ضعف تدفقات العملات الصعبة، بالإضافة إلى انحسار الدعم المالي الدولي لها، وارتباك الموقف المالي لعدد من البنوك بسبب فرض الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على بعضها ومنها "جمّال ترست بنك" مؤخرًا.  

وقد ألمحت وكالة "موديز"، في يناير 2019، إلى أن هناك نقصًا كبيرًا في تدفقات الودائع بالعملات الصعبة إلى البنوك اللبنانية، حيث أشارت إلى أن البلاد بحاجة إلى ودائع بنكية تتراوح قيمتها بين 6 و7 مليار دولار لسداد التزاماتها من الديون وتغطية العجز المالي، في حين تراوح مستوى عام 2018 بين 4 و5 مليار دولار.

وفي حالة ما إذا لم تستطع الحكومة جذب التدفقات اللازمة من النقد الأجنبي لسداد التزاماتها، فإن الاحتياطي الأجنبي بات مُعرَّضًا لمزيد من الضغوط في الفترة المقبلة. وتقدر "ستاندرد آند بورز" أن احتياطيات لبنان القابلة للاستخدام قد تكون عرضة للانخفاض إلى 19.2 مليار دولار بنهاية العام الجاري من 25.5 مليار دولار في نهاية عام 2018، ما قد يضع البلاد أمام مخاطر اقتصادية واسعة. 

وعلى ضوء هذه التطورات، خفّضت وكالة "فيتش"، في نهاية أغسطس الفائت، تصنيفها لاقتصاد لبنان من -B إلى CCC، في وقت أكدت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيفها عند (B-/B)، مع الإبقاء على نظرة مستقبلية سلبية.

آفاق مستقبلية:

واللافت للانتباه في هذا السياق، أن التطورات السابقة تتزامن مع ارتفاع أسعار النفط العالمية، حيث زادت بنسبة وصلت إلى 7% في الأسبوع الماضي على خلفية تصاعد توترات منطقة الشرق الأوسط، الأمر الذي من شأنه أن يدفع أسعار المنتجات النفطية في السوق اللبنانية للارتفاع بشكل كبير في الفترة المقبلة، بشكل قد يزيد من حدة الضغوط المالية والنقدية التي تتعرض لها لبنان. 

وعلى جانب آخر، تٌلقي التحديات المالية والنقدية التي تواجهها لبنان مؤخرًا الضوء أيضًا على مدى جدية الحكومة في تنفيذ خطة وزارة الكهرباء، التي أقرتها في مارس 2019، وتهدف إلى إنشاء محطات كهربائية بطاقة 3100 ميجاوات في السنوات المقبلة لتغطية احتياجات البلاد من الكهرباء في المستقبل.

ومن هنا، يتعين على الحكومة، بالتعاون مع المصرف المركزي، توفير مخصصات النقد الأجنبي اللازمة لاستيراد المنتجات النفطية وتلبية احتياجات قطاع الطاقة بشكل عام لكى تتجنب البلاد أزمة في نقص الطاقة في المستقبل القريب، إلا أن تحقيق ذلك في ظل الضائقة المالية التي تواجهها لا يترك أمامها سوى خيارات محدودة يأتي في مقدمتها حشد الدعم المالي الدولي والإقليمي اللازم لمساندة اقتصادها وقطاع الطاقة بشكل خاص، وهو ما يتطلب بدوره تسريع وتيرة الإصلاح المالي والاقتصادي لكى تحظى بثقة شركائها الاقتصاديين، علمًا بأنها قد حصلت في مؤتمر سيدر بباريس في عام 2018 على تعهدات مالية بنحو 11 مليار دولار.