أخبار المركز
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (سيطرة تبادلية: السيناريوهات المُحتملة لانتخابات الكونغرس الأمريكي 2024)
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"

ملف ضاغط:

هل تحصل العراق مجدداً على إعفاءات أمريكية لاستيراد الغاز الإيراني؟

10 فبراير، 2020


تتمسك العراق بمواصلة استيراد إمدادات الغاز والكهرباء من إيران، حيث تشكل أكثر من ثُلث قدرة العراق في توليد الكهرباء، وهو سبب جوهري دفعها مؤخراً للتواصل مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تأكيد منحها إعفاءات جديدة لاستيراد الطاقة من إيران. وعلى الجانب الآخر، تشير تقارير عديدة إلى أن واشنطن قد تمنح بغداد مجدداً إعفاءات للواردات من الغاز والكهرباء من إيران، وذلك لاعتبارات تتعلق برؤيتها للاتجاهات الحالية للعلاقات بينهما والتي تأثرت، إلى حد كبير، بعد الضربة العسكرية التي شنتها واشنطن وأدت إلى مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني ونائب رئيس هيئة "الحشد الشعبي" أبومهدي المهندس في 3 يناير الفائت. 

تأثير مباشر:

قدمت الولايات المتحدة الأمريكية سلسلة من الإعفاءات للعراق في الأشهر الماضية لكى تتمكن من استيراد الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران، بعد أن فرضت، في 5 نوفمبر 2018، عقوبات على طهران يحظر بموجبها على الأخيرة تصدير كافة منتجات الطاقة للأسواق الدولية. 

وفي 17 أكتوبر 2019، منحت الإدارة الأمريكية إعفاءً للحكومة العراقية لاستيراد الطاقة من إيران لمدة 120 يوماً، مما سمح لها بمواصلة استيراد إمدادات الكهرباء من الأخيرة بواقع 1200 ميجاوات، ومن الغاز الطبيعي بطاقة قصوى قدرها 28 مليون متر مكعب يومياً، وهى إمدادات تغذي عدداً من محطات الكهرباء العراقية في جنوب البلاد وبطاقة توليد إجمالية تصل إلى 5 آلاف ميجاوات، أى أن الإمدادات الإيرانية مجملاً تساهم في توليد أكثر من ثُلث القدرة الكهربائية. 

وبمقتضى العقوبات المفروضة على النظام المصرفي الإيراني، تبنت العراق في الأشهر الأخيرة آلية مالية لاستيراد الكهرباء والغاز من إيران دون التعرض للعقوبات الأمريكية، وبموجبها يتم إيداع مستحقات إيران لدى المصرف العراقي للتجارة المملوك للحكومة بالعملة المحلية (الدينار) على أن تستخدمها طهران في شراء السلع الإنسانية غير الخاضعة للعقوبات الأمريكية مثل الأدوية والمعدات الطبية والأغذية. 

غير أن إمدادات الغاز والكهرباء الإيرانية شهدت اضطرابات متكررة في الأشهر الماضية، وبحسب وزارة الكهرباء العراقية، فقد انخفضت شحنات الغاز الإيرانية للعراق إلى 4 ملايين متر مكعب يومياً فقط في يناير الماضي من نحو 25 مليون متر مكعب يومياً في أكتوبر 2019، وبما تسبب في انخفاض قدرة الكهرباء العراقية من 19 ألف ميجاوات في أكتوبر الماضي إلى 14 ألف ميجاوات في الفترة السابقة نفسها، على نحو أدى إلى تفاقم مشكلة انقطاع التيار الكهربائي.

ولعل من بين الأسباب الرئيسية لتراجع شحنات الغاز الإيرانية للعراق توجيه طهران بعض صادرات الغاز لتلبية احتياجات السوق المحلية المتنامية وذلك بعد تراجع إنتاجها من الخام على ضوء العقوبات الأمريكية، إلا أن ذلك لا ينفي استخدامها، بحسب بعض الاتجاهات، لقطع الإمدادات كوسيلة ضغط على الحكومة العراقية لسداد ديونها المستحقة لها نظير الغاز والكهرباء، والبالغة نحو 2 مليار دولار بحسب التقديرات الإيرانية. 

دافعان رئيسيان: 

تتمسك بغداد، بطبيعة الحال، بمواصلة استيراد الكهرباء والغاز الإيرانيين، حيث يمثلان بالتأكيد عنصراً رئيسياً في استقرار قطاع الكهرباء العراقي. وعلى هذا النحو، أجرت الحكومة في الأشهر الماضية مباحثات مع الولايات المتحدة الأمريكية من أجل تمديد الإعفاءات الممنوحة لها للاستيراد، وقدمت وزارة الخارجية العراقية، في فبراير الجاري، مذكرة دبلوماسية لواشنطن تؤكد فيها ضرورة استمرار تدفق الغاز والكهرباء من إيران لكى لا يؤثر ذلك على استقرار قطاع الكهرباء العراقي. 

وعلى الجانب الآخر، تشير العديد من الترجيحات إلى أن الإدارة الأمريكية قد تستجيب للمطالب العراقية، وهو ما يعود لاعتبارين رئيسيين: يتعلق أولهما، برغبة واشنطن في تقليص حدة التوتر مع بغداد، حيث هددت الأخيرة بإخراج القوات الأمريكية نتيجة استهداف قائد "فيلق القدس" الإيراني قاسم سليماني على الأراضي العراقية.

ودفع ذلك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى التهديد بفرض عقوبات اقتصادية شديدة على العراق في حال إخراج القوات الأمريكية، ربما تتمثل في تجميد حسابات مصرفية تابعة للبنك المركزي العراقي في مصارف الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تحتفظ العراق ببعضٍ من عائدات النفط.

وبعبارة أخرى، فإن واشنطن تسعى إلى تفادي خسارة شريك مهم لها في الشرق الأوسط مثل العراق، والحيلولة دون تصاعد التوتر في العلاقات بين الطرفين مجدداً، الأمر الذي قد توظفه طهران لصالحها.

  وينصرف ثانيهما، إلى حرص الإدارة الأمريكية على دعم استقرار الساحة السياسية والاقتصادية بالعراق خاصة بعد ترشيح محمد توفيق علاوي لرئاسة الحكومة بدلاً من عادل عبد المهدي الذي استقال على خلفية الاحتجاجات الشعبية الواسعة بالمدن العراقية والمستمرة حتى الآن بسبب سوء الأوضاع الاقتصادية، بما يعني أن الإدارة الأمريكية لا ترغب في وضع الحكومة الجديدة في مأزق بسبب انقطاع الإمدادات من إيران إلى بغداد. 

مستقبل غامض: 

رغم أن تمديد الإعفاءات يبقى احتمالاً غير مستبعد، إلا أنه على المدى الطويل ربما تزيد الإدارة الأمريكية من ضغوطها على الحكومة العراقية للبحث عن بدائل للغاز والكهرباء الإيرانيين. وقد حثّ وزير الطاقة الأمريكي السابق ريك بيري، في 10 ديسمبر 2018، بغداد على تقليل الاعتماد على موارد الطاقة الإيرانية والتحرك نحو الاستقلال الكامل في إمدادات الطاقة.

وعلى هذا النحو، بدأت الحكومة العراقية، ولكن على نحو بطئ نسبياً، في اتخاذ خطوات مبدئية لتعزيز إمدادات الطاقة. وفي 23 يناير الفائت، وافق مجلس الوزراء على تطوير حقول الغاز في محافظة ديالى وبطاقة متوقعة بنحو 750 مليون قدم مكعب من الغاز خلال سنوات، بما قد يعمل على تخلي العراق عن واردات الخام بحسب بيان لوزارة الكهرباء. 

ومع ذلك، من غير المرجح أن تتخلى العراق نهائياً عن الإمدادات الإيرانية في ظل ارتفاع الطلب على الكهرباء في العراق والذي قد يصل إلى 27 ألف ميجاوات قبل نهاية عام 2020، وهو ما يعني أنها بحاجة، على أقل تقدير، في الأجل المتوسط للغاز والكهرباء من إيران لسد احتياجاتها. 

فضلاً عن ذلك، فإن خطة تطوير قطاع الكهرباء وتنمية موارد البلاد من الغاز سوف تستغرق وقتاً طويلاً لتنفيذها، إلى جانب أن الروابط الجيوسياسية والأمنية بين البلدين ربما تدفع بغداد أيضاً إلى وضع حدود لأى توجه نحو وقف إمدادات الطاقة من إيران.