شهدت الصومال اشتباكات متكررة ومكثفة من قبل حركة الشباب في الأسابيع الأخيرة، والتي تبلور أبرزها في استعادة السيطرة على مدن كانت خسرتها في المواجهات مع القوات الحكومية والميليشيات المتحالفة معها في يونيو ويوليو الماضيين، مما يظهر طبيعة المكاسب التي تحققها الحركة مستغلة حالة الاضطرابات السياسية التي تعانيها مقديشو.
تصاعد هجمات الشباب
تصاعدت حدة الهجمات الإرهابية التي شنّتها حركة الشباب الصومالية مؤخراً، وتتمثل أبرز شواهد ذلك في التالي:
1- السيطرة على مدن استراتيجية: سيطرت "الشباب" على ثلاث مدن استراتيجية في ولاية جلمدج، وهي متبان، وعيل طيري وغدون، كما اقترب التنظيم الإرهابي من السيطرة على سبع مدن أخرى وفق وسائل الإعلام المحلية. وتستهدف "الشباب" استعادة المناطق التي خسرتها خلال عملية عسكرية واسعة شنّها الجيش الصومالي في ولاية جلمدج خلال شهري يونيو، ويوليو الماضيين.
وتُعد سيطرة الشباب على أجزاء من هذه الولاية أمراً حيوياً لها، نظراً لامتلاك الولاية منافذ بحرية واسعة لتسلم الأسلحة المهربة إلى الصومال، بالإضافة إلى سهولة نقل العناصر الإرهابية بحراً من دون مقاومة.
كما استطاعت حركة الشباب الصومالية السيطرة بشكل كامل على بلدة "ياق أرار" قرب مدينة "كيسمايو" أكبر مدن ولاية جوبالاند الفيدرالية. وأشارت تقارير إلى عدم نشوب قتال في المدينة الواقعة بالقرب من مطار "كيسمايو"، حيث انسحبت القوات الموالية لإدارة ولاية "جوبالاند" بعد ساعات من بدء دخول عناصر الحركة إلى البلدة.
2- تكثيف عمليات الاغتيالات للمسؤولين: تستمر حركة الشباب في توظيف أسلوب الاغتيالات ضد المسؤولين السياسيين والأمنيين في مقديشو، والتي كان آخرها قيام "الشباب" بتفجير سيارة مفخخة في سبتمبر الماضي بالقرب من القصر الرئاسي أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص، من بينهم حبق أبوبكر حسن، مستشارة رئيس الوزراء لشؤون المرأة وحقوق الإنسان.
3- زيادة استهداف قوات حفظ السلام الأفريقية: شنّت الشباب عمليات إرهابية ضد قوات بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال "أمصيوم" من خلال تبنيها عملية انفجار سيارة مفخخة بالقرب من مدرسة في العاصمة الصومالية في نوفمبر الماضي استهدفت قافلة عسكرية، مما أسفر عن مقتل ثمانية أشخاص وإصابة أكثر من عشرة بجروح. وبالإضافة إلى ما سبق، شنّت الحركة هجوماً في جنوب الصومال على ثكنات للقوات الكينية التابعة لقوة حفظ السلام الأفريقية في بلدتي "هوسينغو" و"تابتو" في شهر ديسمبر الجاري.
أسباب التحولات الميدانية
تتعدد العوامل التي تسهم في كسب الشباب المزيد من النفوذ الميداني، والتي يمكن توضيحها في الآتي:
1- الخلاف بين القوات الحكومية والميليشيات: استطاعت حركة الشباب تحقيق الانتصارات الأخيرة ضد القوات الصومالية، نتيجة لنجاحها في استغلال الانقسامات بين الحكومة الصومالية وحلفائها السابقين من جماعة أهل السنة والجماعة، وما ترتب عليها من اندلاع مواجهات عسكرية بينهما في ولاية جلمدج، وهو ما رفع الضغط العسكري عن الشباب، خاصة وأن أهل السنة والجماعة لعبت دوراً محورياً في القتال ضد الحركة في الشهور الأخيرة.
2- تفاقم الأزمة السياسية في البلاد: تعرض الصومال إلى أزمة سياسية نتيجة رفض الرئيس محمد عبدالله فرماجو، عقد الانتخابات الرئاسية المقرر انعقادها في فبراير 2021 مع انتهاء ولايته. وسعى فرماجو إلى تمديد ولايته لمدة عامين من دون إجراء انتخابات، وهو ما ترتب عليه اندلاع مواجهات عنيفة في مقديشو بين القوات الموالية للحكومة والقوات التابعة للمعارضة.
ونتيجة لعجز فرماجو عن حسم المعركة عسكرياً، فقد توصل لاتفاق مع المعارضة في 27 مايو، والذي نص على إجراء الانتخابات في غضون 60 يوماً. وعلى الرغم من إعلان الجدول الزمني للانتخابات بدءاً من انتخاب مجلس الشيوخ يوم 25 يوليو، لتنتهي بانتخاب الرئيس الصومالي يوم 10 أكتوبر، ولكن لم يتم الالتزام بهذا المسار الزمني.
وتزامناً مع هذه الأزمة الانتخابية، احتدمت التوترات بين رئيس الوزراء الصومالي، محمد حسين روبلي، والرئيس فرماجو مطلع سبتمبر، مع إعلان الأخير تعليق صلاحيات رئيس الوزراء روبلي لتعيين وفصل المسؤولين، وكادت أن تنتهي الأحداث بمواجهة عسكرية بين وحدات جهاز الاستخبارات الموالية للرئيس وأولئك الذين يعترفون بسلطة رئيس الوزراء، ولكن تراجعت القوات التابعة للرئيس الصومالي عن هذه المواجهة، لصالح التوصل لاتفاق تهدئة بين الجانبين. ولم يدم هذا الاتفاق طويلاً، فقد أوقف فرماجو روبلي عن العمل في 27 ديسمبر 2021، وذلك بالتزامن مع تطويق الحرس الرئاسي مكتب رئيس الوزراء في العاصمة مقديشو، وهو القرار الذي رفضه الأخير.
وتوفر الانقسامات السياسية فرصة سانحة أمام حركة الشباب لاستغلالها للتوسع في السيطرة على المزيد من المناطق بعيداً عن مناطق سيطرتها التقليدية التي تتركز في وسط وجنوب الصومال.
3- الدعم الإيراني المتزايد: جاء تزايد النشاط العسكري للشباب مع إرسال إيران أسلحة لحركة الشباب في بداية نوفمبر الماضي، وذلك بالتزامن مع تكثيف الحركة من عملياتها الإرهابية في عدد من الولايات الصومالية، سعياً لعرقلة إجراء الانتخابات البرلمانية قبل انعقاد الانتخابات الرئاسية كما أعلنت.
وتسعى إيران لاستغلال الجماعات المتطرفة في إطار توسيع النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط. وتعتمد طهران على علاقتها مع الشباب لنقل الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، وإلى دول أفريقية أخرى، مثل تنزانيا وكينيا وغيرهما. علاوة على ما سبق، تعتمد إيران على الشباب لتهريب النفط إلى الصومال، ليتم بيعها في مرحلة لاحقة إلى دول أفريقية، في إطار مساعي طهران للالتفاف على العقوبات الأمريكية المفروضة على صادراتها النفطية.
وفي المقابل، تقوم إيران بتمويل الشباب، وإمدادها بالتسليح اللازم في انتهاك للعقوبات الأممية على الحركة منذ عام 2012، والتي تتضمن حظر صادرات الفحم. فقد تحولت طهران إلى نقطة عبور للصادرات من الفحم الصومالي غير المشروع من المناطق الخاضعة لسيطرة الحركة، لتستقر في الموانئ الإيرانية، لتتم إعادة بيعها للدول الأجنبية كمنتجات إيرانية.
4- خفض الوجود الأمريكي في الصومال: فقد أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عزمه سحب غالبية العسكريين والمعدات الأمريكية من الصومال في ديسمبر 2020، وقد أكملت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية في أفريقيا "أفريكوم" هذه العملية في يناير 2021.
وأشارت تحليلات إلى أن عدم وجود ضربات جوية أمريكية منذ يناير حتى يوليو 2021 مكن الحركة من التمدد في الصومال، وإن كان من الملاحظ أن الجيش الأمريكي استأنف هجماته ضد حركة الشباب في شهر يوليو 2021، مما ساهم في تحجيمها بالتزامن مع شن أهل السنة والجماعة هجوماً على "الشباب".
5- الانسحاب التدريجي للاتحاد الأفريقي: سحبت بعثة الاتحاد الأفريقي من الصومال ألف جندي في 2017. كما تم سحب قوات إضافية في 2019، مع خطط لتسليم المسؤوليات الأمنية إلى القوات الصومالية بصورة كاملة بحلول نهاية 2021. وتبنى مجلس الأمن الدولي خلال شهر ديسمبر الجاري بالإجماع قراراً بتمديد مهمة بعثة الاتحاد الإفريقي "أمصيوم" في الصومال لمدة ثلاثة أشهر فقط حتى 31 مارس 2022، من دون التوصل بشكل نهائي حول صيغة متفق عليها لمستقبل قوات أميصوم أو عملها، خاصة مع رفض مقديشو توسيع مهامها.
6- توليد الشباب موارد اقتصادية كبيرة: تقوم الشباب بتهريب الفحم إلى إيران، كما سبقت الإشارة، كما تفرض الحركة الضرائب على الكثير من الأنشطة التجارية داخل العاصمة. وتشير تقديرات إلى أن ميزانية الحركة من الضرائب تفوق تلك التي تجمعها الحكومة الصومالية من التجار، بالإضافة إلى فرضها ضرائب في مناطق أخرى مثل وسط وجنوب الصومال، ومناطق في بونتلاند. وتشير تقديرات أخرى إلى تحصيلها حوالي 6 ملايين دولار بشكل سنوي من ميناء كيسمايو فقط.
وتستخدم الشباب هذه الأموال لتطوير قدراتها العسكرية، فقد أشارت الأمم المتحدة في عام 2019، إلى إنفاق الشباب ما يزيد على 21 مليون دولار على المقاتلين والأسلحة وتعزيز القدرات الاستخباراتية، وأن الجماعة كانت تتمتع بفوائض كبيرة في الميزانية.
7- امتلاك هيكل استخباراتي وعسكري متماسك: تدير الشباب أجهزة أمنية متعددة، بما في ذلك جهاز استخباراتي لديه القدرة على جمع المعلومات عن القوات الصومالية لتحسين القدرة على استهدافها. وتتميز الحركة بأن لديها شبكة من الخلايا الأمنية السرية في العاصمة، فضلاً عن عواصم الولايات الفيدرالية الصومالية. وتواجه الأجهزة الأمنية الصومالية صعوبات في الكشف عن هذه الشبكة، وتفكيكها، خاصة في ضوء ارتفاع الكثافة السكانية في العاصمة، وغياب الثقة بين بعض فئات الشعب والحكومة.
وفي الختام، يلاحظ أن حركة الشباب استفادت من التطورات الإقليمية والداخلية لتوسيع رقعة سيطرتها على الصومال. فإلى جانب الخلافات السياسية والأمنية في معسكر الحكومة، والتي تنذر بإمكانية انهيار البلاد في حرب أهلية، فإن التراجع النسبي في الضربات الأمريكية ضد الحركة، فضلاً عن غياب أفق واضح لمستقبل عملية أميصوم، كلها عوامل صبت في صالح الحركة وسمحت لها بالتمدد في الآونة الأخيرة.