أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

نموذج فوردو:

لماذا تؤسس إيران منشأة نووية جديدة في ناتانز؟

01 نوفمبر، 2020


يبدو أن الهجمات التي وقعت في إيران خلال الشهور الأخيرة سوف تدفعها إلى التعويل بشكل أكبر على المنشآت النووية التي تبنيها تحت الأرض على غرار منشأة فوردو التي أعلنت عنها في عام 2009. ويشير اتجاه إيران نحو تبني هذه الآلية إلى أنها سوف تسعى في الفترة القادمة إلى رفع مستوى أنشطتها النووية بشكل أكبر ربما يقترب من مرحلة ما قبل الوصول إلى الاتفاق النووي مع مجموعة "5+1" في عام 2015، على نحو سوف يزيد من حدة التوتر مع القوى المعنية بتطورات أزمة ملفها النووي.

تحركات مبكرة:

ربما تتجه إيران خلال المرحلة القادمة، وبصرف النظر عن نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي سوف تجرى في 3 نوفمبر الجاري، إلى توسيع نطاق الخيارات المتاحة أمامها للتعامل مع تطورات الملف النووي، حيث كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، في 28 أكتوبر الفائت، عن أن إيران تقوم حالياً ببناء محطة لتجميع أجهزة طرد مركزي متطورة تحت الأرض داخل منشأة ناتانز التي سبق أن تعرضت لهجوم في 2 يوليو الماضي، أشارت تقارير عديدة إلى أنه أسفر عن تدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي المتطورة. وكان رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية علي أكبر صالحي قد قال، في 8 سبتمبر الماضي، أنه "تم استبدال المنشأة المدمرة فوق الأرض بأخرى في قلب الجبال المحيطة بناتانز".

ومن دون شك، فإن تلك الخطوة تطرح دلالات أربعة رئيسية تتمثل في:

1- تطوير البرنامج النووي: ترى اتجاهات عديدة في طهران أن الهدف الأساسي من تلك الهجمات هو تعطيل البرنامج النووي، طالما أن إيران مستمرة في إعادة تنشيطه رغم العقوبات، بدليل حرصها على تخفيض مستوى التزاماتها النووية في الاتفاق النووي، لاسيما ما يتعلق برفع مستوى تخصيب اليورانيوم إلى 4.5% وزيادة كمية اليورانيوم المخصب إلى أكثر من الكمية التي يحددها الاتفاق (300 كيلو جرام)، وتوسيع نطاق عمليات التخصيب لتشمل منشأة فوردو إلى جانب مفاعل ناتانز، بعد أن كان الاتفاق النووي يحصر عمليات التخصيب في المنشأة الأخيرة فقط.

2- تغييرات محدودة: لا يبدو أن إيران تُعوِّل كثيراً على إمكانية حدوث تغيير بارز في السياسة الأمريكية تجاهها حتى لو فاز المرشح الديمقراطي جو بايدن في الانتخابات الرئاسية القادمة، والذي يبدي مرونة أكبر حيال الخلافات العالقة معها، لاسيما الاتفاق النووي، وهو ما يعود إلى إدراكها أن ثمة عقبات عديدة يمكن أن تحول دون حدوث مثل هذا التغيير المحتمل على الأقل في المدى القريب، ترتبط بوجود أطراف لا تدعم ذلك وترى طهران أنها سوف تضغط على الإدارة الأمريكية القادمة من أجل عدم اتخاذ إجراءات للانفتاح مجدداً عليها.

3- توفير حماية أكبر: ربما تتجه إيران أيضاً خلال المرحلة القادمة إلى بناء مزيد من المنشآت النووية تحت الأرض، من أجل توفير حماية أكبر لبرنامجها النووي، بعد أن تسببت الهجمات التي تعرضت لها بعض المنشآت، لاسيما مفاعل ناتانز، في 2 يوليو الماضي، في حدوث خسائر تكنولوجية لا تبدو هينة، لاسيما ما يتعلق بتدمير عدد من أجهزة الطرد المركزي الأكثر تطوراً التي كان من الممكن أن تساعد في إحداث نقلة في عمليات التخصيب خلال المرحلة القادمة. 

وهنا، فإن الهدف القريب الذي تسعى الأطراف التي تشير طهران إلى أنها قد تكون مسئولة عن تلك الهجمات إلى تحقيقه يكمن في منع إيران من الوصول إلى المستوى الذي سبق أن بلغته فيما يتعلق بعمليات تخصيب اليورانيوم وهو 20%، والذي كان أحد الدوافع الرئيسية التي أدت في النهاية إلى الوصول للاتفاق النووي الحالي، والذي لم يحظ بقبول أطراف عديدة، لاسيما إسرائيل، باعتبار أنه يفرض قيوداً مؤقتة على إيران، بدأت تتقلص تدريجياً، على نحو انعكس في رفع الحظر المفروض عليها في مجال الأسلحة التقليدية في 18 أكتوبر الفائت، رغم الجهود التي بذلتها إدارة الرئيس ترامب للحيلولة دون حدوث ذلك.

4- إجراءات تصعيدية جديدة: قد لا تكون إيران في وارد إبداء مرونة أكبر فيما يتعلق بالخلافات العالقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، أو القوى الدولية والإقليمية المعنية بأزمات المنطقة، في المرحلة القادمة، على نحو يدفعها إلى عدم استبعاد استمرار التصعيد مع واشنطن، الذي يمكن أن يتطور إلى مسارات أكثر خطورة في رؤيتها، لاسيما ما يتعلق بنشوب مواجهات جديدة مباشرة، ربما تكون أكثر اتساعاً وقوة من تلك التي اندلعت في الأيام العشر الأولى من يناير الماضي، بعد أن قامت إدارة الرئيس ترامب بشن عملية عسكرية أسفرت عن مقتل قائد "فيلق القدس" التابع للحرس الثوري قاسم سليماني ونائب أمين العام ميليشيا الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس، وهو ما ردت عليه طهران بتوجيه ضربات صاروخية إلى قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية. 

ويعني ذلك في المقام الأول، أن إيران لا تستبعد أن تتكرر الهجمات الأخيرة التي تعرضت لها بعض المنشآت النووية، إلى جانب منشآت أخرى، طالما أنها حتى الآن لم تبد ما يؤشر إلى أنها قد تكون مقبلة على إجراء تغيير في سياستها على ضوء الضغوط القوية التي تفرضها العقوبات الأمريكية عليها.

إن ما سبق في مجمله يوحي بأن التصعيد سوف يبقى سمة رئيسية في التفاعلات بين طهران وواشنطن، على الأقل في المدى القريب، لاسيما أن الخلافات العالقة بين الطرفين ليست ثانوية ولا يمكن تسويتها بسهولة أياً كان الرئيس الأمريكي القادم في البيت الأبيض.