عززت روسيا مؤخرًا دفاعات قاعدتها العسكرية في حميميم بريف اللاذقية في سوريا، عبر تزويدها بمنظومة "بانتسير S-2"، وأعلن عسكريون روس أن نشر المنظومة الجديدة يهدف إلى التصدي للطائرات بدون طيار "الدرونز"، لا سيما بعد أن تعرضت حميميم، على مدار الأشهر الماضية، لهجمات عديدة باستخدام هذا النوع من الطائرات. لكن من المتصور أن العديد من العوامل الأخرى شكلت دوافع لدى روسيا لنشر تلك المنظومة في الوقت الحالي، يتمثل أبرزها في المتغير الميدانى الخاص بالاستعدادات الجارية المرتبطة بمعركة إدلب الوشيكة، خاصة أن موسكو ترى أن ريف إدلب كان نقطة انطلاق لاستهداف حميميم بشكل متكرر خلال الفترة الماضية.
تحول مهم:
تعد منظومة "بانتسير S-2" الأحدث جيليًا في منظومة "بانتسير"، حيث سبقتها النسخة الأولى "بانتسير S-1"، والتي حصلت عليها سوريا عبر اتفاق تم إبرامه في عام 2008، وبدأت روسيا توريدها في عام 2012، وينسب لها، بحسب تقارير رسمية روسية، اعتراض الطائرة التركية "فانتوم 4" في الأجواء السورية في يوليو من ذلك العام، وإن لم تظهر علنًا قبل إبريل 2018، بعد أن كشفت وزارة الدفاع السورية أن لدى الجيش ما يصل إلى نحو 50 بطارية بقدرة 700 صاروخ تصل قيمتها إلى 730 مليون دولار.
وقد أثارت اتجاهات مختلفة تساؤلات عديدة حول أسباب تواجد المنظومتين داخل سوريا على مسافة متقاربة زمنيًا، كما أبدت شكوكًا إزاء قدرة النظام السوري على تمويل صفقات ضخمة من هذا القبيل في الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط قوية بسبب الصراع العسكري الذي دخل عامه الثامن. لكن في واقع الأمر، لا يبدو، وفقًا للعسكريين الروس، أن النظام حصل على المنظومة الجديدة، وإنما نقلتها روسيا إلى قاعدتها العسكرية في حميميم لتأمين دفاعاتها. وبالتالي فالأمر هنا يتعلق بتزويد قاعدة روسية في سوريا وليس تزويد سوريا نفسها بالمنظومة. ويدعم هذا الاستنتاج تصريحات نائب قائد قوات الدفاع الجوي الروسي يورى مارفوكين التي أشار فيها إلى أنه سيتم نشر المنظومة في سوريا لحماية قوات سلاح الجو الروسي في قاعدة حميميم.
أهداف متعددة:
يمكن القول إن روسيا تسعى من خلال تزويد حميميم بتلك المنظومة إلى تحقيق أهداف عديدة، يتمثل أبرزها في:
1- بناء نظام دفاعى متعدد الطبقات: قامت روسيا بنشر كافة الأنظمة الدفاعية قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى في سوريا. فإلى جانب منظومة "بانتسير"، نشرت أيضًا منظومات "إس 200" و"إس 300" و"إس 400".
ومن الواضح أن روسيا قامت بنشر هذه المنظومات بشكل اضطراري، فى إطار حساباتها الدفاعية. ففى بداية الأمر، كانت ترصد تلك الحسابات مجال الحركة الدولية لطيران التحالف الدولي فى سوريا وخاصة الطيران الأمريكي، وهو ما كان يقتضي نشر دفاعات جوية طويلة المدى. لكنها في مرحلة تالية اتجهت إلى نشر منظومات أخرى مع ظهور تهديد جديد من جانب خصومها على الساحة في سوريا، على غرار التنظيمات الإرهابية التى لجأت إلى استخدام "الدرونز" على نطاق واسع ضد أهداف روسية على رأسها قاعدة حميميم في بداية ومنتصف العام الجاري.
وقد أسفرت العملية الأولى، والتى تم الإعلان عنها في 8 يناير 2018، بحسب تقارير روسية، عن تدمير 7 طائرات على الأرض ومخزن للسلاح، ووجهت الاتهامات فيها لفصائل تابعة لـ"جبهة النصرة". وتكررت تلك العملية لاحقًا في يونيو من العام ذاته، ولا يعتقد أن النظام الجديد عمل خلال تلك الفترة، حيث كانت تغطية تلك المواقع تتم من خلال "بانتسير S-1".
ويهدف تعدد الطبقات في هذه الحالة مع نقل المنظومة الجديدة، إلى سد الثغرات الدفاعية في مديات مختلفة قصيرة المدى، حيث يعمل النظام الجديد في نطاق ما بين 30 إلى 40 كيلو متر، إلى جانب تزويده برادار بحث SOTS S-band لزيادة نطاق الكشف من 36 كيلو متر إلى أكثر من 40 كيلو متر.
2- استعداد لمعركة إدلب: ويرتبط ذلك بدلالة توقيت الإعلان عن نقل المنظومة الروسية الجديدة إلى قاعدة حميميم، والذي تزامن مع تلويح من جانب روسيا والنظام السوري بشن معركة عسكرية وشيكة على إدلب. ومع الأخذ في الاعتبار أن معظم طائرات "الدرونز" قد تم إطلاقها من ريف إدلب، فإن ذلك يعني أن تكرار استخدام هذه النوعية من الطائرات في هجمات على القواعد الروسية في اللاذقية خاصة من جانب "جبهة النصرة"، التي تتهمها روسيا فى كل مرة بالوقوف وراء استخدمها فى الهجوم على قواعدها، يبقى احتمالاً قويًا.
ورغم الجهود التي تبذلها روسيا، فإنها لا تستطيع استبعاد احتمال استهداف قواعدها من جانب بعض الفصائل التى ستخوض المعركة سواء "جبهة النصرة" أو حتى تنظيم "داعش"، الذي سبق أن استخدم هذه الطائرات أيضًا على نطاق واسع داخل كل من العراق وسوريا.
3- الاستعراض العسكري: كان الجانب التسويقي للسلاح الروسي المستخدم في سوريا حاضرًا في الإعلانات الروسية الدائمة عن الأسلحة التي دخلت الخدمة حديثًا في سوريا، وكان أبرزها العام الجاري الطائرة "SU-57"، بالإضافة إلى منظومات الدفاع الجوي. فعلى الرغم من أن منظومة "بانستير S-2" تم تجريبها فى بناديس بأوكرانيا، حيث أمدت بها روسيا الانفصاليين، لكن يبقى أن تجربتها على مسرح الأحداث في سوريا يكتسب أهمية خاصة، وهو ما يتضح من تقارير التسلح الروسي التى تعتبر أن التجربة في سوريا مسألة مهمة.
فضلاً عن ذلك، تستعد روسيا لتجريب جسر دبابات أرضي سريع في ساحة المعركة التي يحتمل اندلاعها في إدلب خلال الفترة القادمة، وربما تنافس فقط فى الشرق الأوسط حاليًا القبة الحديدية لدى إسرائيل التي تستخدم فى نطاق المديات ذاتها.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن موسكو تسعى عبر تلك الخطوة إلى مواجهة مشكلة الثغرات الدفاعية التى كانت سببًا فى استهداف مصالحها داخل سوريا وتزايد الخسائر العسكرية التي تعرضت لها، فضلاً عن الاستعداد مبكرًا للمعركة المحتملة في إدلب، والتي ستترتب عليها تداعيات مهمة سوف تؤثر على مسارات الصراع السوري وموقع القوى الإقليمية والدولية منها، خلال المرحلة القادمة.