أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

متغيرات حاسمة:

تداعيات معركة دير الزور على التوافق الروسي– الإيراني

07 نوفمبر، 2017


شنت روسيا خلال الفترة الأخيرة ضربات عسكرية عديدة على جبهات مختلفة داخل دير الزور، خاصة في اتجاه الجنوب حاليًا إلى البوكمال الحدودية مع العراق آخر تمركزات تنظيم "داعش" في سوريا بعد خسارة الرقة، المعقل الرئيسي للتنظيم، على أيدي عناصر ميليشيا "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) التي تسيطر على الضفة الشرقية من دير الزور على نهر الفرات مدعومة من قوات التحالف الدولي، والتي دخلت بدورها في سباق محموم مع قوات النظام للوصول إلى البوكمال، في دلالة على أن استخدام روسيا لقوة النيران بحرًا وجوًا يهدف إلى حسم المعركة في البوكمال وتكريس دورها استعدادًا للاستحقاقات السياسية القادمة.

وقد تزامن ذلك مع الزيارة التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران في أول نوفمبر 2017، والتي بدت في العلن زيارة تنسيقية على المستويين العسكري والسياسي، لكن على مستوى المضمون جاءت في إطار مساعي موسكو لتثبيت أهدافها من المعركة الشاملة في سوريا، والتي يبدو فيها تعارض مصالح واضح بين موسكو وطهران بشأن نفوذ القوتين على الساحة السورية والنظام معًا، وبالتالي فإن معركة البوكمال الحالية هى معركة فاصلة لبدء حسم المعركة السياسية المقبلة التي سترسم، إلى حد كبير، مستقبل الخريطة السورية، بما يعني أن روسيا سعت من خلال الضربات العسكرية الأخيرة إلى توجيه إشارات قوية لإيران بأنها ستكون الطرف الرئيسي في الترتيبات السياسية والأمنية التي سوف تشهدها سوريا خلال المرحلة القادمة.

صراع استراتيجي: 

فى حين كان ينظر إلى هزيمة تنظيم "داعش" في الرقة على أنها تمثل نهاية للوجود الواقعى للتنظيم داخل سوريا، وهو ما نجحت فيه "قوات سوريا الديمقراطية" بدعم دولي، فإن معركة دير الزور، على الجانب الآخر من النهر، هى معركة النفوذ بين القوى الدولية والإقليمية المنخرطة في الصراع السوري، في ظل الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها لكلا الفريقين والتي يفرضها موقعها الاستراتيجي كونها تشكل مركز الارتباط الجيوسياسي الذي يصل بين المنطقة الشرقية والمنطقتين الشمالية والوسطى، وتعد ممرًا رئيسيًا بين بادية الشام والجزيرة السورية ومنها إلى العراق، فضلاً عن أهميتها الاقتصادية كمنطقة زراعية وخزان رئيسي للنفط والغاز في سوريا.

 ووفقًا لشكل الانتشار والسيطرة في دير الزور بعد ما يقرب من خمسة أشهر من تصاعد المواجهات العسكرية فيها، فإن قوات النظام السوري، وبدعم جوى روسي، تسيطر على المواقع العسكرية منها المطار العسكري لدير الزور والذي أعادت تشغيله، إلى جانب محطة"T2"  واللواء "137" مدفعية، وتنتشر حاليًا قوات مختلطة في المنطقة منها فرقتان تابعتان للجيش السوري إلى جانب قوات إيرانية ومليشيا "حزب الله".

لكن على الجانب الآخر، تسيطر "قسد" على المواقع الاقتصادية للغاز والنفط مثل حقول "كونيكو" و"الجفرة" و"العمر" و"التنك"، وهو ما يشير إلى أن البوكمال، التي تعد ثاني أكبر المواقع الإدارية في نطاق محافظة دير الزور وتحظى بأهمية استراتيجية كبيرة في حسم أهداف الأطراف المتعددة بشأن طبيعة الحدود العراقية– السورية، تظل المعركة الأخيرة بين تلك الأطراف.

وبغض النظر عن الصراع المحموم بين القوى الدولية وحلفائها الإقليميين والمحليين في الساحة السورية، فإن جبهة البوكمال تحسم مستوى آخر من التباين داخل الحلف الواحد، وهو الحلف الذي تقوده روسيا، بشأن ما يسمى بـ"خطة الهلال الإيراني" إلى شرق المتوسط، وهو الأمر الذي يظهر من متابعة استراتيجية الطرفين في سوريا منذ بدء المعارك.

فإلى جانب السباق المحموم بين موسكو وطهران على تأسيس قواعد عسكرية في بعض المناطق، فإن الأولى لا تبدي تجاوبًا مع الجهود التي تبذلها الثانية لتكوين ميليشيات طائفية داخل سوريا شبيهة بـ"حزب الله" في لبنان تضم عناصر شيعية سورية، على غرار اللواء "313" في منطقة درعا. كما أنها لم تعد تخفي استياءها من التحركات التي تقوم بها الميليشيات الموالية لإيران على الأرض.

سيناريو محتمل:

 بشكل عام، لن يكون بمقدر الأطراف المنخرطة في التحالف الروسي في سوريا الادعاء بعد معركة دير الزور بأن هناك مواجهات قادمة مع تنظيم "داعش"، في ظل الضربات القوية التي وجهت إلى مراكز التنظيم، وبالتالي فإن السيناريو القادم عمليًا يتركز حول ترتيبات تتعلق بالحدود العراقية– السورية وليس حول ترسيم جبهات النفوذ والسيطرة بين القوى الرئيسية، وهو ما يتطلب تقييم رؤى الأطراف المتباينة من هذه الترتيبات، خاصة رؤية روسيا للمشروع الإيراني الخاص بـ"الهلال الشيعي" العابر من العراق إلى سوريا وصولاً إلى شرق المتوسط عبر لبنان.

إذ لم يعد اتجاه روسيا إلى بناء تمركزات في نطاق البوكمال أو على الأقل تعزيز تواجدها في المواقع العسكرية التي مكنت النظام من السيطرة عليها احتمالاً مستبعدًا، وهو ما قد يحد من مساعي طهران لتأسيس قواعد عسكرية جديدة على المناطق الحدودية بهدف فتح الطريق لميليشيا "الحشد الشعبي" الموالية لها، والتي ألمحت إلى إمكانية قيامها بدور داخل العمق السوري في البوكمال بدعوى ضبط الحدود وتجنب تعرضها للاختراق مجددًا.

ومن دون شك، فإن هذا السيناريو يعني وصول روسيا إلى تفاهمات مع الولايات المتحدة الأمريكية بشأن ضبط الحدود العراقية– السورية قد تقتضي ترك القوات غير الروسية مكشوفة أمام القوات الأمريكية التي تتواجد في المقابل داخل العمق العراقي بعد نجاحها في طرد "داعش" من منطقة القائم الحدودية غربى الأنبار، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى توسيع نطاق التباينات بين موسكو وطهران.

ارتدادات إقليمية:

واللافت هنا أن احتمالات حدوث هذا السيناريو قد يدعمها متغير آخر قيد التشكل على الساحة اللبنانية ربما يربك حسابات إيران بالأساس على الساحة السورية ويدعم في الوقت ذاته من فرص روسيا لتكريس نفوذها كطرف رئيسي في صياغة الترتيبات السياسية والأمنية داخل سوريا، ويرتبط بالضغوط التي يفرضها احتمال اندلاع مواجهة جديدة بين إسرائيل و"حزب الله"، والتي قد تدفعه إلى العودة لقواعده داخل لبنان، بشكل سيؤثر على نفوذ إيران نفسها داخل سوريا، وربما يؤدي في النهاية إلى تبلور ملامح التباينات العميقة بين موسكو وطهران في سوريا، والتي لم تنجح التوافقات الظاهرة حاليًا في احتواءها أو تقليص تداعياتها المحتملة.