أخبار المركز
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)

المصري اليوم:

د. أمل عبدالله الهدابى تكتب: مستقبل «الناتو» بين استعادة التماسك وتحدى ترامب

20 يوليو، 2024


استضافت العاصمة الأمريكية واشنطن، خلال الفترة من ٩ إلى ١١ يوليو ٢٠٢٤، قمة استثنائية لحلف شمال الأطلسى «الناتو»، تزامنًا مع الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحلف، وإظهارًا للقوة والوحدة المتواصلة لأعضائه، حسبما أوضح بيان القمة. ولم يكن هذان العاملان هما فقط سبب استثنائية القمة، ولكن أيضًا السياق الدولى الذى عُقدت فيه، والذى يُوصف فى حد ذاته بأنه استثنائى، فضلًا عن كونها أول قمة يجتمع فيها الحلف فى صيغة ٣٢ عضوًا، بعد انضمام كل من فنلندا والسويد إليه.

استقطاب دولى:

عُقدت قمة واشنطن فى وقت يشهد فيه العالم حالة متنامية من الاستقطاب الدولى بين الكتلة الغربية التى تمثل «الناتو»، والكتلة الشرقية التى تمثلها روسيا والصين، على خلفية تطورات الحرب فى أوكرانيا، والتنافس التجارى الصينى الأمريكى وتداعيات الحرب الإسرائيلية المتواصلة فى قطاع غزة، إضافة إلى الترقب الواضح لنتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة مع خشية العديد من أعضاء الحلف من العودة المحتملة للرئيس السابق دونالد ترامب.

فعلى صعيد الحرب فى أوكرانيا، والتى تشكل التحدى الأكبر لـ«الناتو» فى المرحلة الراهنة، كانت تساور الكثير من دول الحلف المخاوف والشكوك بشأن حدود الالتزام بالوقوف مع أوكرانيا فى مواجهة روسيا، خاصة فى ظل النجاحات العسكرية الميدانية الأخيرة التى حققتها موسكو، وسط الحديث عن إعدادها لما يُعرف بـ«الهجوم الصيفى الكبير»، وفى ظل ما ظهر من بوادر انقسامات فى بعض مواقف دول «الناتو» بشأن كيفية التعامل مع هذا الصراع. علاوة على خوف كييف وحلفائها المقربين من تكرار سيناريو قمة «الناتو» فى فيلنيوس التى عُقدت فى يوليو ٢٠٢٣، عندما غادر أعضاء «الناتو» وأوكرانيا تلك القمة محبطين بسبب وجود فارق واضح بين ما أرادته أوكرانيا وما كان «الناتو» مستعدًا لتقديمه.

وقد جاءت قمة «الناتو» هذا العام بعد مجموعة من التطورات المهمة التى عكست التزام دول الحلف بتقديم دعم أقوى لكييف، ومن بينها توقيع الرئيس جو بايدن فى إبريل الماضى قانون المساعدات أو المخصصات الأمنية التكميلية لأوكرانيا والتى تبلغ قيمتها نحو ٦١ مليار دولار، معظمها ذات طبيعة عسكرية، وتتضمن أنظمة دفاع جوى وقذائف مدفعية هى فى أشد الحاجة إليها. وكذلك موافقة الولايات المتحدة ودول أخرى على استخدام أوكرانيا أسلحة غربية استراتيجية لضرب أهداف فى مناطق وجود الروس داخل الحدود الأوكرانية، وربما أيضًا أماكن فى العمق الروسى، إلى جانب توقيع دول أوروبية اتفاقيات أمنية مثل: فرنسا وألمانيا وغيرهما. وعلى الرغم من هذه الالتزامات الغربية لا تزال كييف وبعض دول «الناتو» متشككة فى فاعلية نتائج قمة واشنطن وما تسفر عنه من مواقف داعمة لأوكرانيا.

من جانبها، سعت روسيا لتعزيز جبهة تحالفاتها، لا سيما مع الصين وكوريا الشمالية، وهددت باستخدام الأسلحة النووية ردًا على مواقف «الناتو» المناهضة لموسكو، وهو ما عكس اتساع نطاق حالة الاستقطاب الدولى بين المعسكرين الغربى والشرقى.

وبالرغم من خطورة التحدى الذى شكلته الأزمة الأوكرانية والتحديات الخارجية المرتبطة بتطورات الصراع فى غزة، والصعود الصينى، وتفاقم ظاهرة الهجرة؛ فإن التحدى الأهم الذى يواجه «الناتو» فى هذه المرحلة ينبع من داخل دول الحلف نفسها. فالقمة عُقدت فى ظل تغييرات سياسية فى الدول الأوروبية جسدها صعود اليمين المتطرف، على نحو ما عكسته انتخابات البرلمان الأوروبى والجولة الأولى من الانتخابات الفرنسية، وبالرغم من أن اليسار نجح فى حسم هذه الانتخابات لمصلحته بعد الجولة الثانية فإنه وضع الدولة الفرنسية فى مأزق البحث عن تحالف حكومى صعب قد يعطل قدرة باريس على اتخاذ قرارات مهمة على الأقل فى السنة المقبلة. ومن المعروف أن القوى اليمينية تتبنى مواقف تركز على الأوضاع الداخلية أكثر من الاهتمام بالتحالفات الخارجية ولاسيما «الناتو».

لكن التطور الداخلى الأهم فى دول «الناتو» والذى انصب عليه مجمل التركيز، كان السباق الانتخابى المشتعل فى الولايات المتحدة، خصوصًا فى ظل الأداء الباهت للرئيس بايدن الذى تراجع بشكل ملحوظ فى استطلاعات الرأى العام بعد المناظرة الرئاسية الأولى مع ترامب، والتى كانت كارثية له وللحزب الديمقراطى. وقد تزايد الجدل بشأن الحالة الإدراكية لبايدن، والتى ظهرت فى القمة الأخيرة لـ«الناتو» عندما خاطب الرئيس الأوكرانى، زيلينسكى، باسم الرئيس الروسى، بوتين، وما ترتب على ذلك من جدل داخل الحزب الديمقراطى نفسه حول أهلية بايدن للترشح باسم الحزب مع تنامى الأصوات التى تنادى بمرشح آخر حفاظًا على فرص الحزب فى الانتخابات.

ويتابع باقى حلفاء «الناتو» هذه التطورات بقلق بالغ، وهم يتمنون ألا تأتى الانتخابات بترامب مجددًا إلى البيت الأبيض، بالنظر إلى تجربته السابقة فى الحكم، والتى كانت صعبة بالنسبة للحلف؛ إذ اتسم نهج ترامب فى التعامل معه بأسلوب الصفقات، وتسببت مواقفه فى إثارة الشكوك حول التزام الولايات المتحدة بتعزيز دور «الناتو». ومع أن إدارة ترامب اتخذت خطوات لتعزيز قدرات الردع لدى «الناتو»، مثل: نشر قوات إضافية فى شرق أوروبا، ودعم المبادرات الرامية إلى تعزيز استعداد الحلف لمواجهة التحديات الجديدة؛ فإن إصرار ترامب على قيام الأوروبيين برفع نسبة مساهمتهم العسكرية فى الإنفاق الدفاعى للحلف، فضلًا عن مواقفه غير القوية تجاه أوكرانيا، وخشية الأوروبيين من تحميلهم تكلفة إعادة الإعمار، إضافة إلى قلقهم من خطته لإنهاء الحرب والتى قد تنطوى على تنازلات فيما يتعلق بالأراضى، كل ذلك جعل الحلفاء فى «الناتو» قلقين من عودة ترامب مجددًا للسلطة بكل ما يحمله ذلك من تأثيرات فى مستقبل الحلف.

نتائج القمة:

على عكس الشكوك التى سبقت قمة واشنطن، جاءت النتائج والالتزامات التى توصلت إليها لتعيد تأكيد قوة ووحدة وتماسك حلف «الناتو»، وإظهار أنه أكثر اتحادًا وقوة اليوم مما كان عليه فى أى وقت مضى، ولاسيما مع توسع الحلف بضم أعضاء جدد وزيادة موارده المالية والعسكرية. وبرز ذلك بوضوح فى ثلاث قضايا رئيسية ناقشتها القمة، وهى كالتالى:

١- الموقف القوى لـ«الناتو» الداعم لأوكرانيا؛ إذ تم الإعلان عن أكبر حزمة مساعدات عسكرية نوعية ومادية لكييف مثل طائرات «إف ١٦»؛ إذ أعلن الحلفاء عن نيتهم تقديم ٤٠ مليار دولار كحد أدنى من التمويل الأساسى خلال العام المقبل وتوفير مستويات مستدامة من المساعدات الأمنية لأوكرانيا. كما قرر الأمين العام للحلف تعيين ممثل مدنى رفيع المستوى لـ«الناتو» فى كييف لتعزيز العلاقة المؤسسية مع أوكرانيا، وسيكون هذا الممثل رفيع المستوى بمثابة نقطة محورية فى مشاركة «الناتو» مع كبار المسؤولين الأوكرانيين.

٢- مسألة الردع والدفاع فى «الناتو»؛ إذ جرى الإعلان عن استعداد ٥٠٠ ألف من قوات الحلف لأى تدخل عسكرى فى حال تطلبت الحاجة.

٣- التركيز على المحيط الهادئ والهندى، وتحديدًا الصين وكوريا الشمالية، فى محاولة لردعهما عن مواصلة تقديم الدعم لروسيا؛ إذ كانت هناك رسائل قوية جدًا، موجهة لبكين بسبب دعمها موسكو فى حربها ضد أوكرانيا؛ إذ قال بيان الحلف إن الصين أصبحت عامل «تمكين لغزو روسيا لأوكرانيا»؛ ما دفع بكين إلى تحذير الحلف من «إثارة مواجهة». فيما أعلن متحدث باسم وزارة الخارجية الصينية أن بلاده «تدين بشدة التصريحات غير المسؤولة والاستفزازية التى أدلى بها الأمين العام لحلف شمال الأطلسى ضد الصين، والتى تعتبر غارقة فى عقلية الحرب الباردة والتحيز العقائدى».

كما أعرب الحلف فى بيانه عن مخاوفه بشأن الشراكة المتنامية والتعاون العسكرى «غير القانونى» بين كوريا الشمالية وروسيا؛ متهمًا بيونغ يانغ بـ«تأجيج الحرب العدوانية الروسية ضد أوكرانيا من خلال تقديم مساعدات عسكرية مباشرة إلى موسكو»؛ وهو ما انتقدته كوريا الشمالية بقوة؛ إذ قالت وزارة خارجيتها فى بيان لها إن بيان «الناتو» «ينتهك الحقوق المشروعة للدول المستقلة ذات السيادة ويمثل برنامجًا عدوانيًا يحرض على حرب باردة جديدة ومواجهة عسكرية على نطاق عالمى».

مسار مستقبلى:

أظهرت نتائج قمة «الناتو» فى واشنطن التزامًا من قِبل دول الأعضاء بإعادة الوحدة والتضامن بين دول الحلف، كما أظهرت حرصًا من هذه الدول على تعزيز قوة الحلف وقدرته على مواجهة التحديات؛ وهذا ما برز فى العديد من المؤشرات، التى من بينها، إضافة إلى النتائج التى أفرزتها القمة الأخيرة، اتساع دائرة الدول الأعضاء التى رفعت نسبة إنفاقها العسكرى لأكثر من نسبة ٢٪، فحاليًا تفى ٢٣ دولة عضوًا من دول الحلف بالتزاماتها الخاصة بالإنفاق الدفاعى أو تتخطاها، وهو تطور كبير مقارنة بما كان عليه الوضع فى عام ٢٠١٤ عندما كان ثلاثة حلفاء فقط ينفقون ٢٪ من الناتج المحلى الإجمالى على الدفاع.

كما بدأ «الناتو» يوجه اهتماماته نحو مجالات جديدة للدفاع والأمن، من بينها التهديدات السيبرانية؛ إذ شارك شركاء مختارون لـ«الناتو» للمرة الأولى فى مؤتمر الحلف لتعهد الدفاع السيبرانى لهذا العام، وتبادل الشركاء أفضل الممارسات والدروس المستفادة فى مجال حماية البنية التحتية الوطنية من التهديدات السيبرانية، علاوة على المشاركة بشأن الذكاء الاصطناعى، إلى جانب تعزيز التعاون الثنائى فى المجالات الأمنية والعسكرية، وذلك ضمن استراتيجية الحلف للتوسع ومحاصرة المنافسين التقليديين؛ روسيا والصين. كما اتجه «الناتو» لتعزيز شراكاته الاستراتيجية وتوسيعها، لتشمل منطقة المحيطين الهندى والهادئ، مع التركيز على دول أستراليا واليابان ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، والتى تمت دعوتها للعام الثالث على التوالى.

وعلى الرغم من هذا السياق التفاؤلى الذى يشير إلى مستقبل أكثر قوة وتماسكًا لحلف «الناتو»، تظل المشكلات أو التحديات الرئيسية القائمة هى ذاتها، وأخطرها تلك النابعة من الداخل، والمتمثلة فى احتمال حدوث تغييرات سياسية فى الدول الأعضاء، ولاسيما الولايات المتحدة، تعرقل مسار الحلف المستقبلى. وقد تكون رئاسة ترامب، فى حال فوزه فى الانتخابات المقبلة وهو أمر مُحتمل، مؤشرًا مهمًا فى هذا السياق.

* كاتبة إماراتية

*لينك المقال في المصري اليوم*