أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

اصطفاف استراتيجي:

أهداف زيارة وزير الدفاع الصيني إلى روسيا وبيلاروسيا

21 أغسطس، 2023


أجرى وزير الدفاع الصيني لي شانغ فو، في الفترة من 14 حتى 19 أغسطس 2023، زيارة رسمية إلى روسيا، بدعوة من نظيره الروسي سيرغي شويغو، للمشاركة في مُؤتمر موسكو للأمن الدولي. كما أجرى المسؤول الصيني زيارة إلى بيلاروسيا، التقى خلالها الرئيس ألكسندر لوكاشينكو وكبار المسؤولين. وقد بحث لي شانغ فو خلال الزيارتيْن سبل التعاون المشترك بين الصين وكلا الدولتيْن.

أهداف الزيارة: 

شهدت الفترة الأخيرة، تنامياً في التعاون والتنسيق بين الجانبين الصيني والروسي، خاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، وقد سعت بكين، من خلال تلك الزيارة، إلى تحقيق عدد من الأهداف، يتمثل أبرزها في الآتي: 

1. توطيد أواصر التعاون العسكري: سعت الصين، من خلال زيارة وزير دفاعها إلى روسيا، إلى تعزيز التعاون العسكري مع روسيا، والذي شهد تنامياً متزايداً، خاصة بعد اندلاع الأزمة الأوكرانية، إذ أجرى لي شانغ فو، زيارة إلى موسكو، في إبريل 2023، التقى خلالها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين. كما اهتم الجانبان بإجراء مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة، إذ أجرى الجانبان مناورات في بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، في 20 يوليو 2023، وقد دعا وزير الدفاع الصيني في حينه، خلال لقاء في بكين مع ضابط روسي كبير، إلى تعزيز التعاون العسكري البحري مع روسيا. هذا إلى جانب المناورات البحرية المشتركة بين سفن حربية روسية وصينية في المحيط الهادئ، في 18 أغسطس 2023، والتي شملت تدريبات على عمليات الإنقاذ والتصدي لضربات جوية. 

2. منع إثارة غضب موسكو: حرصت الصين على احتواء غضب موسكو، على خلفية مشاركة بكين في قمة جدّة، والتي عُقدت في 5 أغسطس 2023، بمشاركة كييف، وغياب روسيا. إذ أكدت، عبر هذه الزيارة، أن تعاونها مع روسيا مستمر، وهو الخط العام الذي اتخذته الصين تجاه روسيا، منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، إذ رفضت الإدلاء بتصريحات تنتقدها، كما أكدت تفهمها لـ"مخاوف روسيا الأمنية المشروعة"، كما رفضت مصطلح "الغزو" الذي وصفت به بعض وسائل الإعلام الأجنبية تحركات روسيا ضد أوكرانيا.

ورغم محاولة بكين أداء دور الوساطة في الأزمة الأوكرانية، والذي تمثل من قبل في طرح المبادرة الصينية التي تتكون من 12 بنداً، في فبراير 2023، فإن بعض التقارير الغربية قد أشارت إلى أن التحركات الصينية الأخيرة تجاه روسيا وبيلاروسيا، تحمل في طياتها رسالة تحذير لأوكرانيا من مغبة إطالة أمد الحرب بما قد يجبر الصين على الانحياز إلى جانب موسكو. 

3. تأكيد محورية ملف تايوان: حذّر وزير الدفاع الصيني، في حديثه أمام مؤتمر موسكو للأمن الدولي، من مساعي الغرب استخدام ملف تايوان لتطويق الصين، واصفاً ذلك باللعب بالنار، وأن تلك الممارسات سوف تنتهي بالفشل. ويتزامن ذلك مع التصعيد في ملف تايوان، والذي شهدته الأيام القليلة الماضية، إذ قام نائب رئيس تايوان وليام لاي، وهو المرشح الرئاسي في السباق الرئاسي القادم في الجزيرة، بالتوقف في الولايات المتحدة أثناء السفر في زيارة رسمية إلى باراغواي، وقد نددت وزارة الخارجية الصينية بهذا الإجراء، ووصفت لاي بأنه "مُسبب للمشاكل"، وذلك في ضوء تصريحات الأخير في نيويورك بأن بلاده لن تتراجع أمام التهديدات من الصين. كما قامت 25 مقاتلة تابعة للقوات الجوية الصينية بعبور خط الوسط لمضيق تايوان، تشمل طائرات "سو-30" وطائرات "جيه-11"، في رد فعل غاضب من جانب الصين على تلك الزيارة للمسؤول التايواني. 

4. نفي تهم التهديد الصيني: حاول وزير الدفاع الصيني، خلال زيارته إلى روسيا وبيلاروسيا، تأكيد سلمية دور جيش بلاده باعتباره مساهماً في تعزيز السلم والأمن الدولي، وأنه لا يمثل تهديداً دولياً، كما حرص على تأكيد أن العلاقات العسكرية بين الصين وروسيا لا تستهدف أي طرف ثالث، في إشارة إلى الولايات المتحدة والغرب. 

وبالتوازي مع ذلك، فقد أشار لي شانغ فو إلى مبادرة الأمن العالمي الصينية التي تستهدف حل النزاعات العالمية ومواجهة التداعيات السلبية للعقوبات الغربية والإجراءات أحادية الجانب التي تهدد السلم والأمن، منوهاً باستعداد الجيش الصيني للعمل بشكل أوثق مع الدول الأخرى بشأن الأسلحة والمعدات عالية التقنية والدعم اللوجستي ومكافحة الإرهاب الدولي، وبناء منصة مشتركة للتعاون الأمني، وتقديم إسهامات جديدة وأكبر للحفاظ على الأمن العالمي. 

5. تعزيز التعاون العسكري مع إيران: التقى وزير الدفاع الصيني، بنائب رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المُسلحة ورئيس الوفد العسكري الإيراني، عزيز ناصر زاده، على هامش المنتدى العسكري في موسكو، وقد أكدّ لي شانغ فو، استعداد بلاده لتطوير العلاقات الدفاعية والعسكرية بمختلف أبعادها مع الجانب الإيراني، مؤكداً احترام بلاده للسيادة الوطنية لإيران. وقد التقى وزيرا الدفاع الصيني والإيراني، في إبريل 2023، على هامش اجتماع وزراء الدفاع بدول منظمة شنغهاي في العاصمة الهندية نيودلهي، وقد تم تأكيد توسيع التعاون العسكري والذي يشمل التدريبات والمناورات العسكرية بينهما، وقد شارك الجانبان في مناورات بحرية ثلاثية، بمشاركة روسيا، في بحر عُمان، في مارس 2023. 

دلالات مُتعددة: 

تُشير مشاركة وزير الدفاع الصيني في مؤتمر موسكو للأمن الدولي، إلى عدد من الدلالات، يمكن الإشارة إليها على النحو التالي:

1. متانة العلاقات الصينية الروسية: تُدلل مشاركة لي شانغ فو في مؤتمر موسكو، على استمرار التعاون بين الصين وروسيا. وفي هذا السياق، يمكن الإشارة إلى إجراء الرئيس الصيني شي جين بينغ، في مارس 2023، زيارة إلى موسكو، التقى خلالها نظيره الروسي، وجاءت في أعقاب إصدار المحكمة الجنائية الدولية، مذكرة اعتقال بحق بوتين، على خلفية الحرب مع أوكرانيا، الأمر الذي يؤكد وقوف بكين إلى جانب موسكو بشكل صريح. إلى جانب تبادل الاتصالات رفيعة المستوى بين الطرفين خلال الفترة الماضية. كما أنه من المتوقع أن يجري الرئيس الروسي، في أكتوبر 2023، زيارة إلى الصين لتعميق الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

ويتشارك الجانبان الصيني والروسي النظر لواشنطن والغرب، باعتبارهما السبب في تأجيج الصراعات الدولية وتهديد سيادة الدول في إطار ما يصفانه بـ"ممارسات الاستعمار الجديد"، كما يسعيان إلى تشكيل "عالم متعدد الأقطاب"، كما تمت الإشارة خلال المؤتمر، كما يواجه الجانبان ضغوطاً مُتزايدة من جانب الأطراف الغربية، وهو ما دفعهما لتعزيز أواصر التعاون والتنسيق فيما بينهما. 

2. توجيه رسائل تهديد للغرب: تحمل زيارة وزير الدفاع الصيني إلى بيلاروسيا، والتي تُعد أول زيارة لمسؤول صيني رفيع منذ خمس سنوات إلى مينسك، رسائل تهديد لحلف "الناتو"، على أساس أن بيلاروسيا تمثل جبهة متقدمة في مواجهة الحلف، حيث أكدّ لي شانغ فو، خلال لقائه الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو، أن تلك الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري الثنائي بين الجانبين، و"تنفيذ اتفاقات مهمة على مستوى رئيسي الدولتين"، في إشارة إلى اتفاقية التعاون العسكري، التي تم التوصل إليها بين الجانبين، خلال زيارة لوكاشينكو للصين أوائل عام 2023. كما أشار الرئيس البيلاروسي إلى أنه من المُتوقع إجراء التدريبات العسكرية المشتركة في 2024، مُشدداً على أن بيلاروسيا تعتمد في الأساس على "الدولتين الصديقتين"، روسيا والصين، من أجل المساعدة العسكرية.

ويتزامن ذلك مع تصعيد الغرب تجاه روسيا والصين، إذ سبق تلك الزيارة، إعلان واشنطن اعتزامها تقديم طائرات "أف- 16" لأوكرانيا عن طريق كل من الدنمارك وهولندا بعد تدريب الطيارين الأوكران عليها؛ وذلك من أجل تعزيز القدرات العسكرية لأوكرانيا في مواجهة روسيا. كما عقدت الولايات المتحدة، في 18 أغسطس 2023، قمة رئاسية ثلاثية، ضمت اليابان وكوريا الجنوبية، في منتجع كامب، في رسالة تهديد للصين. 

3. تعزيز دور منظمة شنغهاي: تعهد وزير الدفاع الصيني، خلال الزيارة، بتعزيز آليات التعاون الأمني بين بكين وشركائها في منطقة شنغهاي، وبيلاروسيا، والتي تطمح للانضمام إلى المجموعة، حيث وقعت مذكرة التزام مع المنظمة، الأمر الذي يمهد الطريق لعضويتها الكاملة، مثلما حدث مع إيران، خلال القمة الأخيرة للمنظمة، في 4 يوليو 2023. 

وفي التقدير، يمكن القول إن مشاركة وزير الدفاع الصيني في مؤتمر موسكو للأمن، تعكس حرص بكين على تأكيد استمرار العلاقات مع روسيا، خاصة في الوقت الذي تتعرض فيه لضغوط غربية مكثفة. إذ تسعى الصين للمناورة بورقة موسكو في مواجهة واشنطن والغرب، وإيصال رسالة مفادها أنه كلما زادت الضغوط والعقوبات التي يتم فرضها عليها، كلما اتجهت بكين نحو تعزيز علاقاتها مع موسكو. 

ومن جهة أخرى، فإن الصين سعت أخيراً، ومن خلال المشاركة في قمة جدّة وزيارة وزير دفاعها للصين، إلى تأكيد استقلالية تحركاتها دون الالتزام بالأُطُر الروسية والغربية فيما يتعلق بالأزمة الروسية الأوكرانية، فالدافع الرئيس لها هو حماية مصالحها ونفوذها الدولي والإقليمي، بما يسمح لها بتحقيق الردع الاستراتيجي في الملفات ذات الأهمية بالنسبة لها، خاصة ما يتعلق بتايوان ومنطقة المحيطيْن الهندي والهادئ ضد التهديدات الغربية التي تقودها الولايات المتحدة.