أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

كسر العزلة:

دلالات جولة وزير الخارجية الإيراني في أفريقيا

05 سبتمبر، 2022


اختتم وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، في 27 أغسطس 2022، جولته الأفريقية، والتي ضمت مالي وتنزانيا وزنجبار، وتعد الجولة هي الأولى له إلى أفريقيا منذ توليه حقيبة الخارجية الإيرانية، مما يعكس اهتماماً إيرانياً بالقارة.

أبعاد جولة عبد اللهيان:

أعلن عبد اللهيان، قبل بداية جولته الأفريقية، أن ثمة أولويات بالنسبة لعلاقات إيران الخارجية، وهي آسيا والدول المجاورة، بالإضافة إلى أفريقيا. وربما هذا ما يفسر الوفد الكبير المرافق لعبد اللهيان في جولته الأفريقية، والذي تألف من مسؤولين حكوميين ورجال أعمال من الشركات الاقتصادية والتجارية الكبرى في طهران. وفي هذا السياق، يمكن رصد أبعاد جولة الوزير الإيراني إلى أفريقيا على النحو التالي:

1- تطوير العلاقات مع باماكو: بدأ وزير الخارجية الإيراني جولته الأفريقية عبر بوابة مالي، حيث التقى خلالها بالمسؤولين في باماكو، وعلى رأسهم رئيس المجلس العسكري الانتقالي، عاصمي جويتا. وأكد عبداللهيان خلال زيارته لباماكو نية الجانبين تعزيز التعاون الثنائي خلال الفترة المقبلة. 

كما عقد مجموعة من الخبراء من البلدين اجتماعاً، في 23 أغسطس الجاري، بحضور كل من الأمين العام لوزارة الخارجية لمالي، عبد الله تونكارا، ومدير قطاع وسط وغرب أفريقيا بالخارجية الإيرانية، حيث تم بحث ملفات التعاون المشترك، بما في ذلك ملف الأمن ومكافحة الارهاب، وكذا ملفات التعليم والزراعة والتكنولوجيا.

وجاءت زيارة عبداللهيان إلى باماكو بعد زيارة نظيره المالي، عبد الله ديوب، إلى طهران في فبراير 2022، مما يكشف أن الزيارة الحالية تهدف للبناء على ما تم الاتفاق فيه سابقاً. وشهدت زيارة عبد اللهيان لمالي انعقاد أول دورة لـ" اللجنة المشتركة الإيرانية – المالية للتعاون"، ترأسها وزيرا خارجية البلدين، والتي تستهدف تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، كما تم تسليم الحكومة المالية 100 ألف جرعة من لقاح "بركات كوفيد" المحلي كجزء من المليون جرعة من لقاح فيروس كورونا التي تبرعت بها طهران لباماكو. 

وفي إطار توظيف إيران للبعد الديني في التغلغل داخل الدول المختلفة، أشارت بعض التقارير الغربية إلى أن ثمة تحركات تقوم بها طهران في مالي منذ عدة سنوات لبناء المعاهد الدينية الشيعية في باماكو، على غرار مدرسة مصطفى الدولية، في محاولة منها لتشكيل قاعدة يمكن من خلالها توسيع نفوذها في المنطقة.

2- تعزيز النفوذ في تنزانيا: توجه عبداللهيان إلى تنزانيا كمحطة ثانية في جولته الأفريقية، التقى خلالها نظيرته التنزانية، ليبيراتا مولا مولا، بمدينة دار السلام، العاصمة التجارية لتنزانيا وأكبر مدنها. كما التقى برئيسة تنزانيا، سامية صولحو حسن. وتعد دار السلام المركز الصناعي للبلاد ويضم الميناء الرئيس لها.

وأكد عبداللهيان استعداد بلاده للاستثمار في عدة مجالات، أبرزها التعدين والزراعة ومصايد الاسماك وتربية الحيوانات. وفي هذا السياق، تم انشاء "اللجنة الاقتصادية المشتركة" بهدف متابعة المشروعات المشتركة بين البلدين. كما ألمح عبداللهيان إلى سعي بلاده لزيادة عدد الشركات الإيرانية في تنزانيا، وتسهيل إصدار تأشيرات الدخول لتنزانيا.

وتجدر الإشارة إلى أن تنزانيا تعد من الدول التي شهدت خلال السنوات الماضية نشاطاً شيعياً ملحوظاً عبر بناء المدارس والحسينيات والبعثات الدراسية. كما لا تعارض تنزانيا الأنشطة الشيعية التبشيرية، بل على العكس تقدم الدعم لها.

3- توسيع الحضور في المحيط الهندي: جاءت جمهورية زنجبار شبه المستقلة كمحطة ثالثة، وأخيرة في جولة عبداللهيان إلى أفريقيا، وهي مجموعة من الجزر لا تزال تتبع تنزانيا، حيث وصل عبد اللهيان إلى زنجبار، في 25 أغسطس الجاري، التقى خلالها برئيسها، حسين موييني، وقدم الوزير الإيراني دعوة رسمية لرئيس زنجبار لزيارة طهران. 

كما أكد عبد اللهيان استعداد بلاده لتقديم كافة الدعم لجمهورية زنجبار، خاصةً في مجال النفط والغاز. وتعد زنجبار ذات أهمية جيواستراتيجية كبيرة بالنسبة لطهران، التي تسعى لتوسيع نطاق حضورها في المحيط الهندي، لاسيما في ظل الحضور الإيراني الراهن في بعض الدول الجذرية، على غرار جزر القمر.

أهداف متعددة: 

ثمة أهداف متعددة ربما تفسر أسباب جولة وزير الخارجية الإيراني إلى أفريقيا، والتي يمكن رصدها على النحو التالي:

1- الالتفاف على العقوبات الغربية: تستمر المفاوضات بين طهران والغرب للتوصل لاتفاق نووي جديد يخفف من العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، بيد أن الأخيرة يبدو أنها تتحرك حالياً تحسباً لأي تعثرات ممكنة في هذه المفاوضات، وبالتالي تبحث عن منافذ جديدة لدعم اقتصادها المنهك، لذا تسعى طهران إلى تعزيز علاقاتها مع الدول الأفريقية، ودول غرب أفريقيا بشكل خاص، وهو ما تعكسه تحركات طهرات لفتح معرض للتكونولوجيا الفائقة في باماكو خلال الفترة المقبلة، بهدف عرض المنتجات الإيرانية المتقدمة، وفتح أسواق جديدة لها في غرب أفريقيا.

ويتسق ذلك مع ما أشارت إليه بعض التقارير بأن طهران تخطط لفتح سبعة مراكز تجارية جديدة في أفريقيا، بحلول نهاية عام 2023. وتعمل طهران على زيادة حجم التبادل التجاري بين إيران والدول الأفريقية من 1.2 مليار دولار حالياً إلى 2.5 مليار بنهاية العام الجاري، و5 – 6 مليارات دولار في عام 2026.

كما قد تشهد الفترة المقبلة تزايد الاتصالات بين إيران وتنزانيا، وتسوية مشكلة تأشيرات الدخول لتنزانيا، لاسيما أن عبد اللهيان سلّم رئيسة تنزانيا، سامية حسن، رسالة من نظيرها الإيراني، إبراهيم رئيسي، لزيارة طهران خلال الفترة المقبلة، وقد رحبت بالدعوة، مشيرةً إلى أنها تخطط للقيام بزيارة إلى طهران قبل نهاية العام الجاري.

2- استغلال التحولات الجيوسياسية: يشهد غرب أفريقيا حالياً تحولات جيوسياسية، مع تصاعد حدة التنافس الدولي والإقليمي في المنطقة، في ظل تراجع النفوذ الفرنسي والغربي في مالي، مقارنة بالحضور الروسي والصيني المتصاعد في غرب أفريقيا. وتسعى طهران لاستغلال ذلك لتعزيز وجودها في غرب أفريقيا. وأشارت تقديرات إلى إمكانية حدوث تنسيق روسي – إيراني في مالي، خاصة في ضوء الخبرة السابقة للتنسيق الروسي – الإيراني في سوريا.

3- توظيف حاجة مالي للدعم العسكري: تعاني مالي، في الوقت الراهن، تصاعد حدة الهجمات الإرهابية واتساع نطاقها، ولذا رجحت بعض التقديرات وجود مباحثات راهنة بين مالي وإيران بشأن تقديم الأخيرة الدعم العسكري للسلطات الحاكمة في باماكو. ورجحت بعض التقديرات الانخراط الإيراني المتوقع في مالي لدعم المجلس العسكري الانتقالي الحاكم هناك، خاصة في ضوء الانشغال الروسي الحالي بالحرب الأوكرانية.

وقد يأخذ التدخل الإيراني في مالي شكل إرسال خبراء عسكريين من الحرس الثوري الايراني، كما لم تستبعد هذه التقديرات احتمالية قيام طهران بنقل الأسلحة والمعدات الإيرانية إلى باماكو، في ظل الحديث عن تقدم باماكو بطلب للحصول على الطائرات المسيرة الإيرانية.

4- استغلال اليورانيوم الأفريقي: هناك اهتمام إيراني بالتموضع في تنزانيا، لاسيما أن الأخيرة تعد نقطة عبور لليورانيوم المهرب إلى إيران عبر ميناء دار السلام، وذلك وفقاً لبعض التقارير الغربية، وبالتالي تأتي زيارة عبداللهيان إلى تنزانيا في إطار مساعيه لتعزيز وصول طهران لوسط القارة الأفريقية، وتأمين طرق عبور شحنات التجارة غير المشروعة لإيران في المنطقة.

5- تعزيز التمركز في المحيط الهندي: تتمتع جمهورية زنجبار شبه المستقلة بموقع استراتيجي. ويبدو أن ثمة تطلعات إيرانية لإيجاد موطئ قدم لها هناك في ظل رغبة إيران في تعزيز تموضعها في طرق الملاحة الدولية، لاسيما مع قرب تنزانيا وزنجبار من قناة موزمبيق التي تمثل بؤرة اهتمام دولي راهن كبديل محتمل لطرق الشحن والتجارة في البحر الاحمر، حيث تسعى إيران إلى استخدامها كورقة ضغط لإحداث اضطرابات في التجارة العالمية في أوقات الأزمات.

كما لا يمكن فصل تحركات إيران في تنزانيا وزنجبار عن علاقات طهران بحركة الشباب الصومالية، والتي نجحت من خلالها إيران في نقل شحنات الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي في اليمن، بالإضافة إلى عدة دول أخرى منها تنزانيا وكينيا وموزمبيق.

وفي الختام، يبدو أن ثمة تحركات إيرانية مكثفة لتعزيز حضورها في أفريقيا خلال الفترة المقبلة، وذلك بعد فترة من تراجع الاهتمام الايراني بها خلال فترة الرئيس السابق، حسن روحاني، وهو ما انعكس في تصريحات الرئيس الحالي، إبراهيم رئيسي، والذي أكد أن توطيد العلاقات مع الدول الأفريقية يعتبر من أولويات سياسة إيران الخارجية خلال الفترة القادمة.