أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

ميدل إيست اونلاين:

توظيف الثقافة في العلاقات الدولية بين الهيمنة القوى الكبرى

15 يونيو، 2023


كتاب 'المنظور الجيوثقافي' يحاول استكشاف النماذج الثقافية المتنافسة للقوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على صعيد الأهداف والأدوات والمجالات، فضلاً عما تجابهه من إِشكاليات وتحديات كما يضيف الاتحاد الأوروبي كقوة ثقافية جماعية،تتلاقى احيانا مع النموذج الأميركي بينما تأخذ في احيان أخرى أبعاداً استقلالية.

'المنظور الجيوثقافي.. توظيف القوى الكبرى للثقافة في العلاقات الدولية'

'المنظور الجيوثقافي.. توظيف القوى الكبرى للثقافة في العلاقات الدولية'الثقافة باتت أحد مجالات التنافس في النظام الدولي خلال العقدين الماضيين

يقارب كتاب "المنظور الجيوثقافي.. توظيف القوى الكبرى للثقافة في العلاقات الدولية"، الذي أعده مجموعة من المؤلفين، وقام بتحريره الباحث المصري بمؤسسة الأهرام د.خالد حنفي علي، على نحو عميق الأبعاد الجيوثقافية لمنافسات القوى الكبرى في النظام الدولي، من خلال استكشاف النماذج الثقافية المتنافسة للقوى الكبرى، خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على صعيد الأهداف والأدوات والمجالات، فضلاً عما تجابهه من إِشكاليات وتحديات. كما يضيف الكتاب الاتحاد الأوروبي، كقوة ثقافية جماعية، تتلاقى تارة مع النموذج الأميركي في سياق القيم والتقاليد والثقافة الغربية، بينما تأخذ تارة أخرى أبعاداً استقلالية بحكم الخصوصيات الثقافية للدول والمجتمعات الأوروبية.

يتشكل الكتاب الصادر عن مركز "المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة" بأبوظبي، من خمسة فصول أساسية، وقد أكد محرر الكتاب د.خالد حنفي علي، أن الثقافة باتت أحد مجالات التنافس بين القوى الكبرى في النظام الدولي خلال العقدين الماضيين، وذلك مع الاستشعار الغربي والأميركي بشكل خاص بتراجع مركزيته وهيمنة نموذجه الثقافي في العام، إثر صعود نماذج ثقافية أخرى غير غربية كالصين والهند وغيرها، والتي باتت تزاحم أو على الأقل تقلل جاذبية الحلم الأميركي في مناطق نفوذه ومصالحه في الخارج. ويقصد بالتنافس الثقافي محاولة الدول نشر ثقافاتها في البيئات الخارجية بمنظور جيوستراتيجي يعكس أهدافها ومصالحها، وبما يكرس مكانتها وقوتها السياسية والاقتصادية في مواجهة الدول الأخرى.

ويرى علي أن هذا التنافس الثقافي لا ينفصل عن التغيرات البازغة في النظام الدولي، والذي يشهد بدوره صراعا انتقاليا متناميا على تشكيل قواعده وتوازناته بين واشنطن التي تتمسك بهيمنتها العالمية منذ انتهاء الحرب الباردة، والصين وروسيا اللتين تدفعان إلى التعددية القطبية ليس فقط على صعيد القوة والثروة، وإنما أيضا الثقافة. باعتبار أن الأخيرة توفر الشرعية الفكرية للقيادة السياسية العالمية، وقد تسهم نتائج المنافسة بين القوى الكبرى في دفع النظام الدولي إلى اتجاهات محتملة عديدة منها، نظام الثلاثية القطبية (روسيا والصين والولايات المتحدة) أو الثنائية القطبية (تتمحور حول الصين والولايات المتحدة إذا تم استنزاف قوة روسيا في حرب أوكرانيا) أو "التعددية العميقة"، والتي تعرفها الأدبيات بأنها انتشار لتوزيع القوة والثروة والسلطة الثقافية بين مراكز متعددة غربية وغير غربية في النظام الدولي دون وجود نموذج مركزي مهيمن.

وفي الفصل الأول الذي قدمهد.خالد حنفي علييدرس تحولات ظاهرة استخدام أو توظيف الدول للبعد الثقافي في العلاقات الدولية، معتبراً أن تأثيراتها تقع في منزلة وسط بين الإمبريالية الثقافية، والدبلوماسية الثقافية. ومن ثم، يطرح المداخل التفسيرية للتحولات في توظيف البعد الثقافي لأغراض سياسية أو اقتصادية، مع مناقشة أنماطها وأدواتها وحدود القابلية والممانعة لذلك التوظيف. ويخلص إلى أن غلبة الطابع الهجين على أنماط التوظيف الثقافي قد يُصعب الادعاء بقدرة أي نموذج جيوثقافي على إخضاع ثقافات أخرى أو ضمان التأثير المحدد في قرارات وسياسات الدول والمجتمعات، ولاسيما مع تصاعد الحاجة للكرامة والاحترام المتبادل والاعتراف بالخصوصية الثقافية.

أعدتد.هايدي عصمت كارس، مُدرسة العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة،الفصل الثاني الذي يناقش مستقبل النموذج الثقافي الأمريكي في ظل جدال تآكل هيمنته العالمية، محاولاً فهم أبعاد توظيف الولايات المتحدة لمنظومة قيمها الثقافية في تحقيق أهداف السياسة الخارجية، وإلى أي مدى تؤثر التحديات الراهنة في الهيمنة الثقافية الأميركية ومن ثم مصالحها الجيوسياسية. ويستنتج أن الولايات المتحدة – برغم ما يعانيه نموذجها الثقافي من تحديات وإشكاليات- لا تزال تحظى بموقع متقدم في التفاعلات الثقافية الدولية، حيث تُعد منتجات ثقافتها الشعبية الأوسع انتشاراً، فضلاً عن أنها من بين الدول الفعالة في استخدام الدبلوماسية الرقمية دون إنكار تقدم دول أخرى عليها في مؤشرات الدبلوماسية الثقافية والقوة الناعمة. مع ذلك، ثمة فجوة تأثير يعانيها النموذج الأمريكي بفعل التناقض بين القيم التي تسعى الولايات المتحدة لنشرها في العالم ومواقف السياسة الخارجية، مما أثر في رؤية المجتمعات الخارجية لهذا النموذج في دول العالم.

مُدرس العلوم السياسية في كلية الدراسات الاقتصادية والعلوم السياسية بجامعة الإسكندرية، د.أحمد سيد حسين، يفحص في الفصل الثالثمقومات وأهداف النموذج الجيوثقافي الروسي في سياق الاستراتيجية الروسية لاستعادة النفوذ والمكانة الدولية. حيث تأسس هذا النموذج على الهوية القومية والعرقية، والمسيحية الأرثوذكسية، واللغة الروسية، فضلاً عن نموذج القيادة ممثلاً في شخص بوتين الذي يربط بين حماية هذا النموذج ونشره في دول الخارج القريب، أي دول الاتحاد السوفيتي السابق، وأهداف السياسة الخارجية الروسية. ويخلص الفصل إلى أن روسيا حددت مجالات انتشار نموذجها الجيوثقافي استناداً لانتشار الناطقين باللغة الروسية، فأصبحت أجزاء من دول الاتحاد السوفيتي السابق مرتبطة بالثقافة الروسية، ومن ثم ظل تركيز النموذج الجيوثقافي الروسي في النطاق الإقليمي خاصة الأوراسي أكثر دون أن يمنع وجوده الثقافي في مناطق أخرى، كالشرق الأوسط وإفريقيا لكن بوتيرة تأثيرية أقل.

وتستجلي د.إيمان فخري، الباحثة المتخصصة في الشؤون الآسيوية، في الفصل الرابع، طبيعة النموذج الثقافي الصيني، وكيف وظف قيمه وخصوصيته لتحقيق الأهداف الجيوسياسية والاقتصادية في الخارج، كما تلفت النظر إلى أن قيمة التناغم أصبحت الركيزة الرئيسية في إدارة الصين لعلاقتها الدولية ورؤيتها لشكل النظام العالمي، والتي تتلخص في التعايش واحترام الثقافات والحضارات المختلفة. مع ذلك، تشير إلى أن التأثير الثقافي الأكبر للصين يتركز أكثر في آسيا، وإن كانت فرص انتشاره عالمياً ليست بالقليلة برغم التحديات التي يتعرض لها من القوى الثقافية الغربية سواءً الولايات المتحدة أو أوروبا.

أخيراً، يحلل الباحث المتخصص في الشؤون الأوروبية باسم راشد، في الفصل الخامس، أهداف وأدوات النموذج الثقافي الأوروبي وكيفية توظيفه في تحقيق أهداف السياسة الخارجية الأوروبية، فضلاً عن علاقته مع النماذج الفرعية المكوِّنة له خاصة النموذجين الفرنسي والألماني، وكذا الإشكاليات التي يواجهها النموذج الثقافي الأوروبي على صعيد ضعف الثقة والمصداقية في الاتحاد الأوروبي نتيجة لسعيه لفرض نموذجه الثقافي دون مراعاة الخصوصيات الثقافية، فضلاً عن معضلة مركزية النموذج الثقافي الأوروبي حيث ينظر له كشكل من أشكال الاستعمارية الجديدة، بما يتناقض مع الفكرة التي يروجها بأنه نموذج يسعى للتفاهم المشترك والتعلم المتبادل.

*رابط المقال في ميدل إيست اونلاين*