أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تحالف مستبعد:

فرص نجاح واشنطن في بناء تحالف مع طوكيو وسيول لتحجيم بكين

29 مارس، 2023


أجرى الرئيس الكوري الجنوبي يون سيوك يول، في 16 مارس 2023، زيارة رسمية إلى العاصمة اليابانية طوكيو، استغرقت يومين، عقد خلالها قمة مع رئيس الوزراء الياباني، فوميو كيشيدا، واتفقا فيها على إحياء الزيارات الدبلوماسية بين البلدين، ورفع القيود التجارية. وتُعد تلك الزيارة الأولى لرئيس كوريا الجنوبية إلى اليابان منذ 12 عاماً.

استعادة العلاقات بواسطة واشنطن

تحيط بتلك الزيارة العديد من الأبعاد، يمكن الإِشارة إليها على النحو التالي:

1- حل نزاع العمل القسري: توترت العلاقة بين البلدين حينما أصدرت المحكمة العليا في كوريا الجنوبية حكماً في أكتوبر 2018، على شركتي "ميتسوبيشي" و"نيبون للصلب" اليابانيتين لتعويض الضحايا الذين عملوا في الشركات اليابانية خلال استعمار طوكيو لشبه الجزيرة الكورية، وهو ما رفضته طوكيو مدعية وقتها أن جميع قضايا التعويضات المتعلقة باستعمارها لكوريا الجنوبية، خضعت لتسوية بموجب اتفاق عام 1965، وتسبب هذا في خلافات بين البلدين أثرت في الروابط التجارية والأمنية بينهما. 

ومهد الحكم السابق الطريق أمام مصادرة أصول الشركات اليابانية لتعويض الضحايا السابقين عن العمل بالسخرة، وهو ما شرعت سيول في القيام به منذ ديسمبر 2019، الأمر الذي رفضته اليابان، ورأته تجاوزاً لأحد خطوطها الحمراء.  

وبموجب اتفاق وقعه البلدان، في 6 مارس 2023، أي قبل اللقاء التاريخي بينهما في 16 مارس، قررت سيول تسوية هذه القضية، وذلك من خلال دفع شركات كوريا الجنوبية التي استفادت من التمويلات التي تم تحويلها بموجب اتفاقية 1965 مع اليابان، للقيام بتمويل مؤسسة لتعويض الضحايا. وفي حين أن الشركات اليابانية لن تكون مجبرة بموجب الاتفاق على دفع أي تعويضات للمؤسسة، فإنها تستطيع أن تقدم لها منحاً. ويلاحظ أن هذا الحل لاقى رفضاً شعبياً، كما اتهمت المعارضة الحكومة الكورية الجنوبية بالخضوع لإرادة اليابان. 

واتفق الجانبان كذلك على سحب سيول شكوى بمنظمة التجارة العالمية حول قيود التصدير اليابانية على الكيماويات التي تستخدم لصناعة شاشات الهواتف الذكية والتلفزيون وأشباه الموصلات والسعي إلى محادثات تجارية مع طوكيو لرفعها.


2- محاولة تشكيل تحالف ثلاثي: تضغط واشنطن باتجاه إبرام مصالحة بين طوكيو وسيول منذ تنصيب الرئيس الكوري الجنوبي، يون سيوك يول، في مايو 2022، فقد أكد مصدر مقرب من كيشيدا أن الولايات المتحدة تضغط منذ فترة لعقد اجتماعات بين الجانبين، غير أن العامل الحاسم الذي أسهم في عقد لقاء بين الجانبين تمثل في التهديد النابع من كوريا الشمالية. 

وجدير بالذكر أن واشنطن قد شجعت على عقد الجانبين اجتماعات بمشاركتها، سواء بمشاركة من الرئيس الأمريكي أو ممثلين أمريكيين، ومنها على سبيل المثال اجتماع بايدن مع نظيره الكوري الجنوبي ورئيس الوزراء الياباني، على هامش قمة "الناتو" في إسبانيا، في يونيو 2022، وكذلك اجتماع آخر بينهم في كمبوديا على هامش قمة "الآسيان"، في نوفمبر من نفس العام، وقد سبقه اجتماع لنواب وزراء خارجية الدول الثلاث في طوكيو، ولقاء آخر بين ممثلين للدول الثلاث جرى في ديسمبر 2022، في جاكرتا، وذلك بهدف خلق تحالف آسيوي واسع يجمع كل حلفائها في المنطقة لمواجهة الصين وكوريا الشمالية.

ولعل ما يؤكد ذلك ترحيب البيت الأبيض، في 16 مارس 2023، باللقاء الذي جمع يول مع كيشيدا، وتأكيده أن اللقاء يمثل بداية لفصل جديد في العلاقات بين البلدين. وتنبئ التوافقات بين الجانبين بإتمام تحالف ثلاثي بين واشنطن وطوكيو وسيول لمواجهة المخاطر المشتركة لكل من الصين وكوريا الشمالية، إذ استبقت الأخيرة القمة الكورية اليابانية، بساعات، عن طريق إطلاق صاروخ بالستي عابر للقارات. 

كما تزامنت القمة مع إعلان خفر السواحل الصينية، دخول قواته المياه المتنازع عليها مع اليابان، قبالة الجزر التي تسميها طوكيو "سينكاكو" وتسميها بكين "دياويو"، في بحر الصين الشرقي، بحجة "حماية سيادة البلاد"، وهو الصراع القائم بين البلدين منذ فترة طويلة.

تحجيم الخطر الكوري الشمالي 

جاء إجراء المناورات في وقت اتسم بتصاعد التوتر بين اليابان وكوريا الشمالية، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- إجراء مناورات أمريكية كورية جنوبية: أعلن الجيش الكوري الجنوبي، في 23 مارس 2023، الانتهاء من مناورات عسكرية مُشتركة مع الجانب الأمريكي تحت اسم "درع الحرية"، تمت باستخدام الذخيرة الحيّة بالقرب من الحدود بين الكوريتين، لمدة أربعة أيام.

وتُعد هذه المناورات أكبر مناورات عسكرية برمائية مُشتركة منذ سنوات، بمشاركة قاذفة أمريكية استراتيجية، و100 مدفع "هاوتزر" وسيارات مصفحة ومعدات عسكرية أخرى ونحو أكثر من 800 جندي. كما اشتملت المناورات على تدريبات "فول إيجل" التي تمت آخر مرة في 2018، حيث تم تقليصها في ذلك الوقت، حتى لا تضر بالجهود الدبلوماسية مع كوريا الشمالية، وبالتالي تُمثل إعادتها رسالة ردع أمريكية كورية جنوبية لكوريا الشمالية.

2- رفض كوريا الشمالية لتأسيس "ناتو آسيوي": عدت بيونغ يانغ المناورات الأمريكية الكورية الجنوبية "بروفة" لغزوها، الأمر الذي دفعها للرد عليها بإطلاق صواريخ "كروز" عدّة قبالة ساحلها الشرقي، في 22 مارس 2023، وقد سبقه إطلاق صاروخ بالستي قصير المدى، في 19 من نفس الشهر. وسقط أحد تلك الصواريخ بين شبه الجزيرة الكورية واليابان، في مؤشر على رفض كوريا الشمالية تعاون البلدين في مواجهتها.

كما ترفض بيونغ يانغ محاولات واشنطن استنساخ "ناتو آسيوي" على غرار حلف "الناتو" الذي يضم دولاً أطلسية. وعلى الرغم من نفي كوريا الجنوبية أن يكون تعاونها مع اليابان في إطار تحالف عسكري، فإن ثمّة مؤشرات تُدلل على تزايد مستويات التنسيق بين البلدين، والتي يأتي على رأسها توقيع اتفاق، في نوفمبر 2022، يقضي بتفعيل اتفاق سابق بتبادل المعلومات الاستخباراتية حول عمليات إطلاق كوريا الشمالية للصواريخ، وذلك لتعزيز قدرة البلدين على مواجهة التهديدات المُحتملة بشكل أفضل، بحيث تتابع أجهزة الاستشعار الكورية الجنوبية أماكن إطلاق تلك الصواريخ، بينما يمكن لليابان في كثير من الأحيان تتبع مكان هبوطها بشكل أفضل.

فرص إقامة تحالف في مواجهة الصين

ثمّة عوامل قد تقف عائقاً أمام تطور العلاقات بين اليابان وكوريا الجنوبية إلى مستوى التحالف في مواجهة الصين، ويمكن الإشارة إلى أبرزها على النحو التالي:

1- التباين في تقدير العدو: على الرغم من التعاون والتنسيق بين كوريا الجنوبية واليابان في عدد من الملفات، فإن نظرة كل منهما للصين مختلفة، ففي الوقت الذي تنسجم فيه رؤية اليابان مع الولايات المتحدة في اعتبار الصين عدواً مشتركاً، فإن سيول ترى أن عدوها هو بيونغ يانغ فقط.

ومن جهة أخرى، فإن كوريا الجنوبية تتقارب ثقافياً مع الصين، بل ويتشاركان نفس المرارة التاريخية تجاه اليابان بسبب الحقبة الاستعمارية، إلى جانب انخراطها في علاقات تجارية واقتصادية معها، مما يجعل من الصعوبة تبني سيول نفس وجهة النظر الأمريكية حيال بكين، وهو ما بدا في رفضها الانضمام إلى القيود الأمريكية على التجارة مع الصين، ولاسيما في مجال أشباه الموصلات، على أساس أن ذلك قد يضر بتجارتها.

ولا ترغب سيول في أن تدخل في صراع مع عملاق اقتصادي وعسكري وهو الصين، على أساس أن استعداءها قد يدفعها إلى مواجهات هي في غنى عنها، إذ قد يؤدي ذلك إلى استخدام بكين ورقة كوريا الشمالية لإيصال رسائل تهديد للمحور الثلاثي بين واشنطن وطوكيو وسيول.

2- احتمالية عودة الخلافات التجارية: فرضت طوكيو منذ عام 2019 قيوداً على تصدير بعض المواد التي تستخدم في صناعة أشباه الموصلات إلى كوريا الجنوبية، كما قامت بإلغائها من قائمتها التجارية المميزة، وفي المقابل، قامت الأخيرة بالرد على اليابان باستبعادها من قائمتها التجارية المميزة وجمدت التعاون الأمني معها.

وقبل القمة، وفي بادرة على حسن النية بين البلدين، اتفقا على استعادة العلاقات التجارية، على نحو ما تمت الإشارة إليه سابقاً، إلا أن هذه الخلافات قابلة للعودة في أي وقت، خاصة وأن اليابان قد أشارت إلى سبب إضافي وراء الخلاف التجاري مع كوريا الجنوبية، وهو قلقها من عدم كفاية القيود التي تفرضها الأخيرة على تصدير تلك المواد إلى كوريا الشمالية والصين، وقد اندلع ذلك الخلاف في وقت شهد توتراً في العلاقات بسبب خلاف يعود للحقبة الاستعمارية.

3- خلافات الإرث الاستعماري: يسعى البلدان لتجاوز خلافات الحقبة الاستعمارية بينهما، وأكد الرئيس الكوري الجنوبي، في خطاب ألقاه، في 1 مارس 2022، بمناسبة الذكرى الـ104 لحركة الاحتجاج في كوريا الجنوبية ضد الاحتلال الياباني، أن الأخيرة تحولت من "معتدٍ عسكري في الماضي إلى شريك يشترك في نفس القيم العالمية". كما تم عقد لقاء جمع بين يون وكيشيدا في سبتمبر 2022، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، حيث اتفقا على تحسين العلاقات بين البلدين. 

ومع ذلك، فإنه لا تزال هناك بعض القضايا الخلافية بين الجانبين، والتي تتمثل في قضية "نساء المتعة"، والتي لا تزال تمثل ملفاً شائكاً في العلاقات بين كوريا الجنوبية واليابان، التي احتلت شبه الجزيرة الكورية بين عامي 1910 و1945. وفي مارس 2018 وصف رئيس كوريا الجنوبية مون جيه برنامج "نساء المتعة" بالـ"جريمة ضد الإنسانية"، مما دفع طوكيو للاحتجاج سريعاً. 

وقدمت اليابان في عام 2015 اعتذاراً، كما تعهدت بتمويل عام لمؤسسة أنشأتها حكومة كوريا الجنوبية لإدارة البرامج لاستعادة الشرف والكرامة وتضميد الجراح النفسية لجميع نساء المتعة السابقات بالتعاون مع الحكومتين. وتم تحويل الأموال كما وعدت طوكيو. وفي وقت إبرام الاتفاقية، أيدت 34 سيدة من إجمالي 47 امرأة من نساء المتعة اللاتي لا زلن على قيد الحياة التسوية، غير أن سيول رفضت التسوية، وفقاً للاتفاقية السابقة، معتبرة أن هذا الإجراء غير كافٍ. 

ويأتي من ضمن القضايا الخلافية بين الجانبين، النزاع حول تبعية جزيرة دوكدو "تاكيشيما باليابانية"، بالإضافة إلى حوالي 30 نتوء صخري يعرف باسم يانكورت روكس، إذ تتهم اليابان كوريا الجنوبية باحتلالهم منذ العام 1954، بينما ترفض الأخيرة هذه الاتهامات. 

وفي التقدير، يمكن القول إن كوريا الجنوبية قد تستفيد من آلية التنسيق الثلاثي مع واشنطن وطوكيو لمواجهة مخاطر جارتها الشمالية في خضم استمرار تصعيد الأخيرة عسكرياً، إلا أن هدف واشنطن بتشكيل تحالف بين الدول الثلاث لمواجهة بكين يبدو أمراً مستبعداً بالنظر إلى أن سيول لا ترى في بكين عدواً مثل طوكيو. أما اليابان، فإنه من الواضح أنها ستستمر في التنسيق مع واشنطن لدعم جهودها في تحجيم التوسع الصيني العسكري في منطقة شرق آسيا وجنوب الهادئ.