أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

خطاب الضحية:

هزيمة إسلاميي المغرب انتخابياً بين الغرور السياسي وفقدان الحواضن

14 سبتمبر، 2021


تباينت سُبل تعامل الأنظمة في المنطقة العربية مع التيارات الإسلامية بين الإقصاء والدمج، ففي الوقت الذي اقتنعت فيه بعض الدول بأهمية إدماج هذه الحركات وفتح آفاق المشاركة أمامها في المؤسسات السياسية، فضّلت دول أخرى التأني وانتهاج خيار الإقصاء في مواجهتها خوفاً من إمكانية الانقلاب على قواعد اللعبة السياسية بعد تمكنها من السلطة.

وقد فضّل المغرب التعايش مع بعض القوى الإسلامية مثل حزب العدالة والتنمية (الإخواني) الذي اختار الانصياع للضوابط التي تؤطر الحياة السياسية، مّا وفر للحزب فرصاً للمساهمة في تدبير الشأن المحلي والوصول إلى البرلمان وتقلّد مناصب حكومية. وبعد أن تبوأ حزب العدالة والتنمية مكانة متقدمة خلال الانتخابات التشريعية عامي 2011 و2016، مكّنته من قيادة الحكومة المغربية لتجربتين متتاليتين؛ تلقى الحزب هزيمة كبرى خلال الانتخابات العامة التي شهدها المغرب يوم 8 سبتمبر 2021، وهو ما يطرح أكثر من سؤال بصدد دلالات وأسباب هذا السقوط المدوي.  

سياقات ودلالات:

على الرغم من الضغوط التي فرضتها جائحة كورونا، حرص المغرب على تنظيم الانتخابات التشريعية في وقتها يوم 8 سبتمبر الجاري، واتسمت هذه الانتخابات بارتفاع نسبة المشاركة، فيما حملت نتائجها الكثير من المفاجآت. وقد تمثلت أبرز السياقات التي جرت فيها الانتخابات الأخيرة والدلالات المرتبطة بنتائجها في الآتي:

1- ظلال جائحة كورونا: جرت الاستحقاقات المغربية في مناخ خاص، سمته التداعيات التي فرضتها أزمة فيروس كورونا على المستويين الدولي والداخلي، حيث تراجعت الاستثمارات الدولية وتأثر قطاع السياحة بشكل غير مسبوق، فيما تزايدت المعضلات الاجتماعية، وما فرضه ذلك على الأحزاب من بلورة برامج أكثر واقعية والتصاقاً باحتياجات المواطنين، سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي والسياسي.

 وأخذاً بعين الاعتبار لمتطلبات التباعد الاجتماعي والتدابير الصحية التي فرضتها السلطات المختصة في المغرب، تميزت الحملة الانتخابية بتوظيف واسع لشبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية، سواء على مستوى الاتصال بالناخبين أو طرح برامج وتصورات الأحزاب بصدد عدد من القضايا. 

2- ارتفاع نسبة المشاركة: تميزت نسبة المشاركة في الانتخابات المغربية التي جرت خلال السنوات الماضية بالضعف، وهو ما أثار الكثير من الأسئلة حول دوافع وانعكاسات ذلك، فالأمر يتعلق برسالة من المواطن إلى الأحزاب السياسية ومختلف الفاعلين بضرورة تطوير الأداء والتواصل الفعال مع الشارع، والوجود في عمق المجتمع، فيما حذر البعض من أن هذا الضعف يفرغ العملية الانتخابية من أهميتها ويتيح استخدام وسائل غير مشروعة في استمالة الناخبين، بل ويكرس الفساد، ويساهم في ترويج الخطابات المتشددة التي تتنكر للعمل السياسي والمؤسساتي. 

وشهدت المشاركة الشعبية في انتخابات 8 سبتمبر الجاري ارتفاعاً ملحوظاً، مقارنة مع التجارب السابقة، حيث تجاوزت نسبتها 50%، وهو ما يمكن إرجاعه إلى اعتبارات عدة، من قبيل اعتماد مجمل الأحزاب على خطابات وبرامج أكثر واقعية والتصاقاً بآمال وآلام المواطن، علاوة على إرساء خطط تواصلية أكثر نجاعة، ما أتاح لفئة الشباب المشاركة بشكل مكثف.

3- نتائج غير متوقعة: بالرغم من وجود مؤشرات تدل على إمكانية تراجع حزب العدالة والتنمية الإسلامي في هذه الانتخابات لاعتبارات موضوعية، مرتبطة بضعف الأداء وبعوامل داخلية أخرى، فإن الأرقام التي أعلنتها وزارة الداخلية المغربية في هذا الخصوص والتي تدحرج معها الحزب من الصف الأول خلال الولايتين التشريعيتين الأخيرتين، إلى المرتبة الثامنة بـ 13 مقعداً فقط، كانت صادمة، خاصة أن عدداً من قادة هذا الحزب كانوا يتوقعون بثقة عالية حصوله على غالبية الأصوات، والاستمرار في قيادة الحكومة المغربية.

وما يثير الدهشة هو أنه في الوقت الذي تعرض فيه حزب العدالة والتنمية لانتكاسة غير مسبوقة في المشهدين السياسي والحزبي المغربي، حقق حزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان ضمن التحالف الحكومي، تقدماً كبيراً فاز بموجبه بالمرتبة الأولى، وبالتالي الاستئثار بقيادة الحكومة الجديدة.

4- منطق التداول السلمي للسلطة: بين خطاب "التشفّي" الذي أطلقته مجموعة من الأطراف والقوى السياسية التي تختلف مع مرجعية حزب العدالة والتنمية وتصوراته وبرامجه، أو تلك التي كانت ضحية لسياساته على المستويين المحلي والوطني لسنوات، وخطاب "المظلومية" الذي ترفعه قيادات الحزب كسبيل للتنصل من المسؤولية والتنكر للعوامل الموضوعية التي أسهمت بشكل واضح في هذا التراجع بالرغم من استقالة الأمانة العامة للحزب في أعقاب الإعلان عن النتائج، متذرعة في ذلك بتوظيف المال والسلطة تارة، وبعدم تسليم المحاضر المتعلقة بمكاتب التصويت؛ في ضوء كل ذلك يمكن القول إن خطاب "الضحية" لم يعد مقنعاً، إذا استحضرنا أن حزب العدالة والتنمية ظل يحصل على مرتبة متقدمة في الانتخابات التشريعية السابقة ومتربعاً على قيادة العمل الحكومي لولايتين متتاليتين.

وبالتالي فإن المبالغة في الثقة بالنفس إلى حد الغرور، وفي استحضار منطق المؤامرة التي تستهدف حزب العدالة والتنمية، وتجاهل الأسباب الموضوعية للسقوط؛ من شأنهما أن يفاقما أوضاع حزب العدالة والتنمية. 

عموماً، وبغض النظر عن الفائز أو الخاسر في هذه العملية الانتخابية التي تجسد روح الممارسة الديمقراطية والتعددية السياسية والحزبية التي تطبع المشهد السياسي المغربي، فقد تبين أن الفائز الأكبر في هذه الانتخابات هو التداول السلمي للسلطة، بعيداً عن أية سلوكيات من شأنها إفراغ العملية الديمقراطية من مدلولها، ومنح قوى حزبية بعينها ذرائع لترويج خطابات المؤامرة والمظلومية من جديد.

أسباب السقوط:

تعددت العوامل التي ساهمت في سقوط حزب العدالة والتنمية بالصورة التي عبرت عنها صناديق الاقتراع يوم 8 سبتمبر الجاري، ففي الوقت الذي يتحدث فيه بعض قادة الحزب عن وجود تلاعبات وتدخلات مست العملية الانتخابية، يطرح الكثير من الباحثين والمهتمين عدداً من العوامل المتراكمة التي يتجاهلها هذا الحزب، وعلى رأسها محك التدبير الحكومي، ووجود مشاكل داخلية، علاوة على القوة التنافسية التي ظهرت بها بعض الأحزاب السياسية الأخرى.. وغيرها من العوامل التي يمكن توضيحها على النحو التالي:


1- محك العمل الحكومي: منذ حصوله على المرتبة الأولى في انتخابات 2011 التشريعية، طُرحت الكثير من الأسئلة حول مدى نضج حزب العدالة والتنمية بمرجعيته ومراجعاته وأطره وقدرته على ولوج تدبير السياسات العمومية بقدر من الكفاءة والاحترافية، خاصة بعد تشكيل تحالف حزبي من توجهات يسارية ويمينية مختلفة.

 وجدير بالذكر أن تولي الحزب زمام قيادة العمل الحكومي في المغرب جاء في مرحلة إقليمية ووطنية حبلى بالتحديات والإشكالات، حيث اندلعت الكثير من الاحتجاجات والتظاهرات التي رُفعت خلالها الكثير من المطالب.

وحاول حزب العدالة والتنمية الظهور في بداية الأمر بمظهر المدافع عن الطبقات الضعيفة، والحريص على تخليق الحياة العامة، قبل أن يتبنى قرارات وقوانين "غير شعبية"، مست جيوب المغاربة، وأثّرت بشكل سلبي على وضعية الطبقة المتوسطة، كما هو الأمر بالنسبة لرفع سن التقاعد، فيما تم الترويج لخطاب "عفا الله عما سلف" في مواجهة ناهبي المال العام، وعدم اعتماد الصرامة بصدد عدد من الملفات، مثل المحروقات، مع تبني خطابات معارضة من داخل الحكومة.

وعموماً، كانت الحصيلة الحكومية في التجربتين السابقتين لحزب العدالة والتنمية، دون طموحات المواطن المغربي، ودون مستوى الهامش الذي أتاحه دستور 2011 للسلطتين التشريعية والتنفيذية. 

2- تراكم المشاكل الداخلية: منذ فشل عبدالإله بنكيران، الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، في تشكيل تحالف حكومي في أعقاب الانتخابات التشريعية لعام 2016، وما تلا ذلك من مشاورات صعبة مع عدد من زعماء الأحزاب السياسية، وتكليف سعد الدين العثماني، الذي تمكن بعد أكثر من 5 أشهر من الانتظار من جمع تحالف حكومي بتشكيلة ظلت غير منسجمة، يعيش حزب العدالة والتنمية على إيقاع الخلافات الداخلية التي تأرجحت بين تثمين موقع الحزب داخل الأغلبية وتزكية العثماني في منصبه الجديد، انطلاقاً من "تغليب مصلحة الوطن على مصلحة الحزب"، من جهة، وبين من اعتبر في الأمر تضييقاً على الحزب وعلى زعيمه بنكيران، ودعا إلى الاصطفاف إلى جانب المعارضة حفاظاً على ماء الوجه، وحرصاً على شعبية الحزب من جهة أخرى.

وقد ظهرت تلك الخلافات بشكل جلي مع انتقال عدد من أعضاء حزب العدالة والتنمية إلى أحزاب أخرى، فيما لم يرشح الحزب عدداً من رموزه. وقد لاحظ الكثير من المراقبين أن حملة الحزب الأخيرة، بدت باهتة ولم تكن كسابقاتها، حتى أن القائمين عليها لم يختاروا شعاراً لها. ويبدو أن عدم مواكبة بنكيران لهذه الحملة بتدخلاته وخطاباته المؤثرة والتي لا تخلو من لغة شعبوية، كان لها تأثير كبير في هذا الخصوص.

3- منافسة حزبية قوية: استطاعت مجموعة من الأحزاب السياسية أن تعود بقوة إلى الواجهة في السنوات الأخيرة، ومنها حزب الأصالة والمعاصرة الذي لم يخف قادته منذ ظهوره عام 2008 أنهم جاؤوا لمواجهة المشروع المحافظ الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، وحرصوا على توجيه مجموعة من الانتقادات للأخير وحكوماته السابقة. كذلك الأمر بالنسبة لحزب الاستقلال الذي سبق وانسحب من التحالف الحكومي الذي قاده حزب العدالة والتنمية في تجربته الأولى، وواكب الأداء الحكومي في السنوات الأخيرة بنقد هادئ بعيد عن الشعبوية. والأمر نفسه بالنسبة لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي كان ضمن التحالف الحكومي السابق، لكنه تمكن في الآونة الأخيرة من تنظيم صفوفه، وتعزيز حضوره عبر مجموعة من اللقاءات والأنشطة الحزبية.

وفي الوقت الذي كان فيه أداء حزب العدالة والتنمية ضعيفاً من ناحية التواصل الانتخابي، قادت تلك الأحزاب حملتها الانتخابية بشكل مكثف وأكثر تنظيماً، وطرحت برامج حاولت الوقوف فيها على عدد من الاختلالات المطروحة، كما وعدت الناخبين بتجاوزها، خاصة على مستوى دعم الفئات الفقيرة، وتوظيف الشباب، وجلب الاستثمارات، والاهتمام بالعالم القروي/الريفي.

4- تنصل الجناح الدعوي: في سياق المراجعات التي راكمها حزب العدالة والتنمية، ظل الأخير يؤكد حرصه على الفصل بين العمل الحزبي والنشاط الدعوي الذي يتجسد في حركة التوحيد والإصلاح، وهو ما صدر في كثير من المناسبات عن قيادات من الجانبين. وقد أرجع البعض فشل حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الأخيرة، في أحد جوانبه، إلى عدم تعميم الحركة بلاغات تدعو من خلالها إلى التصويت لصالح الحزب، كما كان الأمر في انتخابات 2016.

وبمراجعة الموقع الإلكتروني لحركة التوحيد والإصلاح، فإنه لا يتضمن أي دعاية لحزب العدالة والتنمية، ويعتقد البعض أن توقيع العثماني على الإعلان المشترك مع الولايات المتحدة وإسرائيل لاستئناف العلاقات مع هذه الأخيرة، مثّل أحد العوامل التي عمقت الخلاف بين الحزب والحركة التي تؤكد في موقعها على رفض العلاقات مع إسرائيل، وجعلتها تنأى بنفسها عن أي دعم أو تعبئة لصالح الحزب خلال هذه الاستحقاقات، ما جعله يتلقى نتائج هزيلة حتى في المدن والمناطق المعروفة بوفائها للحركة والحزب الإسلاميين.